إيران تزداد مراوغة في عهد رئيسها الجديد!

نشر في 20-08-2021
آخر تحديث 20-08-2021 | 00:00
تنصيب إبراهيم رئيسي في 5 أغسطس الجاري يرسّخ سطوة المحافظين على مؤسسات إيران المُنتخبة
تنصيب إبراهيم رئيسي في 5 أغسطس الجاري يرسّخ سطوة المحافظين على مؤسسات إيران المُنتخبة
من المستبعد أن تلتزم حكومة الرئيس الإيراني الجديد بالمفاوضات الإقليمية التي تشمل الولايات المتحدة، فكثيراً ما فضّلت إيران معالجة المسائل الإقليمية عبر دول المنطقة ومن دون تأثير خارجي.
وجّه انتخاب إبراهيم رئيسي المحافِظ رئيساً لإيران رسالة قاسية إلى المجتمع الدولي: لن تنفذ الجمهورية الإسلامية الإصلاحات الجذرية التي تتوق إليها منذ وقت طويل في المستقبل القريب.

يأتي عهد رئيسي، بدءاً من تاريخ تنصيبه في 5 أغسطس 2021، ليرسّخ سطوة المحافظين على مؤسسات إيران المُنتخبة ومنظماتها غير المُنتخبة تحت إشراف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

رئيسي مسؤول في النظام الإيراني، وتجمعه علاقة وثيقة مع خامنئي، ويواجه عقوبات أميركية بسبب انتهاك حقوق الإنسان، فهو يؤمن بضرورة حماية الأمن والاستقرار في الدولة الإيرانية.

هذا الوضع يعوق مسار صانعي السياسة الغربيين المشاركين في مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني أو خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ انتُهِكت بنود هذا الاتفاق حين انسحبت إدارة ترامب منه في عام 2018 ثم بدأت سلسلة من الانتهاكات النووية الإيرانية أيضاً.

إذا نجحت جهود إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، يريد صانعو السياسة إجراء نقاشات على نطاق أوسع مع طهران لتقوية خطة العمل وتوسيعها، لكن عهد رئيسي يطرح تهديدات على مسائل أخرى مثل برنامج إيران الصاروخي ودعمها الإقليمي للجماعات المسلحة في لبنان وسورية والعراق واليمن، علماً أن المجتمع الدولي والإقليمي يرغب في معالجة هذه الملفات أيضاً.

في ظل هذه الظروف، يجب أن يكون المجتمع الدولي واقعياً حول ما يستطيع توقّعه من رئيسي والنظام السياسي المحافِظ في إيران، لا سيما أن المشروع الإصلاحي الإيراني وصل إلى طريق مسدود، فقد أدى عهد الرئيس روحاني المتقلب طوال ثماني سنوات إلى ترسيخ مشاعر من اللامبالاة السياسية وسط الإيرانيين. لم تكن رحلة هذا الشعب سهلة بأي شكل.

استُبدِلت النشوة التي تلت التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015 بموجة من الإحباط، وتحمّل الإيرانيون إخفاقات السياسة الاقتصادية والعقوبات الدولية والقرار الأميركي المؤلم بالانسحاب من خطة العمل خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

لم تتحقق معظم الوعود التي أطلقتها حملة روحاني بشأن تقوية الاقتصاد وحماية حقوق المرأة وتحسين البيئة، فقد استعملت الحكومة أسلوب القوة لقمع الاحتجاجات في ديسمبر 2017 ونوفمبر 2019.

ثم أدى إسقاط الجيش لطائرة ركاب أوكرانية وموت المسافرين على متنها في يناير 2020 بعد أيام على مقتل قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، في مطار بغداد من جراء ضربة جوية أميركية إلى ترسيخ الشرخ المتزايد بين الدولة والمجتمع، وفي غضون ذلك سجلت إيران أعلى حصيلة وفيات في المنطقة بسبب وباء كورونا.

رداً على هذه الأحداث، عبّر الإيرانيون عن لامبالاتهم المتزايدة بمساعي الإصلاح عبر الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، ونتيجةً لذلك، شهدت إيران أدنى مشاركة في الانتخابات الرئاسية في تاريخ الجمهورية الإسلامية القائمة منذ 42 سنة، فاقتصرت نسبتها على 48%.

بعد خسارة الانتخابات، يجب أن يطوّر الإصلاحيون اليوم رؤية أكثر جرأة وفاعلية لإيران وإلا سيجازفون بخسارة دورهم، لكن من الأصعب عليهم ترميم الجسور مع عامة الناس، إذ تحتاج هذه المهمة إلى الوقت.

أدت الضغوط التي فرضتها العقوبات، رغم امتثال إيران لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى توجيه السياسة الإيرانية نحو معسكر اليمين، وبدل فضح نقاط الضعف الاقتصادية أو السياسية في إيران، اعتبر صانعو السياسة العقوبات الأميركية إثباتاً على رغبة الغرب في تغيير النظام في الجمهورية الإسلامية، وهذه الفكرة أججت نزعة المحافظين إلى فرض سيطرتهم داخل الدولة.

تجاوزت السلطة السياسية الضغوط الأميركية وزادت جرأتها وحصلت على عذر إضافي لدعم النظام، وأصبحت هذه النزعة أساسية بسبب تقدّم المرشد الأعلى علي خامنئي في السن، فهو يبلغ 83 عاماً، وبدأت عملية اختيار خَلَفه الغامضة منذ الآن على الأرجح.

لكنّ هذا التحول نحو معسكر المحافظين يجب ألا يمنع صانعي السياسة من التحاور مع طهران، لأن رفض التواصل ينتج اضطرابات إضافية بكل بساطة، ومع استمرار العقوبات، سيضطر رئيسي لإعطاء الأولوية للاقتصاد، وكي تنجح حكومة رئيسي في تقوية روابطها الداخلية بعد نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات الأخيرة، تقضي أسرع طريقة بتحسين وضع الإيرانيين العاديين الذين تحملوا المصاعب الاقتصادية في السنوات القليلة الماضية. يمكن تحقيق هذا الهدف بأسرع وقت من خلال ضمان رفع العقوبات عبر إعادة إحياء المحادثات المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة. تسمح هذه المقاربة لطهران باستئناف تصدير النفط والوصول إلى احتياطياتها الأجنبية المجمّدة، حتى أنها قد تعطي رئيسي فوزاً اقتصادياً سهلاً وقادراً على تقليص ضغوط التضخم وضخ الرساميل في الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة.

نتيجةً لذلك، دعم رئيسي استئناف المفاوضات المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا لكنه يُصرّ على المماطلة للاستفادة من تنازلات إضافية من واشنطن. حين تنجح مساعي تجديد الاتفاق النووي، ستعود إيران والولايات المتحدة إلى الالتزام ببنوده وسترفع واشنطن العقوبات التي فرضتها خلال عهد ترامب.

لكنّ العقوبات ليست السبب الوحيد وراء مشاكل إيران الاقتصادية، حيث تُعتبر إخفاقات سياسة الاقتصاد الكلي والفساد من أبرز التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها الحكومة، ولمعالجة تلك المشاكل، ثمة حاجة إلى تخطيط طويل الأمد وتجديد الالتزامات ووضع استراتيجية لمعالجة المشاكل الكبرى بالتعاون مع المجتمع الدولي.

من المستبعد أن تلتزم حكومة رئيسي بالمفاوضات الإقليمية التي تشمل الولايات المتحدة. لطالما فضّلت إيران معالجة المسائل الإقليمية عبر دول المنطقة ومن دون تأثير خارجي، وفي الوقت نفسه، ستتابع طهران النقاشات الثنائية التي بدأت أصلاً مع المملكة العربية السعودية ويمكن توسيعها مع مرور الوقت كي تشمل لاعبين إقليميين آخرين. نُظّمت محادثات سرية في بغداد لإخماد حدة المنافسة الإقليمية والسماح لطهران والرياض بالتوصل إلى تسويات في مناطق الصراع.

تريد الرياض أن تبدي إيران استعدادها للتعاون لإنهاء الحرب في اليمن، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا وافق الحوثيون على وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن لم يتضح بعد مدى قدرة طهران على فرض إرادتها على الحوثيين والمكاسب التي يمكن أن تكسبها إيران من هذه الصفقة.

من المستبعد أن تُخفف حكومة رئيسي دعمها لعملائها في المنطقة، فقد سبق أن أعلن رئيسي تأييده لتقوية الروابط الإقليمية مع الدول المجاورة لإيران، فهو يعتبر الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية طريقة لحماية الجمهورية الإسلامية عبر إبعاد التهديدات المنظورة عن حدودها من خلال دعم الجماعات التابعة له مثل الحوثيين وحزب الله و«حماس» ومجموعة متنوعة من اللاعبين العراقيين، ويوافقه المحافظون في الأوساط السياسية والأمنية الرأي. ستتابع إيران وجماعاتها تخريب الأمن الإقليمي، مما يطرح تحديات متواصلة على صانعي السياسة الغربيين، وبدل انتظار أزمة أخرى، من الضروري أن يضع صانعو السياسة استراتيجية واضحة لإخماد الحرب في اليمن وسورية وفتح المجال أمام نقاشات حول الأمن الإقليمي.

برأي طهران، تحتاج جارتها الشرقية الأفغانية إلى شكل من التوازن، ورغم الاحتفالات العلنية بالانسحاب الأميركي من أفغانستان، أنتج الفراغ المترتب عن هذه الخطوة ضغوطاً فائقة، ويُعتبر تاريخ إيران مع حركة «طالبان» طويلاً وصعباً، فقد قُتل عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين على الحدود في عام 1997.

حتى أن إيران تعاونت مع الولايات المتحدة لتسهيل هزم «طالبان» خلال الحرب الأفغانية في عام 2001، وتؤدي إيران اليوم دور الوساطة بين الحكومة الأفغانية والجماعة المتطرفة خدمةً لمصالحها الأمنية الخاصة بكل بساطة، فأصبحت طهران إذاً مضطرة للمشاركة في حماية مصالحها وأمن حدودها بطريقة براغماتية.

أخيراً والأهم، ستستمر انتهاكات حقوق الإنسان في إيران خلال عهد رئيسي، فقد أشرف حين كان رئيس المحكمة العليا، على قمع المحتجين في نوفمبر 2019، ويقال إنه متورط أيضاً بإصدار أحكام إعدام بحق آلاف المعتقلين السياسيين في عام 1988، واليوم، يستمر اعتقال الطلاب والناشطين والنساء والصحافيين، ولا يكف البلد عن أخذ مزدوجي الجنسية من أنحاء العالم رهائن لديه.

يجب أن تتابع المنتديات متعددة الأطراف ووسائل الإعلام تسليط الضوء على هذه الانتهاكات كلها لزيادة الضغوط على الحكومة الإيرانية، فثمة حاجة كبرى إلى تطبيق مقاربة متماسكة وحاسمة للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان لرفع المعيار الإقليمي الجماعي في الشرق الأوسط..

● سنام وكيل - تشاتام هاوس

خلال رئاسته للمحكمة العليا أشرف رئيسي على قمع المحتجين في نوفمبر 2019 فضلاً عما يُقال عن تورطه أيضاً بإصدار أحكام إعدام بحق آلاف المعتقلين السياسيين في 1988

رئيسي دعم استئناف المفاوضات المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا لكنه يُصرّ على المماطلة للاستفادة من تنازلات إضافية من واشنطن

لرئيسي علاقة وثيقة مع خامنئي ويواجه عقوبات أميركية بسبب انتهاك حقوق الإنسان مما يعرقل مسار صانعي السياسة الغربيين المشاركين في مفاوضات فيينا
back to top