د. رفعت سيد أحمد... وتمجيد «حزب الله»

نشر في 17-03-2021
آخر تحديث 17-03-2021 | 00:07
 خليل علي حيدر من أكثر كتب عام 2006 التي جذبت الأنظار كتاب شائق مثير ملون الغلاف عن "حزب الله اللبناني" بعنوان "حسن نصر الله: ثائر من الجنوب"، في نحو 350 صفحة، عن دار الكتاب العربي في القاهرة ودمشق، أما مؤلف الكتاب فهو أستاذ العلوم السياسية والباحث المعروف في مجال جماعات الإسلام السياسي د.رفعت سيد أحمد صاحب كتاب "النبي المسلح"، عن جماعات العنف الإسلامية في مصر، ومؤلفات أخرى في مجال الحركات الدينية منها "لماذا قتلوا السادات"، "الدين والدولة والثورة"، "اختراق العقل المصري"، "الإسلامبولي: رؤية جديدة"... إلخ.

كتاب "ثائر من الجنوب" محاولة للاستفادة من الجو الذي ساد إعجاباً بحزب الله بعد عام 2005 وهو خليط من التحليل الصحافي والتقارير، ولا يعكس الكتاب للأسف ما يتوقعه القارئ من تحليل ودراسة لتأسيس حزب الله في لبنان، أو سياسة إيران إزاء العالم العربي، أو نظرة الثورة الإيرانية للدول المجاورة لإيران في المنطقة الخليجية أو العراق وسورية ولبنان أو غيرها، إنه كتاب لسوق متعطشة.

تسود الكتاب لغة التبجيل والتجليل، والتمجيد والتفخيم للحزب وقادته، مع ابتعاد كامل عن التحليل الموضوعي المحايد، المتوقع من أستاذ في العلوم السياسية خبير في المنطقة العربية والأحزاب وسياسات "الدول العقائدية"، أو المؤلف الملتزم بمنهج معين في الدراسة.

فهو لا يبحث كيف ظهر الحزب ما بين 1982-1984 مثلا، وكيف تمدد وتصارع مع حركة أمل؟ وكيف أرسى نفوذه في مختلف المناطق، وهيمن على مصير الشعب اللبناني، ولا يكترث د.رفعت سيد أحمد بانتقادات ومخاوف معارضي الحزب، ولا يرى بأسا في كل ارتباطات حزب الله بإيران وبقائدها السيد علي خامنئي، وولاء أمين عام الحزب لمبدأ ولاية الفقيه، وبالتمويل الكامل من قبل الجمهورية الإسلامية لمصاريف الحزب المدنية والعسكرية والمعيشية ورواتب المقاتلين، ولا يدرس د. رفعت سيد أحمد الثمن الرهيب الذي دفعه لبنان مع صعود هذا الحزب، وما يعتبره صموداً، فلا أهمية لديه للمخاطر التي هددت ولا تزال لبنان شعبا واقتصادا وتركيبا وكيانا بسبب سياسات إيران واندفاع الحزب في مهاجمة إسرائيل، ولا يحاول الباحث أن يزن واقعيا قدرات لبنان المحدودة وأولويات التنمية الوطنية، وثقل مصاريف التعبئة العسكرية في دولة غارقة في البؤس الاقتصادي والديون المليارية، تتلاعب عواصف الجيران والقوى الإقليمية بقرارها السياسي ومصيرها الوطني.

ولا يهتم د.رفعت فيما إذا كانت إرادة حزب الله ورغبات إيران تمثل جميع الشعب اللبناني، وأن الكل مجمع على سياسة "جهاد حزب الله" وعلى تحويل لبنان إلى "منصة إطلاق صواريخ" وقاعدة هجومية ضد إسرائيل، ولا يتساءل هو أو غيره مثلا: هل يجوز منطقيا وقوميا وإنسانيا ودينيا أن تتجنب مصر وإيران وتركيا وسورية وغيرها التحرش المسلح بإسرائيل وتتحاشى دفع فاتورة مثل هذه الاشتباكات، وترفض أن يقوم أي حزب بتأسيس كيان مسلح على أرضها يتحرك ويرسل صواريخه بحرية "حزب الله"، ويتولى ذلك كله حزب في لبنان، لا يرتكز حتى على تأييد عموم المسلمين في البلاد، ولا كل الشيعة، بعد أن أعادت هجمات إسرائيل لبنان عقوداً وسنوات إلى الوراء؟!

ثم ألا يرى د.رفعت والإعلاميون والمثقفون العرب أن لبنان قد نال نصيبه من أذى الجيران والتدخلات العربية والإسلامية بعد مرور سنين طويلة من التلاعب بمصيره باسم المقاومة واسم الجهاد والصمود، و"تلقين" هذه الدولة وتلك دروسا في إفشال المخططات؟!

ألا يتوقع مؤيدو هذه السياسة أن يتساءل أي لبناني أو صديق للبنان بأي حق يفرض السيد نصرالله والولي الفقيه في إيران هذا الخراب والعذاب على لبنان عاماً بعد عام، وهذا التبديد لثروات إيران؟ ولماذا تعد سرقة الإرادة السياسية لأي شعب أو دولة جريمة في كل مكان إلا في لبنان؟

ألا يشتكي ويتذمر الشيعة في بعض الدول من أن كلمتهم غير مسموعة ومطالبهم غير مستجابة وإرادتهم مصادرة بضغط من أهل السنّة أو غيرهم؟ فلماذا قلب حزب الله ومؤيدوه من شيعة لبنان كيان الدولة والمجتمع، وهيمنوا على الإرادة السياسية، وتحكموا في الحرية الاجتماعية والسياسية؟

ألم يلاحظ د.رفعت ألا أحد في لبنان يمتلك حق الاعتراض أو مناقشة سياسات وقرارات ونفوذ حزب الله؟ هل يرضى د.رفعت لمصر مثلا وضعا سياسيا وعسكريا كوضع لبنان عاما بعد عام على امتداد أربعين سنة؟

هل سيتقبل المصريون، حتى لو كانت سلطة "الإخوان المسلمين" باقية وميليشيات "حماس" تتجول بحرية في الشوارع، أن تدمر حياة المصريين اليومية وتتدهور الخدمات دفاعا عن غزة مثلا؟ وأن تُنسف الجسور والمباني ويخسر الجنيه المصري قيمته من أجل أي هدف يعلنه حزب الله في مصر؟ وهل سترضى سورية أو الأردن أو تونس بذلك؟ فلماذا اختار العرب لبنان كبش فداء منذ سبعين سنة الى اليوم؟

يعتقد الكثيرون من شيعة العالم العربي أن انفراد حزب الله بالقرار السياسي والعسكري مبعثه "مظلومية شيعة لبنان" أو دفاع الحزب عن "حقوق الشيعة" كطائفة، غير أن حزب الله كما يصرح "لا يكترث بالطوائف ويعادي الطائفية"، فمسؤول حزب الله السيد إبراهيم الأمين صرح لمجلة "الشراع" منذ اليوم الأول لقيام الحزب قبل أربعين سنة عام 1982 متبرئا من الطائفية، وقال: "المصالح الطائفية لا نعتقد أنها الأساس، لأننا لم نتحرك من منطلق طائفي".

(الحركات الإسلامية في لبنان، بيروت ص148)

ولأمين الحزب نفسه السيد حسن نصرالله تصريح بالغ الأهمية في ذكرى استشهاد السيد عباس الموسوي والشيخ "راغب حرب" بتاريخ 16/ 2 /2006 يورده د.رفعت في كتابه، يقول فيه د.رفعت عن أمين الحزب إنه شدد في تلك المناسبة قائلا: "إننا عندما نتمسك بسلاح المقاومة حتى إشعار آخر فليس ذلك من أجل تأمين الحماية للطائفة الشيعية، وليكن واضحا أن هذا السلاح الذي حملناه منذ اليوم الأول ومازلنا للدفاع عن وطننا تحمل عبئه الطائفة الشيعية"، وأضاف السيد نصرالله: "ليس هناك سلاح يحمي طائفة على الإطلاق، نحن متفقون وموافقون على أن الذي يحمي كل الطوائف اللبنانية هي الدولة وحدها، والوحدة الوطنية وحرص كل اللبنانيين على السلم الأهلي والعيش المشترك، وإصرار اللبنانيين على الشراكة الحقيقية في وطن لا مكان فيه لغالب ومغلوب هذا الذي لكل الطوائف ومنهم الشيعة".

(حسن نصرالله: ثائر من الجنوب، ص322).

ولكن هل خضوع الطائفة للدولة وحدها، كما يقول سيد نصرالله في هذا الخطاب الرسمي عام 2006 من ثوابت مبادئ حزب الله؟ فالمعروف أن الحزب كما هو معلن ومسلّم به مرتبط عضويا وماليا وفقهيا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبمبدأ الطاعة المطلقة للولي الفقيه في إيران، وبالتالي فمن يقرر في النهاية سياسة حزب الله وتحركاته الأساسية في أي مجال هو من يسمى الولي الفقيه مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي لا قيادة حزب الله من اللبنانيين حتى لو وقع الاختلاف.

بمعنى أن مجمل سياسة حزب الله لا يتماشى بالضرورة وفق مصالح شيعة لبنان أو استقرار الدولة اللبنانية، وبخاصة إن تطلب ذلك مراعاة أية أوضاع، بل تقود سياسة الحزب إرادة الحرس الثوري الإيراني وما تريده السياسة الخارجية الإيرانية، وكانت بداية فرض هذه الإرادة في لبنان إخضاع حركة أمل ووضع أطر جديدة ودور جديد للشيعة في لبنان يقوم على تبني السياسة الإيرانية التي تعادي الدول الغربية والقيم الغربية والدول الخليجية والحلول المعتدلة للقضايا السياسية وغير ذلك، وهي سياسة تتبناها إيران وقادرة ربما على تحمل عواقبها، ولكن ما مصلحة شيعة لبنان في الصراخ ليل نهار بالموت لأميركا وهم أنفسهم على حافة الهلاك؟

ولم يقم حزب الله كذلك بمراعاة مصالح شيعة لبنان عندما قرر الاحتفاظ بصواريخه ومدرعاته وأسلحته الثقيلة خارج إطار الدولة اللبنانية وجيشها، فلا مصلحة لشيعة لبنان كما هو منطقي في تحويل مبانيهم وبيوتهم ومناطقهم في بيروت وبعلبك والنبطية الى بؤر حرب ودمار دائم.

يقول الباحث اللبناني د.عبدالغني عماد في دراسة مطولة عن تاريخ تأسيس "حزب الله" في لبنان، وانتصاره على إسرائيل في عملية عناقيد الغضب وهجوم إسرائيل في أبريل 1996: "انتصار التحرير المدوي الذي لا سابق له في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، رفع مكانة الحزب والمقاومة الذي حرر تراب الوطن بتضحيات كبيرة مدعوما بتضامن وطني شعبي عارم، لكن بعد التحرير اختلف الأمر، إذ أعلن حزب الله "التمسك بسلاح المقاومة" طالما أن هناك شبرا محتلا أو تهديداً إسرائيليا للبنان".

(الحركات الإسلامية في الوطن العربي، بيروت 2013 ص 2028)

خليل علي حيدر

back to top