انتصار جيش النعمان على الروم وحصار القسطنطينية (16 - 30)

الزاهد المتعبد يقتل شركان ومجموعة من الفرسان وهم نيام

نشر في 30-04-2021
آخر تحديث 30-04-2021 | 00:00
No Image Caption
تواصل شهرزاد في هذه الحلقة، حديث الحرب بين جيش المسلمين والروم، بعد اصطفاف الجيشين للمواجهة، وتسرد تفاصيل المبارزة التي طلبها الملك أفريدون من شركان، وفي يوم المبارزة يصاب شركان في صدره، بعد خداع أفريدون له، ويعود ليتلقى العلاج، وفي الليل تحتال ذات الدواهي للدخول عليه وهي مازالت في زي العابد، وتجده نائما وحيدا فتذبحه بخنجر أخفته بين طيات ملابسها وتهرب، وبعد علم أخيه ضوء المكان ينتقم من ملك القسطنطينية ويفصل رأسه عن جسده، ويكتب لجيش المسلمين النصر.
قالت شهرزاد: بعد اصطفاف الجيشين، أقبل شركان على أخيه ضوء المكان، وقال له: يا ملك الزمان لا شك أنهم يريدون المبارزة وهذا غاية مرادنا، ولكن أحب أن أقدم من العسكر من له عزم ثابت، فقال السلطان: ماذا تريد يا صاحب الرأي السديد? فقال شركان: أريد أن أكون في قلب عسكر الكفار، وأن يكون الوزير دندان في الميسرة، وأنت في الميمنة، والأمير بهرام في الجناح الأيمن، والأمير رستم في الجناح الأيسر، وأنت أيها الملك العظيم تكون تحت الأعلام والرايات لأنك عمادنا.

رسول أفريدون

اقرأ أيضا

فبينما هم كذلك وإذا بفارس قد ظهر من عسكر الروم، فلما قرب رأوه راكباً على بغلة قطوف تفر بصاحبها من وقع السيوف وبردعتها من أبيض الحرير، ولم يزل يسرع بها وينهض حتى قرب من عسكر المسلمين، وقال: إني رسول إليكم أجمعين، وما على الرسول إلا البلاغ، فأعطوني الأمان والإقالة حتى أبلغكم الرسالة.

فقال له شركان: لك الأمان فلا تخش حرب سيف ولا طعن سنان، فعند ذلك ترجل الشيخ بين يدي السلطان وخضع له خضوع راجي الإحسان، فقال له المسلمون: ما معك من الأخبار? فقال: إني رسول من عند الملك أفريدون، فإني نصحته وبينت له أن الصواب حقن الدماء والاقتصار على فارسين في الهيجاء، فأجابني إلى ذلك وهو يقول لكم: إني فديت عسكري بروحي، فليفعل ملك المسلمين مثلي ويفدي عسكره بروحه، فإن قتلني فلا يبقى لعسكر الكفار ثبات، وإن قتله فلا يبقى لعسكر المسلمين ثبات. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

يوم المبارزة

وفي الليلة الثانية والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، لما سمع شركان هذا الكلام قال: يا راهب إنا أجبناه إلى ذلك، فإن هذا هو الإنصاف فلا يكون منه خلاف، وها أنا أبرز إليه وأحمل عليه، فإني فارس المسلمين غير المفر، فارجع إليه أيها الراهب، وقل له إن المبارزة في غد، لأننا أتينا من سفرنا على تعب في هذا اليوم وبعد الراحة لا عتب ولا لوم، فرجع الراهب وهو مسرور حتى وصل إلى الملك أفريدون وملك الروم وأخبرهما، ففرح الملك أفريدون وملك الروم غاية الفرح وزال الهم والترح، وقال في نفسه: لا شك أن شركان هذا هو أضربهم بالسيف وأطعنهم بالسنان، فإذا قتلته انكسرت همتهم وضعفت قوتهم، وقد كانت ذات الدواهي كاتبت الملك أفريدون بذلك، وقالت له: إن شركان هو فارس الشجعان وشجاع الفرسان، وحذرت أفريدون من شركان، وكان أفريدون فارساً عظيماً، لأنه كان يقاتل بأنواع القتال ويرمي بالحجارة والنبال ويضرب بالعمود الحديد، ولا يخشى من البأس الشديد.

المبارزة القاتلة

فلما سمع قول الراهب من أن شركان أجاب إلى المبارزة، كاد يطير من شدة الفرح، لأنه واثق بنفسه، ويعلم أنه لا طاقة لأحد به، ثم بات الكفار تلك الليلة في فرح وسرور، فلما كان الصباح أقبلت الفوارس بسمر الرماح وبيض الصفاح، وإذا هم بفارس قد برز في الميدان وهو راكب على جواد من الخيل الجياد، معد للحرب والجلاد، وأن الفارس كشف عن وجهه، وقال: من عرفني فقد اكتفاني، ومن لم يعرفني فسوف يراني، أنا أفريدون المغمور ببركة شواهي ذات الدواهي، فما تم كلامه حتى خرج في وجهه فارس المسلمين شركان، وهو راكب على جواد أشقر يساوي ألفاً من الذهب الأحمر، وعليه عدة مزركشة بالدرر والجوهر، وهو متقلد بسيف هندي مجوهر يقد الرقاب ويهون الأمور الصعاب.

ثم ساق جواده بين الصفين والفرسان تنظره بالعين، ثم نادى أفريدون، وقال له: ويلك يا ملعون أتظنني كمن لاقيت من الفرسان ولا يثبت معك في حومة الميدان، ثم حمل كل منهما على صاحبه فصار الاثنان كأنهما جبلان يصطدمان أو بحران يلتطمان، ثم تقاربا وتباعدا، وصاح الملك أفريدون على شركان، وقال: ما أنت إلا فارس كرار وبطل مغوار، غير أنك غدار وطبعك ما هو طبع الأخيار، لأني أرى فعالك غير حميدة وقتالك قتال الصناديد، وقومك ينسبونك إلى العبيد، وها هم أخرجوا لك غير جوادك، وتعود إلى القتال وإني حق ديني قد أعياني قتالك وأتعبني ضربك، فإن كنت تريد قتالي في هذه الليلة فلا تغير شيئاً من عدتك ولا جودتك، حتى يظهر الفرسان كرمك وقتالك.

خداع شركان

فلما سمع شركان هذا الكلام اغتاظ من قول أصحابه في حقه، حيث ينسبونه إلى العبيد، فالتفت إليهم شركان وأراد أن يسير إليهم ويأمرهم أن لا يغيروا له جواداً ولا عدة، وإذا بأفريدون هز حربته وأرسلها إلى شركان، فالتفت وراءه فلم يجد أحداً فعلم أنها حيلة من الملعون، فرد وجهه بسرعة وإذا بالحربة قد أدركته، فمال عنها حتى ساوى برأسه قربوس سرجه، فجرت الحربة على صدره، وكان شركان عالي الصدر فكشطت الحربة جلدة صدره، فصاح صيحة واحدة وغاب عن الدنيا، ففرح الملعون أفريدون بذلك وعرف أنه قد قتل، فصاح على الكفار ونادى بالفرح، فهاجت أهل الطغيان، وبكت أهل الإيمان، فلما رأى ضوء المكان أخاه مائلاً على الجواد حتى كاد يقع، أرسل نحوه الفرسان فتسابقت إليه الأبطال وأتوا به إليه، وحملت الكفار على المسلمين والتقى الجيشان واختلط الصفان وعمل اليماني، وكان أسبق الناس إلى شركان الوزير دندان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

إصابة شركان

وفي الليلة الثالثة والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، ان الملك ضوء المكان لما رأى اللعين قد ضرب أخاه شركان بالحربة ظن أنه مات، فأرسل إليه الفرسان، وكان أسبق الناس إليه الوزير دندان، وأمير الترك بهرام، وأمير الديلم فلحقوه، وقد مال عن جواده فأسندوه ورجعوا به إلى أخيه ضوء المكان، ثم عادوا إلى الحرب والطعان، واشتد النزال، وتقصفت النصال، وبطل القيل والقال، فلا يرى إلا دم سائل وعنق مائل، ولم يزل السيف يعمل في الأعناق، واشتد الشقاق إلى أن أقبل الليل وكلت الطائفتان عن القتال فنادوا بالانفصال، ورجعت كل طائفة إلى خيامها، وتوجه جميع الكفار إلى ملكهم أفريدون، وهنأه القسوس والرهبان بظفره بشركان، ثم إن الملك أفريدون دخل القسطنطينية وجلس على كرسي مملكته.

مشورة

فقال أفريدون: في غد يكون الانفصال إذا خرجت إلى النزال وطلبت ضوء المكان وقتلته، فإنهم يولون الأدبار ويركنون إلى الفرار، أما ضوء المكان لما رجع إلى الخيام فلم يكن له شغل إلا بأخيه، فلما دخل عليه وجده في أسوأ الأحوال وأشد الأهوال، فدعا بالوزير دندان ورستم وبهرام للمشورة، فلما دخلوا عليه اقتضى رأيهم إحضار الحكماء لعلاج شركان وعند إلى الصباح، فعند ذلك استفاق شركان وفتح عينيه وأدار لسانه في فمه وتكلم، ففرح السلطان ضوء المكان وقال: قد حصلت له بركة الزاهد، فقال شركان: الحمد لله على العافية فإنني بخير في هذه الساعة، وقد عمل علي هذا الملعون حيلة، ولولا أني زغت أسرع من البرق لكانت الحربة نفذت في صدري، فالحمد لله الذي نجاني، وكيف حال المسلمين، فقال ضوء المكان: هم في بكاء من أجلك، فقال: إني بخير وعافية، وأين الزاهد وهو عند رأسه قاعد، فقال له: عند رأسك، فقام إليه وقبّل يديه. فقال الزاهد: يا ولدي عليك بجميل الصبر يعظم الله لك الأجر، فإن الأجر على قدر المشقة، فقال لشركان: ادع لي، فدعا له.

انتقام ضوء المكان

فلما أصبح الصباح وبان الفجر ولاح، برز المسلمون إلى ميدان الحرب، أراد الملك ضوء المكان وأفريدون أن يحملا على بعضهما، وخشى المسلمون على ضوء المكان وقالوا: نحن فداك، فقال لهم: وحق البيت الحرام وزمزم والمقام لا أقعد عن الخروج، فلما صار في الميدان لعب بالسيف والسنان حتى أذهل الفرسان، وتعجب الفريقان وحمل في الميمنة فقتل منها بطريقين، وفي الميسرة فقتل منها بطريقين، ونادى في وسط الميدان: أين أفريدون حتى أذيقه عذاب الهوان فأراد الملعون أن يولي وهو مغبون، فأقسم عليه ضوء المكان ألا يبرح من الميدان، وقال له: يا ملك بالأمس كان قتال أخي واليوم قتالي، وأنا بشجاعتك لا أبالي، ثم خرج وبيده صارم وتحته حصان كأنه عنتر في حومة الميدان، وذلك الحصان أدهم مغاير.

موت أفريدون

ثم حمل كل منهما على صاحبه، واحترس من مضاربه وأظهر ما في بطنه من عجائبه، وأخذا في الكر والفر حتى ضاقت الصدر وقل الصبر للمقدور، وصاح ضوء المكان وهجم على ملك القسطنطينية أفريدون وضربه ضربة أطاح بها رأسه وقطع أنفاسه، فلما نظرت الكفار إلى ذلك حملوا جميعاً عليه وتوجهوا بكليتهم إليه، فقابلهم في حومة الميدان واستمر الضرب والطعان حتى سال الدم بالجريان، وضج المسلمون بالتكبير والتهليل، وقاتلوا قتالاً شديداً، وأنزل الله النصر على المؤمنين، والخزي على الكافرين، وصاح الوزير دندان: خذوا بثأر الملك عمر النعمان وثأر ولده شركان، وكان بجانبه أكثر من عشرين ألف فارس فحملوا معه حملة واحدة، فلم يجد الكفار لأنفسهم غير الفرار وتولي الأدبار، وعمل فيهم الصارم البتار فقتل منهم نحو خمسين ألف فارس وأسروا ما يزيد على ذلك، وقتل عند دخول الباب خلق كثير من شدة الزحام، ثم أغلقوا الباب وطلعوا فوق الأسوار وخافوا خوف العذاب، وعادت طوائف المسلمين مؤيدين منصورين، وأتوا خيامهم، ودخل ضوء المكان على أخيه فوجده في أسر الأحوال فسجد وشكر الكريم المتعال ثم أقبل عليه وهنأه بالسلامة.

فقال شركان: إننا كلنا في بركة هذا الزاهد الأواب، ما انتصرنا إلا بدعائه المستجاب، فإنه لم يزل قاعداً يدعو للمسلمين بالنصر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

حزن ذات الدواهي

وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن شركان قال لأخيه ضوء المكان فاحك لي يا أخي ما وقع لك فحكى له جميع ما وقع له مع الملك الملعون أفريدون وأخبره أنه قتله وراح إلى لعنة الله، فأثنى عليه وشكر مسعاه، فلما سمعت ذات الدواهي وهي في صفة الزاهد بقتل أفريدون انقلب لونها إلى الاصفرار، وتغرغرت عيناها بالدموع الغزار، ولكنها أخفت ذلك وأظهرت للمسلمين أنها فرحت وأنها تبكي من شدة الفرح.

وفاة شركان

ثم إن الوزير دندان والملك ضوء المكان والحاجب استمروا جالسين عند الملك شركان حتى عملوا له اللزق وأعطوه الدواء، فتوجهت إليه العافية وفرحوا بذلك فرحاً شديداً، وأعلموا به العساكر فتباشر المسلمون، وقالوا في غد يركب معنا ويباشر الحصار، ثم إن شركان قال لهم: إنكم قاتلتم اليوم وتعبتم من القتال فينبغي أن تتوجهوا إلى أماكنكم لتناموا ولا تسهروا فأجابوه إلى ذلك، وتوجه كل منهم إلى سرادقه، وما بقي عند شركان سوى قليل من الغلمان والعجوز ذات الدواهي، ثم اضطجع لينام وكذلك الغلمان، أما العجوز ذات الدواهي، فإنها بعد نومهم صارت يقظانة وحدها في الخيمة، نظرت إلى شركان فوجدته مستغرقاً في النوم، فوثبت على قدميها كأنها دبة معطاء أو آفة نقطاء، وأخرجت من وسطها خنجراً مسموماً لو وضع على صخرة لأذابها ثم جردته من غمده، وأتت عند رأس شركان وجردته على رقبته فذبحته وأزالت رأسه عن جسده، ثم وثبت على قدميها وأتت إلى الغلمان النيام وقطعت رؤوسهم لئلا ينتبهوا، ثم خرجت من الخيمة وأتت إلى خيام السلطان، فوجدت الحراس غير نائمين، فمالت إلى خيمة الوزير دندان فوقعت عينه عليها، فقال: مرحبا بالزاهد العابد فلما سمعت ذلك من الوزير ارتجف قلبها، وقالت له: إن سبب مجيئي إلى هنا في هذا الوقت أني سمعت صوت ولي من أولياء الله وأنا ذاهب إليه ثم ولت.

هروب العجوز

فقال الوزير دندان في نفسه: والله لأتبع هذا الزاهد في هذه الليلة، فلما أحست الملعونة بمشيه عرفت أنه وراءها فخشيت أن تفتضح، وقالت في نفسها: إن لم أخدعه بحيلة فإني أفتضح، فأقبلت إليه وقالت: أيها الوزير إني سائر خلف هذا الولي لأعرفه وبعد أن أعرفه أستأذنه في مجيئك إليه وأقبل عليك وأخبرك، لأني أخاف أن تذهب معي بغير استئذان الولي فيحصل له نفرة مني إذا رآك معي، فلما سمع الوزير كلامها استحى أن يرد عليها جواباً فتركها ورجع إلى خيمته وأراد أن ينام فما طاب له منام، وكادت الدنيا تنطبق عليه فقام وخرج من خيمته، وقال في نفسه: أنا أمضي إلى شركان وأتحدث معه إلى الصباح، فسار إلى أن دخل خيمة شركان فوجد الدم سائلاً منه كالقناة، ونظر الغلمان مذبوحين، فصاح صيحة أزعجت كل من كان نائماً، فتسارعت الخلق إليه فرأوا الدم سائلاً فضجوا بالبكاء والنحيب.

فعند ذلك استيقظ السلطان ضوء المكان وسأل عن الخبر، فقيل له: إن شركان أخاك والغلمان مقتولون فقام مسرعاً إلى أن دخل الخيمة، وجد جثة أخيه بلا رأس فغاب عن الدنيا وصاحت كل العساكر وبكوا وداروا حول ضوء المكان ساعة حتى استفاق ثم نظر إلى شركان وبكى بكاء شديداً وفعل مثله الوزير ورستم وبهرام، وأما الحاجب فإنه صاح وأكثر من النواح، ثم طلب الارتحال لما به من الأوجال فقال الملك: أما علمتم بالذي فعل بأخي هذه الأفعال، ومالي لا أرى الزاهد الذي عن متاع الدنيا متباعد? فقال الوزير: ومن جلب هذه الأحزان إلا هذا الزاهد الشيطان فوالله إن قلبي نفر منه في الأول والآخر، لأنني أعرف أن كل متنطع في الدين خبيث ماكر، ثم إن الناس ضبوا بالبكاء والنحيب، وتضرعوا إلى القريب المجيب أن يوقع في أيديهم ذلك الزاهد الذي هو لآيات الله جاحد، ثم جهزوا شركان ودفنوه وحزنوا على فضله المشهور. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

كشف القناع

وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، ان الملعونة لما فرغت عن الداهية التي عملتها والمخازي التي لنفسها أبدتها، أخذت دواة وقرطاساً وكتبت فيه: من عند شواهي ذات الدواهي إلى حضرة المسلمين أعلموا أني دخلت بلادكم وغششت بلؤمي كرامكم، وقتلت سابقاً ملككم عمر النعمان في وسط قصره، وقتلت أيضاً في واقعة الشعب والمغارة رجالاً كثيرة وآخر من قتلته بمكري ودهائي وغدري شركان وغلمانه، وأنا الذي أتيت إليكم في زي الزاهد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

باب القسطنطينية

وأما ما كان من أمر المسلمين فإنهم أقاموا ثلاثة أيام في هم واغتمام، وفي اليوم الرابع نظروا إلى ناحية السور وإذا ببطريق معه سهم نشاب، وفي عرفه كتاب فصبروا عليه حتى رماه إليهم فأمر السلطان الوزير دندان أن يقرأه، فلما قرأه وسمع ما فيه وعرف معناه ملأت بالدموع عيناه، وصاح وتضجر من مكرها، وقال الوزير: والله لقد كان قلبي نافراً منها فقال السلطان: كيف عملت علينا الحيلة مرتين، والله لا أحول من هنا حتى أسجنها سجن الطير في الأقفاص، وبعد ذلك أصلبها من شعرها على باب القسطنطينية، ثم تذكر أخاه فبكى بكاء شديداً ثم إن الكفار لما توجهت لهم ذات الدواهي وأخبرتهم بما حصل فرحوا بقتل شركان وسلامة ذات الدواهي.

ثم إن المسلمين رجعوا على باب القسطنطينية، ووعدهم السلطان أنه إذا فتح المدينة يفرق أموالها عليهم بالسوية، هذا والسلطان لم تجف دموعه حزناً على أخيه، واعترى جسمه الهزال حتى صار كالخلال، فدخل عليه الوزير دندان، وقال له: طب نفساً وقر عيناً فإن أخاك ما مات إلا بأجله وليس في هذا الحزن فائدة، فدع البكاء، وقو قلبك لحمل السلاح، فقال: يا وزير إن قلبي مهموم من أجل موت أبي وأخي ومن أجل غيابنا عن بلادنا، فإن خاطري مشغول برعيتي، فبكى الوزير هو والحاضرون ومازالوا مقيمين على حصار القسطنطينية مدة من الزمان، فبينما هم كذلك وإذا بالأخبار وردت عليهم من بغداد صحبة أمير من أمرائه مضمونها، إن زوجة الملك ضوء المكان رزقت ولداً وأسمته نزهة الزمان أخت الملك "كان ما كان". وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، ان الملك قال للوزير دندان: إني أريد أن أترك هذا الحزن وأعمل لأخي ختمات وأموراً من الخيرات، فقال الوزير نعم ما أردت، ثم أمر بنصب الخيام على قبر أخيه، فنصبوها وجمعوا من العسكر من يقرأ القرآن فصار بعضهم يذكر الله إلى الصباح، ثم إنهم انصرفوا إلى الخيام، وأقبل السلطان على الوزير دندان وأخذا يتشاوران في أمر القتال، واستمرا على ذلك أياماً وليالي وضوء المكان يتضجر من الهم والأحزان، ثم قال: إني أشتهي سماع أخبار الناس وأحاديث الملوك، وحكايات المتيمين لعل الله يفرج ما بقلبي من الهم الشديد.

الجريدة - القاهرة

المسلمون رجعوا إلى باب القسطنطينية والجيش ينتظر وعد السلطان بفتح المدينة

الحرباء تحذر قائد الروم من قوة جيش المسلمين

أفريدون يخدع شركان في المعركة ويسدد حربته إلى صدره

ذات الدواهي تنتهز الفرصة للأخذ بثأرها من النعمان وأولاده

ضوء المكان يهجم على ملك القسطنطينية ويفصل رأسه عن جسده
back to top