‏الرئيس الأميركي جو بايدن ومشاكل غرب البلقان

نشر في 30-04-2021
آخر تحديث 30-04-2021 | 00:00
لكبح النفوذ الصيني والروسي في البلقان، يجب أن تتعاون الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، إذ يستطيع الاتحاد أن يُحدِث تغيرات دائمة في المنطقة نظراً إلى قربه من البلقان ونفوذه الاقتصادي هناك وبراعته في الحُكم ونشر الديمقراطية، كما تستطيع الولايات المتحدة من جهتها أن تضغط على قادة البلقان الذين يريدون وضع الغرب في مواجهة مع الشرق.
أصبحت مسائل كثيرة على المحك في البلقان خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر الماضي، فقد أخفق الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش حين راهن على فوز دونالد ترامب، فكان يأمل أن تتابع الولايات المتحدة برئاسة ترامب مراعاة المصالح الصربية في طريقة تعاملها مع النزاع على كوسوفو ومسائل أخرى، إذ كانت السياسة الخارجية الأميركية تجاه البلقان في عهد ترامب تزدري الاتحاد الأوروبي وغياب السياسات المتماسكة، وقد اتضحت هذه النزعة عند عقد «اتفاق التطبيع الاقتصادي» بين بلغراد وبريشتينا في سبتمبر 2020، كما أن فوتشيتش هنأ جو بايدن على فوزه رغم كل شيء، لكن شعر القادة الآخرون في البلقان بارتياح إضافي على الأرجح بعد فوز بايدن.

في عهد بايدن، من المتوقع أن تزيد السياسة الأميركية في هذه المنطقة تركيزها على العلاقات العابرة للأطلسي، وقد تطالب بحل النزاعات الإقليمية المستمرة، بما في ذلك ملف كوسوفو، وفي رسالة وجّهها بايدن إلى قادة صربيا وكوسوفو في فبراير 2021، دعا الرئيس الأميركي إلى إيجاد حل مبني على «الاعتراف المتبادل»، ولا شك أن بايدن يريد حل هذا النزاع بأي ثمن، فقد كرر الكلمات نفسها حول الاعتراف المتبادل في رسالة أخرى وجّهها حديثاً إلى رئيسة كوسوفو الجديدة فيوسا عثماني. اليوم، يتوقع عدد كبير من السياسيين، بما في ذلك نيكولاس بيرنز، أحد مستشاري بايدن والسفير الأميركي المحتمل في الصين، أن يدعو البيت الأبيض إلى حل ملف كوسوفو، ونشر الديمقراطية الليبرالية، وضم المنطقة إلى محور الغرب تزامناً مع تكثيف التعاون مع الاتحاد الأوروبي.

سيضطر المسؤولون الأميركيون للتعامل مع ثلاث مجموعات من التحديات في البلقان: نزاع كوسوفو العالق، وتراجع مظاهر الديمقراطية في المنطقة، وتنامي نفوذ روسيا والصين. يبقى النفوذ الأميركي عاملاً أساسياً لتجاوز هذه التحديات، لكن لن تتمكن إدارة بايدن من تقديم حلول سريعة لهذه المشاكل. بل يُفترض أن تطرح الولايات المتحدة سياسة مدروسة وأكثر تواضعاً في ملفات كوسوفو ودعم الديمقراطية، وفيما يخص روسيا والصين، يجب أن تقدم واشنطن بدائل عملية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بدل محاولة التخلص من النفوذ الروسي والإيراني عبر تكثيف الضغوط.

الحل أصعب من المتوقع

لا يزال الوقت مبكراً للتفاؤل بالوضع، فلا يمكن أن تتوقع إدارة بايدن إيجاد حل سريع لملف كوسوفو، لا سيما إذا كان يشمل اعتراف بلغراد بكوسوفو، وإذا اعترف أي زعيم صربي بكوسوفو، سيكون موقفه أشبه بانتحار سياسي حقيقي إذا لم تقدّم كوسوفو أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي تنازلات كبرى لحفظ ماء وجهه، كذلك يصعب أن يكثّف بايدن الضغوط على صربيا كي تعترف بكوسوفو لأن الرئيس الأميركي لا يحظى بشعبية واسعة هناك بسبب موقفه الداعم للتدخل في فترة التسعينيات، فقد زار بايدن صربيا في عام 2016 وقدّم تعازيه لعائلات الصرب الذين قُتِلوا خلال تدخّل قوات حلف الناتو في عام 1999، لكن لن ينسى الناس هناك سجله الداعم لكوسوفو بسهولة.

تعارض مختلف الأطياف السياسية في صربيا الاعتراف بكوسوفو، لذا قد تترافق أي محاولة للضغط على البلد علناً مع نتائج عكسية وتقدم فرصة ذهبية لروسيا كي تزيد نفوذها في بلغراد، ويصعب أن توافق صربيا على تقديم التنازلات بعد رسالة بايدن التي تدعوها إلى الاعتراف بكوسوفو، وحتى لو وصلت أحزاب سياسية ليبرالية إلى السلطة في صربيا في مرحلة معينة، فإن المعارضة الراهنة ستجد صعوبة في التوصل إلى تسوية بشأن كوسوفو بسبب ردة الفعل المحلية المتوقعة في أوساط القوميين، ويجب ألا ينسى أحد وجود معارضة قومية قد تكون أكثر صرامة من فوتشيتش نفسه.

يزداد الوضع تعقيداً في كوسوفو أيضاً، فعلى غرار المسؤولين الصرب، لا تبدي الحكومة الجديدة برئاسة ألبين كورتي استعدادها لتقديم التنازلات ولا تعتبر الحوار ضرورياً في ظل اشتداد المصاعب المحلية في كوسوفو، ووفق استطلاعات الرأي يضع المواطنون في كوسوفو الحوار مع صربيا في المرتبة السادسة أو السابعة من حيث الأهمية، ورغم شعبية بايدن والولايات المتحدة وسط الألبان في كوسوفو، فقد تعوق ميول كورتي الشعبوية أي علاقة مثمرة مع بايدن، إذ يثبت رفض كورتي إلغاء الرسوم الجمركية ضد صربيا واضطرار ترامب للتشجيع على عدم منحه الثقة بأن النفوذ الأميركي في بريشتينا ليس كبيراً.

تتعدد الخيارات التي تسمح لإدارة بايدن بنشر الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان في البلقان، لكن لن يكون أيٌّ منها سهلاً أو واضح المعالم، فقد تُركّز جهود واشنطن الدبلوماسية على صربيا مثلاً، ولن يكون قطع العلاقات مع فوتشيتش وتقديم الدعم إلى المعارضة والمجتمع المدني عملية سهلة، ونظراً إلى تراجع شعبية بايدن في صربيا، سيصبح أي زعيم أو معسكر يحظى بدعم أميركي هدفاً سهلاً للحملة الدعائية الحكومية.

يبقى تأثير واشنطن في البلقان محدوداً إذاً، ونتيجةً لذلك لن يؤدي استعمال أقوى أداة أميركية (أي العقوبات المالية الثانوية) إلى نشر مشاعر إيجابية تجاه الغرب وسط النُخَب المحلية والمواطنين عموماً، كذلك يصعب كبح جميع التجاوزات الروسية والصينية في البلقان، حيث تستورد هذه المنطقة الغاز من روسيا لأنها لا تملك أي خيار آخر، وتبدو القروض الصينية لمشاريع البنى التحتية جاذبة نظراً إلى غياب التمويل من الاتحاد الأوروبي.

على صعيد آخر، تشتري هذه المنطقة اللقاحات الروسية والصينية اليوم لأن الاتحاد الأوروبي فشل في تأمينها في الوقت المناسب، ولزيادة النفوذ الأميركي الإقليمي، ستضطر الولايات المتحدة لتقديم المكافآت وفرض العقوبات في آن للتعامل مع أصحاب المصلحة المحليين. تاريخياً، لطالما فضّلت واشنطن أن تُهدد بفرض العقوبات، وقد يزداد الوضع صعوبة على الولايات المتحدة أيضاً بسبب السياسات الانتقالية، إذ عمدت «مؤسسة تمويل التنمية الدولية» الأميركية، التي اختارت بلغراد لفتح مكتبها الإقليمي في غرب البلقان بقرار من إدارة ترامب بهدف تشجيع الاستثمارات والتجارة، إلى إقالة مدير المكتب الذي عيّنه ترامب، جون يوفانوفيتش، فور وصول بايدن إلى سدة الرئاسة، مما أدى إلى توجيه رسالة مغلوظة إلى بلغراد، ومن دون تقديم اقتراح مضاد، لن تتخلى صربيا ومنطقة البلقان عموماً عن روسيا والصين.

إلى أين؟

ما أفضل مقاربة تستطيع إدارة بايدن اتخاذها في البلقان إذاً؟ في ما يخص كوسوفو، يجب أن تسمح واشنطن للاتحاد الأوروبي بتأدية دور الوساطة منعاً لأي ارتباك دبلوماسي وتعبيراً عن احترام الولايات المتحدة للأوروبيين على اعتبار أن هذه المنطقة تبقى مجاورة لأوروبا في المقام الأول، في الوقت نفسه، يجب أن تتابع واشنطن استعمال نفوذها السياسي والدبلوماسي مع صربيا والجانب الألباني لضمان حُسن النوايا خلال المفاوضات بدل استخدام ذلك النفوذ كمنصة لافتعال استفزازات سياسية متبادلة، والأهم من ذلك هو أن تتجنب واشنطن تحديد المُهَل النهائية ورفع سقف التوقعات من الاتفاق النهائي. فيما يخص التعامل الأميركي مع الاتحاد الأوروبي، يجب أن تُركّز الولايات المتحدة على المسائل التي تؤثر على حياة المواطنين العاديين، أي الصرب والألبان معاً، ويُفترض أن تنشغل واشنطن إذاً بمسائل مثل التجارة، والتنمية، والفساد، وحقوق الإنسان والأقليات، ومكانة المواقع الصربية الثقافية والدينية، وممتلكات الأفراد والكيانات الخاصة، والمفقودين، وإنشاء نظام بلا تأشيرة لمواطني كوسوفو، ولن تعطي هذه المقاربة نتائج سريعة، لكنها ستُمهّد حتماً لإحراز التقدم مستقبلاً.

في ملف الديمقراطية، يجب أن تتجنب الولايات المتحدة الانحياز إلى السياسات الحزبية الفوضوية المحلية في البلقان، لكن في أماكن مثل صربيا، تستطيع واشنطن أن تشارك في تجديد التوازن عبر التدخل دبلوماسياً لدعم حرية الإعلام والتغطية الإعلامية المتساوية لجميع المشاركين في الاستحقاقات الانتخابية، لكن من دون تأييد أي من الأحزاب الصربية أو القادة الصرب، كما فعلت سابقاً حين دعمت المعارضة المعادية لسلوبودان ميلوسيفيتش. يجب أن تطبّق الولايات المتحدة هذه المقاربة بطريقة ضمنية وهادئة كي لا تصبح ضحية سهلة للنخب المحلية.

لكبح النفوذ الصيني والروسي في البلقان، يجب أن تتعاون الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، إذ يستطيع الاتحاد أن يُحدِث تغيرات دائمة في المنطقة نظراً إلى قربه من البلقان ونفوذه الاقتصادي هناك وبراعته في الحُكم ونشر الديمقراطية، كما تستطيع الولايات المتحدة من جهتها أن تضغط على قادة البلقان الذين يريدون وضع الغرب في مواجهة مع الشرق، لكن يجب أن يقدم الاتحاد الأوروبي خياراً بديلاً عن التعاون مع القوى غير الغربية. يُفترض أن تستعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواردهما المالية ويقدّما للحكومات والمواطنين مشاريع تهمّهم في مجالات مثل البنى التحتية والصحة والبيئة. قد تكون هذه الخطط السياسية بطيئة وغير مُرضِية بالنسبة إلى المعسكر الذي يتمنى أن تطرح إدارة بايدن حلولاً سريعة وتغلق ملف البلقان نهائياً. لكن يبقى التقدم التدريجي والمتماسك أفضل من خيبات الأمل المتراكمة على مر السنين الماضية.

فوك فوكسانوفيك – وور أون ذا روكس

يجب أن تتجنب الولايات المتحدة الانحياز إلى السياسات الحزبية الفوضوية المحلية في البلقان

في عهد بايدن من المتوقع أن تزيد السياسة الأميركية في البلقان تركيزها على العلاقات العابرة للأطلسي
back to top