الصديق أروهان : الحب يتربّع على عرش التيمات الأدبية

أصدر مجموعته القصصية «من الحب جرعة تكفي»

نشر في 10-10-2021
آخر تحديث 10-10-2021 | 00:05
لماذا نحن في حاجة إلى الحب؟ سؤال وجودي يجيب عنه الأديب المغربي الصديق أروهان عبر مجموعته القصصية الجديدة «من الحب جرعة تكفي»، التي صدرت أخيرا عن جامعة المبدعين المغاربة.
وفي حواره مع «الجريدة» من القاهرة، قال: حاولت أن أجعل من الحب علاجا وشفاء ضد الوحدة والانعزال، وبحثا عن وجود بشري جدير بأن يعاش.
وأضاف: تناولت مواضيع ذات طابع نفسي واجتماعي وفلسفي، ويتربع عرش الحب على رأس هذه التيمات كلها.
وتحدث أروهان عن رؤيته للعديد من القضايا الأدبية والحياتية، وجوانب من مسيرته وأعماله، وإلى تفاصيل الحوار.

• حدثنا عن مجموعتك القصصية الجديدة "من الحب جرعة تكفي" التي صدرت أخيرا.

- "من الحب جرعة تكفي" هي المجموعة القصصية التي صدرت لي أخيرا عن جماعة المبدعين المغاربة، وحاولت أن أتناول فيها مواضيع ذات طابع نفسي واجتماعي وفلسفي، ويتربّع عرش الحب على رأس هذه التيمات كلها. ربما تكون المجموعة القصصية جوابا عن إشكال وجودي يتردد لدى الكثيرين، وهو "لماذا نحن في حاجة إلى الحب؟". والحب كما نعلم يتنزل على الشخص كالمرض، لكنني حاولت أن أجعل منه علاجا وشفاء ضد الوحدة والانعزال، وبحثا عن وجود بشري جدير بأن يعاش.

• وماذا عن المحددات الإبداعية بالنسبة لك؟

- في الحقيقة، لا نختلف إن قلنا إن النشأة والتكوين الثقافي محددان أساسيان بالنسبة للمبدع بصفة عامة، وللكاتب بشكل خاص. كنت خجولا في طفولتي، أخشى مواجهة الآخرين، وأجد صعوبة في محاورتهم، لكنني سرعان ما اندمجت في الوسط الاجتماعي لما بلغت فترة المراهقة، التي وصلت إلى أوجّها في سنوات الدراسة الجامعية، حيث تلقيت تكوينا في الفلسفة جعلني على اطّلاع كبير بجميع فروع المعرفة والفكر والأدب. حينها بدأت موهبتي القرائية تتحسن شيئا فشيئا، إلى أن وجدتني أكتب خواطر وشذرات "أدبفلسفية".

ومنذ تلك اللحظة ولجت عالم الكتابة الفسيح، إلّا أنني أرى أن أدوات الكتابة - الكتابة كبوح وصراخ صامت - تتطور بين فترة وأخرى، مثل الموضة تماما، وما على الكاتب المبدع إلا أن يواكب هذا التطور، ولمَ لا يجترح لنفسه طرقا خاصة في تبليغ ندائه إلى القارئ؟

بين الأدب والفلسفة

• مغرم أنت بالفلسفة... ما سر تحوّل قاربك الإبداعي إلى بحر الأدب؟

- لست في الحقيقة متعمقا في الفلسفة، فكل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا، إذا جاز لي أن أستعير عبارة الفيلسوف سقراط الشهيرة. لكنّني دائم البحث، وفي غوص مستمر وسط بحر الفلسفة المتلاطم الاتجاهات والأفكار. أما الحديث عن سر تحوّلي إلى مجال الأدب، فلا أرى أن هناك سرّا، فكل ما في الأمر أنني أجد الأدب من أكثر الطرق نجاعة في تمرير الأفكار والتعبير عنها بلغة أدبية يمتزج فيها البُعد الجمالي والفني مع البعد التأملي الفكري.

• لكنّ الرصانة الفلسفية والسكون الإبداعي قاداك في اختيارك لعناوين كتبك: "عودة مكيافيلي"، "أنا أحب، إذن أنا موجود"، "سقراط ما يزال حيا"، "مصباح ديوجين"... هل اقتران الأدب بالفلسفة يثريها أم يضعفها؟

- صحيح أن بعض النصوص القصصية مستوحاة من الفلسفة، سواء حضر الفيلسوف كشخصية (مكيافيلي، سقراط، ديوجين، ديكارت..)، أو حضرت الفكرة: الحقيقة، والوهم، والذاكرة، والهوية، والسعادة... إلخ. لأن الفلسفة، عبر تاريخها الطويل، لم تترك أي حقل أو مجال معرفي إنساني إلّا وأدلت بدلوها فيه.

ومن المؤكد أن الأدب استفاد بدوره من الفلسفة، لهذا أعتقد جازما – وليسمح لي النقاد - بأن الأدب لا يمكنه أن ينشأ من فراغ، ولا يمكنه ليكون قويا إلا أن يستند إلى منظور فلسفي وفكري معيّن. ولا غرابة إن وجدنا الأدب الوجودي وأدب نجيب محفوظ وفيدور ديستوفسكي، قد عبّر بوضوح كبير عن هذا التلاحم بين الأدب والفلسفة.

• راهنية الفلسفة العربية اليوم، كيف تنظر إليها، وهل لها آفاق جديدة؟

- بعد الكندي، فيلسوف العرب، هل يمكن حقا الحديث عن فلسفة عربية؟ وهل يمكن أن نتحدث اليوم عن فلسفة أم عن فكر؟ في هذا المضمار رأى الفيلسوف الألماني المعاصر مارتن هايدغر أن الفلسفة قد دخلت في المطاف النهائي والأخير، حيث إن كل محاولة لتدشين فكر فلسفي جديد، باتت مجرد عودة إلى أنحاء سابقة من التفكير الفلسفي، وكل فيلسوف جديد ما عاد سوى مريد، بنحو أو بآخر، لفيلسوف ولى زمنه.

يذكر أن لكل فكر أو فلسفة مهما كانا آفاقا معيّنة. آفاق مرتبطة، بطبيعة الحال، بإشكالات اليومي والراهن، مثل الحقوق والحريات والبيئة والعولمة وتداخل الثقافات وصراع الهويات.

تحديات

• الأفكار الإبداعية لا تتشكل فجأة، بل تولد في لحظة بعينها، ولا ندري سر هذه الولادة المباغتة. ما أبرز التحديات التي واجهتك أثناء كتابتها؟

- يسمى مبدعا بالفعل، كل شخص قادر على الخلق والتعبير عمّا تجيش به المشاعر من أحداث ورؤى وتداخلات، وعلى هذا الأساس تأتيه الأفكار الإبداعية أحيانا كثيرة على حين غرّة، وفي لحظات معيّنة قد لا يتوقّعها حتما. شخصيا، قد يحدث أن تهاجمني فكرة أو يغزوني مشهد مثير، في البيت مثلا أو على سرير النوم، ليلا أو نهارا، كما قد تباغتني وأنا أمشي في الشارع أو أتأمل على شاطئ البحر.. عموما، الكاتب الحقيقي هو القادر على اغتنام الفرص المتاحة أمامه، بالرغم من الصعوبات والتحديات التي قد تعترض سبيله، وإلّا لن يسمى مبدعا حقا.

الحركة النقدية

• كيف ترى حركة النقد نحو كتاباتك، هل أنصفك قلم النقاد؟

- حركة النقد عموما، شبه غائبة (مع الأسف)، اللهم إذا استثنينا بعض المحاولات المحتشمة. فالنقاد الجادون قليلون جدا، ونحن نعلم أنه لا تقدّم في أي مجال من المجالات، من دون نقد بناء يروم التقويم والتعديل والتصحيح. اليوم، هناك ما يمكن تسميته بالنقد تحت الطلب أو النقد المنفعي. مع الأسف قليلة هي المحاولات النقدية التي تناولت كتاباتي الأولى. أتمنى أن ينكبّ النقاد على جميع الكتابات والإبداعات، سواء كانت لي أم لغيري، لأنّه كما قلت لا تقدّم من دون نقد.

عزلة «كورونا»

• مرحلة "كورونا" قاسية على المشهد الثقافي، كيف تتعايش مع ما فرضته من عزلة؟

- جائحة كورونا وفّرت للمبدعين أهم شرط من شروط الإبداع، وهو العزلة. العزلة أحيانا مفيدة إذا استثمرها المبدع بشكل يتناسب وإيقاعه الإبداعي. صحيح أن ظروف الحجر قد قلّصت عدد الأمكنة والفضاءات المتاحة أمام المبدع، إلا أنها منحته فرصا عديدة لاقتناص لحظات عابرة ومنفصلة في الحياة الخاصة والعامة. بالنسبة لي رأيت في العزلة فرصة مواتية لإعادة التفكير في العديد من الكتابات، وإتمام ما بقي عالقا من القراءات المبرمجة.

● محمد الصادق

حركة النقد شبه غائبة والنقاد الجادون قليلون

كل شخص قادر على التعبير عن مشاعره «مبدع»
back to top