روسيا على شفير الانهيار في ليبيا

نشر في 19-03-2021
آخر تحديث 19-03-2021 | 00:00
رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي  - رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد دبيبة - نائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق- خليفة حفتر
رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي - رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد دبيبة - نائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق- خليفة حفتر
في الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب الأهلية الليبية، ثمة فرصة كي يتوصل البلد إلى تسوية سياسية حقيقية: بضغطٍ من واشنطن التي تدخلت بقوة بعد انسحابها لفترة طويلة، انتخب الليبيون في جنيف حكومة انتقالية موحّدة جديدة في بداية فبراير الماضي، وكُلّف رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الوزراء عبدالحميد دبيبة بتحضير انتخابات وطنية وإجرائها في 24 ديسمبر 2021.

قد تفشل أي تسوية سياسية في اللحظة الأخيرة طبعاً، لكن تتعدد الأسباب التي تنذر بأن برنامج إعادة بناء البلد سيكتمل في نهاية المطاف، فقد أثبت فريق احترافي جديد في إدارة جو بايدن استعداده لزيادة الضغوط على الجهات المؤثرة، وقد تغيّر الوضع في ليبيا بطريقة جذرية خلال السنة الماضية: أصبح خليفة حفتر، بعد حملاته المشينة ضد طرابلس، شخصية «سامة» لدرجة أن تصدّه مصر، أهم لاعبة في المنطقة، ونتيجةً لذلك، لم يعد حفتر يُعتبر «القذافي الجديد» وبات احتمال محاكمته بسبب الجرائم التي ارتكبها «الجيش الوطني الليبي» التابع له في ترهونة حقيقياً.

كان انتخاب المنفي ودبيبة مفاجئاً بالنسبة إلى روسيا وتركيا على حد سواء: توقعت موسكو وأنقرة على ما يبدو انتخاب أسماء من اللائحة المتفق عليها مع القاهرة، بقيادة فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، وعقيلة صالح عيسى، رئيس مجلس النواب الليبي في شرق البلاد.

حتى الآن، لا تعتبر موسكو نتائج تصويت المندوبين الليبيين في سويسرا مؤشراً على الانهيار، فقد حاولت السلطات الروسية في مناسبات مختلفة أن تتواصل مع القوات الليبية الأخرى، حتى أنها قامت بالمثل في طرابلس ومصراتة المعارضتَين لحفتر، وقوبلت هذه الجهود باهتمام حقيقي. تُعتبر النشاطات الروسية العسكرية جزءاً من الوسائل التي يستعملها لاعبون مختلفون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتنويع علاقاتهم وحصد المنافع، حتى لو اقتصرت المكاسب على الجانب التكتيكي، وسيكون منع هذا النوع من النشاطات طريقة لإبقاء المجال مفتوحاً أمام التعاون مع القوى التي يحاربها المرتزقة.

عملياً، تتكل موسكو على الدعم المالي من دولة خليجية في ليبيا، وحتى لو أرادت بناء منشآت عسكرية رسمية هناك، فلا مفر من أن تجد نفسها في موقف مشابه للمرتزقة السودانيين أو التشاديين المضطرين لمغادرة البلد في حال التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام، على غرار الاتفاق الذي تضغط الولايات المتحدة باتجاهه راهناً، فحين انهارت دفاعات حفتر أخيراً خلال عملية هجومية مضادة ناجحة من جانب قوات طرابلس في عام 2020، صوّرت عدسات الهواتف الخليوية المحلية عدداً كبيراً من المعدات العسكرية والأسلحة الروسية المُعدّة للدول المجاورة.

في عام 2020، كان المرتزقة الروس والسوريون الذين دعموهم متمركزين في قاعدة الوطية الجوية في بني وليد وترهونة، وعند تلخيص المعلومات الواردة من مصادر متنوعة، يسهل أن نستنتج أن هذه القوات تنتشر راهناً في سرت ومنطقة الرجمة التي يسيطر عليها حفتر.

تكمن المشكلة في عجز الشركات العسكرية الروسية الخاصة في ليبيا عن تجاهل تعليمات موسكو، لكنها لا تستطيع في الوقت نفسه أن تتجاهل مكانة الدولة الخليجية التي تؤدي دوراً محورياً في تنظيم نشاطات عدد من وحدات المرتزقة الدولية. بشكل عام، يصعب اليوم تحديد الجهات التي تتخذ القرارات المرتبطة بنشاطات الشركات العسكرية الخاصة وتكون لها الكلمة الأخيرة، ربما تتخذ الدولة الخليجية القرارات الحاسمة حتى الآن، فقد تبنّت سلطاتها هذا النوع من المقاربات الشاملة في الحرب الليبية، حتى أنها حاولت وفق بعض التقارير أن تنقل بطارية تابعة لصواريخ «باتريوت» الأميركية أرض-جو إلى ليبيا بعد مقتل ضباط منها كانوا يشغّلون صواريخ أرض-جو تم شراؤها من روسيا.

بعد انتخابات شهر فبراير، تبيّن أن روسيا والدولىة الخليجية أصبحتا في موقف مشابه: من الضروري أن يحافظ البلدان على النفوذ في منطقة سرت– الجفرة رغم انتقال الحكومة الجديدة إلى سرت.

إذا أراد الأمن الروسي أن يعطي وجوده طابعاً شرعياً، فمن المنطقي أن يتوصل إلى اتفاقيات مع الأطراف الأخرى في أسرع وقت ممكن، أقلّه في شرق ليبيا، حيث تستطيع الوحدة العسكرية النظامية أن تتعايش رسمياً مع «المرشدين المدنيين»، لذلك عمدت وزارة الخارجية الروسية، وحتى وزارة الصناعة والتجارة، حديثاً إلى تكثيف اتصالاتهما مع السياسيين من غرب ليبيا، وفي المقابل، عبّر عدد كبير من السياسيين في طرابلس عن اهتمامهم بالتعاون مع روسيا، بما في ذلك واحد من أكثر السياسيين نفوذاً، وهو فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، حيث يملك هذا الأخير فرصة جيدة كي يصبح الرئيس المُنتَخب في ديسمبر 2021. لهذا السبب، لا يمكن استبعاد احتمال أن تتوصل روسيا إلى تفاهم معيّن لإعطاء وجودها في ليبيا طابعاً رسمياً (بما في ذلك وجودها العسكري) من خلال التوافق مع السلطات الليبية الجديدة.

في الوقت نفسه قد تتمكن روسيا من تشريع وجود الشركات العسكرية الخاصة إذا أبرمت شركات النفط الروسية عقوداً خاصة بها في ليبيا، ويمكنها فعل ذلك مثلاً عبر تنظيم تدابير الحماية لهذه المنشآت، حيث تواجه «المؤسسة الوطنية للنفط» في ليبيا مشاكل جدية مع موظفي «حرس المنشآت النفطية» الذين يُفترض أن يحموا حقول النفط، لكنهم لا يكفّون عن إثارة الشغب ومنع إنتاج النفط. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن روسيا تملك أصلاً خبرة قانونية في مجال استعمال الشركات العسكرية الخاصة الرسمية، منها مجموعة «آر إس بي» التي تملك عقوداً لحماية السفارات الليبية، كما في بيلاروسيا.

لا تواجه أنقرة التي استعملت المرتزقة أيضاً القدر نفسه من المشاكل لإعطاء طابع رسمي لوجودها في ليبيا، إذ ينتشر الجيش التركي في غرب البلد بموجب اتفاقيات رسمية، وترتبط المشاريع الاقتصادية التي تخطط لها السلطات التركية راهناً ومستقبلاً بالشركات الأوروبية أو تكون ضخمة لدرجة ألا يعوقها أحد، ويمكن اعتبار المنطقة الاقتصادية الاستثناء الوحيد على القاعدة، فهي نشأت على أساس اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.

يبدو أن رئيس الوزراء المؤقّت الحالي، عبدالحميد دبيبة، الذي كان مسؤولاً عن قطاع الإسكان وإدارة المرافق قبل الحرب، يدرك جيداً واقع قطاع الأعمال الروسي غير المعتاد على المنافسة والمناقصات، حيث تسري شائعات مفادها أنه كان من الأشخاص الذين حصروا نشاطات مجلس الأعمال الروسي الليبي ومجموعات استثمارية أخرى بالعروض الجريئة خلال عهد القذافي.

لكن تشمل ليبيا لاعبين مؤثرين آخرين وتستطيع موسكو أن تتكل عليهم لتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتجري اتصالات مباشرة راهناً بين موسكو وعقيلة صالح عيسى الذي يحتفظ حتى الآن بدرجة من النفوذ، ونائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق، وسياسيين آخرين من مناطق مختلفة، ويهتم هؤلاء بمتابعة الحوار. حتى فتحي باشاغا يبدو مستعداً للتعاون، مع أن الأجندة الروسية المحلية قد تعوق هذه الجهود، فقد اتُّهِم وزير الداخلية الليبي مثلاً بإبقاء «علماء اجتماع» روس في ليبيا.

في مطلق الأحوال، ستحاول أي دولة ليبية مستقبلية ومدعومة من الولايات المتحدة أن تُضعِف فرص روسيا، لكن لن يقتنع الكثيرون بصوابية المسار السياسي المعتمد وستحاول موسكو على الأرجح أن تستغل هذه المشاعر، ومع ذلك، ستبقى فاعلية هذه الجهود مسألة غير محسومة لأن موسكو بارعة في التدمير أكثر من البناء، وهذا ما أثبتته التحركات الروسية بعد عام 2014.

أنتون مارداسوف وكيريل سيميونوف- ريدل

موسكو تجري اتصالات مع عقيلة صالح عيسى الذي يحتفظ بدرجة من النفوذ ونائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق
back to top