قوة الصين الاقتصادية ستحدد مستقبل آسيا السياسي

نشر في 30-06-2021
آخر تحديث 30-06-2021 | 00:00
 نيكي آسيا تطغى الصين على النظام الاقتصادي الآسيوي الناشئ الذي سيصبح محور الاقتصاد العالمي المستقبلي، في حين يتراجع تأثير القوى الغربية مع مرور الأيام، وبما أن الأموال والثروات تضمن اكتساب النفوذ السياسي بشكل عام، يبدو أن توسّع الهيمنة الاقتصادية والمالية الصينية في المنطقة هو الذي سيحدد المستقبل الجيوسياسي في آسيا، لا رغبات القوى الخارجية التي تشهد تراجعاً واضحاً في نفوذها.

سبق أن أعادت الصين رسم معالم آسيا بطريقة جذرية، ففي معظم فترات التسعينيات مثلاً، كانت تشكّل أقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة وكانت اليابان القوة الاقتصادية الطاغية بفارق كبير، فقد أصبحت اليابان اليوم قوة سياسية واقتصادية متضائلة، في حين تستأثر الصين وحدها بنحو نصف الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة ومن المتوقع أن تزيد هذه الحصة في المرحلة المقبلة.

أدى هذا الوضع إلى اختلال التوازنات بطريقة ما كانت لتقلق أحداً لو أن الصين بقيت قوة اقتصادية معزولة، لكنها ليست كذلك ويتّضح هذا الواقع عند تقييم حجم اتكال الاقتصاد الإقليمي عليها.

يترسخ هذا الدور المحوري بفعل التحولات الواسعة في المعطيات الجغرافية الصناعية في آسيا، ففي عدد من القطاعات الأكثر تقدماً، بما في ذلك استكشاف الفضاء، والحوسبة الكمية، والذكاء الاصطناعي، والمواد المعقدة، بدأت الصين تفرض نفسها كقوة بارزة في مجال ابتكار التكنولوجيا وتوريدها. كذلك، تشهد الجغرافيا المالية في المنطقة تحولاً شاملاً، فقد أصبحت شنغهاي اليوم مركزاً مالياً أهم من هونغ كونغ أو طوكيو أو سنغافورة، في حين باتت الصين أول جهة توفر الرساميل للمشاريع التنموية في معظم أجزاء المنطقة. لكنّ هذه التغيرات هي مجرّد بداية لأن الصين تستعد لترسيخ مكانتها بفضل قوتها الاقتصادية المتوسعة، حيث ستستفيد الشركات والقطاعات المحلية من منافع كبرى يصعب تبديدها أو تعطيلها بعد تثبيتها، وستنتقل هذه المنافع إلى جميع أنحاء المنطقة نتيجة المكاسب التجارية وزيادة الاتكال المالي على الصين، مما يؤدي إلى ترسيخ الديناميات الإقليمية الناشئة.

تميل معظم النشاطات الصناعية والمالية إلى التركّز جغرافياً داخل أي نظام واضح المعالم، ولن تنحرف آسيا عن هذه القاعدةن ومن المتوقع أن يصبح اختلال التوازن الاقتصادي في المنطقة أكثر وضوحاً حين يزداد الاقتصاد الصيني تعقيداً وابتكاراً وتتحسّن قدرته التنافسية، في حين تصبح اقتصادات الدول المجاورة ذات توجّه محلي متزايد ويشتدّ اتكالها على القوة العظمى الصينية لتلقي السلع والتقنيات المتقدمة والرساميل التي تحتاج إليها.

تستطيع هذه الديناميات المحورية أن تفرض نفسها تلقائياً باستثناء أكثر السيناريوهات تطرفاً، فليس مفاجئاً إذاً أن يتوقع صندوق النقد الدولي نمو حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي الآسيوي خلال السنوات الخمس المقبلة، والأهم من ذلك هو أن هذه الديناميات الاقتصادية ستُحدد المستقبل الجيوسياسي في المنطقة، لا العلاقات التاريخية أو الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية المتلاشية مع القوى الخارجية. لهذا السبب، يُعتبر معظم الجدل المرتبط بمستقبل آسيا الجيوسياسي مُحبِطاً، فهو يغفل دوماً عن دور الصين المحوري في تسارع نمو الجغرافيا الاقتصادية في المنطقة، والرابط بين القدرات الصناعية والقوة المالية والنفوذ الجيوسياسي وواقع المسافات، فقد لا يتقبّل الكثيرون هذه الحقيقة، لكن ستُحدد مكانة الصين في صلب النظام الاقتصادي الآسيوي طبيعة الوضع الجيوسياسي في آسيا مستقبلاً، لا العلاقات الموروثة والنفوذ المتلاشي.

أخيراً، قد يضطر كل من يتساءل عن طبيعة هذا المستقبل لتقييم تأثير هيمنة الولايات المتحدة على الأميركتَين، علماً أنها شملت تدخلات سياسية متكررة بعد إخراج القوى الأوروبية من أميركا الوسطى والجنوبية، أو الاطلاع على الديناميات المحورية في الاتحاد الأوروبي والتحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها الدول المحيطة بسببها، وفي مطلق الأحوال يبدو أن آسيا تسير في الاتجاه نفسه.

* ويليام براتون «نيكي آسيا»

ويليام براتون

back to top