وجهة نظر: مستشار وخياط وبومة

نشر في 19-11-2021
آخر تحديث 19-11-2021 | 00:04
 صالح غزال العنزي وظيفة المستشار من الوظائف الأساسية التي تدخل ضمن احتياجات القيادة الناجحة، وقد يكون المستشار شخصاً وهو الغالب أو مؤسسة متكاملة تجمع أرباب السياسة والفكر والاقتصاد، كما هو مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن ذو التأثير الشديد في صناعة القرار الأميركي، والذي يحلم حكام ورؤساء الحكومات من مختلف الدول أن يقفوا على منصة مسرحه لإلقاء كلمة فقط، لاعتقادهم بالمكاسب الشخصية التي ستتحقق والشرف العظيم الذي سينالونه.

وقد ذكر بعض الشهود على عصر شاه إيران محمد رضا بهلوي أنه كان يلتفت كثيراً في خطاباته المحلية إلى شخص ضئيل الجسم كبير السن يقف خلفه هو الدكتور شريعة مداري ليستمع إلى بعض الكلمات التي يهمسها بأذنه أثناء الخطاب، ثم يعود لإكمال خطابه، حيث قيل إن الأب رضا بهلوي أوصى ابنه الشاه في الاحتفاظ بهذا المستشار وتقديره، وأخذ رأيه في كل الشؤون المحلية لخبرته الواسعة ونصحه الصادق، ويقال أيضاً إن الرئيس العراقي الحالي برهم صالح لا يقطع رأياً إلا بعد استشارة (العم) شيخ كنجي المعارض الأقدم المرافق لـ(مام جلال) ورئيس الكتلة الكردية السابق في البرلمان العراقي.

ولعل هذا النوع من المستشارين الكبار يؤثرون في صناعة القرار بشكل واضح إذا وجدوا من يقدّر كفاءتهم، وهم الفئة الأهم في فريق الحاكم أو الحكومة، لكنهم ندرة وبحاجة إلى من يكتشفهم أو يعيد اكتشافهم وتقديرهم، وقد يكون زهد الحكومات الشمولية بهذا النوع من المستشارين نتيجة سوء تقدير لأهميتهم أو للإحساس بالنقص أمامهم أو لأن البعض يرغب في مستشار يجيد التضييق لا ينال التصفيق.

ولذلك فإن الحكومات الشمولية تميل إلى ما يمكن تسميته (المستشار الخياط)، وهم نوع من الموظفين الذين بإمكانهم تفصيل قوالب إدارية أو قانونية أو سياسية تتناسب مع الأفكار التي يطلب منهم تكييفها وتسويقها والترويج لها، وبإمكانهم تقديم استشارات تقوم على قاعدة إثبات الولاء لا إثبات الكفاءة، وقد لا يحظى هذا الخياط بالتقدير الرسمي المطلوب باعتباره يبيع استشارات لا أكثر، ولا يحظى كذلك بالتقدير الاجتماعي لأنه يملك عقلاً للإيجار لا الاستخدام الشخصي، حيث يبقى دوره تفصيل الثوب المناسب لنظرية المسؤول التي قد تكون من نوع أن الخروف يبيض والقرد كان في الأصل زرافة.

غير أن أسوأ أنواع المستشارين هو (البومة)، وهو نوع من الذين لا يعرفون من أين جاؤوا ولا إلى أين هم ذاهبون، فصديق القيادي أو قريبه أو (من يعز عليه) يصبح مستشاراً بلا مؤهلات، فيتم تمهيد العقبات التي تواجه تعيينه بمكالمة هاتفية مليئة بالرجاء والوعود أو لقاء و(حبة خشم)، وبسبب هؤلاء البومات أو البُوَمْ تغرق السفن بلا عاصفة وتنهار المباني بلا زلزال وتغرق الشوارع بلا مطر.

لكن من الظلم تحميل هؤلاء المستشارين مسؤولية خراب الدول، فالبومة لا تسكن إلا الخرائب، ولولا أنهم وجدوها خرائب لما صاروا مستشارين، ولذا فإن تعيين المستشار البومة مرحلة لاحقة للخراب لا سابقة له، ورسالة للشعوب أن دولهم قد نخرها الخراب قبل أن تعتلي جدرانها البومة.

صالح غزال العنزي

back to top