أيام زمان

نشر في 27-04-2021
آخر تحديث 27-04-2021 | 00:09
رغم العيش الكريم الذي عشناه في حقبة الستينيات والسبعينيات فإنني لا أنزهه من العيوب والفاسدين، لكن الفارق صنعه رجال شرفاء عملوا لمستقبل الوطن وخافوا الله فينا فتركوا بصمة نعمنا بها لفترة من الزمن، أما اليوم فالفاسدون في كل موقع تربعوا على مفاصل الدولة، وسيّروها على أهوائهم، وكنزوا خيراتها.
 أ. د. فيصل الشريفي في حقبة الستينيات والسبعينيات كانت الكويت عروس الخليج جميلة ببساطتها وفي الصدارة نمت وتطورت بشكل كبير، والحياة فيها سهلة، حتى أن سعر القسيمة بـ500 دينار والسيارة قسطها بالكثير 50 دينارا، والخروف العربي من عشرة دنانير إلى خمسة عشر ديناراً، وفي العيد اللي يعايدونه بدينار هذا ولد نعمة، وذاك من ذاك اللي يجمع خمسة دنانير عيادي.

التلفزيون أبيض وأسود وفي دورة الخليج الرابعة بقطر دخل علينا التلفزيون الملون والمكيفات ماركة عنتر، ويشغلونه بالساعات، وفي تلك الأيام السيارات أغلبها بدون تكييف، والذهاب والعودة للمدرسة بباص وزارة التربية التي كانت تقدم الملابس ووجبة الريوق "الفطور" بالمجان، وعمال المطبخ أغلبهم فلسطينيون وعراقيون، واللي يشتغلون بالبناء إيرانيون ومصريون، والحياة كانت حلوة رغم أن المعاشات كانت بحدود 200 دينار للجامعي، وللعلم أول راتب لي كان في عام 1982 تقريبا 210 دنانير، وفرحتي فيه كانت لا توصف.

في تلك الأيام أسواق الغربللي والحريم وواجف يغطون فيها البسطات بقطعة خام، وحراس الأسواق يحرسونها وسلاحهم الوحيد صفارة و"مطاعة" عصا بطول 40 سم، وبين فترة وفترة يرددون كلمة "صاحي" بصوت عال، والأمور طيبة لا شفنا حرامي ولا سمعنا بسرقة.

في ذلك الوقت كنا ندرس ونشتغل، والوظيفة اليوم تقدم عليها في الوزارة وثاني يوم تأخذ كتاب الترشيح لديوان الخدمة اللي كان بالشويخ، وتكمل شغلك وخلال أسبوع إلا وأنت مباشر عملك لا واسطة ولا دور.

في تلك الأيام كنت أذهب للمدرسة بالغالب مشيا، وفي بعض الأحيان يوصلني الوالد، الله يرحمه، ولما يمر المدرسة كان يقول للمدرسين لي العظم ولكم اللحم، ومع هذا حبيت المدرسة والمدرسين، وأصبح بعضهم أصدقائي فيما بعد. ماذا تغير؟ وهل التطور والرفاهية أفسدا علينا حياتنا؟ أم أن لكل زمان أذانا؟ وإن كان كذلك فلماذا يتذمر جيل الشباب من ظروف الحياة؟ وهل هذا التذمر مرتبط بمستقبلهم أم بما يشاهدونه من تخبط وسوء إدارة؟

راحة البال ليست مرتبطة بالمعيشة التي تحكمها الظروف البيئية الزمانية، لكنها مرتبطة بالاستقرار والشعور بالأمان، وهذا بيت القصيد، وهذا ما يقلق جيل الشباب من المستقبل الغامض، فلا تعليم جيداً يؤهلهم للمنافسة، وإن حدث وكانوا على قدر من العلم والمعرفة والكفاءة يتكسر طموحهم على جدار الواسطة.

قد يكون جيل الستينيات والسبعينيات محظوظاً إذا ما قارناه بجيل الآباء والأجداد الذين عانوا من مشقة الحياة، ومع جيل الأبناء الذين ينعمون بكل ما قدمته المدنية من حضارة وتكنولوجيا، إلا أن الفارق بيننا وبينهم كان عامل الاستقرار والأمان الذي نعيشه.

رغم العيش الكريم الذي عشناه في تلك الفترة فإنني لا أنزهه من العيوب والفاسدين، لكن الفارق صنعه رجال شرفاء عملوا لمستقبل الوطن وخافوا الله فينا فتركوا بصمة نعمنا بها لفترة من الزمن، أما اليوم فالفاسدون في كل موقع تربعوا على مفاصل الدولة، وسيّروها على أهوائهم، وكنزوا خيراتها، واليوم يطالبوننا بدفع فاتورة فسادهم، ويطالبوننا بدفع الضرائب حتى تستمر دولة الفساد التي خلقوها.

عيب عليكم!!

ودمتم سالمين.

أ. د. فيصل الشريفي

back to top