ارتفاع أسعار النفط... إلى متى يبقى تأثيره سلباً على اقتصادنا؟

الإدارة تستخدم أي بحبوحة مالية بوابةً لتعميق الأضرار في هيكل الاقتصاد والمالية

نشر في 18-02-2021
آخر تحديث 18-02-2021 | 00:20
محمد البغلي
محمد البغلي
مشكلة الإدارة الاقتصادية في البلاد أنها لا تنظر لأي بحبوحة مالية كفرصة في صياغة وإطلاق إصلاحات اقتصادية، بل كبوابة لتعميق الأضرار في هيكل الاقتصاد على المدى الطويل لا لإصلاحه.
مع موجة ارتفاع أسعار النفط عالميا لأعلى مستوى منذ 13 شهراً، مما دعم سعر برميل النفط الكويتي لتجاوز مستوى 60 دولارا للبرميل، تكون الكويت على موعد جديد مع الإخفاق في عملية الاصلاح الاقتصادي، التي لم تكن حاضرة ولا واضحة المعالم في أحلك فترات أزمة كورونا، حين لامس سعر برميل النفط الكويتي مستوى 11 دولارا للبرميل.

وارتفاع أسعار النفط بالنسبة لدولة مثل الكويت فيه من السلبيات الاقتصادية المستدامة ما يتجاوز المنافع المالية المؤقتة، كذلك يتجاوز التباطؤ أو التلكؤ في استحقاقات الإصلاح الاقتصادي الضرورية، فسواء ارتفعت اسعار النفط او انخفضت فالضرر هنا وفقا لتجارب سابقة لنفس الإدارات الحكومية المتعاقبة يعني إمعانا فيما يعرف بالمرض الهولندي، الذي تحول الى حالة فريدة كمرض كويتي يعترف بالعلة ويعرف الدواء ولا يتمكن من اتخاذ أي خطوة في اتجاه العلاج!

الأساس والتعادل

ومن المفيد القول إن ارتفاع أسعار النفط للسنة المالية 2020 - 2021 يعني في أفضل الأحوال خفضاً لقيمة العجز المالي المتوقع في نهاية السنة المالية في مارس المقبل من 14 مليار دينار إلى نحو 7 او 8 مليارات دينار، في أحسن الأحوال، أما لميزانية العام 2021 - 2022 فإن سعر يوم الثلاثاء الماضي البالغ 63 دولارا للبرميل يعني ارتفاعا بـ 18 دولارا عن فرضية العجز المقدر بالميزانية عند 12.1 مليار دينار، عند سعر اساس يبلغ 45 دولارا للبرميل، لكنه بالمقابل يقل بـ 27 دولارا عن سعر التعادل في الميزانية البالغ 90 دولارا للبرميل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت، للعام الثاني على التوالي، أوقفت الاستقطاع البالغ 10 في المئة من الإيرادات النفطية لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال.

مشكلة الإدارة الاقتصادية في البلاد أنها لا تنظر لأي بحبوحة مالية كفرصة في صياغة وإطلاق إصلاحات اقتصادية، بل كبوابة لتعميق الأضرار في هيكل الاقتصاد على المدى الطويل لا لإصلاحه، كما حدث في الماضي البعيد عبر استخدام الأموال المتأتية من واردات النفط في عمليات التثمين، إلى الماضي القريب في استخدام أموال الفوائض النفطية في تخريب هياكل الرواتب، عبر الكوادر والزيادات غير المدروسة؛ مثل زيادة قيمة القرض الاسكاني دون معالجة لواقع الأزمة الإسكانية وتضاعف الإنفاق العام لمستويات قياسية، حتى تضاعف خلال 2020 عاما من 3.1 مليارات دينار الى 23 ملياراً لميزانية العام المقبل، بالتزامن مع تنامي الهدر في المصروفات العامة والتساهل مع المطالبات الشعبوية، والتساهل أيضا في ملفات الفساد، والأكثر سوءا من ذلك كله استخدام الاموال في تغطية عورات سوء الإدارة، خصوصا في قطاعات متنوعة كالتعليم والخدمات العامة.

عكس المنطق

كما أن لارتفاع أسعار النفط ضررا يعاكس المنطق في أي دولة أخرى، على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي؛ من جهة تعظيم الاعتماد على النفط من الإيرادات بنسب تتجاوز 90 في المئة، أو ثقل وزن القطاع العام في سوق العمل بنحو 80 في المئة، أو اختلال التركيبة السكانية بواقع 70 في المئة لمصلحة الوافدين، والأنكى من ذلك أن تحسن أسعار النفط حتى وإن لم يصل الى نقطة التعادل عند 90 دولارا للبرميل سيقابله توسُّع في المقترحات الشعبوية، خصوصا في الجوانب المالية ذات الأثر السلبي الدائم على الميزانية، مع العلم ان الحكومات المتعاقبة لطالما تجاوبت مع هذه النوعية من المقترحات، لتغطي فشلها في السياسات التنموية المعلنة.

صحيح أن ارتفاع اسعار النفط سيخفض اندفاع الدولة نحو الاقتراض، دون خطة إصلاح، عبر الدين العام، ويمكن في أحوال أفضل ان يسهم في «إعادة تعبئة» السيولة لصندوق الاحتياطي العام، لكن هذا كله وقتي وغير مستدام، فما نحتفظ به اليوم سننفقه مع أول تراجع جديد لأسعار النفط العالمية، اما الالتزامات التي تترتب على التهاون، مع ارتفاع اسعار النفط، فستتحول لعبء لا يمكن المساس به بالمستقبل، خصوصا بعد أن تبنى عليه مراكز مالية واجتماعية للاسر الكويتية، فيكون المساس بها لاحقاً ذا كلفة سياسية لا يرغب أحد في تحملها.

اللافت في نمو الإنفاق العام، كلما ارتفع سعر النفط في الميزانية، أنه ذو طابع استهلاكي يصعد بمصروفات الميزانية إلى 70 في المئة منها على شكل دعوم ورواتب، ولا يعطي أي عائد استثماري للدولة، وبالتالي فإن التراخي في زمن البحبوحة، وليس حتى الفائض، سيترتب عليه التزامات لا يمكن التخلي عنها في المستقبل.

ارتفاع وقتي

ومشكلة أسعار النفط حاليا من جهة ارتفاعها مرتبطة بعوامل ذات طبيعة مؤقتة، خصوصا مع إعلان السعودية رغبتها في خفض الإنتاج بواقع مليون برميل يوميا، لضمان أعلى مستوى التزام ضمن مجموعة «أوبك بلس»، في مواجهة انخفاض الطلب العالمي، وبالتالي فإن موجة الارتفاع الحالية وقتية، وحتى مع استمرارها فلا يوجد من العوامل المنظورة حاليا ما يدفع الاسعار إلى ملامسة حتى حد التعادل البالغ 90 دولارا للبرميل، مع الاخذ بعين الاعتبار أن التعامل مع التحديات الاقتصادية كمشكلة مستدامة أبعد من مجرد النظر لأسعار النفط لمدى قصير أو متوسط.

back to top