«الابنة الإسبانيّة» قصَّة امرأة تهرب من الصور الاعتيادية

تُرجِمت إلى 18 لغة عالمية ونقلها إلى العربية جلال العطاس

نشر في 19-10-2020
آخر تحديث 19-10-2020 | 00:04
غلاف الرواية
غلاف الرواية
«الابنة الإسبانيّة» هي النسخة العربيَّة من رواية La Hija Espanola، تُرجِمت إلى 18 لغة عالميَّة، ونقلها إلى العربيّة جلال العطاس، وأصدرتها "الدار العربيّة للعلوم ناشرون" في بيروت.
"ستة أشخاص فقط كانوا يحضرون جنازة الوالدة التي اجتثّها الموت من الزمن الحاضر وزرعها في الزمن الماضي، لقد انتزعت الثورة منهم كلّ شيء احتاجوا إليه، فاختفى الناس والأصدقاء والذكريات والغذاء والسكينة والسلام، وأصبحت (الخسارة) هي كلّ ما يستطيع الثوار أن يقدّموه لهم".

هذا هو مطلع رواية "الابنة الإسبانيّة" الذي يوحي بالعذابات التي يعانيها كل بلد، عندما تشتعل الثورة فيه، فتعمّ الفوضى وينتشر الدمار فيختلط الحابل بالنابل، وتبدأ الثورة بأكل أبنائها.

لقد تعذّر على الدولة الفنزويلية تمويل فرقة الدرّاجات المؤلّلة، وهم جنود المشاة للثورة التي سحقت أي مظاهرة ضد الرئيس القائد، فأذنت لهم القيام بالسلب والتخريب من دون أيّ تدخل، فلن يمسّهم أحد، ولن يحاكم أحد، ويمكن لأي من كان يريد أن يقتل ويتسبّب في الموت أن ينضمّ إلى قوائمهم.

وفي هذا الجوّ المريع شعرت بطلة الرواية أنّ روحها ماتت بعد موت أمّها مجدّداً، وأنها أصبحت الفرد الوحيد الذي تتشكّل منه عائلتها، وقريباً قد يسلبون منها الحياة، إمّا بالسواطير، وإمّا بالدم والنار على غرار كل شيء يحدث في تلك المدينة.

اقتحام وسرقات

قالت في نفسها "هناك شيء ما يحدث"، أصوات ارتطام أثاث، كراسٍ وطاولات تُجرّ، إنّهاعملية اقتحام وسرقة. ألقت نظرة من النافذة فشاهدت مجموعة من الرجال يرتدون زيّ الاستخبارات العسكريّة يغادرون البوابة وهم يحملون في أيديهم جهازي الحاسوب والمايكرويف، وما تسنّى لهم حمله ورأت آخرين يجرّون الحقائب ويضعونها في سيّارة فان سوداء.

جلست منزوية في غرفتها وأخذت تفكّر في ما جمعته مع أمّها قبل وفاتها من طعام كافٍ لمدة شهرين. وراحت أفكارها إلى أيام الثورة الأُولى، حين كانت في مستهلّ العقد الثاني من عمرها، والتقت بحبّ حياتها، لقد وقعت في حب جندي ميت رأت صورتَه في الجريدة التي تقرؤها أُمها، فأصبحت أرملته قبل أن تتزوج.

العمر الحزين

تتوالى الصور في مخيلتها سريعة، وتتوقّف عند المرحلة الجامعيّة التي أمضتها في السكن الداخلي، حيث تعلّمت كيف تضع الماكياج وكيف تدخّن، لكنّها لم تكن تستطيع حتى فتح النوافذ كي لا يدخل دخان الغاز المسيّل للدموع الذي تطلقه قوّات الشرطة لتفريق المتظاهرين. وكانت جارتها أورورا الملقّبة بابنة المرأة الإسبانيّة، تعيش معها المعاناة عينها، وأُمها تدير في كاراكاس مطعماً صغيراً حيث الكثير من الحانات.

لقد وعدت الدولة أن أحداً لن يسرق بعد الآن، وأنّ كل شيء سيكون للشعب، وأنّ كل مواطن سيمتلك منزلاً، وسيكون الطعام كافياً للجميع. ولم يتحقّق أمر من هذا، لأنّه لم يكن من مسؤولية أبناء الثورة، فإذا كانت المخابز فارغة، فإنّ الخبّاز هو الجاني، وإذا كانت الصيدليّات فارغة، فالمسؤول عن ذلك هو الصيدلي، وإذا لم تستطع شراء سوى بيضتين، فذلك سببه بائع البيض. "ومع هذا الوضع المزري، وجدنا أنفسنا نتمنّى السوء للجلّاد والضحية".

الاستيلاء على المنزل

أغلقت الراوية على بطلتها أديليدا جميع أبواب الخلاص، وروتها في جحيم ثورة لا ترحم، فبينما كانت عائدة إلى بيتها إذا بها تتلقّى ضربة على رأسها أفقدتها وعيها، وعندما أفاقت وجدت حقيبتها خالية من مفاتيحها وهاتفها ومالها وعند باب المنزل سمعت صوت موسيقى صاخبة تصدر من الداخل كما لو أنّ هناك حفلة راقصة.

تقدّمت بصعوبة وقرعت الباب بقوة ففتحت لها امرأة قبيحة الشكل كريهة الرائحة، إنّها زوجة الماريشال الذي دمَّر المدينة، سألتها ماذا تفعل في شقّتها، فأجابت أنها صاحبة هذه الشقّة، وأن الثوّار هم السلطة المخوّلة لفعل أيّ شيء يريدونه، وطلبت أديليدا من المرأة كتبها وأطباقها، فرمت المرأة الأطباق على الأرض، ومزّقت الكتب، وطردتها من البيت.

توجّهت أديليدا إلى بيت ماريا صديقتها الممرضة وكان رأسها ينزف، فقطبت ماريا جرحها وترجتها ألّا تذهب إلى الشرطة، بل تغادر المدينة فوراً، فالمأساة لم يعد لها حدود. ونزلت الدرج إلى الطابق الخامس، وتوقّفت عند الباب المغلق لشقّة صديقتها أورورا وقرعت الجرس فلم تتلقَّ جواباً، فوضعت يدها على المقبض وأدارته بهدوء فانفتح، وإذا برائحة كريهة تصدر من الداخل، ونظرت فرأت صديقتها ممدّدة على الأرض جثّة هامدة.

التخلُّص من الجثّة

لا ينفع السؤال، كيف ماتت أورورا بيرالتا، لقد استولى المجرمون بالقوّة على منزلها، وها هي الآن تستولي على منزل صديقتها، ولكن كيف التخلُّص من جثّة ضخمة؟

وجلبت من الخزانة شرشفاً أبيض، ولفّت به الجثّة، ثمّ حاولت جرّها إلى المصعد الذي لم يتسع لها فسحبتها إلى الغرفة، وتساءلت كيف الخلاص؟ واقتربت من النافذة ونظرت فرأت مجموعة فتيان يضرمون النار بلافتات كُتب عليها شعارات تمجّد القائد الأبدي، وكان هنالك أيضاً بعض أفراد الشرطة العسكريّة وبعض المسلّحين على دراجاتهم وانطلق الرصاص بقوّة، وتساقط الفتيان واحداً تلو آخر.

وقتل المسلّحون التابعون للحكومة مئة من المتظاهرين الملثّمين الذين خرجوا إلى الشوارع، وكانت أصوات الرصاص والانفجارات تملأ الأجواء، فوجدت الفرصة السانحة لترمي الجثَّةَ من النافذة، فسقطت إلى جانب الضحايا المنتشرة على الطرقات.

جزء من النجاة

ترسم الرواية بقوة صورة فنزويلا، وتفاصيل اقتلاع مواطنيها من بيوتهم، لكنّها في العمق هي قصَّة امرأة تهرب من جميع الصور الاعتياديّة لتواجه مواقف صارمة وعنيفة، ذلك أنّ الرُّعب هو جزء من النجاة، يلازم أولئك الذين يستطيعون الهروب من بلاد ليس بإمكانهم أن يستعيدوا منها أيّ شيء ولا حتّى دمعة واحدة!

مطلع الرواية يوحي بالعذابات التي يعانيها كل بلد عندما تشتعل الثورة فيه فتعمّ الفوضى
back to top