فاروق الفيشاوي... «برنس السينما المصرية» (1 - 10)

خريج الجامعة يرفض الوظيفة الحكومية ويعمل «كومبارس»!

نشر في 07-05-2021
آخر تحديث 07-05-2021 | 00:00
بدأت رحلة الفنان فاروق الفيشاوي في منتصف السبعينيات، وسطعت نجوميته خلال فترة قصيرة، وشارك في أكثر من ١٣٠ عملاً درامياً بين السينما والتلفزيون والمسرح، واستطاع على مدى نحو أربعين عاماً أن يحافظ على حضوره اللافت وموهبته المتفردة، وشكّل حالة خاصة في فضاء التمثيل والحياة، ونال الكثير من الجوائز والتكريمات، ولا تزال أعماله تثري وجدان الملايين من جمهوره في مصر وأرجاء العالم العربي.
لاحقت الأضواء الفتى الوسيم خلال مسيرته الفنية البالغة الثراء، وتحوّل إلى نجمٍ يحظى بجماهيرية كبيرة، وفي الوقت ذاته يثير الجدل حول مواقفه في كواليس الفن والحياة، وتعدّدت أقنعته على الشاشة وخشبة المسرح، وتألق كممثل يميل إلى المغامرة والتجريب، ويمتلك الجرأة في سرد رحلته مع الإدمان، وزيجاته المتعددة، وعشقه للتمثيل، وحنينه الدائم إلى ذكريات الطفولة والصبا، وصراعه مع المرض حتى رحيله في 25 يوليو 2019.
استطاع فاروق الفيشاوي أن يحجز لنفسه مقعداً وثيراً في الصف الأول، وسط كوكبة من نجوم حقبة السبعينيات من القرن الماضي، مثل محمود ياسين ونور الشريف وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز، وتعاون مع كبار المخرجين، وفي الثمانينيات كان أكثر الممثلين جماهيرية وظهوراً على الشاشة البيضاء، فخلال عقد واحد شارك في حوالي سبعين فيلماً بخلاف العديد من المسلسلات الدرامية، وكان نموذجاً للفنان المتطوِّر الذي يُطوِّع أدواته باستمرار ما بين السينما والتلفزيون والمسرح.

آخر العنقود

بدأت رحلة محمد فاروق الفيشاوي بمولده في الخامس من فبراير عام 1952، وشكّل ذلك العام علامة فارقة في حياته، ودلالة أنه من جيل ثورة يوليو المصرية، وظل يفاخر بحبه للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وترسّخت في وجدانه معاني الوطنية والانتماء والعروبة، مما جعله فناناً استثنائياً، ومنشغلاً بقضايا وطنه وأمته، وباتت أعماله في تنوعها وثرائها، تنم عن وعي بماهية الفن، ودوره في نزع الأقنعة عن السلبيات، ورغبة جامحة في التغيير إلى الأفضل.

أصداءٌ تأتي من زمن بعيد، وتحكي كيف عاش الصبي فترة في مسقط رأسه بقرية «بني مزار» في محافظة المنيا (بصعيد مصر)، وكان ينتمي إلى عائلة ميسورة الحال، لديها خمسة أولاد «ثلاثة أبناء وابنتان» كان فاروق أصغرهم، فالأم ربة منزل، والأب يعمل مهندساً زراعياً، وبحكم عمله كان دائم التنقل بين المحافظات المصرية، حتى استقرت العائلة في قرية «سرس الليان» بمحافظة المنوفية (شمالي القاهرة)، وصار «آخر العنقود» نصفه فلاحاً والنصف الآخر صعيدياً.

وظلت تلك السنوات البعيدة عالقة في ذاكرة الفيشاوي، وتثير في نفسه الحنين إلى منزلهم الريفي، والحياة في فضاء الخضرة والزرع والعصافير، مما دفعه في أوج نجوميته إلى أن يشتري قطعة أرض ويشرف على زراعتها بنفسه في أوقات فراغه، ولا يتناول الخضراوات إلا من محاصيلها، وهناك تومض الذكريات، ويتنسم عبق الأيام الفائتة، ويتلاشى صخب الأضواء والشهرة.

ورود وأشواك

ذاق الفيشاوي مرارة اليُتم، حين توفي والده، ووقتها كان في الحادية عشرة من عمره، وتولى رعايته شقيقه الأكبر «رشاد»، حتى تخرج في كلية الآداب بجامعة عين شمس في القاهرة، وظهر حبه للتمثيل عقب انضمامه إلى فريق المسرح بالجامعة، وفي تلك الفترة كان كبار المخرجين يعملون مع فرقة الهواة، ويكتشفون المواهب الشابة، وأتاحت تلك الفرصة أن يشارك في أعمال من إخراج كرم مطاوع وكمال ياسين وعبدالرحيم الزرقاني وغيرهم.

وبعد تخرجه في الجامعة أخذ يتحسس خطواته الأولى في عالم التمثيل، وأدرك أن طريق الفن ليس مفروشاً بالورود، بل تعترضه الأشواك والحواجز، وعانى الفقر وصعوبة العيش، حين قرّر تخفيف الأعباء عن شقيقه «رشاد» وأن يعتمد على نفسه، ورفض أن يلتحق بوظيفة حكومية، رغم حصوله على شهادة جامعية، وتخصصه في اللغة التركية والفارسية، ليطرق أبواب المسارح، ويعمل «كومبارس»، ويتقاضى جنيهاً واحداً يومياً، ويترقب فرصة الانطلاق إلى فضاء النجومية.

وفي منتصف السبعينيات، بدأت رحلة انطلاق «الكومبارس»، وشارك بأدوار صغيرة في مسلسل «أرض النفاق»، وفيلم «الحساب يا مدموزيل»، و«الحب في طريق مسدود»، حتى جاءه دور «ماجد» الابن الأصغر للراحل عبدالمنعم مدبولي في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكراً» 1979 ولفت الأنظار إليه، وبعدها ثبت قدميه بشكل أكبر في الدراما التلفزيونية.

وشكل هذا المسلسل علامة فارقة في مشواره الفني، حين أسند إليه المخرج محمد فاضل دور الطبيب «ماجد» أمام النجوم عبدالمنعم مدبولي وآثار الحكيم وصلاح السعدني ويحيى الفخراني وفردوس عبدالحميد، وتأليف عصام الجنبلاطي، وتدور أحداثه حول الموظف المتقاعد «بابا عبده» واكتشافه حقائق مختلفة عن أبنائه الذين رباهم بجهده وهم «طبيب ومهندس وصحافي وابنة تكمل تعليمها» ويجد أنه يحتاج للتعرف إليهم من جديد.

وفي ذلك الوقت، حقق المسلسل نجاحاً كبيراً، وتابع المشاهدون حلقاته بشغف، وتباينت ردود فعلهم بين تعاطف شديد مع شخصية «بابا عبده» والاستياء من عقوق أبنائه، لا سيما «ماجد» كأول ظهور حقيقي للفيشاوي على الشاشة، ولقاء محفوف بالمغامرة بين ممثل ناشئ وجمهور ظل يستنكر غروره وصلفه، حتى ثاب إلى رشده، وطلب الصفح من أبيه، وكان هذا العمل بوابة انطلاقه عبر الشاشة الصغيرة.

محفوظ عجب

وكان الفيشاوي على موعد آخر مع المخرج محمد فاضل، ومسلسل «ليلة القبض على فاطمة» في عام 1982، قصة الكاتبة سكينة فؤاد، وبطولة فردوس عبدالحميد وهالة صدقي وأمينة رزق وممدوح عبدالعليم، ودارت أحداثه في مدينة بورسعيد (شمال شرقي القاهرة)، ويرصد حياة الفتاة الوطنية «فاطمة» التي تتولى رعاية إخوتها بعد وفاة والدهم، وشهدت العدوان الثلاثي عام 1956 وتهجير سكان مدن القناة، وتنضم إلى الفدائيين، وتنسب بطولتها إلى شقيقها الانتهازي أمين (فاروق الفيشاوي) على الرغم من أنه مشروع خائن، وتعامل مع قوات الاحتلال، وجنى ثروة من وراء ذلك، بينما تحب صياداً شاباً يُدعى سيد وهو شخص متمسك بأخلاقه ووطنيته.

وبعد نحو عشر سنوات جسّد الفيشاوي شخصية «محفوظ عجب» الصحافي الانتهازي في مسلسل «دموع صاحبة الجلالة» (1993)، المأخوذ عن قصة للكاتب موسى صبري، وإخراج يحيى العلمي، وشارك في بطولة العمل النجمة ميرفت أمين وعمر الحريري ودلال عبدالعزيز وعبلة كامل وحسن حسني وشوقي شامخ، ودارت أحداث المسلسل في فترة أوائل الأربعينيات من القرن الماضي وما قبل ثورة يوليو 1952.

كانت شخصية «محفوظ عجب» من أبرز الأعمال التي تركت أثراً كبيراً لدى الجمهور، وبرع فاروق الفيشاوي في تجسيد شخصية الصحافي الذي لا يكترث بشيء سوى تحقيق الشهرة والمال من أجل كسب مزيد من التقرب إلى السلطة، ولعل تقديم الفنان الراحل مثل هذه التركيبة في مطلع حقبة التسعينيات، مغامرة كبيرة لأنها نموذج لشخصية شريرة، وخروج على المفهوم التقليدي للبطل في الأعمال الدرامية.

وقدّم الفيشاوي شخصيات درامية لا يمكن إسقاطها من ذاكرة المشاهد، ومنها دوره في مسلسل «الحاوي»، تأليف محسن زايد وإخراج يحيى العلمي، وبطولة إلهام شاهين ومعالي زايد وأسامة عباس ورشوان توفيق، وجسّد شخصية «فتحي» المخادع، وحقق هذا العمل جماهيرية واسعة حين عُرض على الشاشة الصغيرة في ذلك الوقت.

وبرزت نجومية الراحل في «الحاوي» من خلال تجسيده لنمط آخر من أدوار الشر التي كان يتلون فيها من عمل إلى آخر، لكنه هنا يحمل خصوصية كبيرة لهذا النمط، حيث إن تركيبة الزوج والحبيب المتلاعب الذي يخدع الآخرين، جعلته يقدم أداءً متميزاً في تباين الانفعالات الداخلية للشخصية التي يلعبها، بما يمثل احترافية خاصة من جانب الفنان في الدمج بين مدرسة التجسيد والتشخيص.

كناريا وشركاه

وفي عام 1995، ارتدى الفيشاوي قناع الشاب الوطني الثائر من خلال مسلسل «في بيتنا رجل» القصة الشهيرة للكاتب إحسان عبدالقدوس، وإخراج إبراهيم الصحن، وشارك في البطولة دلال عبدالعزيز وزهرة العلا ورشوان توفيق، وأحمد عبدالعزيز، وتدور أحداثه حول «إبراهيم حمدي» الذي يختبئ في منزل زميله بالجامعة، والمطارد من البوليس خلال فترة الاحتلال الإنكليزي، ويتخذ من منزل عائلة بسيطة مأوى له.

وتميز الفيشاوي بجرأة كبيرة، وغامر بأداء شخصية سبق أن قدمها النجم العالمي عمر الشريف في السينما عام 1961، وكان تحويل الرواية من عمل مقروء إلى مرئي سائداً في ذلك الوقت، ولكنها تلك المرة تخاطب المشاهدين في المنازل، وبعد نجاح هذا العمل، ظهرت على الشاشة الصغيرة الكثير من الأعمال التي سبق تقديمها على شريط سينمائي، مثل «رد قلبي» و»الزوجة الثانية» و»لا أنام» وغيرها.

وتتابعت رحلة الفيشاوي الدرامية، وارتدى قناع الشاب «سيد القوصي» في مسلسل «كناريا وشركاه»، تأليف الكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة، وإخراج إسماعيل عبدالحافظ، وشاركه البطولة الفنانة سمية الألفي ونبيل الحلفاوي وتوفيق عبدالحميد ولوسي، ودارت أحداثه في إطار اجتماعي حول شخص يهوى تربية عصافير الكناريا، ويمارس عمله كخطّاط ومصمم أفيشات، وتضطرب علاقته مع زوجته المتطلعة للثراء، وتتسبب في دخوله السجن.

وحقق فاروق من خلال هذا المسلسل نجومية مغايرة، وفاجأ جمهوره بأداء شخصية الرجل الطيب، والأب لابن في المرحلة العشرينية للمرة الأولى، وهو الدور الذي كان بوابة التعارف بين الفنان محمد إمام والمشاهد، وبعد أن أصبح إمام نجماً في السنوات الأخيرة، تكرّر اللقاء بينهما من خلال فيلم «ليلة هنا وسرور» عام 2018 كضيف شرف، وكانت آخر إطلالة للفيشاوي على شاشة السينما.

وحرص الفنان الراحل على تقديم أدوار تقارب مزاجية الجمهور، الذي يريد مَنْ يُعبِّر عنه بأعمالٍ واقعية، ما جعل رصيده في الدراما، يحوي الكثير من الشخصيات المتنوعة، والمعبرة عن مراحل عمرية مختلفة، وصارت أدواره على الشاشة الصغيرة، بمثابة ألبوم كامل لمسيرة فنان في أيام شبابه وكهولته، وحالة من التوهج الإبداعي المتصل، والبحث عن التفرد والتألق، واحترام عقلية المشاهد، قلما مر بها ممثل خلال مشواره الفني.

الفارس يتغلب على آلامه في «البر الغربي»

عندما رشّح المخرج إسماعيل عبدالحافظ الفنان فاروق الفيشاوي لبطولة مسلسل «في البر الغربي» للمؤلف محمد جلال عبدالقوي، لتجسيد شخصية عرفان الجارحي، الذي يعمل خيّالاً في منطقة «نزلة السمان» القريبة من أهرامات الجيزة كان يعلم جيداً أنه يجيد الفروسية، من دون أن يدري أنه توقف عن ركوب الخيل منذ فترة، لإصابته بآلام في الظهر، حيث نصحه الأطباء بالعلاج الطبيعي.

وفي أول يوم تصوير استشعر الفيشاوي القلق في عيني المخرج، وحتى يزيل مخاوفه، سأل عن الحصان الذي سيمتطيه خلال المسلسل، وقاده في جولة استغرقت أكثر من ساعة بين الأهرامات وأبوالهول، وتسرَّب القلق إلى المخرج، حتى عاد بطل المسلسل، واتجه إليه مبتسماً، ولسان حاله يقول: اطمئن يا عبدالحافظ ما زلتُ فارساً قادراً على ركوب الخيل، ولا تقلق فقد شُفيِت من آلام الظهر بعد الالتزام بنصائح الأطباء. وبعد انتهاء أول مشهد تصوير، طلب الفيشاوي عدم تغيير ذلك الحصان، ليظهر به في باقي المشاهد، لاطمئنانه أنه هادئ ولن يسبب له مشكلات في المشاهد المتبقية، وحين عُرض المسلسل خلال عام 2001، حقق نجاحاً كبيراً، وتألق «الفارس» في دور «عرفان» أمام النجمة رغدة التي لعبت شخصية «ماريا الإنكليزية» والفنانة الكبيرة سناء جميل إلى جانب سوسن بدر وعبلة كامل وعزت أبوعوف.

أحمد الجمَّال

«آخر العنقود» يعاني مرارة اليُتم بعد رحيل والده المهندس الزراعي

بطل مسلسل «في بيتنا رجل» ينافس النجم العالمي عمر الشريف

النجم السينمائي ظـــل متعلـقـــاً بشخصية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

الفتي الوسيم حجز مقعداً في الصف الأول مع نجوم سينما السبعينيات

«أبنائي الأعزاء شكراً» بوابة عبور الممثل الصاعد إلى الدراما التلفزيونية
back to top