خطة احتياطية للتعامل مع إيران

نشر في 05-11-2021
آخر تحديث 05-11-2021 | 00:00
لحظة توقيع الاتفاق النووي في 2015 بين أميركا وطهران والدول الأوروبية الخمس
لحظة توقيع الاتفاق النووي في 2015 بين أميركا وطهران والدول الأوروبية الخمس
تثبت التطورات المتلاحقة في الفترة الأخيرة أن أي اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران لن يرتكز على إعادة إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولا شك أن إطلاق مفاوضات سريعة حول أي اتفاق جديد سيكون محفوفاً بالمخاطر على المدى القصير.
طرح جو بايدن، حين كان مرشحاً للرئاسة الأميركية، استراتيجية مؤلفة من جزأين لاحتواء برنامج إيران النووي:

أولاً، قيل إن إدارته ستقترح العودة إلى «الامتثال المتبادل» ببنود الاتفاق النووي المبرم في عام 2015.

ثانياً، كانت واشنطن ستطلق مفاوضات جديدة مع طهران بناءً على اتفاق «أقوى وأطول» يكون بديلاً عن الاتفاق الأصلي.

حين أعلن بايدن هذه السياسة افترض الكثيرون أن الخطوة الأولى ستكون أبسط جزء من الخطة، لقد تصدّع الاقتصاد الإيراني نتيجة حملة «الضغوط القصوى» التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، مع أن هذه المقاربة لم تحصد الدعم من شركاء واشنطن. كذلك بدا وكأن انتهاكات طهران للاتفاق، مهما كانت مشينة، تهدف إلى ترك المجال مفتوحاً للعودة إلى الاتفاق النووي، لكن أثبتت الأحداث اللاحقة أن هذا التحليل تفاؤلي أكثر من اللزوم، حيث طرحت إيران مطالب مستحيلة خلال المفاوضات المرتبطة بتجديد الاتفاق النووي، فحاولت تخفيف العقوبات المفروضة عليها بما يتجاوز العتبة المذكورة في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لكنها لم تلتزم في المقابل بكبح نشاطاتها النووية التي تنتهك بنود الاتفاق.

في أي نوع من المفاوضات، يقارن كل طرف الاتفاق المقترح بأفضل خيار بديل، ويثبت تعنّت إيران خلال المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» في فيينا أن الحسابات التي ارتكزت عليها طهران في عام 2015 تغيرت، فقد كانت تعتبر حينها الاتفاق النووي أفضل من استمرار الضغوط الاقتصادية، ويعكس هذا الموقف على الأرجح تراجع أهمية اتفاق العام 2015 بالنسبة إلى حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي المتطرفة وتفضيلها خيارات أخرى بديلة قد تفيد إيران.

يبدو أن طهران استنتجت من أحداث آخر أربع سنوات أن تخفيف العقوبات لن يُطبَّق بالشكل الذي توقعته لأن الشركات الأجنبية ترددت في العودة إلى إيران حين كان الاتفاق النووي ساري المفعول، وكان يسهل على الولايات المتحدة أن تبطل الاتفاق بشكلٍ أحادي الجانب في عام 2018. ربما يشكك رئيسي أيضاً باستعداد إدارة بايدن لفرض العقوبات في ظل غياب أي اتفاق واضح، وهو يعوّل على توسّع العلاقات بين إيران والصين للتصدي للضغوط الاقتصادية الأميركية.

بعبارة أخرى، قد يظن المسؤولون الإيرانيون أن تجديد الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة يبقى أقل منفعة من الخيارات البديلة، فقد يتمكن بايدن من تغيير حسابات القادة الإيرانيين من خلال تطوير خطة احتياطية جديرة بالثقة لتكثيف العواقب المترتبة على إيران إذا أصرّت على رفض المبادرات الدبلوماسية وتوسيع نشاطاتها النووية.

يجب أن تتعلم إدارة بايدن من تجاربها الماضية إذا أرادت أن تُضعِف الخيارات البديلة التي تعوّل عليها إيران، ففي المقام الأول، يُفترض أن تثبت الولايات المتحدة أن إيران ستواجه عواقب حتمية بعد موقفها غير المنطقي خلال محادثات فيينا، حيث أصرّت على رفع العقوبات عنها بما يتجاوز العتبة التي يحددها الاتفاق النووي وطالبت بتلقي ضمانات لمنع الإدارات الأميركية المستقبلية من الانسحاب مجدداً، وإذا استمر هذا العناد الإيراني، يجب أن تقوي إدارة بايدن العقوبات الاقتصادية القائمة وتوسّع نطاقها.

لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تؤكد إدارة بايدن التزامها بتقوية العقوبات التي فرضها فريق ترامب على إيران وسد الثغرات التي خلّفها نظام العقوبات في السنوات الأخيرة، أبرزها بيع النفط الإيراني إلى الصين. زادت عمليات البيع هذه بدرجة فائقة في عام 2020 ويقال إنها أصبحت أكثر سهولة بفضل مناورات خادعة مثل النقل عبر البحر، وكان مسؤولون أميركيون قد حذروا من اقتراب تشديد العقوبات، لكن من المتوقع أن تزداد صعوبة هذه الخطوة نتيجة المخاوف المرتبطة بردة فعل إيران والأولويات المتضاربة في العلاقات الأميركية الصينية المتوترة.

يجب أن تستعد إدارة بايدن أيضاً لاحتمال ألا تكون الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية كافية لمنع قادة إيران من تصنيع أسلحة نووية، فقد سبق أن أثبت المسؤولون في طهران أنهم لا يمانعون أن يواجه بلدهم مصاعب اقتصادية فائقة لإحراز التقدم النووي المنشود، ونتيجةً لذلك، يجب أن توجّه الولايات المتحدة رسالة واضحة وتؤكد استعدادها للتفكير بخيارات مختلفة، كأن تطلق ضربة عسكرية لمنع إيران من صنع سلاح نووي.

من المبرر أن تتردد إدارة بايدن في اتخاذ هذا النوع من الخطوات، فلا يريد الديموقراطيون ولا الجمهوريون خوض صراع عسكري آخر في الشرق الأوسط، ويشعر البيت الأبيض على الأرجح بالقلق من احتمال أن ترفض الإدارة الإيرانية الجديدة والمتطرفة التواصل الدبلوماسي بسبب هذه التهديدات، لكن قد يعطي الردع العسكري الأميركي ثلاثة منافع تستحق العناء:

أولاً، تحمل هذه المقاربة رسالة واضحة إلى إيران مفادها أن تصنيع سلاح نووي لن يكون مكلفاً فحسب بل مستحيلاً.

ثانياً، سيحصل شركاء واشنطن في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية أو إسرائيل، على التطمينات التي يريدونها كي لا يضطروا للتحرك ضد إيران أو يحاولوا اكتساب قدرات نووية خاصة بهم.

ثالثاً، من الطبيعي أن يفكر أي رئيس أميركي، بغض النظر عن انتمائه الحزبي، بإطلاق تحرك عسكري إذا تلقى معلومات استخبارية عاجلة وجديرة بالثقة حول نية إيران تصنيع سلاح نووي لأن هذا النوع من التهديدات يطرح خطورة كبيرة على الأمن القومي الأميركي.

من الأفضل إذاً أن تفهم إيران عواقب هذا القرار بدل أن تسيء احتساب المخاطر وتطلق صراعاً غير مدروس ضد الولايات المتحدة.

يتعلق التحدي الحقيقي بإثبات جدّية التهديد بإطلاق تحرك عسكري فيما تنفّذ الولايات المتحدة تحولاً استراتيجياً منتظراً منذ وقت طويل للابتعاد عن الشرق الأوسط والتوجه نحو آسيا، فمن المعروف أن الخطر الذي تطرحه إيران على الأمن القومي الأميركي حقيقي، لكنه لا يُقارَن بالتحديات التي تفرضها دول عدائية ونووية مثل الصين وروسيا، وللحفاظ على مصداقية التهديدات الأميركية، لا بد من متابعة التحرك حين تستهدف إيران وعملاؤها المصالح الأميركية، لكن بدل أن تترافق الردود الأميركية مع سحب معدات ثقيلة من مناطق أخرى، منها حاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ طويلة المدى، يجب أن تعمل الولايات المتحدة بكل ثبات لتقوية حلفائها وزيادة قدرتها على التصدي للتحركات الإيرانية المحتملة، كذلك، ستترسخ المصداقية الأميركية حتماً إذا أكدت واشنطن التزامها بشؤون المنطقة، تزامناً مع توضيح شكل الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط رغم زيادة التركيز على آسيا.

نحو تحسين الاتفاق النووي

يُفترض ألا تكون الخطة الاحتياطية الخاصة بالتعامل مع إيران مرادفة للتخلي عن الجهود الدبلوماسية، لأن الخيارات البديلة التي تملكها إيران لن تتلاشى إلا إذا طُرِح اقتراح دبلوماسي قوي آخر، ويجب أن تُركّز إدارة بايدن إذاً على استبدال «خطة العمل الشاملة المشتركة» بدل إعادة إحيائها، لأن تجديد الاتفاق المبرم في عام 2015 لن يرضي الولايات المتحدة أو إيران على المدى الطويل، فقد سبق أن دعت طهران إلى إطلاق النقاشات حول اتفاق جديد بالكامل حين طالبت بإحداث تعديلات كبرى لمنع الولايات المتحدة من الانسحاب مجدداً، وذكر بايدن أيضاً أن هدفه النهائي يتعلق بالتفاوض على اتفاق أكثر قوة، بدل الاكتفاء بإعادة إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولا مفر من انهيار الاتفاق في حال تجديده إذا عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض في المرحلة المقبلة.

لكن المفارقة تكمن في عدم قدرة إدارة بايدن على عرض اتفاق «أفضل» على إيران إلا عبر إلحاقه باتفاق دبلوماسي يفرض مطالب إضافية على طهران ويستطيع حصد الدعم من الحزبين الجمهوري والديموقراطي لجعله قابلاً للاستمرار، وقد يكون هذا الاتفاق على شكل نسخة مدعّمة من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ويهدف إلى توسيع القيود النووية المفروضة على إيران وكبح نشاطاتها الصاروخية، كذلك، دعا المسؤولون في إدارة بايدن ومنتقدو «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى إدراج المسائل الإقليمية، مثل العراق أو اليمن، في هذه المفاوضات، لكن يجب أن تفكر واشنطن ملياً قبل التفاوض حول هذه المسائل مع طهران، أو مع موسكو وبكين، ومن الأفضل التعامل مع هذه الملفات بطريقة منفصلة، أي عبر إشراك مجموعة مختلفة من الفرقاء في كل مرة.

على صعيد آخر، تستطيع الولايات المتحدة أن تضع «خطة العمل الشاملة المشتركة» جانباً وتطبّق نموذجاً مختلفاً بالكامل، إذ يقضي أحد الخيارات المحتملة بعقد اتفاق مشابه لاتفاقيات الحد من التسلح، حيث تنتهي صلاحية الواجبات المطلوبة من الطرفين بعد فترة زمنية محددة ما لم يتم إبطال الاتفاق، وسيكون هذا الترتيب أفضل من «خطة العمل الشاملة المشتركة» حيث تتخلى إيران عن واجباتها تدريجاً فيما تبقى واجبات واشنطن وشركائها على حالها مهما حصل، وقد يجازف إقرار أي معيار دبلوماسي جديد بإلغاء اتفاق يحصد دعماً دولياً واسعاً، لكنه سيسمح للولايات المتحدة وإيران بالتخلص من الأعباء التي رافقت الجدل المرتبط بالاتفاق النووي في السنوات الأخيرة.

في نهاية المطاف، قد لا يكون التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران ضرورياً، فإذا كانت عواقب توسيع برنامجها النووي قوية وواضحة بما يكفي، يمكن ردع إيران من دون الحاجة إلى اتفاق مماثل، لكن يُفترض أن يبقى الاتفاق الخاضع للتفاوض الهدف المفضّل في السياسة الأميركية لأن الاتفاق القوي قادر على تقليص مظاهر الفوضى والحسابات الخاطئة التي تنجم عن سياسات الاحتواء والردع.

لكن تثبت التطورات المتلاحقة في الفترة الأخيرة أن أي اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران لن يرتكز على إعادة إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولا شك أن إطلاق مفاوضات سريعة حول أي اتفاق جديد سيكون محفوفاً بالمخاطر على المدى القصير، لكن إذا حرصت إدارة بايدن على حصد دعم محلي ودولي لجهودها، فقد تتمكن من تحقيق نتيجة أكثر نجاحاً واستدامة على المدى الطويل.

مايكل سينغ – فورين أفيرز

إذا كانت عواقب توسيع برنامج إيران النووي قوية وواضحة بما يكفي فإنه يمكن ردعها من دون الحاجة إلى اتفاق مماثل للسابق

المسؤولون في إدارة بايدن ومنتقدو «خطة العمل الشاملة المشتركة» دعوا إلى إدراج المسائل الإقليمية مثل العراق واليمن في المفاوضات الجديدة مع طهران
back to top