محكمة التمييز: إبلاغ النيابة عن الجرائم واجب على كل شخص حماية للمجتمع

• لا مسؤولية تجاه المبلغ مادام ابتعد عن الكيد والنكاية بمن أبلغ ضده
• قرارات الحفظ الصادرة من النيابة لا تحوز حجية بل قرينة يمكن الاستدلال عليها من المحاكم

نشر في 02-03-2021
آخر تحديث 02-03-2021 | 00:05
قصر العدل ويظهر في الإطار رئيس محكمة التمييز المدنية المستشار فؤاد الزويد
قصر العدل ويظهر في الإطار رئيس محكمة التمييز المدنية المستشار فؤاد الزويد
أكدت محكمة «التمييز» المدنية، برئاسة المستشار فؤاد الزويد، أن إبلاغ النيابة العامة بما يقع من الجرائم التي يجوز للنيابة رفع الدعوى الجزائية عنها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقاً مقرراً لكل شخص، وواجباً عليه وعلى كل من علم بها، حماية للمجتمع من عبث الخارجين على القانون.

وأضافت المحكمة، في حيثيات حكمها، أن استعمال هذا الحق لا تترتب عليه أدنى مسؤولية تجاه المبلغ إلا إذا ثبت عدم صحة الواقعة المبلغ عنها، فإن التبليغ قد صدر عن سوء قصد، بهدف الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ ضده، أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط.

نطاق الحجية

ولفتت إلى أن قرار الحفظ الصادر من جهة التحقيق لا حجية له، لأن نطاق الحجية قاصر على الأحكام، إلا أن ذلك لا يمنع محكمة الموضوع من الاستدلال به كقرينة لإثبات أو نفي الخطأ الموجب للمسؤولية التقصيرية، بما لها من سلطة فهم الواقع في الدعوى، وتقدير الأدلة في سبيل استخلاصها للفعل المكون للخطأ الموجب للمسؤولية.

وترجع وقائع القضية في أن المدعية أقامت على المدعى عليه دعوى تعويض مدني بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي إليها مؤقتا مبلغ (5001 د.ك) تعويضا ماديا وأدبيا. وقال بيانا لذلك، إن المدعى عليه تقدم بشكوى ضدها يتهمها فيه بسرقة بطاقات السحب الآلي الخاصة بنجليه - وبعض المصوغات الذهبية، وذلك انتقاما منها لوجود خلافات زوجية بينهما - وقد أصدرت النيابة العامة قراراً باستبعاد شبهة الجريمة من الأوراق وقيدها بدفتر الشكاوى الإدارية بعد تحقيقها قضائيا - وإذ كان ما أقدم عليه المطعون ضده يشكل في مسلكه إساءة لحقه في الشكوى مما ترتب عليه إصابتها بأضرار مادية وأدبية تستحق عنها التعويض المطالب به - فقد أقامت الدعوى - حكمت المحكمة برفض الدعوى واستأنفت الطاعنة هذا الحكم، وقضت بتأييد الحكم المستأنف، وطعنت الطاعنة على هذا الحكم بطريق التمييز وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.

سبب واحد

وقالت المحكمة في حكمها، إن الطعن أقيم على سبب واحد تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك تقول إن المطعون ضده قد أورد بتحقيقات النيابة العامة بمثابة تنازله عن الشكوى المقدمة منه ضدها أن جميع العمليات المصرفية الخاصة ببطاقتي السحب هو الذي أجراها بنفسه أو تمت بتفويض منه، وأنه لم يبن ذلك إلا عند مراجعة البنك حين طلبت منه النيابة العامة بيان العمليات محل شكواه، وأن الطاعنة لم تقم بإجراء أي عملية مصرفية من بطاقتي السحب محل الشكوى، كما أنه عثر على مصوغاتها الذهبية، وأن سبب اتهامه لها إنما يرجع لخلافات بينهما آنذاك، وهو ما جعل النيابة العامة تصدر قرارها بحفظ التحقيقات، ومن ثم فإن المطعون ضده يكون قد تعمد قصد الإضرار بها والإساءة إليها، لوجود خلافات زوجية بينهما للضغط عليها للتنازل عن المبالغ المالية التي تداينه بها - وأنه لم يكن ليعدل عن أقواله لولا تدخل أهلها، وتدعي برفع دعوى تعويض ضده، الأمر الذي يستحق معه التعويض المطالب بها بعنصريه المادي والأدبي، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بما يعيبه ويستوجب تمييزه.

مسائل الواقع

ولفتت المحكمة إلى أن هذا النعي في محله ذلك أنه - من المستقر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير قيام الانحراف في التبليغ عن الجرائم أو انتفائه واستخلاص الخطأ الموجب للمسؤولية أو نفيه إنما هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع، إلا أن ذلك مشروط أن تقوم أسباب سائغة - وأنه من المقرر أن ابلاغ النيابة العامة بما يقع من الجرائم التي يجوز للنيابة رفع الدعوى الجزائية عنها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقاً مقررا لكل شخص بل يجب عليه وعلى كل من علم بها، حماية للمجتمع من عبث الخارجين على القانون - ومن ثم فإن استعمال هذا الحق لا تترتب عليه أدنى مسؤولية قبل المبلغ إلا إذا ثبت عدم صحة الواقعة المبلغ عنها، فإن التبليغ قد صدر عن سوء قصد، وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ ضده أو ثبت صدور التبليع عن تسرع ورعونة وعدم احتياط - وأن قرار الحفظ الصادر من جهة التحقيق لا حجية له، لأن نطاق الحجية قاصر على الأحكام، إلا أن ذلك لا يمنع محكمة الموضوع من الاستدلال به كقرينة لإثبات أو نفي الخطأ الموجب للمسؤولية التقصيرية، بما لها من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة في سبيل استخلاصها للفعل المكون للخطأ الموجب للمسؤولية.

وجود خلافات

وقالت المحكمة ان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة على ما خلص إليه من أوراقها ومستنداتها من أن قيام المطعون ضده بإبلاغ النيابة العامة عن تهمة سرقة الطاعنة - المصوغات الذهبية وبطاقتي السحب الآلي - ومن ثم تنازله عن الشكوى وحفظ النيابة للدعوى - وأن سلوكه لا يعد انحرافا عن المألوف الذي يأتيه الشخص العادي إذا وجد في نفس الظروف التي أحاطت بها، بما ينتفي معه وقوع الخطأ الموجب للتعويض - رغم أن البين - من مسلك المطعون ضده أنه لم يقصد من بلاغه آنف البيان سوى الكيد والإضرار بالطاعنة، وقد ثبت عدم صحة البلاغ المقدم منه في حقها، وآية ذلك عدوله عن أقواله في التحقيقات بإفادته بأن بيان جميع العمليات الواردة بكشفي الحساب المقدمين منه هو من أجراها أو تمت بتفويض منه وبعثوره على المصوغات الذهبية التي اتهم الطاعنة بسرقتها، وذلك عقب التفتيش عنه وأن سبب اتهامه يرجع إلى وجود خلافات بينهما فترة تقديم الشكوى، وأن درايته بالمعاملات البنكية محدوده، ولم يتبين له الأمر إلا لدى بحثه مع موظف البنك المختص تفصيلا - مما يثبت عن رعونة وعدم ترو ودون توافر المبرر لذلك، ومن ثم تستخلص المحكمة من مسلكه أنه انحراف في استعمال حق الإبلاغ والتقاضي واستعمله استعمالا كيديا، ابتغاء مضارة الطاعنة، الأمر الذي يثبت في جانبه الخطأ الموجب للتعويض، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بما يعيبه ويوجب تمييزه.

وبينت أنه اذ ثبت خطأ المستأنف ضده على نحو ما سلف وكانت المستأنفة قد أصابتها أضرار أدبية تمثلت في الإساءة لسمعتها وشرفها وكرامتها بين اسرتها وزملائها من جراء ادعاء كيدي وما عانته نفسيا من حزن وأسى من جراء ذلك الأمر الذي يتعين تقدير هذا التعويض بمبلغ مقداره (2000 دینار)، ورفض التعويض عن الضرر المادي لخلو الأوراق من الدليل عليه - وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر بما يتعين إلغاؤه والقضاء بإلزام المستأنف ضده بأن يؤدي إلى المستأنفة هذا المبلغ.

حسين العبدالله

المدعية أقامت دعوى تعويض مدني ضد المدعى عليه لاتهامها بالسرقة بسبب وجود خلافات زوجية

الطعن أقيم على الحكم ناعياً الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال

النيابة العامة استبعدت شبهة الجريمة من أوراق القضية

من المستقر قضاء أن تقدير الانحراف في التبليغ من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع
back to top