حسن حسني... جوكر السينما المصرية (1-5)

حسين رياض يشيد بالتلميذ الصغير في مسابقة التمثيل

نشر في 28-04-2021
آخر تحديث 28-04-2021 | 00:01
انطوت رحلة الفنان حسن حسني على حضور متميز، وعلى مدى نحو 60 عاماً قدّم أكثر من 500 عمل فني بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، وتعدّدت أقنعته في فضاء التمثيل، وأجاد تقمص الأدوار المُركّبة، ونال النجومية والشهرة في سن متأخرة، وحصد العديد من الجوائز، ودخل قلوب الملايين من عشاق فنه الراقي، سواء في مصر أو العالم العربي.
تراوحت أعمال حسن حسني بين الكوميديا والتراجيديا، ورغم غيابه عن أدوار البطولة المطلقة، باستثناء أعمال قليلة، كان أكثر الفنانين تمثيلاً في تاريخ السينما المصرية على الإطلاق، وخطف الأضواء من بعض النجوم، وبات نجاح أعمالهم، مرتهناً بحضور هذا الممثل العملاق، ويكفي ظهور اسمه على "أفيش" الفيلم أو المسرحية، لجذب الجمهور إلى شباك التذاكر.

أصداء لا يمكن إغفالها في مشوار فنان، تعلّق بالتمثيل منذ طفولته، وشق طريقه بصعوبة بالغة، وسد فراغاً هائلاً بعد رحيل كبار الممثلين، من أمثال زكي رستم، وصلاح منصور، ومحمود المليجي، وعادل أدهم، وظل محتفظاً ببصمته المتفردة، وأطلق عليه "القشاش"، و"المشخصاتي"، و"أبو الكوميديانات في مصر"، و"الجوكر" لقدرته على التنوع والإقناع، سواء كان الدور كوميدياً أو تراجيدياً.

وحفلت مسيرة حسني بثراء تجربته الفنية، وخلال عمره الذي امتد إلى 89 عاماً توقف في محطات عِدة، وعايش أجيالاً من النجوم والمخرجين، واتسعت دائرة حضوره في أعمال خارج مصر، سواء في دول الخليج أو سورية أو المغرب العربي، وتوّثقت علاقته بزملائه من الفنانين العرب، وحظي بتقدير كبير من الأجيال الشابة، واعتاد هؤلاء أن يطلقوا عليه لقب "الأب"، أو "العم"، أو "الخال".

وكان الفنان أشرف عبدالباقي يناديه دائما بـ"الخال حسن"، لأنه قام بدور خاله في إحدى المسرحيات، وأطلق عليه البعض "رأس الحَربة" الذي لا يمكن الاستغناء عنه في مباريات كرة القدم، أو جلوسه على دِكة البدلاء، وأيضاً اشتهر أنه "تميمة الحظ" في موجة الأفلام الشبابية والأعمال الفنية بصفة عامة، ورأى البعض أن "حسن حسني يأتي مع الفيلم الخام"، أي أنه حاضر دائماً في أذهان المؤلفين والمخرجين، ويرجع ذلك إلى أنه عاش حياته عاشقاً للفن والتمثيل.

شكسبير والتلميذ

بدأت رحلة حسن حسني بمولده في 19 يونيو 1931، في حي القلعة بالقاهرة، لأب يعمل "مقاولاً"، وانتقل مع الأسرة إلى حي الحلمية الجديدة، والتحق بالمدرسة الابتدائية في سن السادسة، وحينئذ تعرّض لصدمة بالغة بفقد والدته، ما أسبغ عليه هالة من الحزن الدفين، وظهرت عليه علامات الانطواء، وعدم اللهو مع أقرانه، وأفرغ كل طاقته في مطالعة كتبه المدرسية، وأشاد معلموه بتفوقه، لاسيما قدرته على القراءة وكتابة موضوعات التعبير.

كان والد حسن يجمع بين الطيبة والحزم، ويسعى جيرانه وأصدقاؤه لمشورته ويعملون بها، وتأثر الابن بوالده إلى حد كبير، وسادت بينهما علاقة قائمة على التوجيه بالكلمة والإقناع بالمنطق، من دون ميل إلى القسوة، وحاول قدر استطاعته أن يخرجه وإخوته من حالة الحزن بعد وفاة والدته.

في تلك الفترة، كانت المدارس المصرية تهتم بتنمية الهوايات الفنية والأدبية، بجانب المناهج الدراسية، ولم يكن غريباً أن يتواجد كبار الأدباء والفنانين آنذاك مع تلاميذ المراحل المختلفة، ويلقنونهم خبراتهم في مجالاتهم، ومنهم الموسيقار محمد عبدالوهاب، والمخرج عزيز عيد، وحسين رياض، وإسكندر منسي، وغيرهم.

وبدأ مشوار حسني مع التمثيل، عندما كان طفلاً في المدرسة الابتدائية، واستهوته حصة المحفوظات، وكان مُعلِم اللغة العربية يتبع طريقة مختلفة بعيداً عن الحفظ التقليدي والتلقين، ويوزِّع على التلاميذ الأدوار، ليؤدوها بشكل تمثيلي، ومن هنا جاءت اللحظة الفارقة في حياة التلميذ النابه، وقادته قدماه إلى مسرح المدرسة.

شارك حسني في فريق التمثيل، وسمع للمرة الأولى اسم الكاتب الإنكليزي ويليام شكسبير، واختاره المخرج لأداء دور البطولة بتجسيد شخصية "أنطونيو" في مسرحية "انطونيو وكليوباترا"، التي تدور أحداثها في أجواء تراجيدية حول قصة الحب بين القائد الروماني والملكة الفرعونية.

وبعد الانتهاء من البروفات، شاركت هذه المسرحية في مسابقة التمثيل بين المدارس، وحصل من خلالها على كأس التفوق بالمدرسة الخديوية، وتوالت العروض التي شارك في بطولتها، وحصل على العديد من ميداليات التقدير من وزارة التربية والتعليم، وتصادف حضور الفنان حسين رياض في إحدى لجان التقييم، وأشاد بموهبة ذلك الممثل الصغير، وتنبأ له بمستقبلٍ باهر.

لا وقت للحب

حصل حسن حسني على شهادة التوجيهية عام 1956، وطرق أبواب المسارح واستوديوهات السينما، وقام بأدوار ثانوية، وفي بداية الستينيات شارك في فرقة المسرح العسكري، وهناك توطدت صداقته بزميله الفنان حسن عابدين، وكلاهما نال نجوميته في سن متأخرة، وتشاركا في العديد من الأعمال السينمائية والدرامية والمسرحية، ومنها مسرحية "ع الرصيف".

وبعد صدور قرار بحل هذه الفرقة عقب نكسة الخامس من يونيو عام 1967، تنقل حسن حسني بين مسرح الحكيم والمسرح القومى والحديث، ثم انضم لفرقة جلال الشرقاوي وعمل فيها لما يقرب من عشر سنوات، ووقف أمام نجوم العصر الذهبي للمسرح مثل عبدالله غيث، وسميحة أيوب، وسناء جميل، وعبدالرحيم الزرقاني، وكرم مطاوع، وسهير البابلي وغيرهم.

وظلت مشاركات حسني في المسرح خلال عقد الستينيات، لا تتجاوز الأدوار الصغيرة، وتعد من أصعب الفترات في مشواره الفني، ما دفعه إلى البحث عن فرصة حقيقية في السينما، وسجّل أول ظهور على الشاشة البيضاء في فيلم "لا وقت للحب" عام 1963، قصة يوسف إدريس، وإخراج صلاح أبوسيف، ولعب دوراً صغيراً أمام فاتن حمامة ورشدي أباظة، وفي العام نفسه تواجد مع سيدة الشاشة العربية في فيلم "الباب المفتوح"، قصة لطيفة الزيات، وإخراج هنري بركات، ذلك الشريط الذي حصد جائزة أفضل فيلم في مهرجان جاكارتا السينمائي، وفي عام 1964 ظهر في فيلم "بنت الحتة" للمخرج حسن الصيفي، وبطولة شكري سرحان، وزهرة العُلا، وأحمد رمزي.

وغاب حسن حسني عن السينما حتى عام 1967، انشغل خلالها بعمله في المسرح، حتى أسند إليه المخرج أحمد بدرخان دوراً صغيراً في فيلم "النصف الآخر" قصة الأديب عبدالحميد جودة السحار، وبطولة سميرة أحمد، وعماد حمدي، ومديحة يسري، وأبوبكر عزت، وأحمد رمزي.

حب وكبرياء

واستمرت رحلة حسني خلال السبعينيات، وشارك عام 1970 في فيلم "سوق الحريم" للمخرج يوسف مرزوق، وبطولة صلاح ذوالفقار، ومريم فخر الدين، وسميحة أيوب، وعبدالمنعم مدبولي، وبعد عامين منحه مخرج الروائع حسن الإمام فرصة ذهبية بدور "رئيس العمَّال" في فيلم "حب وكبرياء" أمام النجوم محمود ياسين، ونجلاء فتحي، وحسين فهمي، وعماد حمدي، وسمير صبري.

وكانت تلك الفترة اختباراً حقيقياً لموهبته، واتساع دائرة الأدوار التي يجسدها، وبدأت ملامحه تستقر في أذهان الجمهور، وشارك في فيلم "مدينة الصمت" 1973 للمخرج كمال عطية، ولعب دور الشرطي أمام نور الشريف، ونيللي، ومحمود المليجي، وصلاح نظمي، وفي العام التالي ظهر مرة أخرى مع المخرج حسن الإمام في فيلم "أميرة حبي أنا" بطولة سعاد حسني، وحسين فهمي، وسهير البابلي، وكريمة مختار.

وظهر مع السندريلا سعاد حسني في دور صغير من خلال فيلم "الكرنك" عام 1975، قصة نجيب محفوظ، وإخراج علي بدرخان، وجسد شخصية نادل "مقهى الكرنك" أمام كوكبة من النجوم، منهم فريد شوقي، ونور الشريف، وكمال الشناوي، وتحية كاريوكا، ويونس شلبي، وشويكار، وفايز حلاوة. وبعد عامين شارك في فيلم "قطة على نار" للمخرج سمير سيف، وبطولة فريد شوقي، وبوسي، ونور الشريف، ومريم فخرالدين.

وجاءت البداية الحقيقية لمشواره الفني عام 1979، حين أسند إليه المخرج محمد فاضل دور "فتحي سكرتير الشركة" في المسلسل التلفزيوني الشهير "أبنائي الأعزاء شكراً"، بطولة عبدالمنعم مدبولي، وآثار الحكيم، وفاروق الفيشاوي، ويحيى الفخراني، وصلاح السعدني، وفردوس عبدالحميد.

سواق الأتوبيس

وفي عقد الثمانينيات، شارك في العديد من الأعمال الدرامية في استوديوهات دبي وعجمان، التي عُرضت في دول الخليج العربي، ولفت الأنظار كممثل قادر على أداء أدوار الشر في فيلم "سوّاق الأتوبيس" عام 1982 للمخرج عاطف الطيب، ولعب دور "عوني" أمام نور الشريف، وميرفت أمين، وعماد حمدي، ويعد هذا الشريط السينمائي من أهم الأعمال في تاريخ السينما المصرية.

وبرزت موهبة حسني من خلال أعماله التالية مع المخرج عاطف الطيب، ومنها "البريء" (1986)، سيناريو وحيد حامد، وبطولة أحمد زكي، ومحمود عبدالعزيز، وإلهام شاهين، وصلاح قابيل، وجميل راتب، وناهد سمير، ولعب دور "الشيخ قيسون" في فيلم "البدرون" (1987)، أمام سهير رمزي، وسناء جميل، وممدوح عبدالعليم.

وفي فيلم "دماء على الأسفلت" للكاتب أسامة أنور عكاشة، جسّد شخصية الموظف البسيط "كامل نور الحسن" أمام نور الشريف، وإيمان الطوخي، وحنان شوقي، وطارق لطفي، وفي فيلم "الهروب" (1991)، قام بدور "مساعد وزير الداخلية" أمام أحمد زكي، وهالة صدقي، وزوز نبيل، وعبدالعزيز مخيون، وأبوبكر عزت، والفيلم يدور حول ثلاث شخصيات إجرامية تحاصر الشاب الصعيدي منتصر (أحمد زكي) فيتحوّل إلى مجرم متسلسل.

وعلى الرغم من ابتعاد حسن حسني عن المسرح عدة سنوات، فإنه عاد إلى اعتلاء خشبته في منتصف الثمانينيات، فقدم في عام 1985 المسرحية الكوميدية "اعقل يا مجنون" تأليف أنور عبدالله، وإخراج عادل صادق، وبطولة الفنان الكوميدي محمد نجم، وهالة صدقي، وسهير الباروني، ونبيل الهجرسي، وبعد عامين التقى كلاً من نجمة المسرح سهير البابلي، وصديق عمره الفنان حسن عابدين في مسرحية "ع الرصيف" تأليف نهاد جاد، وإخراج جلال الشرقاوي، وشارك في بطولتها أحمد بدير، وأحمد حلاوة، وفؤاد خليل، وحققت المسرحية نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

«المشخصاتي» يهدي جائزته لصلاح منصور وزكي رستم

نال حسن حسني العديد من الجوائز، منها جائزة عن دوره في فيلم "ليه يا بنفسج" عام 1993، تأليف سامي السيوي، وإخراج رضوان الكاشف، وبطولة فاروق الفيشاوي، ولوسي، ونجاح الموجي، وأشرف عبدالباقي، وتدور قصته في حي شعبي يسكنه أربعة شباب تجمعهم الصداقة وطموحات متباينة للارتقاء اجتماعياً.

ويعد "ليه يا بنفسج" من الأفلام السينمائية التي مهدت لانتشار الفنان حسن حسني، ومنحه بطاقة تعارف حقيقية مع جمهور الفن السابع، وفي العام نفسه نال جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "دماء على الأسفلت" للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج عاطف الطيب.

والطريف أن "المشخصاتي" أهدى جائزته للفنانين الراحلين صلاح منصور، وزكي رستم، بما يوحي أنه امتداد لهذين العملاقين، ولم يهدها إلى أحد من نجوم "الجان" أو أدوار الفتى الأول، لقناعته أن الممثل لا تقاس موهبته بحجم الدور، بل بقدرته على تجسيد الشخصية، والأثر الذي يتركه في عقل ووجدان المشاهد.

21 حُقنة بسبب «عضة قرد»!

تعرض حسن حسني لموقف صعب أثناء تصوير فيلم "سارق الفرح" عام 1994 للمخرج داوود عبدالسيد، وبطولة لوسي، وماجد المصري، وحنان ترك، ومحمد هنيدي، وكان حسني يجسِّد شخصية "قرداتي"، وتسبب المشهد في تعاطيه 21 حقنة، بعد أن عضّه القرد، وعقر مساعد المخرج، وصور حسني بقية المشاهد في حالة من الخوف والفزع.

الطريف أن القصة الأصلية التي كتبها الأديب الراحل خيري شلبي، لم تكن بها شخصية "القرداتي ركبه"، بل أضافها المخرج وكاتب السيناريو داود عبدالسيد إلى الشخصيات المحورية لهذا الفيلم، وجسدها الفنان الراحل ببراعة فائقة، وحصل على جائزة أفضل ممثل.

أحمد الجمَّال

«لا وقت للحب» أول لقاء بين عاشق التمثيل وفاتن حمامة

«أنطونيو» يحصل على كأس التفوق في المدرسة الخديوية

مخرج الروائع حسن الإمام يعيد اكتشافه في «حب وكبرياء»

ظهور اسمه على «الأفيش» يجذب الجمهور إلى شباك التذاكر
back to top