لماذا هي انتخابات محدودة التأثير؟

نشر في 16-11-2020
آخر تحديث 16-11-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار الخلل الرئيسي في العملية السياسية، ليس الصوت الواحد، أو تعديل النظام الانتخابي، بل يبدو أنه هو الاختلال الحاد في موازين القوى لمصلحة الحكومة، أو السلطة، أو الأسرة الحاكمة. منذ خمسينيات القرن الماضي، هيمنت الحكومة على آلية توزيع الموارد في المجتمع، وتحولت إلى قوة بلا منافس في المطلق، وزادت نفوذاً بتدشين دولة الرعاية. فالعملية السياسية لا تحكمها النوايا الطيبة للأسف، ولكن تموضع القوة في المجتمع.

يحدث أحياناً، ولأسباب مختلفة، أن يتنازل الطرف الأقوى عن جزء من قوته، أو تتمكن التكوينات الاجتماعية المختلفة، ذاتياً أو بطوارئ خارجية، من تحييد جزء من قوة السلطة لإشراكٍ أكبرَ لها في اتخاذ القرار، دون أن يمثل ذلك تهديداً للطرف الأقوى في المعادلة السياسية (حالة الدستور 1962 ، أو حالة العودة للعمل به في 1992 كمثالين). ولا يبدو، لأسباب كثيرة، أن هناك إمكانية واقعية لأن تتغير موازين القوى في المدى المنظور، في إحداث ضغط من الكتلة الحرجة شعبياً، على مركز القوة الأكبر. وقد يبرز هذا النوع من الحراك الجمعي في حالة الأزمات الحادة، عند استشعار بالتهديد، فتتحرك في اتجاه تحرير القرار من مركزيته، وهي عملية نسبية، بل تصبح أكثر صعوبة، في مجتمع دولة الرعاية، وإن حدث ذلك فهو عادة ما يكون وقتياً، لتشابك المصالح، وقدرة السلطة على تحييد التحركات المؤثرة، وتفكيك وحدة الحراك.

وتكمن أهمية الانتخابات في أنها تمثل الجزء الظاهر والمتحرك من العملية السياسية، وهي الحالة الوحيدة التي يظهر فيها حجم التفاعلات الاجتماعية على السطح، وفي العلن، مما يظهر تلك الاختلالات بوضوح ودون مواربة. وفي إطار تلك القوة شبه المطلقة، يتم تجاوز الكثير من المكاسب الشعبية فعلياً أو شكلياً، إلا أنه وحالما تحدث اختراقات شعبية هنا أو هناك، يتم تغيير أدوات اللعبة الانتخابية، وأهمها الدوائر الانتخابية، وهنا تكمن الإشكالية عبر تاريخ "المسيرة الديمقراطية"، حيث حدث ذلك في القوانين المناقضة للدستور في 1965 ، وتزوير الانتخابات في 1967 ، وحل المجلس 1976 ، وحله مرة أخرى بشكل شبه نهائي في 1986 ، ودعوة المجلس الوطني للانعقاد في 1991 ، وسحب الجناسي، ووجود لاجئين سياسيين، وغير ذلك، وهي ليست إلا أمثلة علنية، فهناك غيرها أقل ظهوراً.

كان الإصلاحيون يطالبون بإلغاء النظام الانتخابي، الذي تم تغييره من طرف واحد سنة 1981 ليصبح 25 دائرة. ذهب ذاك النظام إلى غير رجعة، وحل محله الآن الصوت الواحد، وقد يتغير نظام الصوت الواحد، لنكتشف لاحقاً أن العلة ليست في النظام الانتخابي، ولكن في الانكسار الحاد لموازين القوى.

هذه ليست دعوة للإحباط، ولكنها النظرة التفسيرية الواقعية للأشياء، دون جلبة أو ضوضاء، لنعترف بأن الحراك الإصلاحي يتم في إطاره، قد ينجح حيناً وقد يفشل حيناً، وقد يأتي يوم يتسع ذلك الإطار، لنتحدث عن ديمقراطية أكبر مما لدينا حالياً، أما الآن فما لدينا ليس إلا حدوداً دنيا، شكل بلا مضامين، يُفاقم ذلك سوء إدارة مزمن، وفساد متغلغل، وكل ما يتم من أحاديث ووعود إنما يتم في مساحة قد تزيد أو تصغر، ولكنها تبقى مساحة محدودة.

back to top