قرينة الشيطان تتخلص من رضيعها المعاق... بلا رحمة

أمٌّ تقتل فلذة كبدها وتدّعي أن شابين يستقلان دراجة نارية اختطفاه

نشر في 18-04-2021
آخر تحديث 18-04-2021 | 00:00
قرينة الشيطان تتخلص من رضيعها المعاق
قرينة الشيطان تتخلص من رضيعها المعاق
حملت الأم طفلها الرضيع، وذهبت إلى الصيدلية، وبعد شرائها الدواء، اتجهت إلى شارع جانبي يفضي إلى مكان مهجور، وعادت من الطريق ذاته إلى بيتها مسرعة، وأمام الباب انهارت باكية، وتعالت صرخاتها، والتف حولها الجيران يستطلعون الأمر، فأخبرتهم أن شابين يستقلان دراجة نارية، قاما بخطف ابنها من يديها، وفرّا هاربين، وبعدها أصابها الذهول، ولم تدر ماذا تفعل!
تسرّب الخبر في أرجاء القرية الهادئة، وفي الطريق كان صابر يحمل شباك الصيد، واستوقفه أحد جيرانه ليخبره بخطف ابنه، فانطلق عدواً إلى المنزل، وهناك وجد زوجته في حالة انهيار، والجيران يتحلّقون حولها، فألقى شباكه على الأرض، واندفع نحوها غاضباً، وانهال عليها بالضرب، وصرخ قائلاً: «أنت تخلصتِ منه.. أنت بتكرهي أولادكِ.. مش كفاية إنهم معاقين؟!.. حرام عليكِ.. سأبلغُ عنك الشرطة».

حاول الجيران تهدئة الصيّاد، لكنه دخل في نوبة بكاء هستيري، واقترح أحدهم عدم إضاعة الوقت، وإبلاغ الشرطة بجريمة الخطف، قبل أن يختفي الجناة، فنهض ناحية زوجته، وطلب منها أن تحكي ما حدث تفصيلاً، ليتمكن من إرجاع ابنه»، فأومأت برأسها ومشت معه في طريقهما إلى مركز الشرطة، وخلفهما جمع من رجال ونساء وأطفال، وكانت الأم تتلفت حولها، وبدا عليها الخوف من مصير غامض.

شعرت أحلام أن ماضيها يطاردها، وحانت لحظة النهاية، وكأنها تخفي سراً دفيناً في بئر سحيقة، ومعها بعض الذكريات التائهة عن فتاة في مقتبل العمر، نشأت في أسرة متوسطة الحال، ولم تكمل دراستها بعد حصولها على الشهادة الابتدائية، ومنعها أهلها من اللعب في الشارع، وانتظرت سنوات خلف نافذتها العريس المرتقب، وسرعان ما طرق بابها جارهم الشاب، وطلبها للزواج، وبعد أيام قليلة تأهبت لدخول القفص الذهبي.

أفاقت أحلام من خيالاتها، وانتبهت إلى اقترابها من الصيدلية، وتصاعدت دقات قلبها، خوفاً أن يثير ظهورها مع زوجها والجيران فضول الصيدلاني، وتجنبت النظر ناحية الشارع الجانبي، ورغم سريان الخوف في جسدها، فقد حاولت التماسك حتى اجتازت منطقة الخطر، وعجزت عن التفكير في حيلة لتنقذ نفسها من تهمة ضياع طفلها، وفي تلك اللحظة نظرت إلى زوجها، وهمست قائلة: «سامحني... أنا ليس لي ذنب»، ولم تعرف هل أنصت لكلماتها أم أنه شارد الذهن، لكنه تفرس في وجهها فجأة، وقال: «المهم نجد الولد ونتحاسب بعد ذلك».

تضاربت مشاعر أحلام بين الإحساس بالذنب، والشفقة على زوجها الغافل عن الحقيقة، والذي تساوره الشكوك في أنها المسؤولة عن ضياع طفلهما، لكنها انتبهت إلى لكزة في كتفها، وحين التفتت وجدت طفلها الكبير يشير بأصابعه، وينطق الكلمات بصعوبة بالغة، وأدركت أنه يسأل عن أخيه الرضيع، فاحتضنته باكية، وجذبه والده، وقال له: «لا تخف يا حسن، أخوك سيرجع»، ونظر إلى زوجته، والشرر يتطاير من عينيه، وأجهش في البكاء.

البحار الصغير

كانت تلك الليلة مليئة بالمفاجآت، وبدأت بخروج أحلام مع رضيعها لشراء الدواء، وانتهت بعودتها من دونه، والصدمة التي دهمت حياة زوجها صابر بعد يوم عمل شاق، وقد عاد من رحلة الصيد إلى الشاطئ، وفرغ من بيع الأسماك التي اصطادها، وتحرك إلى منزله، ولكن الابتسامة التي ارتسمت على وجهه، تلاشت فور سماعه الخبر الأليم،

ولا يدري كيف اتهم زوجته بأنها تخلصت من الرضيع، وهل كان ذلك متعلقاً بلحظة الغضب، أم أن ظنه في موضعه، وشعر في تلك اللحظة بثقل في قدميه، وأنه على وشك السقوط.

تحامل صابر على نفسه، وحاول أن يتشبث بأمل واهن في عودة طفله، ولكن نفور زوجته الدائم من طفليه المعاقين، جلب عليه الذكريات السيئة، وتلك الأيام التي تلت مولد طفلهما الأول حسن وهو يعاني الصمم وصعوبة شديدة في النطق، ورغم حزنه على طفله، فإنه كان يحصي الساعات حتى يعود إلى المنزل، ويجلس معه ليلاعبه، بينما الأم الجاحدة تقول: «وماذا بعد؟ هل سيظل هذا الولد معاقاً هكذا طوال حياته؟ لا بد من وجود طبيب ليعالجه»، فيومئ الزوج لها برأسه، ويتمتم: «إن شاء الله هناك أمل».

ذهب صابر إلى أحد الأطباء حاملاً طفله، فأخبره أنه وُلد بعيبٍ خلقي لا تجدي معه الجراحة، وعليه أن يلتزم بقائمة من الأدوية والعقاقير، وأن يذهب به إلى مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، بعد أن يبلغ أربعة أعوام، وعليه ألا يفقد الأمل، مادام كان مدركاً لما حوله، ويجيد التعبير عن نفسه بالإشارات، وليست لديه ميول عدوانية تجاه الآخرين، أو يحاول إيذاء نفسه.

ظلت كلمات الطبيب تتردد في عقله، ولم يعرف إلى أين يذهب، وتغلب بصعوبة على اليأس الذي سرى في كيانه، بينما تلاحقه نظرات الشفقة من العابرين، وفي تلك اللحظة احتضن ابنه بقوة، ورفعه عالياً، حتى ارتسمت الابتسامة على وجهه البريء، وأخذ يخاطبه قائلا: «لازم تصير بحّار يا حسن وتلف العالم كله، إياك أن تصبح صياداً مثل أبيك»، وتوقف عند محل لبيع ملابس الأطفال، واشترى له زي البحارة، وأكمل سيره مع البحار الصغير.

وترقّب صابر وصول طفله الثاني، ومرت شهور الحمل، وأنجبت أحلام المولود المنتظر، وهوت الصدمة عليهما كالصاعقة، عندما وُلد مُعاقاُ مثل شقيقه، وأخبره الطبيب أنه يحتاج إلى رعاية فائقة، وتناول الدواء بانتظام، وبعدها يقرر حاجته إلى الجراحة أو يبقى على العلاج بالعقاقير، وقرّر الأب أن يسميه «رزق»، وحاول التخفيف عن زوجته، لكنها أبدت حنقها، وقالت إنها ستضيّع شبابها في خدمة طفلين معاقين، فنهرها قائلا: «الأطفال نعمة، وهناك أناس محرومون من الإنجاب، يجب أن تحمدي الله».

فكرة خادعة

فقدت أحلام صوابها، وتحوّل حزنها على طفليها إلى سخط، وفكرت أكثر من مرة في التخلص منهما، لتبدأ حياة جديدة خالية من الهموم، وتتنصل من أمومتها التي أفضت بها إلى إنجاب طفلين معاقين، وبدلا عن رعايتهما والحنو عليهما في محنتهما، أرادت الهرب بلا عودة، وتمنت أن تلقي بهما في ملجأ أيتام، وخشيت أن تفصح عن نواياها، حتى لا تحاصرها الاتهامات، وانتظرت أن يغويها الشيطان بفكرة خادعة لا تثير ريبة زوجها، وبعدها تشترط عليه عدم الإنجاب مرة أخرى.

كادت الهلاوس تعصف بعقلها، وأهملت رعاية طفليها، وقبل اختفاء رضيعها بأيام قليلة، بالغت في حنانها على الطفلين أمام زوجها، واعتادت الذهاب إلى الصيدلية لشراء الدواء لهما، حتى استيقظت ذات صباح، وأعدت الإفطار لزوجها قبل ذهابه إلى عمله، وودعته عند باب المنزل على غير عادتها، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة غامضة، وحين خلت لنفسها، تملكها شعور مضطرب، وانتبهت إلى بكاء الرضيع، فأخذت تهدهده حتى كفّ عن البكاء، وجلست تترقب شيئاً سيحدث، ثم حملت رضيعها وغادرت المنزل.

عندما خرج صابر في ذلك اليوم إلى عمله، فكّر في التغير المفاجئ لأحلام، واهتمامها الزائد بطفليها، وتلبية طلباته، والابتسامة لا تفارق وجهها، وأدرك أنها رضيت بنصيبها، واستردت أمومتها المفتقدة، وظل الأمر يشغل باله أثناء وجوده في مركب الصيد، وحين عاد إلى شاطئ النهر، وانتهى من بيع الأسماك، قرّر العودة إلى منزله مبكراً، وعدم الذهاب إلى المقهى، لكن اطمئنانه تحوّل إلى صدمة مدوية، حين أخبره أحد جيرانه باختفاء طفله الرضيع.

اقتربت المأساة من فصلها الأخير، وطلب صابر من ابنه حسن، عبر لغة الإشارة، أن يبقى مع جار لهم، حتى يعود إليه، وهز الطفل رأسه مبتسماً، واحتضنته أمه باكية، ثم اختفت مع زوجها داخل قسم الشرطة، وانتظر الجيران خروجهما لعدة ساعات، وبعدها خرج الأب بمفرده، واصطحب طفله معه، بينما الأسئلة تلاحقه عما حدث أثناء التحقيق، لكنه ظل صامتاً حتى وصل إلى المنزل، وأغلق الباب، ثم أجهش في البكاء، والطفل يربت على كتفه، ويتمتم بكلمات غير مفهومة.

اعترافات أحلام

عندما مثل صابر وزوجته أمام المحقق، تفحّص ملامحهما علّه يعثر على بداية خيط لحل لغز اختفاء الطفل، وجاء في أقوال الزوج، أنه يشك في حكاية خطف الرضيع، ووجه الاتهام إلى زوجته، وأنها تخلصت من طفلهما المعاق، لا سيما أنها كانت تنفر من طفليها، وتعاملهما كزوجة أب قاسية، ولم ترحم ضعفهما، وكانت تفتعل الشجار، ولا تكف عن الشكوى منهما، وأنها لا تستطيع تربيتهما، وأنهما بلا مستقبل، وستفني حياتها عليهما من دون فائدة، أو أمل في شفائهما.

وبسؤال صابر عن معرفته بنيّة زوجته في التخلص من الرضيع، قال: «أتمنى من الله أن يخيب ظني، وتكون بريئة من التهمة، فمهما كان هي أم، لكنّي فقدت صوابي عندما علمت باختفاء رزق، والحقيقة أنها كانت تعاملهما في الأيام الأخيرة قبل الحادث معاملة طيبة، وتغيّر سلوكها تماماً، وهذا أيضاً أمر محير، فهناك سر سينكشف، وستتضح الحقيقة رغم أي شيء».

بدت القضية محيرة أمام المحقق، خصوصا أن أصابع الاتهام تشير إلى الأم، ومهما كانت دوافعها للقتل، فإنها ارتكبت إثماً يحتاج إلى أدلة دامغة، ولذلك اتخذ التحقيق مجرى آخر، والاستماع إلى أقوال الزوج منفرداً، ثم أقوال الزوجة، للتمكن من العثور على تناقض أو شبهة اشتراكهما في تدبير تلك الجريمة الفادحة، لكن كليهما أصر على أقواله، وتباعدت أصابع الاتهام عن الزوج، بينما الزوجة تصر على عملية الاختطاف، وتدفع عنها التهمة بكل ذرة من كيانها، وكأنها ترى أمامها حبل المشنقة يلتف حول عنقها.

استغرق التحقيق عدة ساعات، واستمع المحقق لأقوال الشهود، ولاحظ شيئاً غريباً على الأم، ويتنافى مع المعتاد في قضايا اختفاء الأطفال، وبينما كرّر الأب مطالبته بالعثور على طفله المختفي، خلت أقوال زوجته من أنها تريد طفلها الضائع، وأخذت تردد حكاية الخطف كأن صوتها ينطلق من شريط تسجيل، ولم تبدِ أي رغبة في العثور على الرضيع، وكان اضطرابها لا ينطوي على حزن أو صدمة فقط، بل خوف شديد من مصير مجهول.

دارت شكوك المحقق حول إصرار أحلام على حكاية خطف رضيعها، وأنها بعد خروجها من الصيدلية، اقترب منها شابان يستقلان دراجة نارية، وقام أحدهم بانتزاع الطفل من يدها، وفرا هاربين، ولسوء حظها أن للصيدلية كاميرات مراقبة، وبعد معاينة شريط الفيديو، تبين أنها خرجت من الصيدلية، واتجهت إلى شارع جانبي، بما يتعارض مع أقوالها بأن الخاطفين قاما بجريمتها فور خروجها مباشرة.

وقامت أجهزة الأمن بتحرياتها، وتوصلت إلى شهود عيان للأم ورضيعها في الشارع الجانبي للصيدلية، وأنها عادت مرة أخرى من دون الطفل، وبمواجهة الأم بالتحريات وبأقوال الشهود، أصابها الانهيار واعترفت بقتلها فلذة كبدها من دون وازع من رحمة، وأنها ارتكبت جريمتها بزعم أن نجلها معاق جسدياً، وأرادت أن تريحه من عذابه في الدنيا، وفي الوقت ذاته ترفع عن كاهلها معاناة خدمتهما حتى نهاية حياتها.

وبعد العثور على جثة الرضيع ملقاة في مكان مهجور، انهارت الأم القاتلة، وأدلت باعترافات تفصيلية عن جريمتها، وهي تبكي نادمة، وقالت: «زوجي يعمل صياداً، وتزوجته قبل ست سنوات، ورزقنا الله بنجلي الأول، وكان معاقاً، وحمدتُ الله عليه، وقلت في نفسي إن ربنا سيرزقني بمولود آخر سليم، وحملت في نجلي الثاني، لكنه وُلِد معاقاً أيضاً».

وقالت المتهمة نادمة: «الشيطان هيأ لي قتل رضيعي، وكنت أذهب به للصيدلية لكي يأخذ حقنة وأشتري الدواء لشقيقه، وفي يوم الحادث خرجت به مبكراً وتوجهت به إلى مكان مهجور، وألقيته على الأرض، وهربت مسرعة، ورجعت إلى المنزل، واختلقت واقعة اختطافه لزوجي والجيران حتى أبعد التهمة عني».

وتتابعت اعترافات المتهمة، أنها حملت في طفلها الثاني، وذهبت إلى المستشفى للولادة، وفوجئت بالطبيب يخبرها بأن الطفل المولود معاق، وأصابها اليأس الشديد، بينما زوجها حاول التخفيف عنها، وأسماه «رزق»، لكن الشيطان أغواها بالتخلص من فلذة كبدها، وقالت لزوجها إن عليهما إرجاء الإنجاب لمرة ثالثة، وبالفعل دبرت خطة الجريمة، وادعت حكاية الخطف المزعوم.

وأمر المحقق بحبس المتهمة أربعة أيام على ذمة القضية، ووجه لها تهمة القتل العمد لطفلها الرضيع، تمهيداً لمثولها أمام محاكمة عادلة، وفي أثناء فترة توقيفها رفض زوجها زيارتها، وطلّقها، وطوى تلك الصفحة القاتمة من حياته.

هشام محمد

رجال الشرطة يكشفون حقيقة جريمة الخطف الوهمية

كاميرات المراقبة ترصد لحظة اختفاء الأم مع رضيعها

زوجة الصياد تتجرد من أمومتها بعد ولادة طفلها الثاني معاقاً
back to top