ضوء المكان وشركان يقعان في شراك ذات الدواهي (14- 30)

حصار أبناء عمر النعمان داخل الدير... والجيش يواصل تقدّمه نحو القسطنطينية

نشر في 28-04-2021
آخر تحديث 28-04-2021 | 00:00
No Image Caption
تستكمل شهرزاد في هذه الحلقة، قصة الزاهد العابد، واقتناع شركان وأخيه بحديث سجنه داخل الدير، ثم نجاته على يد تجّار مسلمين، وبضرورة اقتحام الدير الذي يقع في الطريق نحو القسطنطينية، والحصول على كنوزه، واتفق شركان وضوء المكان على تسيير الجيش بدونهما، على أن يذهبا للدير فى كتيبة صغيرة، غير أن ذات الدواهي كانت قد أبلغت ملك الروم، فسيّر 10 آلاف فارس لحصارهم وأسرهم أو قتلهم.
ولما كانت الليلة الرابعة والستون بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه لما أصبح الصباح نادى الحاجب بين العسكر بالرحيل، فرحلوا وهم يظنون أن شركان وضوء المكان والوزير دندان معهم، ولم يعلموا أنهم سيذهبون إلى الدير، وأقاموا إلى آخر النهار، وكان أصحاب ذات الدواهي قد رحلوا خفية بعد أن دخلوا عليها، واستأذنوها في الرحيل، فأذنت لهم وأمرتهم بما شاءت من المكر، فلما جنّ الظلام، قالت العجوز لضوء المكان وأصحابه: قوموا معي إلى الجبل، وخذوا معكم قليلاً من العسكر، فأطاعوها وتركوها في سفح الجبل مع خمسة فوارس، وصار عندها قوة من شدة فرحها، وصار ضوء المكان يقول: سبحان من قوّى هذا الزاهد الذي ما رأينا مثله، وكانت الكاهنة قد أرسلت كتاباً على أجنحة الطير إلى ملك القسطنطينية تخبره بما جرى، وقالت في آخر الكتاب: أريد أن تنفّذ لي 10 آلاف فارس من شجعان الروم يكون سيرهم في سفح الجبل خُفية، لأجل ألا يراهم عسكر الإسلام ويأتون إلى الدير ويكمنون فيه، حتى أحضر إليهم ومعي قائد جيش النعمان وأخوه، فإنّي خدعتهما وجئت بهما ومعهما الوزير ومئة فارس لا غير، وقد عزمت على قتل الراهب مطروحنا، لأنّ الحيلة لا تتم إلا بقتله.

قتل مطروحنا

فلما وصل الكتاب إلى القسطنطينية، جاء براج الحمام إلى الملك أفريدون بالورقة، فلما قرأها أنفذ من الجيش وقته، وجهّز كل واحد بفرس وهجين وبغل، وأمرهم بأن يصلوا إلى ذلك الدير، ولما وصل ضوء المكان وأخوه شركان والوزير دندان والعسكر إلى الدير دخلوه فرأوا الراهب مطروحنا قد أقبل لينظر حالهم، فقال الزاهد: اقتلوا هذا اللعين، فضربوه بالسيوف وأسقوه كأس الحتوف، ثم مضت بهم الملعونة إلى موضع النذور، فأخرجوا منه التحف والذخائر أكثر مما وصفته لهم، وبعد أن جمعوا ذلك وضعوه في الصناديق وحملوه على البغال، أما تماثيل فإنها لم تحضر هي ولا أبوها، خوفاً من المسلمين، فأقام ضوء المكان في انتظارها ذلك النهار وثاني يوم وثالث يوم، فقال شركان: والله إن قلبي مشغول بعسكر الإسلام، ولا أدري ما حالهم.

انتظار تماثيل

فقال أخوه: إنا قد أخذنا هذا المال، وما أظن أن تماثيل ولا غيرها يأتي إلى هذا الدير بعد أن جرى لعسكر الروم ما جرى، فينبغي أننا نقنع بما يسّره الله لنا، ونتوجه لعل الله يعيننا على فتح القسطنطينية، ثم نزلوا من الجبل فما أمكن ذات الدواهي أن تتعرض لهم خوفاً من التفطن لخداعها، ثم إنهم ساروا إلى باب الشعب، وإذا بالعجوز قد أكمنت لهم 10 آلاف فارس، فلما رأوهم احتاطوا بهم من كل جانب، وأسرعوا نحو الرماح وجردوا عليهم بيض السفاح ونادى الكفار بكلمة كفرهم وفرقعوا سهام شرّهم.

هجوم الروم

فنظر ضوء المكان وأخوه شركان والوزير دندان إلى هذا الجيش، فرأوه جيشاً عظيماً وقالوا: من أعلم هذه العساكر بنا؟ فقال شركان: يا أخي ما هذا وقت كلام، بل هذا وقت الضرب بالسيف والرمي بالسهام، فشدوا عزمكم وقووا نفوسكم، فإن هذا الشعب مثل الدرب له بابان، وحق سيد العرب والعجم لولا أن هذا المكان ضيق لكنت أفنيتهم ولو كانوا مئة ألف فارس، فقال ضوء المكان: لو علمنا لأخذنا معنا خمسة آلاف فارس، فقال الوزير دندان: لو كان معنا 10 آلاف فارس في هذا المكان لا تفيدنا شيئاً، ولكن الله يعيننا عليهم، وأنا أعرف هذا الشعب وضيقه، وأعرف أن فيها مفاوز كثيرة، لأني قد غزوت فيه مع الملك عمر النعمان حين حاصرنا القسطنطينية، وكنا نقيم فيه وفيه ماء أبرد من الثلج، فانهضوا بنا لنخرج من هذا الشعب قبل أن يكثر علينا عساكر الكفار ويسبقوننا إلى رأس الجبل، فيرموا علينا الحجارة ولا نملك فيهم إرباً.

تشجيع الزاهد

فأخذوا في الإسراع من ذلك الشعب، فنظر إليهم الزاهد، وقال لهم: ما هذا الخوف وأنتم قد بعتم أنفسكم لله تعالى في سبيله؟ والله إني مكثت مسجوناً تحت الأرض خمسة عشر عاماً ولم أعترض على الله فيما فعل بي، فقاتلوا في سبيل الله، فمن قُتل منكم فالجنة مأواه، ومن قتل فإلى الشرف مسعاه، فلما سمعوا من الزاهد هذا الكلام زال عنهم الهم والغمّ وثبّتوا حتى هجم عليهم الكفار من كل مكان، ولعبت في أعناقهم السيوف ودارت بينهم كأس الحتوف، وقاتل المسلمون في طاعة الله أشد قتال وأعملوا في أعدائهم الأسنة والنصال، وصار شركان يضرب الرجال ويجندل الأبطال ويرمي رؤوسهم خمسة خمسة، وعشرة عشرة، حتى أفنى منهم عدداً لا يحصى، فبينما هو كذلك، إذ نظر الملعونة وهي تشير بالسيف إليهم وتقويهم، وكلما خاف يهرب إليها، وصارت تومئ إليهم بقتل شركان فيميلون إلى قتله فرقة بعد فرقة، وكل فرقة حملت عليه يحمل عليها ويهزمها، وتأتي بعدها فرقة أخرى حاملة عليها، فيردها بالسيف على أعقابها، فظن أن نصره عليهم ببركة العابد، ثم قاتلوا بقية يومهم إلى آخر النهار، ولما أقبل الليل نزلوا في مغارة من ذلك الشعب من كثرة ما حصل لهم من الوبال ورمي الحجارة، وقتل منهم في ذلك اليوم خمسة وأربعون رجلاً.

حيلة رأس البطريق

ولما اجتمعوا مع بعضهم فتشوا على ذلك الزاهد، فلم يروا له أثرا، فعظم عليهم ذلك، وقالوا: لعله استُشهد، فقال شركان: أنا رأيته يقوّي الفرسان، فبينما هم في الكلام إذا بالملعونة ذات الدواهي قد أقبلت وفي يدها رأس البطريق الكبير الرئيس على العشرين ألفاً، وكان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً، وقد قتله رجل من الأتراك بسهم فعجّل الله بروحه إلى النار، فلما رأى الكفار ما فعل ذلك المسلم بصاحبهم مالوا بكلّيتهم عليه وأوصلوا الأذية إليه وقطعوه بالسيوف، فعجّل الله به إلى الجنة.

ثم إن الملعونة قطعت رأس ذلك البطريق، وأتت به وألقته بين يدي شركان والملك ضوء المكان والوزير دندان، فلما رآها شركان وثب قائماً على قدميه، وقال: الحمد لله على رؤيتك أيها العابد المجاهد الزاهد، فقالت: ولدي إني قد طلبت الشهادة في هذا اليوم، فصرت أرمي روحي بين عسكر الكفار يهابونني، فلما انفصلتم أخذتني الغيرة عليكم وهجمت على البطريق الكبير رئيسهم، وكان يعدّ بألف فارس فضربته حتى أطحت رأسه عن بدنه، ولم يقدر أحد من الكفار أن يدنو منّي وأتيت برأسه إليكم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

طلب النجدة

وفي الليلة الخامسة والستين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن اللعينة ذات الدواهي قالت: أتيت برأسه إليكم لتقوى نفوسكم على الجهاد وتُرضوا بسيوفكم رب العباد، وآتيكم من عندهم بعشرين ألف فارس يهلكون هؤلاء الكفرة، فقال شركان: وكيف تمضي إليهم أيها الزاهد والوادي مسدود بالكفار من كل جانب؟ فقالت الملعونة: الله يسترني عن أعينهم فلا يروني ومن رآني لا يجسر أن يقبل عليّ، فإني في ذلك الوقت أكون فانياً في الله وهو يقاتل عني أعداءه.

فقال شركان: صدقت أيها الزاهد لأنّي شاهدت ذلك، وإذا كنت تقدر أن تمضي أول الليل يكون أجود لنا، فقال: أنا أمضي في هذه الساعة، وإن كنت تريد أن تجيء معي ولا يراك أحد فقُم، وإن كان أخوك يذهب معنا أخذناه دون غيره، فإن ظلّ الولي لا يستر غير اثنين، فقال شركان: أما أنا فلا أترك أصحابي، ولكن إذا كان أخي يرضى بذلك، فلا بأس، حيث ذهب معك وخلص من هذا الضيق، فإنه هو حصن المسلمين وسيف رب العالمين، وإن شاء فليأخذ معه الوزير دندان أو من يختار، ثم يرسل إلينا 10 آلاف فارس إعانة على هؤلاء اللئام، واتفقوا على هذا الحال.

حيلة اختفاء الزاهد

ثم إن العجوز قالت: أمهلوني حتى أذهب قبلكم، وأنظر حال الكفرة؛ هل هم نيام أو يقظون، فقالوا: ما نخرج إلا معك ونسلّم أمرنا لله، فقالت: إذا طاوعتكم لا تلوموني ولوموا أنفسكم، فالرأي عندي أن تمهلوني حتى أكتشف خبرهم، فقام شركان وحدّث أخاه بعد خروجهما، وقال: إن هذا الزاهد صاحب كرامات، ما قتل هذا البطريق الجبار وفي هذا القدر كفاية في كرامة هذا الزاهد، وقد انكسرت شوكة الكفار بقتل هذا البطريق، لأنه كان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً، فبينما هم يتحدثون في كرامات الزاهد، إذا باللعينة ذات الدواهي قد دخلت عليهم ووعدتهم بالنصر على الكفرة، فشكروا الزاهد على ذلك ولم يعلموا أن هذا حيلة وخداع، ثم قالت اللعينة: أين ملك الزمان ضوء المكان؟ فأجابها بالتلبية، فقالت له: خذ معك وزيرك وسِر خلفي حتى نذهب إلى القسطنطينية، وكانت ذات الدواهي قد أعلمت الكفار بالحيلة التي عملتها، ففرحوا بذلك غاية الفرح، وقالوا: ما يجبر خاطرنا إلا قتل ملكهم في نظير قتل البطريق، لأنه لم يكن عندنا أفرس منه، وقالوا لعجوز النحس ذات الدواهي حين أخبرتهم بأنها تذهب إليهم بملك المسلمين، إذا أتيت به نأخذه إلى الملك أفريدون.

ثم إن العجوز ذات الدواهي توجهت وتوجه معها ضوء المكان والوزير دندان، وهي سابقة عليهما، وتقول لهما: سيروا على بركة الله تعالى، فأجاباها إلى قولها ونفذ فيهما سهم القضاء والقدر، ولم تزل سائرة بهما حتى توسطت بهما بين عسكر الروم، ووصلوا إلى الشعب المذكورة الضيق، وعساكر الكفار ينظرون إليهم ولا يتعرّضون لهم بسوء، لأنّ الملعونة أوصتهم بذلك، فلما نظر ضوء المكان والوزير دندان إلى عساكر الكفار، وعرفوا أن الكفار عاينوهم ولم يتعرّضوا لهم، قال الوزير دندان: والله إن هذه كرامة من الزاهد، ولا شك في أنه من الخواص فقال ضوء المكان: والله ما أظن الكفار إلا عمياناً، لأننا نراهم وهم لا يروننا، فبينما هم في الثناء على الزاهد وتعداد كراماته وزهده وعبادته، إذا بالكفار قد هجموا عليهما واحتاطوا بهما وقبضوا عليهما، وقالوا: هل معكما أحد غيركما فنقبض عليه؟ فقال الوزير دندان: أما ترون هذا الرجل الآخر الذي بين أيدينا؟ فقالوا إننا لم نر أحداً غيركما، فقال ضوء المكان: والله إن الذي حلّ بنا عقوبة لنا من الله تعالى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

قتال مستمر

وفي الليلة السادسة والستين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الكفار وضعوا القيود في أرجلهما ووكلوا بهما من يحرسهما في المبيت، فصارا يتأسفان ويقولان لبعضهما: إن الاعتراض على الصالحين يؤدي إلى أكثر من ذلك، وجزاؤنا ما حلّ بنا من الضيق الذي نحن فيه، أما شركان فإنه بات تلك الليلة، فلما أصبح الصباح قام وصلّى صلاة الصبح، ثم نهض هو ومن معه من العساكر وتأهبوا لقتال الكفار، وقوى قلوبهم شركان ووعدهم بكل خير، ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى الكفار، فلما رآهم الكفار من بعيد، قالوا لهم: يا مسلمين إنا أسرنا سلطانكم ووزيره الذي به انتظام أمركم، وإن لم ترجعوا عن قتالنا قتلناكم عن آخركم، وإذا سلّمتم لنا أنفسكم، فإننا نروح بكم إلى ملكنا، فيصالحكم على أن تخرجوا من بلادنا وتذهبوا إلى بلادكم ولا تضرونا بشيء ولا نضركم بشيء، فإن طاب خاطركم كان الحظ لكم وإن أبيتم فما يكون إلا قتلكم وقد عرفناكم، وهذا آخر كلامنا.

فلما سمع شركان كلامهم، وتحقق أسر أخيه والوزير دندان عظم عليه وبكى، وضعفت قوته وأيقن بالهلاك، وقال في نفسه: يا ترى ما سبب أسرهما؟ هل حصل منهما إساءة أدب في حق الزاهد واعتراض عليه؟ وما شأنهما؟ ثم نهضوا إلى قتال الكفار فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وتبين في ذلك اليوم الشجاع من الجبان، واختضب السيف والسنان، وتهافتت عليهم الكفار تهافت الذباب على الشراب من كل مكان، وما زال شركان ومن معه يقاتلون قتال من لا يخاف الموت ولا يعتريه في طلب الفرصة قوت حتى سال الوادي بالدماء وامتلأت الأرض بالقتلى.

مقاومة

فلما أقبل الليل تفرّقت الجيوش، وذهب كل من الفريقين إلى مكانه، وعاد المسلمون إلى تلك المغارة ولم يبق منهم إلا القليل، وقد قُتل منهم في هذا النهار خمسة وثلاثون فارساً من الأمراء والأعيان، وإن من قتل بسيفهم من الكفار آلاف من الرجال والركبان، فلما عاين شركان ذلك ضاق عليه الأمر، وقال لأصحابه: كيف العمل؟ فقال له أصحابه: لا يكون إلا ما يريده الله تعالى، فلما كان ثاني يوم قال شركان لبقية العسكر: إن خرجتم للقتال ما بقي منكم أحد، لأنه لم يبق عندنا إلا قليل من الماء والزاد، والرأي الذي عندي فيه الرشاد أن تجرّدوا سيوفكم وتخرجوا وتقفوا على باب تلك المغارة، لأجل أن تدفعوا عن أنفسكم كل من يدخل عليكم، فلعل الزاهد أن يكون وصل إلى عسكر المسلمين ويأتينا بعشرة آلاف فارس، فيعينوننا على قتال الكفرة، ولعل الكفار لم ينظروه هو ومن معه، فقال له أصحابه: إن هذا الرأي هو الصواب وما في سداده ارتياب.

ثم إن العسكر خرجوا وملكوا باب المغارة، ووقفوا في طرفيه وكل من أراد أن يدخل عليهم من الكفار يقتلونه، وصاروا يدفعون الكفار عن الباب، وصبروا على قتال الكفار إلى أن ذهب النهار وأقبل الليل بالاعتكار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

أسر شركان

وفي الليلة السابعة والستين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، إنه عندما أقبل الليل لم يبق عند الملك شركان إلا 25 رجلاً لا غير، فقال الكفار لبعضهم: متى تنقضي هذه الأيام فإننا قد تعبنا من قتال المسلمين، فقال بعضهم لبعض: قوموا نهجم عليهم، فإنه لم يبق منهم إلا 25 رجلاً، فإن لم نقدر عليهم نضرم عليهم النار، فإن انقادوا وسلّموا أنفسهم إلينا أخذناهم أسرى، وإن أبوا تركناهم حطباً للنار حتى يصيروا عبرة لمن يعتبر، ثم إنهم حطوا الحطب على باب المغارة، وأضرموا فيه النار فأيقن شركان ومن معه بالبوار، فبينما هم كذلك، إذا بالبطريق الرئيس عليهم التفت إلى المشير بقتلهم، وقال له: لا يكون قتلهم إلا عند الملك أفريدون لأجل أن يشفي غليله، فينبغي أن نبقيهم عندنا أسرى، وفي غد نسافر إلى القسطنطينية ونسلمهم إلى الملك أفريدون، فيفعل بهم ما يريد، فقالوا: هذا هو الرأي الصواب.

ثم أمروا بتكتيفهم وجعلوا عليهم حرساً، فلما جنّ الظلام اشتغل الكفار باللهو والطعام، ودعوا بالشراب، فشربوا حتى انقلب كل منهم على قفاه، وكان شركان وضوء المكان مقيدين وكذلك من معهم من الأبطال، فعند ذلك نظر شركان إلى أخيه، وقال له: يا أخي كيف الخلاص؟ فقال ضوء المكان: والله لا أدري، وقد صرنا كالطير في الأقفاص.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

فك القيود

اغتاظ شركان وتنهد من شدة غيظه فانقطع الكتاف، فلما خلص من الوثاق، قام إلى رئيس الحراس وأخذ مفاتيح القيود من جيبه، وفك ضوء المكان وفك الوزير دندان، وفك بقية العسكر، ثم التفت إلى أخيه ضوء المكان والوزير دندان، وقال: إني أريد أن أقتل من الحراس ثلاثة، ونأخذ ثيابهم ونلبسها نحن الثلاثة حتى نصير في زيّ الروم، ونصير بينهم حتى لا يعرفوا أحداً منّا.

ثم نتوجه إلى عسكرنا، فقال ضوء المكان: إن هذا الرأي غير صواب، لأننا إذا قتلناهم نخاف أن يسمع أحد شخيرهم، فتنتبه إلينا الكفار فيقتلوننا، والرأي السديد أن نسير إلى خارج الشعب فأجابوه إلى ذلك، فلما صاروا بعيداً عن الشعب بقليل رأوا خيلاً مربوطة وأصحابها نائمون، فقال شركان لأخيه: ينبغي أن يأخذ كل واحد منا جواداً من هذه الخيول، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً فأخذوا خمسة وعشرين جواداً، وقد ألقى الله النوم على الكفار لحكمة يعلمها سبحانه.

ثم إن شركان جعل يختلس من الكفار السلاح من السيوف والرماح، حتى اكتفوا ثم ركبوا الخيل التي أخذوها وساروا، وكان في ظن الكفار أنه لا يقدر أحد على فكاك ضوء المكان وأخيه ومن معهما من العساكر، وأنهم لا يقدرون على الهروب، فلما خلصوا جميعاً من الأسر وصاروا في أمن من الكفار التفت إليهم شركان، وقال لهم: لا تخافوا، حيث سترنا الله، ولكن عندي رأي ولعله صواب، فقالوا: وما هو؟ قال: أريد أن تطلعوا فوق الجبل وتكبّروا كلكم تكبيرة واحدة، وتقولوا: لقد جاءتكم العساكر الإسلامية، ونصيح كلنا صيحة واحدة ونقول: الله أكبر فيفترق الجمع من ذلك، ولا يجدون لهم في هذا الوقت حيلة، فإنهم يسكنون ويظنون أن عسكر المسلمين أحاطوهم من كل جانب، واختلطوا بهم فيقعون ضرباً بالسيف في بعضهم من دهشة السُّكر والنوم، فنقطعهم بسيوفهم ويدور السيف فيهم إلى الصباح، فقال ضوء المكان: إن هذا الرأي غير صواب، علينا أن نسير إلى عسكرنا ولا ننطق بكلمة، لأننا إن كبّرنا تنبهوا لنا ولحقونا، فلم يسلم منّا أحد، فقال شركان: والله لو انتبهوا لنا ما علينا بأس، وأشتهي أن توافقونني على هذا الرأي، وهو لا يكون الأخير، فأجابوه إلى ذلك، وطلعوا إلى فوق الجبل وصاحوا بالتكبير، فكبرت معه الجبال والأشجار والأحجار من خشية الله تعالى، فسمع الكفار ذلك التكبير، فصاح الكفار صيحة مزعجة.

الجريدة - القاهرة

10 آلاف من عسكر الروم يهجمون على الدير لقتل قادة جيش المسلمين

أم حردوب تزعم أنها قتلت البطريق الكبير للإيقاع بشركان وأخيه

العجوز لضوء المكان وأصحابه: اتبعوني إلى الجبل وخذوا معكم قليلاً من العسكر

نجاح قادة الجيش في الهرب من أسر عسكر الروم

شركان ومن معه من الجيش محاصرون في المغارة
back to top