انسحاب الأميركيين - وعودة طالبان... وماذا بعد؟!

نشر في 05-09-2021
آخر تحديث 05-09-2021 | 00:09
 يوسف ناصر الشايجي قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان كان قراراً حتمياً، لأنهم لن يظلوا إلى الأبد هناك أو لعشرين سنة أخرى أو حتى عشر سنوات أو خمس، ولكن ما هو مستغرب هذه السرعة في الانسحاب وبهذه الصورة المخجلة التي أفقدت الجيش الأميركي الأول على العالم هيبته، وأظهرته بصورة المهزوم المندحر من أمام قوى بدائية عشائرية وبأسلحة بسيطة، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من تدمير الآليات العسكرية والأسلحة المتطورة التي خلفوها وراءهم حتى لا تستفيد منها عناصر حركة طالبان بعد أن تعذر نقلها لضيق الوقت، نظراً للكميات الكبيرة والعدد الهائل من هذه الآليات والأسلحة.

والمأساة الكبرى لهذا الانسحاب الفاشل أو الهروب المذل بمعنى أدق هو تدافع عشرات الآلاف من الأفغان وبصور ومشاهد محزنة لم يرَ العالم مثيلاً لها على دخول مطار (حامد كرزاي) والتسلق على الطائرات الأميركية للفرار من مستقبل مظلم على يد الدولة الطالبانية القادمة، والخسائر الجسيمة في الأرواح نتيجة ذلك التدافع، وتخُتتم، هذه النتائج المأساوية لقرار الانسحاب المفاجئ والمربك حين استغل (داعش) تلك الربكة والفوضى في المشهد الأفغاني للقيام بعملية انتحارية عند أحد مداخل المطار التي يقوم على حراستها قوات (المارينز) الأميركية فحصدت منهم ١٣ قتيلاً وعشرات الإصابات في صفوف الأفغان المدنيين، فكانت هذه العملية أسوأها وأكثرها إهانة للنسر الأميركي مبعث الفخر والاعتزاز، الرئيس المهزوز بايدن الذي لم يجرؤ على طلب تمديد مهلة الإجلاء الجوي أياماً معدودة لما بعد ٨/٣١ لاستكمال تلك العملية بعد أن وصله "تلميح" مسبق من الحركة برفضها لأي تمديد بعد ذلك التاريخ جاء على لسانه في خطابه الذي ألقاه متزامناً مع نهاية عمليات الإجلاء تلك مبدياً الفخر بأنها أكبر عملية إجلاء جوي تمت بالتاريخ، ومقراً في الوقت نفسه بأنه ما زال هناك من الأميركيين والأفغان من يريد المغادرة واعداً إياهم بتحقيق ذلك مستقبلاً، فهو من يتحمل المسؤولية السياسية عن قرار الانسحاب الفوضوي هذا، وما ترتب عليه من خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد وكان سبباً في المزيد من اهتزاز الثقة على المستوى الدولي في النظام الأميركي وسياساته الخارجية في العشرين سنة الأخيرة، ولمسنا تلك الانتقادات من داخل أميركا قبل أن نسمعها من خارجها.

المثير للغرابة والدهشة أكثر هو لماذا لم يطالب المفاوض الأميركي الجالس على طاولة واحدة مع المفاوض الطالباني وعلى مدى عدة جلسات في الدوحة قبل أيام قليلة من ذلك الانسحاب بتحديد مهلة واضحة للانسحاب لا تقل عن ستة أو أربعة أشهر على أقل تقدير حتى نهاية ٢٠٢١ في ظل هدنة لوقف إطلاق النار تسري على جميع أطراف القتال يتخللها حوار (أفغاني/أفغاني) لتقاسم السلطة ينتهي مع رحيل آخر جندي أميركي، فلو تم ذلك وهو على ما يبدو كان في مقدوره لأمكن تدارك كل تلك المآسي، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

يصور البعض كل تلك الخسائر الجسيمة وعلى كل المستويات البشرية والعسكرية والسياسية والعلاقات الخارجية والمادية والمعنوية واهتزاز الثقة والمصداقية بأنها تمت بفعل أميركي متعمد فقط من أجل ترك هذه الأسلحة والمعدات الحربية الثقيلة بيد طالبان لتكون شوكة غليظة في حلق الجيران الكبار أو خنجراً حاداً في خاصرتهم.

في الحقيقة لا أملك القدرة على تخيل هذا السيناريو وبهذه التفاصيل الدقيقة وبهذه الكلفة الضخمة، وأعتقد أنه لو كان في الأمر تعمد كما يتصور البعض لكان بالإمكان إخراج سيناريو أقل كلفة من هذا بكثير جداً لتحقيق الغرض نفسه.

الخلاصة وبعيداً عن نظرية المؤامرة: أرى أن غزو أفغانستان كان مبرراً وبدعم دولي بعد أن رفضت طالبان تسليم (بن لادن) الذي تفاخر بأنه كان وراء تفجير ١١ سبتمبر ٢٠٠١ المروع في خطابه الشهير الذي قسم فيه العالم إلى: " فسطاطين: فسطاط الإيمان أو الخير وفسطاط الكفر أو الشر".

وكذلك قرار الانسحاب كان مبرراً بعد أن تحقق الهدف الأول للغزو وهو القضاء على الإرهاب المتمثل في (بن لادن) والقاعدة، وفشله في تحقيق هدفه الثاني وهو تحويل أفغانستان إلى دولة مدنية حديثة أخذاً في الاعتبار الكلفة التريليونية لهذا الغزو.

ما يهمنا من كل ذلك وبالدرجة الأولى هو في مدى ارتدادات عودة حركة طالبان للحكم في محيطنا العربي والخليجي تحديداً.. في إعادة روح التفاؤل للعناصر الدينية المتشددة التي وإن قل نشاطها وخفتت أصواتها إلا أنها ما زالت موجودة، والأحداث الأخيرة التي تصب في هذا المصب مثل: الاعتراض على "المنحوت" المعروض في أحد المحلات التجارية، والاعتراض على المقرر الجامعي (المرأة والجندر) وثم عدم القيام للنشيد والسلام الوطني.. صحيح أنها تصرفات قام بها شخص أو أشخاص محدودون إلا أنها تمثل فكراً موجوداً بيننا له أتباعه وأنصاره وهيئاته، وهذه التصرفات والمظاهر تدفع بمؤشر هذا الهاجس إلى الأعلى.

● يوسف الشايجي

back to top