«الأوروبي» عالق مع بولندا وبريطانيا تدعم الطرف الخطأ!

نشر في 03-11-2021
آخر تحديث 03-11-2021 | 00:00
 الغارديان يُفترض أن تشهد المرحلة الراهنة انتصاراً لقيم "التنوير الأوروبي" التي تجسدت بكل وضوح عبر القدرة المدهشة على تسليم لقاحات مضادة لفيروس "كوفيد 19" خلال 12 شهراً، حيث يتماشى مبدأ "جرأة المعرفة" الذي تكلم عنه إيمانويل كانت لابتكار علوم لامعة مع مبادئ تحمّل الاختلافات وفرض الحُكم الرشيد بناءً على فصل السلطات بين الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية، هذه المبادئ هي أساس حُكم القانون، كما أنها شروط مسبقة للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي ولطالما كرّستها المعاهدات الأوروبية. لكن تفرض الحكومة البريطانية على طالبي الجنسية أن يعتبروا حُكم القانون، والمبادئ الكامنة وراءه، جزءاً من القيم البريطانية العليا، حيث تواجه مبادئ "التنوير" هذه تحديات كبرى في كل مكان.

وفي حين يفكّر وزير العدل البريطاني، دومينيك راب، بخطوة قادرة على تجاوز استقلالية القضاء البريطاني وكبح الحريات من خلال منح الوزراء صلاحية تغيير أحكام القضاة إذا اعتبروها "خطأ"، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام أزمة حقيقية بسبب حُكم القانون، ويبدو أن الحكومة البولندية تقوم بما يفكر به راب، حتى الآن على الأقل.

في قضية طرحها رئيس الوزراء البولندي، أصدرت المحكمة العليا في بولندا، في وقتٍ سابق من الشهر الماضي، حُكماً مفاده أن التحديات القانونية المبنية على قانون الاتحاد الأوروبي الوارد في معاهدات الاتحاد تُعتبر مرفوضة دستورياً، بما في ذلك التحديات المفروضة على الحكومة عند تأديب القضاة بسبب أحكامهم "المغلوطة" والحد من استقلاليتهم، مما يعني إقرار سياسات تؤيّد البيانات المعادية للمثليين، أو تنكر التغير المناخي، أو تحدّ من حرية الصحافة.

ربما وقّعت بولندا على معاهدات الاتحاد الأوروبي التي تنصّ على مبادئ متعلقة بفصل السلطات وحُكم القانون، لكن إذا اعتُبِرت تلك المعاهدة غير صالحة دستورياً، فقد يصبح المواطنون البولنديون أعضاءً من الدرجة الثانية في الاتحاد الأوروبي، وسيُحرَم المواطنون البريطانيون من صلاحياتهم أيضاً إذا قرر وزير العدل دومينيك راب ورئيس الوزراء بوريس جونسون ابتكار آليات لتأديب القضاة بسبب أحكامهم "المغلوطة"، لكن لا يمكن الاتكال هذه المرة على الاتحاد الأوروبي لإنقاذ البريطانيين.

يوم الأربعاء الماضي، فرضت محكمة العدل الأوروبية غرامة يومية بقيمة مليون يورو على المحكمة العليا البولندية لأنها لم تحلّ مجلسها التأديبي، وبما أن المحكمة العليا نفسها اعتبرت ذلك المجلس قانونياً، لا تبدو أي تسوية وشيكة ويُفترض ألا تُعقَد تسوية مماثلة أصلاً، بل يجب أن يفوز الاتحاد الأوروبي بهذه المعركة.

في خضم هذه المعمعة كلها، يتكل رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز مورافيكي، على داعم واحد في أوروبا: بوريس جونسون، وتدعم بريطانيا قضية بولندا، مما يعني أنها تؤيّد استقلالية الدستور الوطني في وجه طموحات بروكسل الإمبريالية، وربما يأمل جونسون أن يتنازل الاتحاد الأوروبي خوفاً من انسحاب بولندا منه.

لكن يسيء جونسون بهذه الطريقة الحُكم على حجم الإجماع في الاتحاد الأوروبي ومدى تعلّقه بمبادئ عصر التنوير، ويُفترض أن يراجع جونسون مواقفه لأن حليفه الجديد يندد بـ"فكر المثليين"، وينكر التغير المناخي، ويريد منع الإجهاض، ويتصدى لحرية الصحافة، ويحمل آراءً عنصرية ضد المهاجرين، ويتعاطف مع معارضي تلقي اللقاحات، فعملياً يجب أن يدرك جونسون أن مورافيكي يناضل لضمان مستقبله السياسي، حيث بدأت قاعدته في أوساط الكاثوليك المحافظين في جنوب شرق بولندا تنكمش بكل وضوح تزامناً مع نمو المدن الليبرالية، كذلك تنتشر احتجاجات متزايدة لتأييد الاتحاد الأوروبي في الشوارع، وأدت كارثة "بريكست" الحتمية إلى انهيار الحجج التي تعارض الاتحاد الأوروبي، لذا سيكون أي تهديد بالانسحاب انتحارا اقتصاديا وسياسيا.

باختصار، يدعم جونسون الجهة الخاسرة في هذه المعركة، وقد يبدو المشروع اليميني المتطرف الذي يقضي بكبح الحريات لسن تشريعات محافِظة بامتياز وانتهاك بنود المعاهدات جاذبة بالنسبة إلى قاعدة معينة من الناخبين، لكنه طرح مرفوض في كل مكان.

من الواضح أن الاتحاد الأوروبي سيتمسك بموقفه، ففي بريطانيا كان لافتاً أن يعلن "مكتب مسؤولية الميزانية" الأسبوع الماضي احتمال أن تُكلّف خطة "بريكست" البلد ضعف الناتج المفقود الدائم الذي سبّبته أزمة كورونا، مما يُمهّد لنشوء حقبة جديدة من الاقتصاد الذي يفتقر إلى النمو، وأدت خطة "بريكست" إلى ضرب تجارة البلد بأسوأ الطرق، لكن تبقى بريطانيا في جوهرها دولة قائمة على مبادئ عصر التنوير.

يجب أن ندعم إذاً أفضل الجهات في أوروبا بلا تردد، بدل المشاركة في مهاجمة قيمنا وقناعاتنا الجوهرية، فلا يؤيد معظم البريطانيين هذا التوجه، ولن يكون التحفظ المفرط أداة للفوز بأصوات الناخبين، ولا مفر من كبح هذه النزعة في نهاية المطاف إذا أصرّ مؤيدو "بريكست" على مواقفهم.

● الغارديان - ويل هاتون

back to top