هل ينهي بايدن أو ترامب الحروب الأميركية اللامتناهية؟

نشر في 12-10-2020
آخر تحديث 12-10-2020 | 00:00
يتكلم ترامب وبايدن عن الحروب اللامتناهية بمعناها الضيق، فهما يحصران هذه الظاهرة بالقوات الميدانية التي تشارك في القتال منذ فترة طويلة، حيث تحصل عمليات القتل الروتينية اليوم عبر الطائرات بلا طيار أو القوات الخاصة، مما يعني أن هذه الوسائل الفتاكة التي تُخفّض عدد الضحايا الأميركيين قد تصبح دائمة.
 نيو ستاتسمان يظن الأميركيون عموماً أن خلافاتهم السياسية تتوقف دوماً حين يصبح الوضع على المحك، لكن العكس كان أقرب إلى الواقع منذ أن انقسم مؤسسو البلد حول دعم فرنسا أو معارضتها في حروبها الثورية خلال تسعينيات القرن الثامن عشر، ثم ساد نوع من الإجماع خلال العقود الثلاثة الماضية. بعد التفوق على الخصم السوفياتي في الحرب الباردة، ظن قادة الحزبَين الجمهوري والديمقراطي أن الولايات المتحدة تستحق أن تُهميِن على العالم.

لكن بدأ هذا التوجه يتغير اليوم على الأرجح، فوراء المواقف الغاضبة التي يتبادلها الرئيس دونالد ترامب ومنتقدوه، نشأت رؤية مشتركة أخرى، وخلال هذه السنة، وللمرة الأولى على الإطلاق، يَعِد المرشحان للرئاسة من الحزبَين الأساسيين بإنهاء الحروب "اللامتناهية" أو "الأبدية" التي يشارك فيها الأميركيون.

في عصر الانقسام السياسي الحاد اليوم، يُعتبر تحوّل الحروب اللامتناهية إلى مصدر قلق للحزبَين الجمهوري والديمقراطي تطوراً مدهشاً، فهو يعكس مشاعر الرأي العام بكل وضوح، فوفق سلسلة من الاستطلاعات هذه السنة، يبدو أن ثلاثة أرباع الأميركيين يؤيدون عودة القوات العسكرية إلى ديارها من أفغانستان والعراق، وفي المقابل، يظن شخص واحد من كل أربعة أن التدخلات العسكرية في بلدان أخرى تجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً. اليوم، يستطيع أي رئيس أن يوحّد البلد عبر سحب الجنود من جميع أنحاء العالم بدل أن ينشرها ضد أعداء آخرين.

قد يكون استعداد الأميركيين للتحرك في هذا الاتجاه مسألة مختلفة، فوفق "وثائق أفغانستان" التي نُشرت في ديسمبر 2019، لطالما شكك المسؤولون الأميركيون باحتمال الفوز في حرب أفغانستان، ومع ذلك لا يزال ذلك الصراع مستمراً حتى اليوم، وهو يقترب من سنته العشرين.

لكن حتى التخلي عن حملة الحرب على الإرهاب لن يكون كافياً بالضرورة لإنهاء الحروب اللامتناهية، فقد بدأت الولايات المتحدة باستعمال قواتها المسلحة حول العالم قبل هجوم 11 سبتمبر بكثير.

حين انطلقت الحرب الباردة في 1947، عبّر جورج كينان، الدبلوماسي المرموق الذي صمّم سياسة الاحتواء، عن رأيه بالوضع في صحيفة "فورين بوليسي" فدعا إلى "استعمال القوة المضادة بطريقة ذكية وحذرة في سلسلة من النقاط الجغرافية والسياسية التي تشهد تقلبات مستمرة"، لكن الحكومة الأميركية أصرّت على تطبيق مبدأ "القوة المضادة" حرفياً، بما يفوق رؤية كينان الأصلية.

في عام 2019، أصبح نائب الرئيس مايك بينس آخر مسؤول يكشف بوضوح عن تداعيات الهيمنة العالمية حين صرّح أمام المتخرجين في الأكاديمية العسكرية "ويست بوينت": "لا مفر من أن تقاتلوا في إحدى ساحات المعارك لصالح الولايات المتحدة في مرحلة معينة من حياتكم"، ثم ذكر بينس جميع مناطق العالم كساحات محتملة للحروب الأميركية.

من الواضح أن الإدارة التي يعمل فيها بينس لا تميل إلى بذل الجهود اللازمة لكبح النزعة الأميركية إلى صناعة الحروب، وحتى المعسكر الديمقراطي برئاسة سلفه جو بايدن لا تفعل ذلك.

يتكلم ترامب وبايدن عن الحروب اللامتناهية بمعناها الضيق، فهما يحصران هذه الظاهرة بالقوات الميدانية التي تشارك في القتال منذ فترة طويلة، لا سيما في أفغانستان (حيث فشل ترامب حتى الآن في إنهاء المهمة الأميركية، في حين يتعهد بايدن بتخفيض أعداد الجنود بكل بساطة). تحصل عمليات القتل الروتينية اليوم عبر الطائرات بلا طيار أو القوات الخاصة، مما يعني أن هذه الوسائل الفتاكة التي تُخفّض عدد الضحايا الأميركيين قد تصبح دائمة.

قد يكون موقف آخر الأكثر أهمية على المدى الطويل: لا يتعهد أيٌّ من المرشحَين بإعادة جزء كبير من 200 ألف جندي خارج الولايات المتحدة أو تقليص التزامات البلد بالدفاع عن عشرات البلدان، بما في ذلك 20 دولة عضو في حلف الناتو واليابان وكوريا الجنوبية.

قد يقرر الرئيس المقبل، سواء كان ترامب أو بايدن، سحب القوات الأميركية الميدانية من أفغانستان وسورية والعراق أيضاً، حتى أنه قد يعلن الانتصار على اعتبار أن الحروب الأبدية انتهت، ومع ذلك ستستمر الحروب الأميركية على الأرجح، ولو بدرجة ضمنية في الشرق الأوسط الكبير أو بشكلها التقليدي لمواجهة الصين التي تزداد نفوذاً وروسيا الكيدية.

في مطلق الأحوال، قد يتحقق سيناريو مختلف مستقبلاً، يكفي أن ينهي الأميركيون حرباً لامتناهية واحدة كي تتوسع النزعة إلى إنهاء حروب أخرى، ففي نهاية المطاف قد يطالب الجيل الأميركي الذي شهد أعمال العنف الأميركية في الخارج، تزامناً مع إساءة معاملة المواطنين في الداخل، بإرساء سلام حقيقي.

*ستيفن ويرثيم

في نهاية المطاف قد يطالب الجيل الأميركي الذي شهد أعمال العنف الأميركية في الخارج بإرساء سلام حقيقي
back to top