كوريا الشمالية... سلاح بيد الصين!

نشر في 21-05-2021
آخر تحديث 21-05-2021 | 00:00
الرئيس الصيني شي جينبينغ - كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية
الرئيس الصيني شي جينبينغ - كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية
صرّحت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، جين بساكي، أمام الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية: "لن تُركّز سياستنا على إبرام صفقة كبرى، ولن تتكل على مبدأ الصبر الاستراتيجي"، وهذا الموقف يثبت أن الرئيس جو بايدن رفض أسلوب الإهمال على طريقة أوباما وأسلوب التواصل على طريقة ترامب.

ثم تكلمت بساكي عن التشاور مع "الحلفاء والشركاء في جميع المراحل المقبلة" وعن إحراز "تقدم عملي" وتطبيق "مقاربة عملية مدروسة على أن تكون منفتحة على الدبلوماسية ومستعدة لاستكشاف هذا الخيار"، وهذا الموقف قد يحمل دلالات كثيرة أو لا يعني أي شيء.

لقد أنهى البيت الأبيض مراجعة سياسته تجاه كوريا الشمالية للأسف قبل أن ينهي سياسته الخاصة بالملف الصيني، حتى أنه لم يعيّن بعد سفيراً أميركياً في الصين، والأهم من ذلك بالنسبة إلى كوريا الشمالية هو الامتناع عن ملء منصب أساسي لتفعيل العقوبات في مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة.

من غير المنطقي أن يعلن البلد سياسته تجاه كوريا الشمالية من دون تحديد استراتيجيته تجاه الصين أولاً، ففي النهاية، تفرض الصين نفوذاً هائلاً على عائلة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية وقد تطلب من الكوريين الشماليين القيام بما تريده.

من المعروف أن المسؤولين في كوريا الشمالية يكرهون الصينيين، وبرأي بعض المحللين، يعني هذا الواقع أن جمهورية الصين الشعبية لم تعد تستطيع إصدار الأوامر وانتظار تنفيذها في جمهورية كوريا الديمقراطية.

نشر القادة الصينيون هذه الفكرة لإعفاء أنفسهم من المسؤولية، وفي السنوات الأخيرة، اعتبر هؤلاء القادة العداء الكوري قوياً لدرجة عجزهم عن فرض أي نفوذ مؤثر في بيونغ يانغ، فقد ذكر مسؤول في البيت الأبيض مثلاً أن الرئيس الصيني، شي جينبينغ، أخبر الرئيس ترامب الذي استضافه في قصر "مارالاغو" الأثري بأن بكين لا تستطيع التأثير على كوريا الشمالية بقدر ما تظن واشنطن، وفي تعليق لاحق في صحيفة "وول ستريت جورنال"، ألمح ترامب إلى أنه تقبّل آراء ضيفه الصيني في هذه المسألة.

خاض الصينيون والكوريون مناوشات ومعارك وحروباً كثيرة طوال ألف سنة، ثم تغيرت الحدود القائمة بين الشعبين في الاتجاهَين غداة عملية الغزو، ولا تزال هذه القصة الحزينة راسخة في ضمائر الكوريين وهم يبغضون طريقة تعامل الصين معهم وكأنهم مجرّد أتباع لها، لكنّ مشاعر الغضب الشخصية لا ترتبط بنفوذ بكين الحقيقي.

كيف يمكن التأكد من ذلك؟ سافر كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية الراهن، إلى الصين للمرة الأولى بصفته حاكم البلد في نهاية مارس 2018، حين قصد بكين، ثم زار الصين في بداية شهر مايو وقصد مدينة داليان، ثم بكين في يونيو، بعدما عقد قمة تاريخية في سنغافورة مع الرئيس ترامب.

كذلك، ركب كيم قطاره المدرّع واتجه إلى بكين في يناير 2019 لتمضية عيد ميلاده هناك والقيام بنشاطات أخرى. باختصار، سافر كيم إلى الصين أربع مرات متواصلة من دون أن يردّ الزعيم الصيني الزيارة، ووصل شي جينبينغ إلى كوريا الشمالية للمرة الأولى والوحيدة حتى الآن في يونيو 2019 وكانت زيارته قصيرة.

يكشف نمط السفر هذا معطيات كثيرة، ولا شك أن كيم جونغ أون خطط للقيام برحلته الخارجية الأولى بصفته زعيم البلد في نهاية أبريل 2018، لمقابلة رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن في المنطقة المنزوعة السلاح، وحرص شي جينبينغ على أن يزور كيم الصين أولاً، مما يعني أن الصين تستطيع استدعاء حكام كوريا الشمالية حين تريد شيئاً منهم، ويوافق هؤلاء الحكام على "الدعوات" الصينية عند استدعائهم.

يتحدى كيم جونغ أون الصين من وقتٍ لآخر، ويظن البعض أن هذه التحركات تثبت أن بكين لا تستطيع التأثير على كوريا الشمالية، لكن تتجاهل هذه الفكرة حقيقة أخرى مفادها أن المسؤولين الصينيين لا يتوقعون رضوخاً دائماً من الآخرين، وتدعم بكين كوريا الشمالية، سواء رضخت لمطالبها أو لم تفعل في مرحلة معينة، لأن الصينيين يظنون أن القادة في بيونغ يانغ يعرفون مكانتهم الحقيقية على المدى الطويل، ويدرك الصينيون إذاً أنهم يملكون نفوذاً كبيراً لكنهم يفضلون عدم استعماله طوال الوقت برأي شونغ جاي هو، مراقب للشؤون الصينية في جامعة سيول الوطنية.

حين تريد الصين شيئاً من كوريا الشمالية، تعمد دوماً إلى تضييق الخناق عليها، وتعرف كوريا الشمالية أن بكين تستطيع إنهاء سلالة كيم عبر وقف ضخ الأموال وسحب دعمها الدبلوماسي، لذا يتصرف الحكام هناك بناءً على هذا الواقع.

تُعتبر كوريا الشمالية سلاحاً بيد الصين إذاً، ويعرف الرؤساء ووزراء الخارجية الأميركيون أنهم يستطيعون التوجه إلى العاصمة الصينية لطلب المساعدة حين يرغبون في كبح سلالة كيم وسيطالبهم الصينيون بتنازلات أخرى في المقابل. يبدو أن الرئيس جو بايدن سيكرر هذا النمط الذي رسّخه جورج بوش الابن ويقضي باللجوء إلى الصين، وفي 18 مارس الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن الصينيين يجب أن يسعوا إلى كبح بيونغ يانغ.

هذا ما يعيدنا إلى نهج الإدارة الأميركية الجديدة، حيث صرّح مسؤول بارز في فريق بايدن للصحافي ديفيد إغناتيوس من صحيفة "واشنطن بوست": "يبدو احتمال أن تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية شبه معدوم".

إنه استنتاج صحيح إذا قرر بايدن اللجوء إلى الصين بحثاً عن حل، وفي هذا السياق، صرّح بروس كلينغنر من "مؤسسة التراث" لصحيفة "نيوزويك": "لم تنفذ الإدارات الأميركية المتلاحقة كامل القوانين الأميركية ضد المنتهكين الكوريين الشماليين أو البنوك والشركات الصينية التي تشارك في البرامج النووية والصاروخية المحظورة في بيونغ يانغ، ولم تفرض واشنطن العقوبات على البنوك الصينية كما فعلت ضد البنوك الأوروبية بسبب قضايا تبييض الأموال لصالح إيران".

في 29 يونيو 2018، صنّفت وزارة الخزانة الأميركية بنك "داندونغ" الصيني كمصدر أولي لتبييض الأموال بموجب المادة 311 من قانون "باتريوت". أدى ذلك التصنيف إلى شطب البنك من النظام المالي العالمي لأنه لم يعد يستطيع إجراء أي معاملات بين البنوك بالدولار الأميركي، أقوى عملة في العالم.

لكن يبقى بنك "داندونغ" مجرّد جزء بسيط من المشكلة الحقيقية، فقد كان ذلك التصنيف الصادر في يونيو 2017 مجرّد تحذير، لكن لم تفهم بكين الهدف منه ولم يتابع ترامب الضغط على الصين.

كان ترامب سيحقق إنجازاً معيناً لو أنه تابع ضغوطه، فقد شملت جهات مذنبة صينية أخرى حينها بنك الصين الذي يُعتبر من أهم أربعة بنوك صينية. وَرَد اسم هذه المؤسسة المالية في تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2016 بسبب تورطها في مؤامرة تهدف إلى إخفاء تحويلات مالية من كوريا الشمالية في سنغافورة، وكان البنك متورطاً على الأرجح في هذه الصفقة القذرة في أماكن أخرى أيضاً.

ورغم ضخامة بنك الصين (رابع أكبر بنك في العالم بناءً على أصوله)، فإنه ليس أكبر بنك صيني يؤمّن الأموال النقدية لكيم جونغ أون، وقد يعود هذا التصنيف إلى أكبر بنك في الصين والعالم، وهو "بنك الصين للصناعة والتجارة"، كذلك، ثبت تورط مصرفَين آخرين من البنوك الأربعة الكبرى في تأمين أموال قذرة لسلالة كيم، وهما ثاني وثالث أكبر مصرفَين في العالم.

باختصار، يعرف صانعو السياسة الأميركيون ما يجب فعله لدفع الصين إلى التصرف بطريقة مسؤولة، وفي هذا السياق، يقول ديفيد ماكسويل من "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات": "أخبرني مصدر كوري حكيم في إحدى المناسبات أن جميع الخيارات الممكنة سبق أن خضعت للتجربة في كوريا الشمالية، وكل ما يمكننا فعله هو تجديد التحركات السابقة بطرق جديدة لمحاولة إحراز شكل من التقدم".

كان صديق ماكسويل محقاً، فإذا أرادت وزارة الخزانة الأميركية في عهد بايدن أن تفرض القانون الأميركي وتعلن أحد البنوك الصينية الكبرى شريكاً في تبييض الأموال بموجب المادة 311، فسيصدر حُكم بالإعدام ضد هذه المؤسسة وتتشجع بكين على وقف دعمها لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.

يتطلب أي قرار بفرض العقوبات على بنك صيني بارز إرادة سياسية قوية افتقر إليها جميع الرؤساء الأميركيين، كذلك يجب أن يعترف المعنيون بأن الصين ليست الحل لمسألة كوريا الشمالية بل إنها جزء من المشكلة!

غوردون تشانغ - نيوزويك

back to top