ليلة القبض على «سفاح الجيزة» في وكر الشيطان

استدرج ضحاياه على طريقة «ريا وسكينة»

نشر في 14-04-2021
آخر تحديث 14-04-2021 | 00:00
No Image Caption
تحرّك القاتل المتسلسل إلى مسرح الجريمة، من دون أن يكترث بكاميرات المراقبة، وترك بصمته الأخيرة في عالم الإجرام الوحشي، وكانت لحظة سقوطه مدوية، وبات "سفاح الجيزة" حديث الشارع المصري خلال العام الحالي، وكشفت التحقيقات سجله الحافل بالقتل والنصب والاحتيال والتزوير في أوراق رسمية، وتبيّن سر اختفاء أربعة من ضحاياه على طريقة السفاحتين "ريا وسكينة" وتوالت المفآجات.
بدأت قصة "قذافي فرّاج" مع الإجرام في عام 2015، عندما كان صديق طفولته رضا يعمل مهندساً في إحدى دول الخليج، وأقنعه بعمل توكيل عام له في مصر، حتى يستثمر أمواله في سلسلة مكتبات، وبعدها اكتشف رضا خيانة صديق العمر، فطالبه بردّ أمواله، وبهدوء شديد أخبره قذافي أن خلافاتهما يمكن حلها ودياً، ودعاه إلى شقته في حي بولاق الدكرور لتناول الغداء، والتوصل إلى اتفاق يرضيه.

لجأ قذافي إلى تلك الحيلة الشيطانية، وهيأ مسرح الجريمة، لاستدراج صديقه بعيداً عن الأنظار، واستجاب رضا للدعوة، ولم يتخيل للحظة أن صديق عمره سيقدِّم له طعاماً مسموماً، وينتظر لحظات احتضاره، من دون أن ينقذه من الموت، وبعدها دفنه في الشقة، ولإبعاد شبهة الجريمة عن نفسه أرسل رسالة إلى أهل القتيل من هاتفه نصها "إلحقوني أنا اتقبض عليّ"، وتخلّص من الهاتف في أثناء عودته إلى شقته أخرى بمنطقة الهرم.

أخبر قذافي زوجته بما حدث، وخشيت من تهديده لها، إذا كشفت السر، ولعبت برأسها الهواجس، فمَنْ يقتل صديق عمره يفعل أي شيء آخر، واستشعر القاتل اضطرابها الشديد، فحاول تهدئتها، حتى يفكر في حيلة للتخلص منها، ولم يتوانَ عن قتلها بالسمّ أيضاً، بعد وضعه لها في العصير، ثم خبأ الجثة في "ديب فريزر"، ونقلها إلى شقته في بولاق ودفنها بجوار صديقه!

مرت شهور طويلة، ولم يعثر أحد على ضحيتيه، وقرّر قذافي خطبة فتاة أخرى، وفي الوقت نفسه وقع في علاقة غرامية مع أختها، وهددته بفضح علاقتهما معاً، ليستخدم الطريقة نفسها في قتلها، ودفنها في مقبرة شقة بولاق أيضاً، وأقنع أهلها أنها هربت مع مخرج إلى خارح مصر، لتعمل في مجال التمثيل، ثم تزوج شقيقتها، كما كان مُخطِطاً لذلك، وبعدها انفصل عنها.

باتت جرائم قذافي يكتنفها الغموض، وتدور في فضاء ضبابي، وأراد أن ينقل مسرح جرائمه إلى مدينة الإسكندرية، فزوّر أوراقا ثبوتية بشخصية الصديق المقتول، وعاش باسمه، وأصبح "المهندس رضا"، وفتح هناك محل أدوات كهربائية، وكانت تعمل لديه سيدة في المحل، وبطريقته المعتادة أقنعها بحبّه لها، وطلب منها أن تشاركه في إدارة أعماله مقابل أن تدفع له 45 ألف جنيه، وبالفعل منحته المبلغ، وبعد فترة شعرت بخداعه لها، وطالبته بردّ أموالها، فأخبرها أنه اشترى بالمبلغ بضائع، ويمكنها الحصول عليها إذا ذهبت معه إلى "المخزن"، وعندما ذهبت لنيل حقها، قتلها ودفنها في "مقبرة مخزن الإسكندرية".

كاميرات المراقبة

مرت خمسة أعوام، من دون أن ينكشف لغز اختفاء الضحايا، ورغم براعة هذا السفاح في ارتكاب الجرائم، وعدم ترك أي أدلة خلفه، فإنه سقط أخيراً في قبضة الشرطة عن طريق المصادفة، فقد تزوّج من طبيبة صيدلانية، وبعد فترة دخل في خلافات معها، وطلبت الطلاق، فقرّر السطو على "فيلا" والدها، وظنّ أنه دبّر خطته بإتقان، وخرج من مسرح الجريمة من دون أن يعترضه أحد، وأسرع بالفرار بما معه من ذهب وأموال.

وبعد اكتشاف سرقة "الفيلا"، تعقّب الأمن السارق بفحص الكاميرات، واتضح أنه زوج الابنة، وسقط اللص في قبضة أجهزة الأمن، وحُكِم عليه بالسجن عاما باسمه المزيف "المهندس رضا"، وكان أهل الأخير يبحثون عنه، وعلموا أنه على ذمة قضية سرقة في الإسكندرية، وعندما ذهبوا لرؤيته اكتشفوا أنه صديق طفولته "قذافي"، وأنه انتحل اسمه، وتقدموا ببلاغ يتهمونه بقتله.

مفاجآت أخرى كانت في انتظار هذا القاتل المتسلسل، كشفتها "سكرتيرته" التي تعرفت إليه بعد طلبه موظفة للعمل بشركة دعاية وإعلان كان يمتلكها، وبعد فترة من العمل، لاحظت أن لديه غرفة لا يسمح لأي شخص بدخولها، وذات يوم طلب منها إحضار سيدة لتنظيف مقر العمل، بعدها غادر وترك مفاتيحه ولم يعد، وحين عجزت عن الوصول إليه، قرّرت فتح الغرفة السرية للوصول إلى أيّ أوراق تساعدها في التعرف إلى محل إقامته، لكنها فوجئت بدولاب يحتوي على قسائم زواج وسبع هويات مزيفة تحمل صورته!

وبعد أيام تلقت مكالمة هاتفية من قذافي، وعلّل غيابه بظروف خارجة عن إرادته، وعندما واجهته بالحقيقة، طلب منها التكتم مقابل الحصول على 250 ألف جنيه، وأنه سيحضر إلى المحل ومعه المبلغ، لكنّها رفضت إغراءاته، وانقطعت عن العمل، وتواصلت مع ضحاياه، وبعدها سلّموا الأوراق للنيابة.

السقوط الأخير

تسارعت أحداث قضية "سفاح الجيزة" وقامت مديرية أمن الجيزة بنقله من مقر محبسه بقسم شرطة الهرم، إلى سجن الاستئناف، لاستكمال فترة حبسه سنة في القضية المتهم فيها بسرقة مصوغات ذهبية من زوجته الطبيبة الصيدلانية بالإسكندرية، وبعد انتهاء فترة عقوبته، بدأ في تنفيذ قرار الحبس في قضايا القتل والتزوير والسرقة والنصب المتورط بارتكابها في الجيزة والإسكندرية.

وتبيّن من خلال حصر فترة الحبس التي قضاها في السجن بالإسكندرية، قبل اكتشاف جرائمه، أن قضى 3 أشهر من الحكم القضائي بحبسه في قضية السرقة، ونفّذ بقية فترة حبسه في سجن الاستئناف، واتهامه في 4 جرائم قتل، وسلسلة من وقائع النصب والتزوير وانتحال الصفة، ودفن جثث ضحاياه بشقة في بولاق الدكرور، ومخزن في محافظة الإسكندرية.

واعترف المتهم بقتل صديق طفولته المهندس رضا، بوضع السم له في الطعام، ودفن جثته بشقة في بولاق الدكرور، بعد استيلائه على أمواله، وقتل زوجته فاطمة زكريا، بالطريقة ذاتها، ونقل جثتها داخل "ديب فريزر" من شقة الزوجية بالهرم، إلى شقة ببولاق الدكرور ودفنها هناك، والجريمة الثالثة هي قتل شقيقة إحدى زوجاته، التي جمعت بينهما علاقة قبل الزواج من شقيقتها.

وغادر المتهم إلى مدينة المنصورة (شمال شرقي القاهرة)، منتحلاً صفة صديقه المجني عليه المهندس رضا، وتعرَّف إلى فتاة، وعقد قرانه عليها، إلا أنه لم يدخل بها، ولم يتمم الزواج، وغادر إلى محافظة الإسكندرية، لينفذ جريمته الرابعة، ويتخلص من السيدة التي تعمل معه في محل أدوات كهربائية يمتلكه، وقد وعدها بالزواج، وحصل منها على مبلغ "قيمة بيع شقة ملكها" ولدى إلحاحها في استعادة المبلغ أو إتمام الزواج منها، استدرجها إلى مخزنٍ وخنقها ودفنها بملابسها داخل المخزن.

وأقر المتهم في التحقيقات، أنه واصل انتحال صفة صديقه المجني عليه، وتزوّج طبيبة صيدلانية، وعندما اكتشتفت مطامعه، قرّرت الانفصال عنه، فاتخذ قراراً بالانتقام منها، وارتدى نقاباً للتخفي، واستولى من فيلا والدها على مصوغات ذهبية تصل قيمتها إلى نحو مليون جنيه.

وعقب ارتكاب المتهم جريمته، انتحل صفة مهندس كهرباء يُدعى "محمد مصطفى"، وتقدّم للزواج بابنة تاجر ثري، وخلال فترة زواجه منها، قرّر بيع المصوغات الذهبية التي سرقها من زوجته الطبيبة الصيدلانية، فتوجه إلى محل جواهرجي، إلا أن القدر شاء أن مالك المحل يرتبط بعلاقة صداقة بوالد الطبيبة، ويعلم بأمر السرقة، فأبلغ رجال المباحث، وجرى القبض على المتهم بصفته المهندس رضا التي انتحلها عقب قتل المجني عليه.

وتتابع سقوط الأقنعة عن "سفاح الجيزة"، حين فوجئت زوجته "ابنة التاجر" بحضور فتاة على علاقة عمل بزوجها الذي اختفى فجأة من دون أن تعلم بأمر القبض عليه، بإحضار بطاقة شخصية لها خاصة بزوجها، إلا أنها تحمل اسمه الحقيقي "قذافي فراج"، فتأكدت من تعرّضها للنصب من جانب زوجها، وتقدّمت ببلاغ ضده، وبدأت النيابة المختصة التحقيق معه في الاتهامات المنسوبة إليه.

في ذلك الوقت، وصلت معلومة إلى محامي "أسرة المهندس رضا"، مفادها أن حكماً قضائياً صدر ضد شخص يحمل اسم المفقود، وبدأ محامي الأسرة وفيّ الدين فؤاد، في التحرك لكشف ملابسات الأمر، واتضح أن الشخص المحبوس باسم المهندس رضا، هو المتهم قذافي فراج، وأنه ينتحل صفته، فتم إبلاغ رجال المباحث بالإسكندرية، كما تقدم ببلاغ إلى النائب العام للتحقيق، وتقدم أيضاً بتظلم لفتح التحقيق في بلاغ التغيُّب الخاص بالمهندس رضا، الذي جرى تحريره منذ سنوات، مع توجيه تهمة القتل إلى قذافي.

وفور التقدم ببلاغ إلى النائب العام، جرى تكليف النيابة المختصة بالجيزة، للتحقيق في القضية، وتم التنسيق مع مديرية أمن الإسكندرية، وتوجهت قوة أمنية لتسلم المتهم، وترحيله إلى مديرية أمن الجيزة، وتحديداً إلى قسم شرطة الهرم، وبدأ فريق البحث في إجراء التحريات، واستجواب المتهم، وجمع المعلومات، ومواجهته بها، حتى اعترف بقتل المهندس رضا، وقتل زوجته، وشقيقة إحدى زوجاته، والفتاة التي قتلها بالإسكندرية، وأرشد عن مكان دفنه الجثث.

جرائم مروعة

مفاجأة مدوية نطق بها سفاح الجيزة، خلال اعترافه بجرائمه، وبأنه قتل زوجته، وقطع جزءاً من جسدها وألقاه للكلاب، ليشفي غليله منها، لأنها استولت على أمواله، وكانت تريد أن تجعله مُفلِساً، حتى لا يتزوج عليها، وأعد خطةً لقتلها بعد أن قتل صديقه واستولى على أمواله، وأنه ظل يفكر في طريقة للتخلص منها، فدس لها مُخدِراً في الطعام، وتعجَّل موتها، فأمسك برأسها ورطمه في الحائط فلفظت أنفاسها في الحال.

وكانت النيابة العامة قد أقامت الدليل قِبل المتهم في القضايا الأربعة من شهادة سبعة عشر شاهداً، واعترافات المتهم في التحقيقات، واستخراج رفات جثامين المجني عليهم من الأماكن المدفونة بها، وما ثبت بتقارير الصفة التشريحية لتلك الجثامين، وتطابق البصمات الوراثية المأخوذة منها مع مثيلتها المأخوذة من ذوي المجني عليهم، وما ثبت في تقارير "الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية" بشأن فحص الآثار المرفوعة من أماكن استخراج الجثامين، فضلاً عن محاكاة المتهم لكيفية ارتكابه الوقائع الأربع.

وشهدت محاكمة "سفاج الجيزة، تفريغ الحرز الأول بمعرفة خبير فني من الإدارة العامة للمساعدات الفنية التابعة لوزارة الداخلية، وهو أسطوانة مدمجة بها 6 مقاطع فيديو، تُبيِّن خط سير المتهم قذافي، وحمله حقيبة بها جثة الضحية "نادين" ونقلها إلى شقة في بولاق الدكرور، لدفنها إلى جوار جثة زوجته وصديقه.

وشاهدت المحكمة المقطع الأول، ومدته 14 ثانية، وتبيّن أن المتهم قذافي يسير بالشارع، حاملاً حقيبة، كما شاهدت المقطع الثاني، وظهر فيه شخص المتهم يرتدي جلباباً ونقاباً، ويحمل حقيبة ويخرج من باب عقار سكني إلى الشارع.

وتضمن المقطع الثالث ظهور المتهم حاملاً بيده اليسرى حقيبة، ويسير بالشارع، وتضمن المقطع الرابع ظهوره وسط المارة بالشارع يرتدي جلباباً ونقاباً، كما ورد بمقطع سابق، حاملاً بيده ذات الحقيبة، وأوقف سيارة أجرة "تاكسي" لونها أصفر (تاكسي الإسكندرية) واستقلها، وتضمن المقطعان الخامس والسادس، ومدتهما نحو 39 ثانية، دخول المتهم أحد العقارات.

وفي أسطوانة ثانية، مقطع فيديو مدته 36 دقيقة، يكشف تمثيل المتهم جرائم قتل صديقه وزوجته وشقيقة إحدى زوجاته، ويتضمن دخول المتهم إلى الغرفة في شارع ببولاق الدكرور، ويقف أمام باب الغرفة والصوت لم يظهر بوضوح ودخل إليها، وبها ثلاجة ونجفة في السقف وغرفتان على اليمين واليسار وتحدث المتهم، إلا أن صوته لم يكن واضحاً.

وقضت محكمة جنايات الجيزة، بإحالة أوراق المتهم قذافي فراج (48 عاماً)، والمعروف بـ "سفاح الجيزة" إلى مفتي الجمهورية، لإبداء رأيه الشرعي في إعدامه، كما حدّدت جلسة أخرى للنطق بالحكم، ليُسدَل الستار على القضية التي روعت الشارع المصري خلال الفترة الماضية.

هشام محمد

القاتل المتسلسل يدفن ضحاياه في مقبرتي الجيزة والإسكندرية

سقوط سارق زوجته الصيدلانية يكشف سر اختفاء «المهندس»

المجرم قتل زوجته وقطع جزءاً من جسدها وألقاه للكلاب!

محكمة جنايات الجيزة تحيل أوراقه إلى مفتي الديار المصرية
back to top