حزب بافاري صغير... شوكة في خاصرة المحافظين الألمان!

توقعات بزيادته تعقيدات السباق على منصب المستشار الألماني المقبل

نشر في 03-09-2021
آخر تحديث 03-09-2021 | 00:02
للوصول إلى «البوندستاغ» الألماني يجب أن تفوز الأحزاب بخمسة في المئة من الأصوات على الأقل، وقد حُدّدت هذه العتبة في الأصل لكبح التشرذم السياسي والاضطرابات التي شهدها عهد جمهورية فايمار، ولا يظن عدد كبير من الخبراء أن حزب «الناخبين الأحرار» سيحصل على تلك النسبة.
قد يصبح الحزب اليميني الصغير "فراي ويلر" (الناخبين الأحرار) الفريق الذي يُحدِث أكبر فرق في السباق الانتخابي المحتدم في ألمانيا، مع أن معظم الناس خارج بافاريا لم يسمعوا به أصلاً.

في خضم هذه الحملة الانتخابية التي عجزت فيها جميع الأحزاب عن التفوق على غيرها بفارق كبير في استطلاعات الرأي، أصبح حزب "الناخبين الأحرار" رمزاً للمشهد السياسي الألماني الذي يزداد تفككاً، فهو يثبت أن أبسط تحوّل هامشي تُحدِثه أصغر الأحزاب قد يغيّر نتيجة التصويت بطريقة جذرية.

نشأ حزب "الناخبين الأحرار" كجزءٍ من حكومة الائتلاف اليمينية في بافاريا في عام 2018، وقد وصل إلى السلطة نتيجة تراجع حاد في نسبة تأييد "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" الذي يحكم بافاريا منذ وقت طويل، وهو الحزب الشقيق للاتحاد الديموقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه أنجيلا ميركل.

حَكَم "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" بافاريا منذ عام 1957، وقد حظي في معظم تلك الفترة بأغلبية مطلقة، لكنه أصبح ضعيفاً في الآونة الأخيرة لدرجة أن يحتاج إلى شريك في الائتلاف كي يحكم الولاية، وبرأي ماركوس زودر، زعيم "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" ورئيس حكومة ولاية بافاريا، بدا حزب "الناخبين الأحرار" اليميني حليفهم الطبيعي، فهكذا كان الوضع في الفترة السابقة.

لكن في حين يسعى حزب "الناخبين الأحرار" اليوم إلى تحقيق طموحات فدرالية للوصول إلى البوندستاغ، يخشى زودر والمحافظون الآخرون في كتلة "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" و"الاتحاد الديموقراطي المسيحي" اليمينية الوسطية أن ينجح ذلك الحزب بكسب أصوات المحافظين المهمة في هذا السباق الذي سيتخذ منحىً تنافسياً محتدماً على ما يبدو.

قال زودر عن حزب "الناخبين الأحرار" حديثاً: "لا جدوى من دعمهم على الإطلاق. كل من يصوّت لهذا الفريق يجب أن يتوقع وصول حزب "الخضر" إلى دار الاستشارية الألمانية".

أضرار محتملة

للوصول إلى البوندستاغ، يجب أن تفوز الأحزاب بخمسة في المئة من الأصوات على الأقل، وقد حُدّدت هذه العتبة في الأصل لكبح التشرذم السياسي والاضطرابات التي شهدها عهد جمهورية فايمار.

لا يظن عدد كبير من الخبراء أن حزب "الناخبين الأحرار" سيحصل على تلك النسبة، فوفق استطلاعات موقع "بوليتيكو"، سيحصد الحزب حوالي 3% من الأصوات.

تقول أورسولا مونش، مديرة "أكاديمية التربية السياسية" في "توتزينغ"، خارج ميونخ: "باستثناء المعاقل الإقليمية التي تشمل بافاريا بشكلٍ أساسي، بالإضافة إلى "راينلاند بالاتينات" و"ساكسونيا أنهالت"، لا أظن أن فرص حزب "الناخبين الأحرار" جيدة".

مع ذلك، من الواضح أن أعضاء "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" و"الاتحاد الديموقراطي المسيحي" يتوقعون حصول أضرار كبرى رغم تراجع شعبية حزب "الناخبين الأحرار" نسبياً.

وفق الاستطلاعات الأخيرة، يبدو الفارق ضئيلاً بين "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" و"الحزب الديموقراطي الاشتراكي"، إذ يملك الحزبان فرصاً جيدة لترؤس حكومة الائتلاف المقبلة في ألمانيا.

بدا زودر مستاءً أحياناً من احتمال أن تخسر كتلة المحافظين في ألمانيا نفوذها، وهو يلوم في أحيان أخرى أرمين لاشيت الذي هزم زودر في شهر أبريل خلال المنافسة الحزبية الداخلية وأصبح مرشّح كتلة "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" و"الاتحاد الديموقراطي المسيحي" لمنصب المستشار الألماني.

حزب معارض للقاحات

يشعر الكثيرون في معسكر اليمين الوسطي الألماني بالقلق من مسألة مُلحّة أخرى: الأساليب المثيرة للشكوك التي يستعملها مرشّحو حزب "الناخبين الأحرار" لاستمالة الناخبين.

لطالما قيل إن هذا الحزب يحتل مساحة وسطية من الطيف السياسي بين "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، حتى أن البعض اعتبره "نسخة مخففة من حزب "البديل من أجل ألمانيا".

أحدث هوبرت أيوانجر، زعيم حزب "الناخبين الأحرار" ونائب رئيس حكومة بافاريا، ضجة كبيرة حين أجّج المشاعر المعادية للقاحات والمبنية على نظريات المؤامرة.

خلال مقابلة إذاعية في وقتٍ سابق من هذا الصيف، قال أيوانجر إن الجماعات التي لم تتلقَ اللقاح في ألمانيا يجب ألا تتعرّض للمطاردة، وأضاف أنه شخصياً لن يتلقى اللقاح إلى أن يقتنع بأنها خطوة منطقية: "لا داعي كي أخفي أن عدداً متزايداً من الناس في محيطي يواجه آثاراً جانبية بارزة بسبب اللقاح. لا أريد أن أعدّد جميع الأعراض، لكن لا يمكن تصديق ما نسمعه أحياناً".

رداً على تلك المقابلة، قال زودر إنه يشعر بالقلق من وزير الاقتصاد في حكومته واعتبر تلك التعليقات قريبة من مواقف حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي طرح نفسه صراحةً كحركة معادية للقاحات في ألمانيا.

ثم ردّ أيوانجر على زودر واعتبر تعليقه "مشيناً"، ويظن الخبراء أن مواقف أيوانجر المعادية للقاحات هي جزء من استراتيجية مدروسة، حيث تسهم هذه التعليقات في ترسيخ مكانة حزب "الناخبين الأحرار" كبديل مقبول عن "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" بالنسبة إلى الناخبين المستائين من طريقة تعامل الحكومة مع الوباء. تقول مونش: "في بافاريا على الأقل، يُستعمَل موضوع التلقيح راهناً لتحريض الجماعات المستاءة عموماً من سياسات الحكومة في ملف كورونا لكنها لا تريد التصويت لحزب "البديل من أجل ألمانيا""، وفي مساحات واسعة من بافاريا وما وراءها، تكثر الفئات التي تدخل في هذه الخانة.

إرضاء الحشود أولاً!

على بُعد ساعة من جنوب شرق ميونخ، تقبع بحيرة "تشيمسي" المتلألئة وسط منحدرات جبال الألب، وفي فترة بعد الظهر من أحد الأيام الماضية، حضرت أندريا ويتمان (48 عاماً)، التي تعزف على الأرغن في الكنيسة المحلية، إلى مطعم يقع في بلدة "جولنسهاوزن" الهادئة إلى جانب تلك البحيرة لتناول السلطة خلال استراحتها من الحملة التي أطلقتها كي تصبح نائبة عن حزب "الناخبين الأحرار".

كانت ويتمان بطلة العالم في غناء موسيقى اليودل سابقاً ولم يعجبها أداء زودر و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي" في ملف كورونا، لذا تقول: "لا أفهم ما فعله زودر وحزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" خلال شتاء كورونا الماضي".

ثم راحت تُعدد المسائل التي لم تعجبها: كيف يُعقَل أن تستضيف ميونخ مباريات بطولة أوروبا لكرة القدم في حين يعجز الأولاد عن الذهاب إلى المدارس؟ ولماذا سُمِح للألمان بتمضية العطلة في مايوركا، لا في بافاريا؟

تضيف ويتمان: "فُقِدت وظائف كثيرة لصالح قطاعات أخرى أو عَبَر الناس الحدود نحو النمسا التي تطبّق تدابير مختلفة".

في فترة تفشي الوباء، طرح زودر نفسه كزعيم جريء لا يخشى اتخاذ تدابير سريعة لكن مؤلمة لتقليص عدد الإصابات، في حين كان المحافظون الآخرون أكثر غموضاً في مواقفهم، ووافق الكثيرون على مقاربة زودر وتحسنت مكانته على المستوى الوطني، لكنه خسر بلا شك جزءاً كبيراً من ناخبي "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، وفي تلك الفترة، حاول أيوانجر الاستفادة من الوضع، فطرح نفسه كعرّاب لقطاع الفنادق والمطاعم المتضرر.

تقول مونش: "في ذروة الوباء، شعر الكثيرون بأن أيوانجر هو الذي يمثّلهم ويفهمهم، من الناحية العاطفية على الأقل"، لكن الكثيرين يظنون أنها مجرّد كلمات فارغة، فقد قال مارتن هاغن، زعيم "الحزب الديموقراطي الحر" الداعم لقطاع الأعمال في البرلمان البافاري، إن أيوانجر لطالما كان شعبوياً في قدرته على إرضاء الحشود: "خلال النقاشات المرتبطة بتدابير كورونا، وافق أيوانجر على جميع قرارات حكومة زودر، ثم راح ينتقدها في اليوم التالي، لذلك بدأ هذا الوضع يثير حفيظة الاتحاد الاجتماعي المسيحي".

● لورانز جيركي – بوليتيكو

حزب «الناخبين الأحرار» نشأ في بافاريا عام 2018 ووصل إلى السلطة للتراجع الحاد في تأييد «الاتحاد الاجتماعي المسيحي»

الحزب يسعى للوصول إلى «البوندستاغ» ويخشى المحافظون في كتلة «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» و«الاتحاد الديموقراطي المسيحي» نجاحه في كسب أصوات المحافظين

الكثيرون في معسكر اليمين الوسطي الألماني قلقون من الأساليب المثيرة للشكوك التي يستعملها مرشّحو حزب «الناخبين الأحرار» لاستمالة الناخبين
back to top