الملكة إبريزة تخطط للهروب مع شركان (3- 30)

ابن الملك يصرع البطارقة... والجارية تطلب منه العودة إلى بلاده

نشر في 15-04-2021
آخر تحديث 15-04-2021 | 00:00
No Image Caption
توقفنا في الحلقة السابقة، عندما رفضت ابنة ملك الروم اقتحام البطارقة لمنزلها، الذين أرسلهم والدها للقبض على شركان، وقالت لهم: إن هذا الرجل واحد، وأنتم مئة، فإذا أردتم مصادمته فابرزوا له واحداً واحداً، ونتابع في هذه الحلقة، صراع شركان مع البطارقة وقتلهم جميعا، وإفصاح الجارية عن شخصيتها لشركان، وأنها إبريزة ابنة الملك حردوب ملك الروم، وكشفها خديعة ملك القسطنطينية لوالده عمر النعمان، حتى يأتي بشركان إلى هذه البلاد وقتله أو أسره، لاسترداد ابنته الملكة صفية التي تقيم لدى أبيه، وأنجبت له ضوء المكان ونزهة الزمان.
ولما كانت الليلة الثالثة والثلاثون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة إبريزة لما قالت للبطريق أخرجوا له فارسا لفارس، قال: لقد قلت الحق، ولكن ما يخرج له إلا أنا، فقالت الجارية: إصبر حتى أذهب إليه وأعرّفه بحقيقة الأمر، وأنظر ما عنده من الجواب، فإن أجاب الأمر كذلك، وإن أبى فلا سبيل لكم إليه، ثم أقبلت على شركان وأخبرته بما كان، فتبسم وعلم أنها لم تُخبر أحداً بأمره، وإنما شاع خبره حتى وصل إلى الملك بغير إرادتها، فرجع باللوم على نفسه وقال: كيف رميت روحي في بلاد الروم؟ ثم إنه لما سمع كلام الجارية قال لها: إن مبازتهم لي واحداً واحدا إجحاف لهم، فهلا يبارزونني عشرة بعد عشرة؟ وبعد ذلك وثب على قدميه وسار إلى أن أقبل عليهم، وكان معه سيفه وآلة حربه، فلما رآه البطريق وثب إليه، وحلّ عليه، فقابله شركان كأنه الأسد، وضربه بالسيف على عاتقه فخرج السيف يلمع من أمعائه، فلما نظرت الجارية ذلك عظُم قدر شركان عندها، وعرفت أنها لم تصرعه حين صرعته بقوتها، بل بحسنها وجمالها، ثم إن الجارية أقبلت على البطارقة، وقالت لهم: خذوا بثأر صاحبكم، فخرج له أخو المقتول، وكان جباراً عنيداً، فحمل على شركان، فلم يمهله، وضربه شركان بالسيف على عاتقه، فخرج السيف يلمع من أمعائه.

المبارزة القاتلة

اقرأ أيضا

فعند ذلك نادت الجارية، وقالت: خذوا بثأر صاحبكم، فلم يزالوا يخرجون إليه واحداً بعد واحد، وشركان يلعب فيهم بسيفه حتى قتل منهم خمسين بطريقاً، والجارية تنظر غلّتهم، وقد قذف الله الرعب في قلوب من بقي منهم، وقد تأخروا عن المبارزة ولم يجسروا عليه واحداً واحداً، بل حملوا عليه حملة واحدة بأجمعهم، وحمل عليهم بقلب أقوى من الحجر إلى أن طحنهم طحن الدروس، وسلب منهم العقول والنفوس، فصاحت الجارية على جواريها، وقالت لهن: من بقي في الدير؟ فقلن لها: لم يبق سوى البوابين، ثم إن الملكة رحبت به ترحيباً كبيراً، وطلع شركان معها إلى القصر بعد فراغه من القتال، وكان قد بقي منهم قليل كامن في زوايا الدير، فلما نظرت الجارية إلى ذلك القليل قامت من عند شركان، ثم رجعت إليه وعليها زردية ضيقة العيون وبيدها صارم مهند، وقالت: لا أبخل بنفسي على ضيفي ولا أتخلى عنه، ولم أبق بسبب ذلك معيرة في بلاد الروم، ثم إنها تأملت البطارقة فوجدتهم قد قتل منهم ثمانون وانهزم منهم عشرون، فلما نظرت إلى ما صنع بالقوم قالت له: بمثلك تفتخر الفرسان، فلله درّك يا شركان، ثم إنه قام بعد ذلك يمسح سيفه من دم القتلى وينشد هذه الأبيات:

وكم من فرقة في الحرب جاءت

تركت كماتهم طعم السـبـاع

سلوا عني إذا شـئتـم نـزالــــــــــــــــــــــــي

جميع الخلق في يوم الـقـراع

تركت ليوثهم في الحرب صرعى

على الرمضاء في تلك البقـاع

درع الملكة

فلما فرغ من شعره، أقبلت عليه الجارية مبتسمة، وقبّلت يده وقلعت الدرع الذي كان عليها، فقال لها: يا سيدتي لأي شيء لبست الدرع الزرد وشهرت حسامك؟ قالت: حرصاً عليك من هؤلاء اللئام، ثم إن الجارية دعت البوابين وقالت لهم: كيف تركتم أصحاب الملك يدخلون منزلي بغير إذني؟ فقالوا لها: أيتها الملكة ما جرت العادة أن نحتاج إلى استئذان منك على رسل الملك، خصوصاً البطريق الكبير، فقالت لهم: أظنكم ما أردتم إلا هتكي وقتل ضيفي، ثم أمرت شركان أن يضرب رقابهم، وقالت لبقية خدامها إنهم يستحقون أكثر من ذلك، ثم التفتت لشركان وقالت له: الآن ظهر لك ما كان خافياً، فها أنا أعلمك بقصتي.

إبريزة تطلب الرحيل

وقالت: اعلم أني بنت ملك الروم واسمي إبريزة ابنة الملك حردوب، والعجوز التي تسمى ذات الدواهي جدتي أم أبي، وهي التي أعلمت أبي بك، ولا بدّ أنها تدبّر حيلة في هلاكي، خصوصاً وقد قتلت بطارقة أبي، فالرأي السديد أنني أترك الإقامة هنا ما دامت ذات الدواهي خلفي، ولكن أريد منك أن تفعل معي مثل ما فعلت معك من الجميل، فإن العداوة قد أوقعت بيني وبين أبي، فلا تترك من كلامي شيئاً، فإن هذا كله ما وقع إلا من أجلك.

فلما سمع شركان هذا الكلام طار عقله من الفرح، واتسع صدره وانشرح، وقال: والله لا يصل إليك أحداً ما دامت روحي في جسدي، ولكن هل لك صبر على فراق والدك وأهلك؟ قالت: نعم، فحلفها شركان وتعاهدا على ذلك، فقالت له: إنك ترجع بعسكرك إلى بلادك، فقال لها: يا سيدتي إن أبي عمر النعمان أرسلني إلى قتال والدك بسبب المال الذي أخذه، ومن جملته الخرزات الثلاث الكثيرة البركات، فقالت له: طب نفساً وقرّ عيناً، فها أنا أحدثك بحديثها.

سر الخرزات الثلاث

قالت إبريزة لشركان، إن سبب معاداتنا لملك القسطنطينية، أن لنا عيداً يقام كل سنة تجتمع فيه الملوك من جميع الأقطار وبنات الأكابر والتجار، ويقعدون فيه 7 أيام، وأنا من جملتهم، فلما وقعت بيننا العداوة منعني أبي من حضور ذلك العيد مدة 7 سنين، فاتفق في سنة من السنين أن بنات الأكابر من سائر الجهات قد جاءت من أماكنها في ذلك العيد على العادة، ومن جملة من جاء إليه بنت ملك القسطنطينية، وكان يقال لها صفية، فأقاموا 6 أيام، وفي اليوم السابع انصرف الناس، فقالت صفية: أنا ما أرجع إلى القسطنطينية إلا في البحر، فجهزوا لها مركباً فنزلت فيها هي وخواصها وأحلوا القلوع وساروا، فبينما هم سائرون إذا بريح قد هبت عليهم، فأخرج المركب عن طريقها، وكان هناك بالقضاء والقدر مركب من جزيرة الكافور وفيها خمسمئة إفرنجي، ومعهم العدّة والسلاح، وكان لهم مدة في البحر، فلما لاح لهم قلع المركب التي فيها صفية ومن معها من البنات انقضوا عليها مسرعين، فما كان غير ساعة حتى وصلوا إلى ذلك المركب ووضعوا فيه الكلاليب وجرّوها وحلوا قلوعهم وقصدوا جزيرتهم، فما بعدوا غير قليل حتى انعكس عليهم الريح، فجذبهم إلى شعب بعد أن مزق قلوع مركبهم وقرّبهم منا، فخرجنا فرأيناهم غنيمة قد انساقت إلينا، فأخذناهم وقتلناهم واغتنمنا ما معهم من الأموال والتحف، وكان في مركبهم 40 جارية ومن جملتهم صفية ابنة الملك أفريدون ملك القسطنطينية، فاختار أبي منهن عشر جوارٍ، وفيهن ابنة الملك وفرق البقية على حاشيته، ثم عزل 5 منهن ابنة الملك من الجواري العشر، وأرسل تلك الخمسة وهو لا يدرى أن من بين الجواري الخمس صفية ابنة الملك أفريدون هدية إلى والدك عمر النعمان مع شيء من الجوخ ومن قماش الصوف ومن قماش الحرير الرومي، فقبل والدك الهدية.

رسالة أفريدون

فلما كان أول هذا العام، أرسل أبوها إلى والدي مكتوباً فيه كلام لا ينبغي ذكره، حيث راح يهدده في ذلك المكتوب ويوبّخه، ويقول له: إنكم أخذتم مركبنا منذ سنتين، وكان في يد جماعة لصوص من الإفرنج، وكان من جملة ما فيه ابنتي صفية ومعها من الجواري نحو ستين جارية ولم ترسلوا إلى أحداً يخبرني بذلك، وأنا لا أقدر أن أظهر خبرها، خوفاً أن يكون في حقي عاراً عند الملوك، فكتمت أمري إلى هذا العام، والذي بين لي كذلك أني كاتبت هؤلاء اللصوص وسألتهم عن خبر ابنتي، وأكدت لهم أن يفتشوا عليها ويخبروني عند أي ملك هي من ملوك الجزائر، فقالوا: والله ما خرجنا بها من بلادك، ثم قال في المكتوب الذي كتبه لوالدي: إن لم يكن مرادكم معاداتي ولا فضيحتي ولا هتك ابنتي، فساعة وصول كتابي إليكم ترسلوا إليّ ابنتي من عندكم، وإن أهملتم كتابي وعصيتم أمري فلا بدّ لي من أن أكافئكم على قبيح أفعالكم وسوء أعمالكم.

ندم حردوب

فلما وصلت هذه المكاتبة إلى أبي وقرأها وفهم ما فيها شق عليه ذلك وندم، حيث لا يعرف أن صفية بنت الملك في تلك الجواري ليردها إلى والدها، فصار متحيراً في أمره، ولم يمكنه بعد هذه المدة الطويلة أن يرسل إلى الملك عمر النعمان ويطلبها منه، ولا سيما وقد سمعنا من مدة يسيرة أنه رزق من جاريته صفية بنت الملك أفريدون أولادا، فلما تحقق ذلك، علمنا أن هذه الورطة هي المصيبة العظمى، ولم يكن لأبي حيلة، غير أنه كتب جواباً للملك أفريدون يعتذر إليه، ويحلف له بالأقسام أنه لا يعلم أن ابنته من جملة الجواري التي كانت في ذلك المركب، ثم أظهر له على أنه أرسلها إلى الملك عمر النعمان، وأنه رزق منها أولادا.

المكيدة

فلما وصلت رسالة أبي إلى أفريدون ملك القسطنطينية قام وقعد وأرغى وأزبد، وقال: كيف تكون ابنتي مسبية بصفة الجواري وتتداولها أيدي الملوك ويطأونها بلا عقد، ثم قال: إنه لا يمكنني أن أتعاقد مع هذا الأمر دون أخذ الثأر وكشف العار، فلا بدّ من أن أفعل فعلاً يتحدث به الناس من بعدي، وما زال صابراً إلى أن عمل الحيلة ونصب مكيدة عظيمة، وأرسل رسلاً إلى والدك عمر النعمان، وذكر له ما سمعت من الأقوال حتى جهزك والدك بالعساكر التي معك من أجلها، وسيّرك إليه حتى يقبض عليك أنت ومن معك من عساكرك، وأما الخرزات الثلاث التي أخبر والدك بها في مكتوبه فليس لذلك صحة، وإنما كانت مع صفية ابنته، وأخذها أبي حين استولى عليها هي والجواري التي معها، ثم وهبها إلي وهي عندي الآن، فاذهب أنت إلى عسكرك وردّهم قبل أن يتوغلوا في بلاد الإفرنج والروم، فإنكم إذا توغلتم في بلادهم يضيقون عليكم الطرق، ولا يكون لكم خلاص من أيديهم إلى يوم الجزاء والقصاص، وأنا أعرف أن الجيوش مقيمون في مكانهم، لأنك أمرتهم بالإقامة ثلاثة أيام، مع أنهم فقدوك في هذه المدة ولم يعلموا ماذا يفعلون، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

عودة شركان

وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد الستمئة، قالت: فلما سمع شركان هذا الكلام صار مشغول الفكر بالأوهام، ثم إنه قبّل يد الملكة إبريزة وقال: الحمد لله الذي منّ علي بك وجعلك سبباً لسلامتي ومن معي، ولكن يعزّ عليّ فراقك، ولا أعلم ما يجري عليك من بعدي؟ فقالت له: اذهب أنت الآن إلى عسكرك وردّهم، وإن كانت الرسل عندهم فاقبض عليهم، حتى يظهر لكم الخبر وأنتم بالقرب من بلادكم، وبعد ثلاثة أيام أنا ألحقكم، وما تدخلون بغداد إلا وأنا معكم، فندخل كلنا سواء، فلما أراد الانصراف، قالت له: لا تنسَ العهد الذي بيني وبينك، ثم إنها نهضت قائمة معه لأجل التوديع، وبكت بكاء يذيب الأحجار وأرسلت الدموع كالأمطار، فلما رأى منها ذلك البكاء والدموع، اشتد به الوجد والولوع، ونزع في الوداع دمع العين، وأنشد هذين البيتين:

ودّعتها ويدي اليمين لأدمعي

ويدي اليسار لضمّة وعـنـاق

قالت: أما تخشى الفضيحة؟ قلت: لا

يوم الوداع فضيحة العـشـاق

لقاء دندان

ثم فارقها شركان، وقدّموا له جواده وخرج متوجهاً إلى الجسر، فلما وصل إليه مر من فوقه ودخل بين تلك الأشجار، فلما تخلّص من الأشجار، ومشى في ذلك المرج وإذا هو بثلاثة فوارس، فأخذ لنفسه الحذر منهم وشهر سيفه، فلما قربوا منه ونظر بعضهم بعضاً عرفوه وعرفهم، ووجد أحدهم الوزير دندان ومعه أميران، وعندما عرفوه ترجلوا له، وسأله الوزير دندان عن سبب غيابه، فأخبره بجميع ما جرى له من الملكة إبريزة من أوله إلى آخره، فحمد الله تعالى على ذلك، ثم قال شركان: ارحلوا بنا من هذه البلاد، لأن الرسل الذين جاؤوا معنا رحلوا من عندنا، ليعلموا ملكهم بقدومنا، فربما أسرعوا إلينا وقبضوا علينا، ثم نادى شركان في عسكره بالرحيل، فرحلوا كلهم ولم يزالوا سائرين مجدين في السير حتى وصلوا إلى سطح الوادي، وكانت الرسل قد توجهوا إلى ملكهم، وأخبروه بقدوم شركان، فجهز إليه عسكراً ليقبضوا عليه وعلى من معه.

شركان يقاتل الإفرنج

لما سافر شركان بعسكره مدة خمسة وعشرين يوماً حتى أشرفوا على أوائل بلادهم، فلما وصلوا هناك أمنوا على أنفسهم ونزلوا لأخذ الراحة، فخرج إليهم أهل تلك البلاد بالضيافات، ثم أقاموا يومين ورحلوا طالبين ديارهم، وتأخر شركان بعدهم في مئة فارس، وجعل الوزير دندان أميراً على من معه من الجيش، فسار دندان بمن معه مسيرة يوم، ثم بعد ذلك ركب شركان هو والمئة فارس الذين معه، وساروا مقدار فرسخين حتى وصلوا إلى محل مضيق بين جبلين، وإذا أمامهم غبرة وعجاج، فمنعوا خيولهم من السير مقدار ساعة حتى انكشف الغبار وبان من تحته مئة فارس ليوث عوابس، وفي الحديد والزرد غواطس، فلما قربوا من شركان ومن معه صاحوا عليهم وقالوا: وحق يومنا إننا قد بلغنا ما أملناه ونحن خلفكم مجدون السير ليلاً ونهاراً حتى سبقناكم إلى هذا المكان، فانزلوا عن خيولكم وأعطونا أسلحتكم، وسلّموا لنا أنفسكم حتى نجود عليكم بأرواحكم.

فلما سمع شركان ذلك الكلام لاجت عيناه، واحمرت وجنتاه، وقال لهم: كيف تجاسرتم علينا وجئتم بلادنا ومشيتم أرضنا، وما كفاكم ذلك حتى تخاطبونا بهذا الخطاب؟ أظننتم أنكم تخلصون من أيدينا وتعودون إلى بلادكم؟ ثم صاح على المئة فارس الذين معه وقال لهم: دونكم وهؤلاء فإنهم في عددكم، ثم سلّ سيفه وحمل عليهم وحملت معه المئة فارس، فاستقبلتهم الإفرنج بقلوب أقوى من الصخر، واصطدمت الرجال بالرجال، ووقعت الأبطال بالأبطال، والتحم القتال واشتد النزال، وعظمت الأهوال، وقد بطل القيل والقال، ولم يزالوا في الحرب والكفاح والضرب بالصفاح حتى ولّى النهار وأقبل الليل بالاعتكار، فانفصلوا عن بعضهم، واجتمع شركان بأصحابه فلم يجد أحداً منهم مجروحاً غير أربعة أنفس حصل لهم جراحات بسيطة، فقال لهم شركان: أنا عمري أخوض بحر الحرب العجاج المتلاطم من السيوف بالأمواج، وأقاتل الرجال، فوالله ما لقيت أصبر على الجلاد، وملاقاة الرجال مثل هؤلاء الأبطال، فقالوا له: اعلم أيها الملك أن فيهم فارساً إفرنجياً، وهو المقدّم عليهم، له شجاعة وطعنات نافذات، غير أن كل من وقع منا بين يديه يتغافل عنه ولا يقتله، فوالله لو أراد قتلنا لقتلنا بأجمعنا، فتحيّر شركان لما سمع ذلك المقال، وقال في غد نصطف ونبارزهم فها نحن مئة وهم مئة، ونطلب النصر عليهم من رب السماء، وباتوا تلك الليلة على ذلك الاتفاق، وأما الإفرنج فإنهم اجتمعوا عند مقدمهم وقالوا له: إننا ما بلغنا اليوم في هؤلاء إرباً، فقال لهم: في غد نصطف ونبارزهم واحداً بعد واحد، فباتوا على ذلك الاتفاق أيضاً، فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، وطلعت الشمس على رؤوس الروابي والبطاح، وسلمت على محمد زين الملاح، ركب الملك شركان وركب معه المئة فارس وأتوا إلى الميدان كلهم، فوجدوا الإفرنج قد اصطفوا للقتال، فقال شركان لأصحابه: إن أعداءنا قد اصطفوا فدونكم والمبادرة إليهم، فنادى مناد من الإفرنج: لا يكون قتالنا في هذا اليوم إلا مناوبة بأن يبرز بطل منكم إلى بطل منا.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الفارس الشجاع

قالت شهرزاد: لما نادى مناد من الإفرنج: بأن يبرز بطل منكم إلى بطل منا، برز فارس من أصحاب شركان وسار بين الصفين، وقال: هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ لا يبرز لي اليوم كسلان ولا عاجز، فلم يتم كلامه حتى برز إليه فارس من الإفرنج، غريق في سلاحه وقماشه من ذهب، وهو راكب على جواد أشهب، وذلك الإفرنجي لا نبات بعارضيه، فسار جواده حتى وقف في وسط الميدان، وصادمه بالضرب والطعان، فلم يكن غير ساعة حتى طعنة الإفرنجي بالرمح فنكسه عن جواده وأخذه أسيراً، ففرح به قومه ومنعوه أن يخرج إلى الميدان، وأخرجوا غيره، وقد خرج إليه من المسلمين آخر وهو أخو الأسير، ووقف معه في الميدان وحمل الاثنان على بعضهما ساعة يسيرة ثم كرّ الإفرنجي على المسلم وغالطه وطعنه بعقب السيف، فنكسه عن جواده وأخذه أسيراً، وما زال يخرج إليهم من المسلمين واحد بعد واحد والإفرنج يأسرونهم إلى أن ولّى النهار وأقبل الليل باعتكار، وقد أسروا من المسلمين عشرين فارساً.

فلما عاين شركان ذلك عظُم عليه الأمر، فجمع أصحابه وقال لهم: ما هذا الأمر الذي حلّ بنا؟ أنا أخرج في غد إلى الميدان، وأطلب مبارزة الإفرنجي المقدّم عليهم، وأنظر ما الذي حمله على أن يدخل بلادنا وأحذّره من قتالنا، فإن أبى قاتلناه، وإن رضي صالحناه.

الجريدة - القاهرة

ابنة ملك الروم تكشف حيلة أفريدون لاستعادة ابنته صفية

جيش من نساء الإفرنج يقطع طريق العودة على كتيبة شركان

ابن الملك يكتشف سر الفارسة الرومانية ويعلم أنها إبريزة ويعرض عليها الزواج

الملكة ترتدى زي الفرسان وتواجه عساكر عمر النعمان

شركان يسند قيادة الفرسان إلى الوزير دندان
back to top