د. حامد الحمود ود. الزميع ود. الشطي... جدل في «البنا» والنظام الإسلامي المنشود

نشر في 05-05-2021
آخر تحديث 05-05-2021 | 00:06
 خليل علي حيدر تناول د. حامد الحمود كذلك، في مقاله عن الإخوان المسلمين، إلى جانب نقده لعلاقتهم بالإبداع الفكري والثقافة، قضية أخرى، فقد لاحظ د. الحمود مبالغة الإخوان في الكويت في الإشادة بالمرشد "حسن البنا"، وإسباغ صفات الإمامة والشهادة عليه، وتناول د.الحمود دور البنا وإسهامه الديني من زاوية لم تطرق كثيراً، هي صغر سنه عندما أسس الجماعة!

وتساءل د.الحمود مستغرباً: "لماذا هذا الولاء المبالغ فيه لفكر الإمام حسن البنا الذي كان عمره اثنين وعشرين عاماً، عندما أسس التنظيم؟"، وهل يمكن لشخص بهذا العمر الذي يصحبه حماس الشباب، أن يقدم "فكراً متكاملاً"، أي يقدم فكراً يستحق عليه الإمامة والإرشاد والريادة، رغم أن تنظيم الإخوان، يقول د. الحمود، "على مدى قرن من الزمان لم يستطع جذب حتى المفكرين الإسلاميين إلى حظيرته"؟ وحذر د.الحمود من الأمور التي تترتب على سوء استغلال الألقاب، وقال "إن وصف حسن البنا بالإمام يوحي بالمعصومية"، فهل يعتبره الإخوان معصوماً عن الخطأ؟ وقال إن تعصب الإخوان لمرشدهم شديد، و"الجمود الفكري الذي يتسم به الإخوان في الكويت أصبح ظاهرة لافتة للنظر".

(القبس، 16/ 3/ 2021)

والملاحظ منذ سنوات أن الإخوان في الكويت لم يولوا الكتابة في الصحافة اليومية ما تستحق من عناية ومتابعة وتخصص رغم أهميتها، بل ربما لم تمتلك الجماعة الكادر المطلوب لمتابعة هذا الأمر، وبخاصة بعد تراجع اهتمام القارئ الكويتي، بعد مشاكل الغزو واحتلال الكويت ومواقف الإسلاميين من الاعتداء والتحرير، فتركت الكتابة والدفاع عن الإخوان في الصحافة اليومية غالباً إلى كتاب غير متخصصين وأقلام غير راسخة أو عميقة، ولم تنشر الجماعة مثلاً مقالات ودراسات تعالج مستحدثات الأمور، تاركة الأمر للمعالجة الإعلامية، فلم نجد إلا نادراً في الصحافة اليومية كُتّاباً من عيار د.إسماعيل الشطي أو باحثاً مثل د.علي فهد الزميع، ذوي المتابعة والخبرة المتميزة والإنتاج الرصين.

وللباحثين د.الشطي ود.الزميع كما هو معروف كتابان متميزان في مجال الحركة الإسلامية، هما "الإسلاميون وحكم الدولة الإسلامية" للدكتور الشطي، وكتاب د. الزميع الضخم، 831 صفحة، "في النظرية السياسية الإسلامية".

وفي كتاب د. الشطي تحليلات وانتقادات حول "الأنظمة الإسلامية" التي أقامها الإسلاميون في إيران وتركيا وأفغانستان، وفي كتاب د. "الزميع" ملاحظات ومآخذ قوية على سلوك وعقلية وجمود أعضاء التنظيمات الإسلامية المختلفة.

تلقى شخصية المرشد "البنا" في كتب ومقالات الإخوان المديح الدائم والثناء المستفيض، وتشيد مؤلفات الإخوان بالمكانة الاستثنائية والشخصية شبه الملائكية للمرشد "البنا"، ففي كتاب من 3 مجلدات بعنوان "الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ" يتحدث عضو مهم في الحركة وفي الهيئة "التأسيسية" للإخوان في مصر، "محمود عبدالحليم" (1917-1999)، يقول: "ويمكن إجمال وصف الوقت الذي ظهر فيه حسن البنا بأنه ظهر والأمة ميتة تماماً لا حراك بها". (ج1 ص56) ثم ينطلق في تمجيده للمرشد، فيقطع قول كل خطيب! يقول: "لم أقدر النبوة حق قدرها إلا لما رأيت هذا الرجل، وجلست إليه، ولازمته وعاشرته... حينئذ بدأت أحس بقدر النبي ومكانته، فرجل كحسن البنا هو دون الأنبياء، ومع ذلك فإن الدعوة شغلته بل صهرته حتى أخرجت منه صورة مجسمة لها، فإذا تكلم تكلم بالدعوة وللدعوة، وإذا سكت كان سكوته أسلوبا آخر للدعوة، وإذا تحرك فلها، وإذا سكن فلها، وإذا أحب فلها، وإذا أبغض فلها، وإذا ضحك فلها، وإذا بكى فلها... فكيف بالنبي الذي صنعه الله على عينه...؟".

(الإخوان المسلمون ج1، 1979، ص54)

ويشيد معدو كتاب "فقه الواقع" الذي يتضمن مقالات تنشر لأول مرة للمرشد، "بالإمام الشهيد" في جزأي الكتاب، القاهرة 1999، وقد جاء في الكتاب: "كان حسن البنا كاتباً وخطيباً ومحدثاً آية من آيات البيان والتعبير، ووراء ذلك كله المحصول الضخم من القراءات والثقافات والتجارب، فقد أحاط بالتراث الإسلامي إحاطة طيبة وعرف من الناس العشرات، استمع اليهم وحدثهم وعرف تجاربهم وما وعوه من سير الدعوة والدعاة!"، ويضيف الكتاب: "يقول الدكتور منصور فهمي: (كان على قدر عظيم من الإيمان والذكاء ومبشراً من الصالحين يدعو لوجه الله على أبلغ ما يدعو داعية مؤمن بما يقول، على خير صور التبليغ الذي يصل به المعلم المختار الملهم الى نفوس تلاميذه وأذهان مريديه". (ص179).

ولا يدل تراث "حسن البنا" بالطبع، ومنها رسائله ومذكراته ومقالاته، على أي عمق فكري غير معهود، أو قراءة جديدة أو مقارنات فذة، أو رؤية استثنائية في الدين والتاريخ الإسلامي والتراث، و"الثقافات والتجارب" كما جاء في الكتاب المشار إليه، بقدر ما يجد المطالع والمقارن، قراءة متحمسة دعوية، كالتي يجدها في كتب دعاة كثر لا داعي لذكر أسمائهم وكتبهم، ولكن هكذا أحب أتباعه من الإخوان النظر اليه في عليائه ولا يزالون، وعلينا أن نتذكر أن هذه الحركة تصنع الدعاة والأتباع المخلصين لا المفكرين والمجددين والمثقفين والنقاد.

وينتقد د.علي الزميع في كتابه المشار إليه، تقديس القيادات الحركية، والعديد من سلبيات التنظيمات الإسلامية، كالتصور المثالي للدولة الإسلامية السابحة في دنيا الأحلام والمثال ويعارض تقديس القيادات، كما يدعو الى تحكيم "مقاصد الشريعة" في شكل وقوانين الدولة الإسلامية لا مجرد تحكيم النصوص والفتاوى والمتشددة، وأخذ على قواعد وأنصار بعض التيارات الإسلامية "التفكير الجمعي" وغياب "النهج العقلي" و"التفكير المستقل"، وعن الدولة الإسلامية التي تداعب خيال هذه الجماعات، يقول إنهم يسعون وراء خيال! ويضيف "إن تلك التيارات ونتيجة لقراءة ولرؤية مجتزأة للتاريخ الإسلامي قد حولت الدين إلى يوتوبيا، يصعب تطبيقها في عالم الواقع، إذ خلقت في وعيها الجمعي عالما مثاليا خاليا من النواقص اعتقدت أن المسلمين قد عاشوه بالفعل في كل حقبهم التاريخية دون استثناء، وأن هذا الواقع يمكن إعادة إنتاجه بكل مشتملاته وبذات آلياته في اللحظة الراهنة، متجاهلين الاختلاف الجذري بين الزمنين والتطورات الهائلة التي قفزت إليها البشرية في عصرنا هذا".

(في النظرية السياسية، ص307).

ويتخوف د. "الزميع" من عواقب هذه المبالغة وهذا الإجلال المفرط الذي قد يلد في نهاية الأمر الطغاة!: "إن تلك التيارات- وبشكل سلبي- ارتكزت على تقديس قيادتها- وخصوصا مؤسسيها- وإعطاء هذه القيادات حصانات دينية وفكرية وسياسية وشخصية تنزهها عن الخطأ بشكل مبالغ فيه مما أفقد هذه الحركات والتيارات مفاهيم وقيم وسياسات العمل المؤسسي الجماعي الذي كان يفترض أن يميزها".

ويضيف إن هذه الجماعات تنطلق من التصديق المطلق لما تحمل من تفاسير وآراء واجتهادات وبرامج، إلى إخراج "الآخر" من إطار الحق والإيمان وحتى الأمة، "فتفسيرها الشخصي للدين يظل دائما في وعيها أنه هو الدين الصحيح"، وعن النظرة التسلطية لمثل هذه الجماعات وخطورتها يقول: "فالخطر الحقيقي لدى إجمالي التيارات الإسلامية وقواعدها وجماهيرها الإسلامية يكمن في اعتقادها وإيمانها اليقيني أنها تحمل المشروع الحضاري والديني الوحيد، الذي من شأنه إنقاذ الأمة، ومن ثم تحاول الوصول إلى السلطة لفرض هذا المشروع والبرنامج على الجميع".

لقد أخذ د.حامد الحمود على الإخوان "الجمود الفكري"، وهي الملاحظة نفسها التي يؤكدها "د.الزميع" إذ يقول مختتما: "الملاحظة الأساسية التي يبرر بها الكثيرون تراجع أداء التيار السياسي الإسلامي، هي حالة الجمود الفكري والشرعي وبخاصة السياسي منه نتيجة عوامل مختلفة ومتعددة منها عوامل ثقافية خاصة بها، إضافة إلى واقع تاريخي جعلها دائما في موقع المعارضة والملاحقة، وصراعهم السياسي المستمر مع خصومهم".

(في النظرية السياسية الإسلامية، د.علي فهد الزميع، الكويت، 2018، ص 308-309).

ويذهب د.إسماعيل الشطي إلى أبعد من مجرد نقد الجمود، فيعمد حتى إلى نقد "نموذج الدولة" لدى الإسلاميين، فـ"نموذج الدولة الإسلامية"، يضيف د.الشطي، "الذي ولد مع التاريخ الهجري وقام بهدي من مبادئ الإسلام العامة"، يقول د.الشطي عن هذا النموذج "هو من صنيعة الاجتهادات الإنسانية وليس من صنيعة النصوص الدينية".

وعن قيمة هذا النموذج السياسي الموروث ومستقبله يقول: "من حقنا أن نحترمه وأن نقف عنده ونستفيد منه دون أن نقدسه ونسجن أنفسنا داخل أسواره، خصوصاً إذا ما أصبح عبئا يحول دون تعايشنا مع العصر وتقدمنا نحو الأمام". (المصدر نفسه، ص15)

وبهذا يفتح د.الشطي التجربة الإسلامية على كل الاحتمالات!

خليل علي حيدر

back to top