باهرة عبداللطيف: القلق يدفعني للكتابة والترجمة

«على المبدعين العرب النجاح محلياً قبل التوجه بأبصارهم إلى الغرب»

نشر في 08-09-2021
آخر تحديث 08-09-2021 | 00:00
تحلِّق تجربتها في فضاء الإبداع بين القصة والقصيدة، بجانب الترجمة والعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والنساء، ومن دون سعي منها فوجئت الأديبة العراقية المقيمة في إسبانيا باهرة عبداللطيف، بترجمة بعض أعمالها إلى عددٍ من اللغات، إذ ترى أن المبدعين العرب عليهم أن ينجحوا محلياً أولاً قبل التوجه بأبصارهم إلى الغرب.
وصدرت لعبداللطيف أعمال مميزة أبرزها مجموعة قصصية بعنوان «تأملات بوذية على رصيف الموت»، وديوان «حرب تتعرى أمام نافذتي»... وفي حوار أجرته معها «الجريدة» من القاهرة، قالت عبداللطيف، إن القلق الذي يسكنها بشأن كل ما يحدث في عالمنا هو ما يدفعها إلى ممارسة الكتابة والترجمة... وفيما يلي التفاصيل:

• يتنوع إبداعك ما بين الشعر والقصة والكتابة للمسرح والنقد، على أي أساس تحددين القالب الإبداعي المناسب ليخرج فيه نصكِ؟

- الموضوع الذي أريد طرحه هو الذي يحدّد الجنس الأدبي للعمل، ولكل جنس أدبي عدته الأسلوبية والنقدية التي أستعين بها. فحين أكتب القصة ألجأ إلى أدوات السرد التي تختلف عن متطلبات النص المسرحي في رسم الشخصيات والحوار والفضاء الزمكاني. أما الشعر فله شأن آخر مختلف لأنه فيض روحي لا أفتعله ولا أتقصده، فقط أدعه ينساب حين تلحّ الفكرة، ولا أنشره مباشرة إلا بعد مراجعته مراراً بعين القارئة الناقدة.

• تكتبين بالعربية والإسبانية، هل موضوع الكتاب هو الذي يفرض اللغة أم ثمة أسباب أخرى؟

- موضوع العمل أساسي ولكن الأهم، بعد الفكرة، هو القارئ الذي أتوجه إليه، فحين أتوجه إلى القارئ الإسباني أستعين باللغة الإسبانية وحمولاتها الدلالية ومنظومتها المعرفية، وكذلك أفعل مع القارئ العربي؛ لأن طبيعة الجمهور تملي عليّ لغة الكتابة كي تصل رسالتي إليه.

حقوق المرأة

• منذ نحو ثلاثة عقود تهتمين بالدفاع عن حقوق المرأة العربية، لماذا لم تصدر كتاباتك في هذا المجال باللغة العربية إلى جانب الإسبانية ليصل صوتك للنساء العربيات؟

- اهتمامي بحقوق النساء بدأ منذ دراستي الجامعية حين شرعت في الكتابة بمجلة «المرأة» في أواخر سبعينيات القرن الماضي، لكنني نشطت أكثر حين قدِمت إلى إسبانيا في منتصف التسعينيات، وصدمتني الصور النمطية الدونية السائدة في الغرب عن النساء العربيات والمسلمات، سواء كان ذلك عن جهل أم عن وعي وتعالٍ مقصود. استفزتني تلك الصور وقررت التصدي لها، دفاعاً عن الذات والهوية، من خلال عشرات المحاضرات واللقاءات التلفزيونية والإذاعية، وعبر الدراسات المنشورة بالإسبانية لأن الجمهور الإسباني هو المستهدف من أنشطتي، كما أن ندرة الأصوات العربية النسوية في إسبانيا جعلتني أركز أكثر على الكتابة بالإسبانية.

وحالياً لديّ أكثر من مشروع للنشر بالعربية، وسأفعل ذلك في فرصة قريبة قادمة، فلديّ الكثير لأقوله للنساء العربيات.

مفهوم الوطن

• عنوان ديوانك الأحدث «لي منزل هناك» هل يعكس حنينك للوطن، وماذا يحمل من رسائل؟

- بلا شك، ونصوصه الشعرية تعبّر عن رؤيتي لمفهوم الوطن، فهو يختزل مشاعر يتداخل فيها الحنين بالحزن والغضب لما آل إليه وضع العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003 وإزاحة الديكتاتور صدام حسين حتى اليوم.

فما حدث ويحدث في العراق من تدمير منظم لمؤسساته ونسيجه الاجتماعي يحتاج إلى مجلدات لا قِبَل لي بها لتوثيقه، لذا تسعى نصوصي لأن تكون كبسولة شعرية محمّلة بالأفكار والمشاعر والمواقف لتصل إلى القارئ بأقل الكلمات.

• تقيمين في إسبانيا منذ أواسط التسعينيات، ماذا أخذتْ منكِ الغُربة وماذا منحتكِ على مستوى الإبداع والعمل الأكاديمي؟

- الغربة تسلبنا الكثير وتمنحنا الكثير أيضاً. إنها مختبر هائل يمتحن قدرات المرء وحمولاته الثقافية والمعرفية وقيمه الإنسانية حين يغادر الوطن. مختبر يضعك إزاء ثلاثة «خيارات»- مجازاً نظراً لقسريتها-: أن تشعر بالانسحاق والدونية إزاء الآخر فتقف مستلباً بلا هوية وبلا دور حقيقي، وتصبح محض صدى للآخر، أو أن تُحبَط فتنكمش في «غيتو» مع أبناء جلدتك على هامش المجتمع المستضيف خارج الزمن والأحداث، والخيار الثالث هو أن يحرّضك هذا الواقع الجديد على قبول التحدي لإثبات وجودك دفاعاً عن هويتك الأصلية، من خلال التفاعل الخلاق مع ثقافة الآخر وقيمه الإنسانية المشتركة.

هذا الخيار الأخير هو ما راهنت عليه منذ البداية، بالدراسة أولاً ثم مزاولة التدريس الأكاديمي والترجمة التحريرية والفورية، والانخراط الفاعل في قضايا حقوق النساء والإنسان عموماً، وحوار الشرق والغرب/ الإسلام والمسيحية.

الترجمة

• تُرجمت العديد من أعمالكِ إلى لغاتٍ عِدة، إلى أي مدى تفيد الترجمة المبدع؟

- لا أخفيك أنني لستُ معنية بترجمة أعمالي إلى اللغات الأخرى ولا أسعى إلى ذلك أبداً. إلا أن بعضاً من قصصي وقصائدي تُرجِمت إلى عدد من اللغات من دون علمي، وأنا ممتنة لكل من بادر إلى ترجمتها وأعتز بهذا الجهد الذي يعكس كرم المترجمين وجهدهم الخلاق. كما لا أخفيك أنّ هناك أوهاماً كثيرة بهذا الصدد لدى معظم الأدباء العرب، فهم ما أن يصدروا ديوانهم أو كتابهم الأول حتى يتلبّسهم هاجس ترجمته إلى اللغات الأخرى لاعتقادهم أنها الطريق الوحيد نحو العالمية.

بكل تواضع أقول إن الأجدى والأجدر بنا أولاً أن ننجح محلياً، في عالم عربي يبلغ تعداده نصف مليار إنسان، قبل أن نتوجه بأبصارنا إلى الغرب، وفقط حين ننجح محلياً سيبحث عنا مترجمو العالم وتستقبلنا منابره الأدبية والثقافية.

«كورونا»

• كيف استفدتِ من جائحة «كورونا» وحالة العُزلة التي فرضتها على البشر خصوصاً أن لكِ محاضرات «أونلاين»؟

- جائحة «كورونا» غيّرت حياة البشرية جمعاء، ودفعت الكل للتكيّف معها ومواجهة تحدياتها. وهكذا واصلت- كسواي- نشاطي الأكاديمي في التدريس الجامعي والعمل في الترجمة الفورية في المؤتمرات الدولية والمحلية، من خلال المنصات الإلكترونية، فالتقدم العلمي الذي بلغته الإنسانية أتاح لنا هذه الإمكانية، ورغم أن منجزات التكنولوجيا الحديثة من صُنع الآخرين فإننا مدعوون جميعاً، وبقوة، للاستفادة منها والارتقاء بأدائنا للحاق بالأمم الأخرى.

• ما الجديد الذي تعكفين على كتابته حالياً، وربما يخرج للنور قريباً؟

- اعتدتُ العمل في عدة كتب في آن واحد، فالقلق الذي يسكنني لكل ما يحدث في عالمنا يدفعني إلى ممارسة الكتابة والترجمة في محاولة لتحرير شحنة القلق هذه عبر عمل ينفع الآخرين، لعلّ القراء يجدون فيه عوناً معرفياً أو عزاءً روحياً في خضم حياتنا الصعبة هذه.

ومن أعمالي الأخيرة التي أنجزتها وأنتظر صدورها قريباً ترجمتان: الأولى رواية موريسكية إسبانية، والثانية دراسة أعدها باحثون إسبان لمخطوط يوثّق أول رحلة حج من قشتالة (إسبانيا) إلى مكة المكرمة في القرن الخامس عشر، فضلاً عن عملين شعريين أعدهما للنشر.

أحمد الجمَّال

«لي منزل هناك» يعبّر عن رؤيتي لمفهوم الوطن
back to top