الرئيس دونالد ترامب يتعهد بنقل السلطة... ومساعٍ لتنحيته بعد «غزوة الكابيتول»

حلفاء الرئيس الأميركي يتخلون عنه واستقالات في إدارته... والكونغرس صادق على فوز بايدن

نشر في 08-01-2021
آخر تحديث 08-01-2021 | 00:06
في نهاية ليلة فوضوية ارتقت إلى محاولة انقلاب غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، اضطر الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى الخضوع والاعتراف بهزيمته للمرة الأولى والتعهد بنقل السلطة في 20 الجاري بشكل منظم، في وقت تعالت الأصوات المطالبة بعزله والتحقيق في تعبئته لأنصاره لاقتحام مبنى الكونغرس خلال جلسة عامة للتصديق على نتائج الانتخابات.
في أول إقرار واضح بهزيمته في الانتخابات، تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، بـ"انتقال منتظم" للسلطة في 20 يناير إلى غريمه الديمقراطي جو بايدن، غداة محاولة انقلابية دامية على الديمقراطية اقتحم فيها أنصاره مبنى الكابيتول وزرعوا الفوضى والذعر وأثاروا صدمة في أميركا وأصابوا العالم بالذهول.

وفي ختام يوم قد يكون كارثياً لمستقبله السياسي، تعهد ترامب بمغادرة البيت الأبيض في نهاية ولايته، غير أنه استمر رغم ذلك في مزاعمه بحصول تزوير انتخابي.

وكتب، في بيان، "حتى لو كنت أعارض تماماً نتيجة الانتخابات، والوقائع تدعمني، سيكون هناك انتقال منتظم في 20 يناير"، مضيفاً: "إنها نهاية واحدة من أفضل أولى الولايات في تاريخ الرئاسة، لكنها مجرد بداية معركتنا من أجل أن نعيد لأميركا عظمتها".

وجاء ذلك بعد دقائق على مصادقة الكونغرس على انتخاب بايدن رئيساً، في آخر مرحلة قبل تنصيبه، في عملية شكلية، لكن صوراً لم يكن بإمكان أحد أن يتخيلها التقطت من داخل مبنى الكابيتول العريق ستدخلها التاريخ كمحاولة انقلاب قادها رئيس واعتداء صادم على الديمقراطية على غرار الهجوم الياباني على بيرل هاربور.

ويقول المؤرخون، إنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتحام الكونغرس منذ عام 1814 عندما أحرقه البريطانيون خلال حرب 1812. ولأكثر من عقدين، جرت الجلسات المشتركة للكونغرس بهدوء.

تمرد وفوضى

ووصف بايدن أحداث العنف بأنها "تمرد". وقال: "نظامنا الديمقراطي يتعرض لهجوم غير مسبوق، وهذا ليس اعتراضاً. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن".

وبعد وقت قصير، نشر ترامب تسجيلاً مصوراً دعا فيه أنصاره للمغادرة، لكنه كرر اتهاماته عن تزوير الانتخابات. وقال: "يجب أن يحل السلام. لذا اذهبوا إلى بيوتكم. نحن نحبكم، أنتم مميزون جداً".

وقبل الاقتحام، حضّ ترامب في خطاب غاضب اعتبر على نطاق واسع تحريضاً على الانقلاب، أنصاره على الزحف نحو الكابيتول، وقال: "لن نستسلم أبدا ولن نعترف بالهزيمة ولدينا مئات الآلاف وسنوقف السرقة".

وفي إجراء غير مسبوق، حجبت منصات التواصل الاجتماعي تسجيل ترامب، معتبرة أنه يفاقم العنف. وعلق موقع "تويتر" حسابه، محذراً الرئيس من حظر دائم في حال عدم التزمه بقواعد النزاهة المدنية.

فوز بايدن

وبعد رد اعتراضات عدد من النواب الجمهوريين، أعلن نائب الرئيس مايك بنس في منتصف الليل بالتوقيت الأميركي المصادقة على فوز بايدن، مؤكداً أن نتيجة تصويت الهيئة الناخبة صبّ لمصلحته بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لترامب.

ورغم مطالبة نائبه بالتدخل لعكس مسار الهزيمة. أعلن بنس، الذي بقي مخلصاً له طيلة أربع سنوات وصامتاً خلال الانتخابات، في بيان في اللحظة الأخيرة، أنه لن يفعل ذلك.

وقطع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ جلستهم المشتركة ساعات عدة إثر اقتحام أبرز رموز الديمقراطية الأميركية. واستأنفوها بعد إخلائه من المتظاهرين. ورفضوا اعتراضات قدمها الجمهوريون على فوز بايدن.

ورفض الكونغرس الاعتراض الأول على فوز بايدن في أريزونا. كما رفض اعتراضاً من الحزب الجمهوري على فوزه في ولاية بنسلفانيا.

وصوت مجلس الشيوخ بأغلبية 92 صوتاً مقابل 7 أصوات برفض الاعتراض، فيما تم رفض الاعتراض الذي قدمته ولايتي ميشيغان ونيفادا لعدم توقيع رسالة الاعتراض من قبل سيناتور.

واعترض 121 نائباً من الحزب الجمهوري على النتيجة، بينما تراجع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن معارضتهم السابقة بسبب أحداث الكابيتول.

وقالت السيناتور كيلي لوفلر، التي خسرت الانتخابات الفرعية في جورجيا، "أحداث اليوم أجبرتني على إعادة النظر. ولا أستطيع الآن بضمير حي أن أعترض على المصادقة".

وتراجع أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ عن الاعتراض على فوز بايدن في جورجيا وميشيغان. وسعى زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل، الذي دائماً كانت مواقفه متناسقة مع ترامب خلال رئاسته، إلى منع الاعتراضات، مشيراً إلى أن نتائج الانتخابات ليست حتى متقاربة.

وقبل وقت قصير على أعمال العنف قال ماكونيل: "الناخبون والمحاكم والولايات قالت كلمتها. إذا قمنا بنقضها فسنلحق الضرر بجمهوريتنا إلى الأبد، وفي حال أُبطلت نتيجة الانتخابات استناداً إلى مجرد ادعاءات من الخاسرين فسيدخل نظامنا الديموقراطي في دوامة قاتلة".

لكن السيناتور جوش هولي، الذي قاد جهود الاعتراض، تمسك بموقفه حتى بعد اقتحام الكابيتول، معتبراً أن "التغيير لا يتحقق بالعنف" وأنه يريد أن يعرض "عملية قانونية" تتيح لمؤيدي ترامب النظر في ادعاءات تزوير الانتخابات.

أما السيناتور الجهوري ميت رومني، فقال إن أفضل طريقة لاحترام الناخبين هي "بقول الحقيقة لهم، وأولئك الذين يستمرون في دعم هذه المناورة الخطيرة. سيُعتبرون إلى الأبد متواطئين في هجوم غير مسبوق على نظامنا الديمقراطي".

واعتبر زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ تشاك شومر أعمال العنف بمنزلة "محاولة انقلاب، ستدخل التاريخ على غرار الهجوم الياباني على بيرل هاربور"، مضيفاً: "هذا الحشد صنيعة ترامب، حرضته كلماته وأكاذيبه، وسيلحق به عار دائم".

عزل الرئيس

ومع تراجع نشاطاته العامة منذ أسابيع وتقارير عن عدم قدرته على التعاطي مع الأمر الواقع وانقلاب العديد من حلفائه عليه، ذكرت كبريات وسائل الإعلام أن الحكومة تبحث بتكتم مسألة عزل ترامب، بموجب التعديل ال25 للدستور، الذي يتطلب تأييد نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة استناداً على عدم أهليته للقيام مهام المنصب، مؤكدة أنّ عدداً من الوزراء اعتبروه "خارج السيطرة وغير قادر على تحمّل أعباء منصبه".

وكتب جميع الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس النواب، في رسالة إلى بنس، أن "استعداد ترامب للتحريض على العنف والاضطرابات يتطابق مع هذا المعيار"، مشددين على أنه "مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج الانتخابات وتقبّلها".

وبحسب شبكات "سي إن إن" و"سي بي إس" و"إيه بي سي"، أيد عدد متزايد من المشرعين الجمهوريين ومسؤولين بالإدارة عزل ترامب قبل يوم التنصيب.

استقالات بالجملة

وفي السياق، قدم نائب مستشار الأمن القومي مات بوتينغر وكبيرة موظفي مكتب السيدة الأولى ستيفاني غريشام وكذلك السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض ريكي نيسيتا ونائبة السكرتير الإعلامي سارة ماثيوس استقالاتهم من مناصبهم لينضموا إلى عدد من المسؤولين المنسحبين من إدارة ترامب.

وكشفت مصادر أن العديد من كبار مساعدي ترامب، ومن بينهم مستشاره للأمن القومي روبرت أوبراين ونائب رئيس كبير موظفي البيت الأبيض كريس ليدل يفكران بالاستقالة.

وكان أوبراين اتخذ خطوة غير معتادة بالدفاع عن بنس، مشيداً بإظهاره شجاعة برفضه الاستجابة لضغوط ترامب لعرقلة المصادقة على نتائج الانتخابات.

هكذا دان حلفاء ترامب الاقتحام

أدان حلفاء وثيقون للرئيس دونالد ترامب اقتحام أنصاره مقر الكونغرس، حيث ندد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بـ "الهجوم"، وقال في تصريح: "الاحتجاج السلمي هو حق لكل أميركي، لكن هذا الهجوم على مبنى الكابيتول لن يتم التسامح معه، وستتم محاكمة المتورطين فيه إلى أقصى حد يسمح به القانون".

كما أدان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سلوك أنصار حليفه الوثيق، مشددا على أن العنف الانتخابي "لا يمكن التساهل معه" لا في الولايات المتحدة ولا خارجها، وأضاف: "لقد سافرت إلى العديد من الدول، وكنت دائماً أؤيد حق كل إنسان في التظاهر السلمي دفاعا عن معتقداته أو قضاياه".

وأردف: "لكن العنف الذي يهدد سلامة الآخرين، بمن فيهم المسؤولون عن ضمان سلامتنا جميعا، أمر لا يمكن التساهل معه لا في الداخل ولا في الخارج". بدوره، وصف السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أحد حلفاء ترامب الأساسيين، ما حدث في الكونغرس بـ "الإحراج الوطني"، ودعا المتظاهرين إلى مغادرة الكابيتول.

تاريخ من العنف ضد «الكابيتول»

على مر تاريخه، الذي يمتد لأكثر من قرنين، شهد مبنى الكابيتول عددا من عمليات العنف، فخلال "حرب 1812"، بين الأميركيين والمستعمر البريطاني، أقدم الجنود البريطانيون على إحراق معالم العاصمة واشنطن بما في ذلك الكابيتول.

وفي عام 1835، كان الكابيتول على موعد مع محاولة اغتيال فاشلة للرئيس الأميركي أندرو جاكسون، على يد الرسام المضطرب ريتشارد لورانس.

وفي خضم الحرب العالمية الأولى، فجر أستاذٌ للغة الألمانية متعصب للنظام القيصري الألماني قنبلة بغرفة الاستقبال بجناح مجلس الشيوخ، ملحِقاً أضراراً بسيطة بالمبنى.

وفي 1954، أقدم أربعة من القوميين المنحدرين من أرخبيل بورتوريكو على إطلاق نحو 30 رصاصة نحو أعضاء مجلس النواب، انطلاقاً من شرفة الزوار، أسفرت عن اصابة 5 نواب.

وفي مارس 1971، فجر أعضاء منظمة "الطقس تحت الأرض" اليسارية المتطرفة قنبلة في الكابيتول، احتجاجاً على التدخل العسكري الأميركي في لاوس، مما أدى الى أضرار مادية جسيمة.

وفي نوفمبر 1983، هزّ انفجار مبنى الكابيتول تبنته "فرقة المقاومة المسلحة" احتجاجاً على التدخل العسكري الأميركي بكل من غرينادا ولبنان.

«براود بويز» تهدد بالمزيد

قال إنريكي تاريو، زعيم جماعة "براود بويز"، اليمينية المتطرفة، إنه يتوقع المزيد من الاضطرابات الشبيهة بأحداث الكابيتول.

وفي اتصال هاتفي مع "وول ستريت جورنال"، القى تاريو باللوم على الديمقراطيين والرئيس المنتخب جو بايدن لـ"عدم الاستماع إلى مخاوف ناخبي ترامب بشأن شرعية الانتخابات"، وأضاف: "سيستمر هذا في الحدوث إذا لم يستمعوا إلى الناس".

وتابع: "من المحتمل ان يتكرر هذا، سواء في الكابيتول أو مقرات حكومات الولايات أو بعض المباني الحكومية الأخرى"، وتابع: "لا أريد أن يحدث ذلك، لكن لحسن الحظ هذا تذكير لهؤلاء السياسيين بأنهم يعملون لدينا. نحن لا نعمل من أجلهم".

وذكر: "الناس سيعودون إلى هنا (الكابيتول) من أجل التنصيب. قد نظهر. لم نقرر بعد".

وكشف تاريو، الذي اشاد في حساب على وسائل التواصل بمقتحمي الكابيتول، قائلا: "فخور بأولادي وبلدي... لا ترحلوا". ما يقرب من 2000 إلى 2500 من أعضاء الجماعة شاركوا في احتجاجات واشنطن، لكنه لا يعرف ما إذا كان أي من أعضائها بين المقتحمين.

وكان تاريو ممنوعاً من الدخول الى العاصمة بأمر قضائي، وقال إنه شاهد "غزوة الكابيتول" من غرفة فندق بالقرب من بالتيمور.

وأصبحت "براود بويز" تحت الأضواء، بعد أن طلب الرئيس ترامب من أعضائها "الوقوف جانباً، والإبقاء على التأهب" خلال مناظرة رئاسية، وهو تعليق احتفل به الأعضاء.

تنديد رئاسي

ندد 3 رؤساء أميركيين سابقين باقتحام أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أمس الأول مبنى الكونغرس، لوقف جلسة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية.

أوباما لم يفاجأ

قال الرئيس السابق الديمقراطي باراك أوباما إن أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول أمس الأول، عندما اقتحمه أنصار ترامب، "مخزية"، لكنها ليست "مفاجئة"، متابعا: "التاريخ سيتذكر أعمال العنف التي حصلت في الكابيتول، بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن نتيجة الانتخابات، باعتبارها لحظة خزي وعار على بلدنا".

وأضاف أوباما، في بيان، "سنخدع أنفسنا إذا قلنا إن ما حدث كان مفاجأة تامة".

كلينتون: ترامب أشعل الفتيل

ندد الرئيس السابق الديمقراطي بيل كلينتون باقتحام مقر الكونغرس، معتبرا ما حصل "اعتداء غير مسبوق" على المؤسسات الأميركية.

وقال كلينتون، في بيان، "لقد واجهنا اليوم اعتداء غير مسبوق على الكابيتول وعلى دستورنا وعلى بلدنا"، معتبرا أن هذا الهجوم غذته "4 سنوات من السياسات المسمومة" والتضليل المتعمد، وأضاف أن "الفتيل أشعله ترامب وأشد الداعمين له حماسة، والكثير منهم في الكونغرس، بهدف إلغاء نتائج الانتخابات التي خسرها".

بوش: ما جرى يليق بجمهورية الموز

شن الرئيس السابق الجمهوري جورج دبليو بوش هو الآخر هجوما عنيفا على القادة الجمهوريين الذين أججوا حالة "التمرد" التي شهدها مبنى الكابيتول، والتي تليق بـ "جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية".

وقال بوش، في بيان، "هكذا يتم الطعن بنتائج الانتخابات في جمهوريات الموز، لكن ليس في جمهوريتنا الديمقراطية"، مضيفا: "لقد هالني السلوك غير المسؤول لبعض القادة السياسيين منذ الانتخابات، وقلة الاحترام التي ظهرت تجاه مؤسساتنا وتقاليدنا وقواتنا الأمنية".

back to top