«الخوف الأحمر» في ألمانيا حقيقي!

أنجيلا ميركل تحذر من وصول اليسار المتطرف إلى السلطة في حال التصويت لـ «الحزب الاشتراكي الديموقراطي»

نشر في 10-09-2021
آخر تحديث 10-09-2021 | 00:00
الشيوعيون قادمون! أو هذا ما تريد أنجيلا ميركل إقناع الألمان به على الأقل.

مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية في ألمانيا وتراجع حظوظ الديموقراطيين المسيحيين المنتمين إلى اليمين الوسطي، استغلت ميركل آخر إطلالة لها في البرلمان بصفتها المستشارة الألمانية لتشجيع الناخبين على دعم مرشّح حزبها، أرمين لاشيت، كي يصبح خَلَفاً لها.

في إشارة إلى حزب المعارضة المعروف باسم "اليسار"، أعلنت ميركل أن الناخبين يواجهون خياراً صعباً بين "حكومة تتألف من "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" وحزب "الخضر"، وهي حكومة تتقبل الدعم من "اليسار" أو لا تستبعده على الأقل... وحكومة يقودها "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي" برئاسة المستشار أرمين لاشيت، وهي حكومة قادرة على قيادة بلدنا نحو مستقبل مبني على الاعتدال".

لم تكن مداخلة ميركل بارزة لمجرّد أنها أيقظت المرأة التي ستصبح قريباً المستشارة السابقة من سباتها السياسي فجأةً، بل لأنها اتكلت على تكتيك مألوف من العام 1981، لا العام 2021، حين تكلمت عن ظهور تحالف يساري.

إذا فاز "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" في الانتخابات، فسيصبح أمام خيارَين ممكنَين: إنشاء ائتلاف حكومي مع حزب "الخضر" و"الحزب الديموقراطي الحر"، وهو حزب محافظ معروف بتركيزه على قطاع الأعمال، أو التحالف مع حزب "الخضر" و"اليسار".

يشمل حزب "اليسار" مجموعة متنوعة من الأيديولوجيين اليساريين من غرب ألمانيا وبقايا الحزب الشيوعي السابق في ألمانيا الشرقية، وهو يحصد نحو 7% من الأصوات: إنه المستوى الذي يسجله في السنوات القليلة الماضية، لكنه الهامش الذي يحتاج إليه "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" وحزب "الخضر" لتشكيل ائتلاف حكومي من دون الاتكال على "الحزب الديموقراطي الحر" الذي يُعتبر بعيداً عنهما من الناحية الأيديولوجية.

ائتلاف من نوع آخر!

استخفّ معظم المحللين بفرص نشوء ائتلاف متنوع الاتجاهات على اعتبار أن آراء معسكر اليسار حول حلف الناتو (يريد الانسحاب منه) والتدخلات العسكرية (يعارضها بشدة)، ولا ننسى تراثه الأيديولوجي في ألمانيا الشرقية الشيوعية، تجعل ذلك الائتلاف غير محبذ بالنسبة إلى "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" أو حزب "الخضر".

لكن مع اقتراب يوم الانتخابات، يزداد هذا الرأي ضعفاً، ففي المقام الأول، بدأ تفوّق "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" في استطلاعات الرأي يتوسع بدل أن يتراجع، وفي المقابل، يتجه "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" إلى خسارة قوته، وإذا استمرت هذه النزعة، فسيحصل "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" على تفويض واضح لتشكيل حكومة من اختياره.

قد يكون أولاف شولتس، المرشح لمنصب المستشار الألماني عن "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، وسطياً وفق معايير ميركل، لكنّ عناصر حزبه باتوا أكثر ميلاً إلى اليسار في السنوات الأخيرة، ولهذا السبب مثلاً، رفض الحزب بقوة ترشّح شولتس لرئاسته في عام 2019 وفضّل الثنائي اليساري ساسكيا إسكن ونوربرت فالتر بورغانس.

تجدر الإشارة إلى ضرورة أن يوافق 400 ألف عضو في "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" على أي اتفاق لتشكيل ائتلاف حكومي، ولم تتضح بعد الأسباب التي تدفع أعضاء "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" إلى تفضيل التقرّب من "الحزب الديموقراطي الحر"، مع أن آراءه حول مسائل مثل فرض الضرائب وإصلاح سوق العمل والتكامل الأوروبي تتعارض مع توجهاتهم.

ربما يرتكز حزب "اليسار" على عقائد معينة لرفض التدخلات العسكرية الخارجية وتصدير الأسلحة، لكن يوافقه الرأي عدد كبير من مؤيدي "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" على أرض الواقع، كذلك، يشمل "اليسار" عدداً كبيراً من مناصري "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" السابقين الذين تخلوا عن حزبهم لأنهم استاؤوا من مساره الوسطي، عملياً يتقاسم "اليسار" وحزب "الخضر"، الذي اشتق من حركات يسارية في ألمانيا خلال الستينيات والسبعينيات، الخلفية نفسها مع "الحزب الاشتراكي الديموقراطي".

اتضحت نقاط التشابه تلك خلال نقاش في البوندستاغ يوم الثلاثاء الماضي، وهو الاجتماع الأخير قبل موعد الانتخابات، فأطلقت أنالينا بيربوك، مرشّحة حزب "الخضر" لمنصب المستشارة الألمانية، موقفاً نارياً فقالت: "لا أهمية للناس بالنسبة إلى السوق"، كانت تسخر بذلك من موقف خصومها المحافظين كونهم يدعون إلى تسخير قوى السوق الحرة لحل مشاكل مثل التغير المناخي، إذ يسهل إيجاد هذا التعليق في برنامج حزب "اليسار".

في المقابل، يمكن اعتبار زعيم "الحزب الديموقراطي الحر"، كريستيان ليندنر، أفضل صديق للسوق، حيث يريد حزبه تخفيض الضرائب على ذوي الدخل المرتفع والشركات وتقليص التنظيمات المفروضة على جميع المستويات، كذلك، أوضح ليندنر أن مشاركته في أي ائتلاف تتوقف على نيله وزارة المالية، وهي أقوى وزارة في أي حكومة كونها تشرف على الميزانية وسياسات الضرائب.

يوم الثلاثاء الماضي، قال ديتمار بارتش، أحد زعماء الكتلة البرلمانية التابعة لحزب "اليسار"، في البرلمان: "السؤال بسيط: اليسار أم ليندنر"؟

هل سيؤيد "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" ليندنر فعلاً لمنع نشوء ائتلاف حكومي يشمل حزب "اليسار"، مع أن أجندته الاجتماعية تتماشى مع خطّه الخاص، علماً أن "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، بالتعاون مع حزب "الخضر"، يستطيع لمّ شمل اليسار الألماني للمرة الأولى منذ أكثر من جيل؟

قال هوغو مولر فوغ، كاتب ومفكر ألماني محافظ: "هذا السيناريو قاتم طبعاً، لكن يحلم الكثيرون في "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" وحزب "الخضر" و"اليسار" بهذا الوضع منذ فترة".

أضاف مولر فوغ أن أي ائتلاف يساري لن يكون بمثابة نسخة معاصرة من ألمانيا الشرقية الشيوعية، لكنه سيغيّر مقاربة البلد تجاه الاقتصاد ودولة الرفاهية والسياسة الخارجية بطرقٍ قد تُضعِف القدرة التنافسية لأكبر اقتصاد في أوروبا.

نزعة براغماتية

في الأيام الأخيرة، أعلن سياسيون يساريون بارزون استعدادهم للتعاون وشددوا على مقاربتهم البراغماتية في مسائل مثل معارضتهم القديمة لحلف الناتو،

حيث صرّح غريغور جيسي، نائب بارز عن حزب "اليسار"، للإذاعة العامة الألمانية يوم الثلاثاء: "هذا الرأي يعبّر عن رؤية معينة ولا يتعلق بالائتلاف الحاكم".

على صعيد آخر، لا يختلف موقف "اليسار" الموالي لروسيا ورغبته في التواصل مع الصين عن مواقف "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، لكن يتعارض هذا التوجه مع رأي حزب "الخضر".

لكنّ أكبر عائق أمام نشوء أي ائتلاف يساري في ألمانيا لا يتعلق بالسياسات المرتقبة ولا بتاريخ "اليسار" الشيوعي بل باحتمال أن يقسّم هذا التحالف المجتمع الألماني.

بعدما اعتادت الحكومة الألمانية (أو ما يُسمّى الائتلاف الكبير بين "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" و"الحزب الاشتراكي الديموقراطي") على حصد الإجماع في جميع المواضيع لدرجة أن يصبح الإصلاح الحقيقي شبه مستحيل، عمدت تلك الحكومة أيضاً إلى إسكات المتطرفين.

في المقابل، قد يُسبّب أي ائتلاف يساري انقساماً سياسياً حاداً يشبه ما خاضته الولايات المتحدة وبريطانيا في السنوات الأخيرة، ويدرك شولتس المعتدل هذا الواقع، لذا يفضّل إنشاء ائتلاف مدروس مع حزب "الخضر" و"الحزب الديموقراطي الحر" في حال نجح "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" في الحفاظ على تفوّقه وفاز في الانتخابات، لكنّ قدرته على إقناع حزبه بهذا المسار مسألة مختلفة بالكامل.

تواجه ميركل وحزبها معضلة مشابهة، فبعد أكثر من ثلاثة عقود على سقوط جدار برلين، خسرت التحذيرات من تجدّد "الخوف الأحمر" (أي عودة الشيوعية) قوتها، حتى لو صدرت عن ميركل شخصياً، فقد نشأ جيل كامل وهو لا يحمل أي ذكرى حية عن الحقبة الشيوعية.

كان المؤرخ الألماني فريدريك إنجلز محقاً إذاً حين قال: "كل ما هو حقيقي في تاريخ البشر يصبح غير منطقي مع مرور الوقت".

● ماثيو كارنيتشنيغ – بوليتيكو

back to top