فسحة أمل فاتيكانية للبنان… تأمين مقومات الصمود بانتظار «الإنقاذ»
بدا اللقاء الذي جرى في حاضرة الفاتيكان بين البابا فرانسيس ورؤساء الطوائف المسيحية اللبنانية المختلفة للتداول في الأزمة الراهنة التي تهدد كيان لبنان، كأنه فسحة أمل فاتيكانية في مواجهة الارتطام الكبير والانهيارات المتوالية التي تهدد البلد.ويشكل هذا اللقاء فرصة باعتباره الأقدر على فتح قنوات التواصل مع المجتمع الدولي، خصوصاً الأميركيين والأوروبيين، لذلك فإن هناك من يراهن عليه كفرصة تتمحور حول تنشيط فكرة استنقاذ لبنان من مشروع الانهيار والدويلات التي ترتسم على أسس «مساعدات» أو مواد غذائية وطبية ومحروقات وغيرها. في المحطات التاريخية والمفصلية يلقى على عاتق البطريركية المارونية دور كبير، منذ تأسيس لبنان الكبير إلى البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير والاستقلال الثاني، وصولاً إلى العنوان المطروح حالياً، وهو استعادة الدولة.
المشروع الذي طرحه الفاتيكان مع رجال الدين، لا يتعلق بقتال طائفة معينة، ولا بانقسام إسلامي- مسيحي، بل بمطلب يجمع اللبنانيين حول مشروع وطني ويلقى قبولاً جامعاً، وخطاب متوازن لا يخاطب المسيحيين وحدهم، ولا تستفيد منه قوى سياسية تستثمر في شعارات إنقاذ المسيحيين في لبنان. رغم أن الهدف الأساسي هو إنقاذ دور المسيحيين، انطلاقاً من موقعهم الوطني لا الطائفي، يذهب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعد إطلاق دعوته إلى الحياد وعقد المؤتمر الدولي، أي التركيز على فكرة أن اللبنانيين كلهم مهددون، لا المسيحيين وحدهم. وبإمكان المسيحيين الاستناد إلى دورهم التاريخي والجوهري لإعادة الاعتبار لمفهوم الكيان والدولة، ولإنقاذ دورهم الوطني في عملية استنقاذ اللبنانيين أجمعين. ويعلم رجال الكنيسة أن هناك من يسعى إلى استدراجها إلى خطاب فئوي أو طائفي، لكنها ترفض ذلك، لأن هذا الخطاب يؤدي إلى تعميق الأزمة ولا يحلّها.ويمثل اللقاء في الفاتيكان فرصة أساسية للتأثير على التطورات الخارجية والداخلية، استناداً إلى القدرة الفاتيكانية على فتح قنوات خارجية قابلة للتأسيس لمؤتمر دولي كبير. ويتوازى ذلك مع سعي الكنيسة إلى استنهاض قوى الاغتراب اللبناني القادر على لعب دور أساسي في الدول التي يتمتع فيها بوجود كبير وثقيل، وهذا أمر تراهن عليه فرنسا والولايات المتحدة أيضاً من خلال تشكيل لوبيات لبنانية ضاغطة في الخارج هدفها الانخراط أكثر في التطورات اللبنانية إضافة إلى مساعدة اللبنانيين. ويتزامن «مؤتمر الفاتيكان» مع عودة لبنان نسبياً إلى طاولة الاهتمام الدولي، خصوصاً بعد الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، وتم خلاله البحث في الملف اللبناني. وبينما تؤكد مصادر دبلوماسية، أن اللقاء هدف إلى إدارة الانهيار الحاصل في لبنان، ومحاولة تأخير الارتطام الكبير من خلال تقديم مساعدات إنسانية تجنب البلاد الدخول في الفوضى، فإنه شهد بحث جانبين أساسيين وضروريين، أولهما سياسي، وهو غير بعيد عن مبادرة البطريرك الراعي، كما أنه ليس بعيداً عن الموقف الأميركي الفرنسي والسعودي، حيث إن طرح الحياد أمر جدي بالنسبة إلى الدوائر الفاتيكانية، فضلاً عن تأكيد التنسيق المستمر مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول عربية في سبيل تحييد لبنان عن صراعات وأزمات المنطقة.أما الشق الثاني فله علاقة بالواقع الإنساني والمعيشي والاقتصادي للمسيحيين في المنطقة، فالكاثوليك في العالم حوالي ملياري نسمة، لديهم عشرات آلاف المؤسسات الإنسانية، على أن تبلَّغ هذه المؤسسات قراراً بتقديم مساعدات عينية مباشرة للبنانيين بدون التمييز بين الطوائف. والهدف وراء ذلك توفير مقومات صمود اللبنانيين وسط الأزمة المستفحلة التي يعيشونها، كما أن المساعدات تتناول الغذاء والاستشفاء والتعليم. وقدم كل وفد من الوفود وجهة نظره، بينما طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي مسألة الحياد وعقد مؤتمر دولي لأجل لبنان.يصر الفاتيكان على حماية مسيحيي الشرق، والمسيحيين اللبنانيين تحديداً، انطلاقاً من انخراطهم في بناء دولة المواطنة، لا دولة الرعايا، والتي تنطلق من أفكار تقسيمية. لذلك تؤكد مصادر فاتيكانية أن الهم الأساسي لدى البابا فرنسيس هو حماية دولة المواطنة في لبنان والحفاظ على الكيان اللبناني الذي تقوم فكرته على التعايش بين المسلمين والمسيحيين.