بقايا خيال: الكيل بمكيالين

نشر في 09-07-2021
آخر تحديث 09-07-2021 | 00:09
 يوسف عبدالكريم الزنكوي ابتسمت بألم مستحضراً "شر البلية ما يضحك"، ومستذكراً حديث "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، الذي كرره علينا مدرسونا لسنوات وسنوات، وأسمعتنا به وسائل الإعلام الحكومية ليل نهار، لتشعرنا وكأننا نعيش في كنف المدينة الفاضلة، فإذا بـ"الحقيقة المرة والواقع الأقشر" يمثلان أمامنا، كما يقوم المتهم بتمثيل جريمته بحق المجتمع في موقع الجريمة، لتظهر حقيقة هوية المجتمع، الذي لا يعرف لا راعيا ولا رعية، بل يبصم بأن "أغلبكم كيال وأغلبكم يكيل بمكيالين". كيف؟

فمثلاً إذا كنت صاحب شركة ترغب في الحصول على تسهيلات ائتمانية بنكية، يقوم البنك بالاطلاع على طلبك وميزانياتك السنوية السابقة، وتفحص مشاريعك التي ترغب في تمويلها، وتحليل الأرقام طبقاً للمعايير المصرفية والمعادلات المحاسبية، ودراسة المخاطر المتوقع مواجهتها عند الموافقة على التسهيلات. وفي الأحوال العادية، يتخذ القرار الائتماني بناء على هذه المعطيات سواء بالقبول أو الرفض، إلا أنه في الغالب توضع مسألة "الأحوال العادية" جانباً، ليتناول من بيده القرار الائتماني معايير صلة قرابتك بملاك البنك، ويدرسون معادلات معرفتهم بشخصك وأرقام مصالحهم الخاصة مع شركتك، ليتم بعدها اتخاذ القرار الائتماني طبقاً لمبدأ "لو حبتك عيني ما ضامك الدهر"، وأحياناً يطبقون أسلوب "لا تكثر الدوس يا خلي تراهم يملونك.. لا إنت ولدهم ولا طفل يربونك".

وبمعنى آخر، إذا كنت "ولدهم" حققوا مطالبك ومنحوك التسهيلات بطريقة "يا دهينة لا تنكتين"، وإذا كنت غريباً عنهم، حتى لو كنت مستحقاً للتسهيلات، "قضبوك الباب"، أو "عطوك كوع" لكي تغادر المكان غير مأسوف عليك. مثل هذا القرار الائتماني يطبق في كل مناحي الحياة الطبيعية، فالسلطة أو الحكومة أو الموالون لها حتى المعارضون لها، غالباً ما يكيلون بمكيالين متناقضين، فهم في الغالب ينتقدون من يقف ضدهم على خط المواجهة، وأحياناً توجه إليهم اتهامات بعرقلة خططهم مع سبق الإصرار والترصد، وإنهم يحاولون إظهار الطرف الآخر بأنه فاشل، وأحياناً ترفع ضدهم دعاوى قضائية حتى لو كانت تغريدة تندرج تحت بند حرية التعبير عن الرأي، لمجرد أنها كانت انتقادات حادة خوفاً على الوطن. وهذه الأطراف نفسها، سواء كانت حكومة أو الموالين لها أو المعارضين لها، تغض النظر عن خطايا أعوانها وفساد مريديها، حتى لو كانت من النوع المضر بمصالح الوطن والمواطنين.

هذا بالنسبة للحكومة وأعوانها ومعارضيها، أو السياسيين بشكل عام، ولكن ماذا بشأن المواطن العادي، الذي ينادي ليل نهار بالقضاء على الفساد والمفسدين؟ فنحن نسمع منه دائماً بتطبيق أشد العقوبات في حق المسيئين للدولة والمخالفين للقانون، ولكن ما إن يكون المسيء للدولة أو المخالف للقانون قريباً من أقربائه حتى تراه يبحث عن واسطة لإخراج هذا القريب من مأزق الفساد ومن دائرة الاتهام، ضارباً بالقانون الذي خالفه قريبه عرض الحائط.

وأقرب مثال للواقع المعيش هو ما ينادي به الكثيرون بالكف عن الإنفاق والهدر المالي، ولكن ما إن تنتشر إشاعة حول نية الحكومة إعطاء المواطن منحة مالية، حتى ترى غالبية المواطنين يشيدون بهذه المنحة متناسين الأوضاع المالية المتردية للدولة، أليس في هذا مثال صارخ للكيل بمكيالين؟ أليس من تراثنا الكويتي "من صادها عشى عياله"؟ أو "كل من يقرب قرصه صوبه"؟، حتى لو كان فيها دمار الديرة؟

يوسف عبدالكريم الزنكوي

back to top