معضلة ‏المتطلبات المهنية اللازمة لسلامة رجل الإطفاء

نشر في 18-06-2021
آخر تحديث 18-06-2021 | 00:00
 د. خليل كمال لا شك أن العاملين في المهن المعنية بالتعامل مع الحوادث والحالات الطارئة والكوارث كالإطفاء وما شابهها هم دوما عرضة لمخاطر الإصابات الخفيفة والبليغة التي تودي أحيانا بحياتهم، وبالرغم من أن فقدان العاملين أثناء تأديتهم الواجب تمثل فاجعة اجتماعية كبيرة تلم بالمجتمع وبذوي الفقيد ومن يعزون عليه من المعارف وزملاء العمل، فإن الدولة أو الجهات المعنية مازالت تجهل أو تفتقد تماماً النظرة الموضوعية للحدث، بل لا تثمن فقدان الأرواح أو إصابات العاملين بالعاهات المستديمة (المعطلة لأدائهم الطبيعي) بأنها تشكل أحد جوانب الخسائر الكبيرة في حساباتها القومية للرصيد الوطني من العنصر البشري الفاعل، مقابل النفقات المادية وغيرها التي بذلتها ميزانيات الدولة لإعداد وتأهيل وتدريب هؤلاء الأفراد للقيام بعملهم المتمثل في "الحد من الخسائر وحفظ الأرواح والممتلكات في البلاد".

فمن الفرضيات المهنية لعمل رجال الإطفاء أن يكون متسلحاً بالدراية الكافية (تدريب ومهارات) والقدرة على حساب القرارات السليمة (للمخاطر المحيطة به) واتخاذها بتلقائية ومهنية عالية، للحد من تهديد سلامته أثناء تعامله مع الحادث، فهل يمتلك فعلا رجال الإطفاء العاملون في قوة الإطفاء هذه القدرة؟ ولو سلّمنا بذلك لكان بإمكانه حساب المجهود المتاح له للقيام به، كي لا يتعب ويجلس أمام استفحال الوضع خاسراً جولة التعامل مع الحادث.

كذلك الحال بالنسبة إلى استشهاد رجل الإطفاء الكويتي مؤخراً الذي انساق بإنسانيته للغيرة «والفزعة» لإخماد حريق شب في منزل جاره يوم 2021/5/20، والذي يبدو أنه لم يكن ملتزما بالقواعد المهنية لعمله، فكان ذلك سببا حتمياً أودى بحياته، فمثل هذه القواعد المهنية (لو كانت موجودة ومطبقة) قد تمنعه (لأسباب لا يسع المجال لذكرها) من الانخراط في أي عمل خارج الدوام الرسمي يهدد حياته، وذلك لأمور أهمها:

1- كان خارج عمله الرسمي (الأمر الذي لا يستوجب تدخله بصفة مهنية أثناء إجازته).

2- لم يكن متسلحا (ولو بالحد الأدنى) بارتداء المعدات الواقية لحماية رجل الإطفاء في مواقع الحوادث.

3- ليست هناك قواعد مهنية في احتراف عمل رجال الإطفاء تعتمد الغيرة والفزعة في مواقع الحريق، إنما هناك المعارف والمهارات التي تعتمد التخطيط وانتهاج الطرق والوسائل وتكتيكات واستراتيجيات التعامل مع الحرائق، فكان الأوجب أن يتخذ القرار الحكيم بالنأي بنفسه تماماً عن اعتماد سلوك الغيرة والفزعة اللا إرادية التي أودت بحياته، فكان الأولى به الاتصال بقوة الإطفاء قبل أي تصرف، ومن ثم تنبيه ونصح وتحذير الموجودين بشأن الخطورة التي يكتنفها الحادث على الأرواح والإصابات، ريثما تصل فرق الإطفاء (المجهزة) للتعامل مع الحادث، ودون الحاجة لدخول المنزل المشتعل.

4- لم يكن لدى قوة الإطفاء دليل (كود مكتوب ومعتمد) Code of Practice لقواعد وقوانين الممارسة المهنية التي يفترض أن يتبعها رجل الإطفاء في التعامل مع الحادث، فمثل هذه الحوادث ليست بجديدة وليست نادرة كما قد يدّعي البعض، أو يحتمي المسؤول بتبريرها بمقولة "هذا قدره"، لأنهم لم يكونوا طوال القرون الماضية على أي درجة من "التأهيل المهني المسؤول" لوضع حدّ لهذا الإهمال بحق المهنة.

ولم يسفر التحقيق عن ملابسات الحادث والأخطاء الأخرى التي لا حصر لها جراء الإهمال والفساد الإداري المستشري لقرون في صرح الإطفاء للحفاظ على سلامة أرواح رجال الإطفاء، فسرعان ما يتم كنسها تحت السجاد لتصبح بعد فترة طي النسيان، وذلك بسبب إهمال وتهميش الكفاءات منذ عقود بشتى الطرق الإدارية السيئة (مهنيا)، فلا يجوز أن يدار صرح الإطفاء في عصر التكنولوجيا والميكنة الإلكترونية بواسطة إدارة غير مؤهلة (في قمة الهرم الإداري)، بالرغم من وفرة الطاقات المؤهلة بمختلف التخصصات والدراسات العليا، وحفظ الله الكويت ورجالها المخلصين من كل مكروه.

* عميد إطفاء متقاعد

● د. خليل كمال

back to top