تقليعة

نشر في 23-04-2021
آخر تحديث 23-04-2021 | 00:00
 دانة الراشد ما سبب انتشار التقليعات أو ما يعرف بالعامية بالـ"هبّة" بشكل كبير في الكويت، وذلك من كماليات باهظة الثمن إلى تلك التقليعات الغريبة كالقهوة في زجاجات الأطفال "الممية"؟! لطالما تساءلت عن الدوافع خلف هذه الظاهرة، وقد توصلت إلى عدة إجابات محتملة. قد يكون السبب الأول هو غياب المرافق السياحية والبرامج الترفيهية المواكبة للعصر لدينا، وتوجد حولنا العديد من الأمثلة الطيبة في الدول الشقيقة التي يمكننا أن نحذو حذوها، وللأسف، أصبح التسوق– سواء أكان "أونلاين" أم على أرض الواقع- الوسيلة الوحيدة للترفيه هنا، يليها الاستخدام المفرط وغير الصحي للإنترنت طوال اليوم، لا سيما تحت ظل الجائحة.

وعندما نضع وقت الفراغ الطويل مع القدرة الشرائية العالية نسبياً لدى المواطن الكويتي، فذلك يجعله فريسة سهلة للإعلانات التجارية المبهرجة التي تدرك تماماً حاجة المستهلك لملء هذا الفراغ دون أن تملك أدنى شعور بالمسؤولية تجاهه، فالمهم هو جني الأرباح وإن كان ذلك على حساب صحة الفرد الجسدية والذهنية. على أية حال، تبقى الإعلانات الصاخبة وسيلة متاحة للشركات كي تعلن منتجاتها، حيث تقع المسؤولية الرئيسة على عاتق المستهلك، فالقرار بيده أولاً وأخيراً.

هنا نأتي إلى نوع آخر من الضغوط وهي أمرّ وأدهى من الضغط الإعلامي، فالضغط المجتمعي وضغط الأقران (peer pressure) كبيران جداً لاسيما في المجتمعات ذات الفكر الجمعي والتي لا تحترم خصوصية الفرد واستقلاليته، فيستمر الضغط على هذا الفرد المسكين من قبل عائلته أو أقرانه كي يقتني منتجاً معيناً أو كي يلبس ويتكلم ويتصرف بطريقة معينة، وإلا سيتعرض للعقاب الاجتماعي المرير وهو إما السخرية أو العزل الاجتماعي تماماً. وقد يداهمه شعور مقلق بأنه قد فاته الشيء الكثير على الرغم من تفاهة أغلب هذه التقليعات، ومن الطريف وجود مصطلح لهذا الشعور بالإنكليزية قد ظهر بالتزامن مع الـ"سوشال ميديا" وهو FOMO: fear of missing out أي (الخوف من أن يفوتك شيء). هنا نلاحظ أن "الهبّة" لم تعد مقتصرة على اقتناء منتج ما، بل أصبحت أسلوب حياة وقالباً لنمط شخصية ممسوخ يُفرض قسراً على الجميع، لا سيما جيل الشباب.

لا عجب أن نرى الشابات كلهم بصورة واحدة ولباس واحد وطريقة كلام مصطنعة واحدة، بل وبالملامح ذاتها! ولا عجب أن نرى أغلب الشباب يقودون السيارات ذاتها وبالأفكار والعادات المستعارة نفسها والتي تتمحور أغلبها حول الاستهلاك. إذاً فإن ظاهرة "الهبّة" تعكس استشراء الثقافة الاستهلاكية في المجتمع ووجود فراغ كبير مع غياب الدافع والهدف لبناء شيء ذي قيمة، فالنفس البشرية تحتاج إلى ما يبث فيها روح الحماس والتجدد، وشعور الفرد بأنه فعال ومساهم، وهنا تأتي قيمة البرامج الثقافية والترفيهية التي من المفترض أن تقدمها الجهات المعنية بشكل فعال من معارض ومسابقات فنية أو ورش عمل ممتعة وإثرائية والتي يمكن لمختلف الفئات المشاركة فيها. وبالإمكان تقسيم هذه الأنشطة إلى افتراضية وواقعية بأعداد محدودة إلى أن نتخطى الجائحة بسلام.

باختصار، فإن الحلول كثيرة، ويمكننا أن نبادر أولاً كأفراد بخلق هذه الأنشطة والمجتمعات الإبداعية المتنوعة بدلاً من الانتظار كي ننير الطريق للبقية، فتكون بذلك تقليعاتنا إبداعية وثقافية!

دانة الراشد

back to top