في الحوار والمصالحة الوطنية... ماذا لدى النواب ليقدموه؟

نشر في 12-10-2021
آخر تحديث 12-10-2021 | 00:07
المصالحة في معناها المطلق هي إنهاء أو حل الخلاف بين طرفين متخاصمين أو تقريب وجهات النظر بينهما لمصلحة مشتركة منتظرة لكليهما، ومقابل ذلك مطلوب من كل طرف الاستعداد للتنازل عن جزء مما لديه، أما إذا كان التنازل من أحدهما فقط فلن تتم هذه المصالحة وستفشل.
 يوسف الشايجي يفترض في الحوار الوطني الدائر بين الحكومة والمجلس أن يكون خطوة أولى يترتب عليها في حال نجاحها الوصول إلى المصالحة الوطنية التي هي مطلب وأمنية الجميع، وللوصول إلى تلك النتيجة هناك عدد من المتطلبات، ولكن وقبل ذلك هناك بعض الملاحظات على الحوار الجاري:

الملاحظة الأولى

وهي حول التمثيل في الحوار، فالحكومة ممثلة برئيسها واثنين من الوزراء، ومجلس الأمة ممثلا برئيسه وأربعة نواب أحدهم مستقل وثلاثة من كتلة الـ31، اثنان من هؤلاء النواب الثلاثة يمثلون مجموعة الـ6نواب المنتمية إلى الكتلة والمنضمة لها واثنان ممثلان عن الديوان الأميري، ومع كامل التقدير لشخوص جميع المشاركين في هذا الحوار فالواضح للوهلة الأولى من تشكيل نواب كتلة الـ31 أنهم لا يمثلون الكتلة تمثيلاً دقيقاً لأنه من حيث النسبة والتناسب لا يمكن أن يمثل مجموعة الـ6 التي هي جزء من الكتلة نائبان بنسبة (66.6٪) وباقي كتلة الـ31 وهم الـ25 نائباً يمثلهم نائب واحد بنسبة (33.3٪) هذا في المفهوم الرياضي ولغة الأرقام التي لا تخطئ، وتأكد هذا من خلال بيان 6 من نواب الكتلة يرفضون هذا التمثيل والمشاركة في الحوار من الأساس.

الوقوف عند هذا التشكيل النيابي وبالتفصيل الرقمي يوصلنا إلى نتيجة أولية بعدم الحرص على وجود تمثيل حقيقي ودقيق للنواب سيؤثر سلباً في نتائج هذا الحوار فيما لو خرج بمجموعة توافقات على عدة قضايا التزم بها حضور الحوار من الحكومة والنواب، فلن يكون هناك ما يلزم باقي النواب به، قد يقبل به عدد منهم وسيرفضه البقية ممن وقعوا على البيان سالف الذكر ومن يؤيدهم ويتفق معهم، ففي النهاية سيكون الالتزام بمخرجات هذا الحوار شخصياً في من حضره من النواب والرئيس، أما باقي النواب فسيكون اختيارياً لهم، وفي هذا إضعاف للحوار ومجرياته ونتائجه حيث سيلتزم به طرف الحكومة بكامل أعضائها، ولن يلتزم به الطرف الآخر (المجلس) بكامل أعضائه، وقد يسعى الرافضون تعبيراً عن رفضهم للحوار ونتائجه إلى إفساد وتخريب هذا الاتفاق، ولن يصل هذا الحوار إلى النتائج المأمولة والمرجوة منه، هذه ملاحظة أولى.

الملاحظة الثانية

من المعروف وكما يتردد بأن الحكومة هي الطرف الأثقل أو الأقوى في الحوار نظراً لما تمتلكه من أدوات عديدة، وكما يصور البعض الوضع بعدم تكافؤ في القوى بين الطرفين وميزان القوى يصب لمصلحتها، وأن النواب لا يملكون شيئاً مقابل تلك القوة، وعليه فإنهم يحمّلون الحكومة كل أسباب نجاح أو فشل ذلك الحوار، فإذا سلمنا بصحة هذه المقولة فمعنى ذلك أن جميع ما سيتمخض عنه هذا الحوار من اتفاقات أو نتائج سيقع على كاهل الحكومة وحدها لتنفيذه، وفي المقابل غير مطلوب من النواب أي التزام أو دور أو عبء لإنجاح الحوار، وهذه النتيجة تتفق مع ما أشرنا إليه في البداية من ملاحظة حول عدم دقة التمثيل النيابي لأن كتلة الـ31 لديها تصور مسبق بأن الحوار لن يحمّلها أي مسؤوليات أو أعباء كونها طرفاً في الحوار، لذلك لم تحرص على دقة تمثيلها بالحوار لأنه لن يقدم أو يؤخر شيئاً، وانعكس ذلك التصور على ممثليها في الحوار، حيث وضعوا جميع شروطهم على طاولة الحوار بما فيها إلغاء قرار تحصين رئيس الوزراء، وفي المقابل لم يبدوا أي التزام من جانبهم، ولكن الحقيقة غير ذلك، وإلا لما أبدت الحكومة حرصها على الاجتماع مع النواب، ولماذا الحوار من أساسه لولا أن هناك دوراً للنواب لإنجاح المصالحة يوازي الدور الحكومي؟ فما هذا الدور؟ وكيف ستتم المصالحة؟

أهم متطلبات المصالحة

المصالحة في معناها المطلق هي إنهاء أو حل الخلاف بين طرفين متخاصمين أو تقريب وجهات النظر بينهما لمصلحة مشتركة منتظرة لكليهما، ومقابل ذلك مطلوب من كل طرف الاستعداد للتنازل عن جزء مما لديه، أما إذا كان التنازل من أحدهما فقط فلن تتم هذه المصالحة وستفشل.

وإذا طبقنا ما سبق على المصالحة الوطنية المطروحة من العديد من الأطراف السياسية والذي يمثل الحوار الدائر حالياً بين الحكومة والنواب والمؤمل منه أن يكون السبيل لها، فهذا يجرنا لسؤال العنوان: هل لدى النواب ما يقدمونه فعلاً؟ حتى تنطبق شروط المصالحة وتتكافأ القوى المتحاورة والتي من خلالها يمكن أن يتنازل كل طرف عن جزء مما لديه لتكتمل عناصر المصالحة.

بحكم الدستور وبصفتهم النيابية كأعضاء في مجلس الأمة يقوم النواب بمهمتي التشريع والرقابة، تشاركهم الحكومة مهمة التشريع وينفردون بمهمة المحاسبة، فعند الاتفاق على المصالحة مطلوب منهم العمل المشترك مع الحكومة لإقرار المشاريع والقضايا التي تم التوافق عليها وألا يقفوا عثرة أمامها بل عوناً لها، أما من حيث المحاسبة فعليهم كذلك دور مهم وهو إعطاء الفترة الزمنية الكافية للحكومة للعمل لإنجاز ما تم الاتفاق عليه من قضايا ومشاريع، والتي هي بمنزلة برنامج أولويات مشترك بين السلطتين، وهذا لن يعتبر تعطيلاً للشق المحاسبي للمجلس أو تحصيناً للحكومة كما يردد نواب كتلة الـ31 جميعهم بلا استثناء، بل هو إمهال للحكومة وإعطاؤها الوقت الكافي للإنجاز من خلال برنامج زمني محدد بالشهر واليوم وليس "ترك الحبل على الغارب" (كما يقال) للحكومة، وسيعتبر هذا التصرف والإجراء جزءاً مهماً وضرورياً من الشق الأول من مهمة النواب وهو التشريع.

ومن هذا المفهوم يمكن أن يتم تعامل النواب مع قرار المجلس بتحصين رئيس الوزراء حتى نهاية دور الانعقاد القادم بأنه بمنزلة الفترة المتاحة للحكومة ورئيسها وكل وزرائها لإنجاز برنامج أولويات القضايا، لأنه لا يمكن، والعلاقة بين السلطتين تمر في أسوأ أحوالها كما شهدناها في الدور السابق الذي لم نرَ مثيلاً له في شحن واحتقان الأجواء التي عطلت أعماله وجلساته من البداية، أن تجد الحكومة لها غطاء لاستمرارها وبقائها من كثرة الاستجوابات المقدمة لرئيسها ووزرائها ومن أول الجلسات سوى قرار التحصين هذا.

ومع إقرارنا بخطأ قرار المجلس بتحصين رئيس الوزراء عن كل الاستجوابات المقدمة له، إلا أنه الوسيلة الوحيدة لبقائه والحكومة، فكما هو معروف بأن هناك أغلبيتين في البرلمان أقرهما الدستور:

الأولى: هي الأغلبية النيابية الشعبية وهي أغلبية النواب الخمسين الذين انتخبهم الشعب انتخاباً مباشراً، والتي تسيطر عليها كتلة الـ31 المعارضة للحكومة بفارق 12 نائباً وهو فارق كبير.

الثانية: الأغلبية البرلمانية وهي الأغلبية من أعضاء المجلس الذي يضم النواب إلى جانب الوزراء والبالغ عددهم 65 عضواً والتي تمثلها الحكومة ومجموعة من النواب بأغلبية بسيطة جداً لا تتجاوز الـ3 أعضاء.

تتميز الأغلبية الأولى (النيابية) بحكم طبيعة تكوينها عن الثانية بأنها تنفرد في مهمة الرقابة وخصوصاً في التصويت على طرح الثقة بالوزير المستجوب، وبناء على هذه الميزة وحسب الأمر الواقع فإن بإمكان كتلة الـ31 ضمان طرح الثقة بأي وزير يقدم فيه استجواب بل إسقاط الحكومة كاملة من أول استجواب لرئيس الوزراء، لذلك لجأت الحكومة مع النواب الذين يدركون هذه الحقيقة لتحصين رئيسها حتى نهاية دور الانعقاد القادم متجاوزة بذلك اللائحة الداخلية لحماية نفسها، ولكسب بعض الوقت، مثلما لجأت مجموعة الـ31 باستخدام "الباركود" في انتخابات رئاسة البرلمان من أجل إنجاح مرشحها مخالفة بذلك لائحة المجلس التي تنص على السرية.

وعليه فعلى النواب وبحكم الواقع التعامل مع قرار التحصين لرئيس الوزراء تعاملاً سياسياً لا تعاملاً دستورياً، فهذا شرط أساسي لنجاح المصالحة الوطنية كما أوضحنا سلفاً، وأن يعتبروا فترة التحصين هذه بمنزلة مهلة زمنية لإتاحة المجال للحكومة لإنجاز برنامج القضايا المتفق عليها من خلال عملية الحوار، هذا إن أردنا إنجاح الحوار والوصول إلى المصالحة الوطنية.

يوسف الشايجي

على النواب التعامل مع قرار تحصين رئيس الوزراء تعاملاً سياسياً لا دستورياً وهذا شرط أساسي لنجاح المصالحة الوطنية
back to top