كشف المستور في بيانات صناديق الريت العقارية

في سوق الأسهم يعتبر «مكرر الربحية» أحد أهم أساليب التقييم

نشر في 03-10-2020
آخر تحديث 03-10-2020 | 00:00
No Image Caption
بملابس مهندمة وهيئة منظمة وصوت مميز وقطنة في يدها، ظهرت «مدام نظيفة» في واحدة من أشهر الحملات الدعائية التي بُثت على شاشات التلفزيونات العربية في بداية الألفية الثالثة لتقدم ذلك الإعلان الشهير لأحد سوائل تنظيف الأرضيات، قبل أن تنهي الإعلان بالعبارة التي لا تزال راسخة في أذهان الكثيرين: «القطنة لا تكذب» في إشارة إلى أن القطنة يمكنها أن تكشف بصدق مدى كفاءة سائل التنظيف.

وفي الحقيقة، إن القطنة لا تكذب أيضاً في سوق الصناديق العقارية المتداولة، لكن القطنة هنا عبارة عن المقاييس والنسب المالية التي بإمكانها مساعدة المستثمر والمحلل على تكوين صورة مكتملة حول حقيقة الوضع المالي للصندوق وكفاءة إدارته ومدى جاذبيته كخيار استثماري مقارنة مع غيره من الصناديق المتاحة في السوق.

ما هكذا تورد صناديق الريت!

في العام الماضي قام أحد صناديق الريت بتوزيع أرباح قيمتها 30 مليون ريال في حين صافي دخل هذا الصندوق في ذلك العام لم يتجاوز الـ25 مليون ريال، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ إجابة هذا السؤال ربما تشكل لغزاً بالنسبة للبعض، وخصوصاً بالنسبة للنشيطين منهم في سوق الأسهم، وهذا ربما هو السبب في أن الكثيرين ينظرون إلى عملية التحليل المالي لصناديق الريت باعتبارها موضوعاً معقداً.

في الحقيقة إن مصدر اللبس أن أكثر المستثمرين الأفراد حين يحاولون تقييم أو تفسير البيانات المالية الخاصة بصناديق الريت يستخدمون نفس الطرق والأساليب التي يتم استخدامها في تحليل وتقييم الشركات العادية المدرجة بالسوق، وهذا في الحقيقة خطأ كبير... لماذا؟

باختصار، صافي دخل الصندوق أو

الـ 30 مليون ريال لا يعبر عن الدخل الفعلي للصندوق؛ فبسبب اعتبارات محاسبية، تقوم صناديق الريت بإهلاك أصولها تدريجياً. لكن كما نعرف، أصول صناديق الريت التي تتكون بشكل رئيسي من عقارات مدرة للدخل لا تنخفض قيمتها في أغلب الأحيان، بل على العكس ترتفع قيمة الكثير منها مع مرور الزمن خصوصاً إذا كانت تتم صيانتها دورياً.

ولذلك فمن غير المنطقي أن يخصم الصندوق مليوني ريال مثلاً من إيراداته باعتبارها مصاريف إهلاك للعقارات المدرجة بالمحفظة، في حين قيمة العقارات على أرض الواقع ثابتة وربما تزداد، لكن هذه هي السياسات المحاسبية.

الهدف الرئيسي من الإهلاك هو توزيع تكلفة الأصل على مدار عمره الإنتاجي، ولكن كما وضحنا، الأمر مختلف تماماً في حالة صناديق الريت، التي تمتلك أصولاً ذات طبيعة خاصة، وهكذا يتسبب الإهلاك في تشويه دلالة صافي الدخل، بحيث يظهر الصندوق كما لو أنه حقق أرباحاً أقل مما حققه بالفعل بسبب خسارة افتراضية.

توزيعات تتجاوز صافي الدخل!... ما السر؟

ما سبق هو ما حدث بالضبط في حالة الصندوق الذي أشرنا إليه قبل قليل، ببساطة، مصاريف الإهلاك لدى ذلك الصندوق تبلغ 8 ملايين ريال، وهذه الملايين الثمانية تم طرحها من الإيرادات لكي نصل إلى صافي الدخل البالغ 25 مليون ريال، وبما أن الإهلاك هو مجرد إجراء شكلي في صناعة صناديق الريت، فيجب أن نلغي أثره لكي نصل إلى الدخل الحقيقي للصندوق.

بذلك يصبح الدخل الحقيقي لهذا الصندوق 33 مليون ريال أو حاصل جمع مصاريف الإهلاك (8 ملايين) على صافي الدخل (25 مليوناً)، وهو ما يعني أن الصندوق في الواقع لم يوزع أكثر من دخله، بل على العكس الصندوق يمكنه توزيع ما يصل إلى 33 مليون ريال، ولكنه لم يوزع سوى 30 مليوناً فقط.

للتغلب على هذه المشكلة قامت «المؤسسة الوطنية لصناديق الاستثمار العقاري الأميركية» (NAREIT) في عام 1991 بتطوير مقياس جديد أطلق عليه «الأموال من العمليات» (FFO) والذي تم اعتماده من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات في عام 2003.

«الأموال من العمليات» أكثر جدوى وفاعلية من صافي الدخل في عملية تحليل صناديق الريت، ويتم حسابها كالتالي: الأموال من العمليات (FFO) = صافي الدخل + الإهلاك – مكاسب العقارات المبيعة.

بعضكم قد يتساءل: قد فهمنا المنطق وراء إلغاء أثر الإهلاك، ولكن لماذا نستبعد أيضاً مكاسب أو خسائر الصندوق من مبيعات العقارات؟

ببساطة، قيام الصندوق ببيع أي من أصوله بربح أو خسارة في سنة معينة يعبر فقط عن نجاح هذا الاستثمار الفردي وليس عن كيفية سير عمليات الصندوق، بالتالي من المنطقي أن يتم استبعاد المبيعات عند قياس الأداء التشغيلي، لأنه إذا لم يتم استبعاد ذلك البند، فسيصبح بإمكان إدارة أي صندوق أن تقوم بتصفية جزء من محفظتها العقارية لتحسين شكل الأرباح خلال السنوات التي لا تمضي فيها الأمور على نحو جيد.

وهكذا، من خلال إلغاء أثر كل من الإهلاك ومكاسب أو خسائر العقارات المبيعة على صافي الدخل، نحصل على مقياس أكثر فاعلية في تقييم الأداء التشغيلي للصندوق وهو «الأموال من العمليات» والذي يعبر عن الدخل الحقيقي للصندوق.

مكرر الربحية .. النسخة المعدلة

في سوق الأسهم، يعتبر «مكرر الربحية» أحد أهم وأشهر أساليب التقييم التي يتم استخدامها في المفاضلة بين الأسهم المختلفة للشركات، ويتم حساب المكرر من خلال قسمة السعر السوقي للسهم على ربحية السهم (نصيب كل سهم من صافي الدخل).

لكن كما وضحنا بالأعلى، صافي الدخل في حالة صناديق الريت لا يعبر عن الدخل الحقيقي للصندوق، ولذلك فإن محاولة حساب «مكرر الربحية» بالاستناد إلى ذلك الرقم (صافي الدخل) ستقودنا حتماً إلى استنتاجات غير دقيقة.

في ضوء تلك الاعتبارات، سنعتمد أثناء قيامنا بحساب قيمة مكرر الربحية الخاص بصناديق الريت على «الأموال من العمليات» بدلاً من صافي الدخل، لأن المقياس الأول أكثر تعبيراً عن الأداء التشغيلي للصندوق مقارنة مع الثاني، وسيتم حساب مكرر الربحية وفق المعادلة التالية: مكرر ربحية الصندوق = سعر الوحدة ÷ نصيب كل وحدة من «الأموال من العمليات».

على هذا الأساس لو افترضنا أن سعر الوحدة للصندوق 10 ريالات مثلًا بينما يبلغ نصيب كل وحدة من أموال العمليات 50 هللة، فهذا معناه أن مكرر الربحية الخاص بالصندوق يبلغ 20 مرة (حاصل قسمة 10 ريالات على 50 هللة)، وهو ما يعني أن المستثمر يدفع 20 ريالاً مقابل كل واحد ريال يحققه ذلك الصندوق كأرباح.

وكما هو الحال مع مكرر الربحية الخاص بالأسهم العادية، يتم تأويل النتائج بذات الطريقة، على سبيل المثال، لنفترض أن السوق به صندوقا ريت هما «س» و»ص»، ومكرر الربحية الخاص بـ»س» يبلغ 12 مرة، في حين أن مكرر الربحية الخاص بـ»ص» يبلغ 20 مرة.

إذا افترضنا أن الصندوقين يمتلكان محفظتين عقاريتين متماثلتين (هذا طبعاً مستحيل) فمن الممكن أن نستنتج أن الصندوق «س» أفضل من الصندوق «ص»، ولكن هذ فقط في ظل ثبات العوامل الأخرى.

النفقات الرأسمالية .. أين هي من الحسابات؟

رغم أن «الأموال من العمليات» تعتبر أكثر دقة من صافي الدخل في التعبير عن الدخل الحقيقي للصندوق فإن هذا المقياس توجد به ثغرة خطيرة هي أنه لا يأخذ في اعتباره أن هناك نفقات رأسمالية حقيقية متكررة يتكبدها الصندوق يجب الالتفات إليها أثناء محاولة المستثمر أو المحلل بناء صورة حقيقية حول شكل التدفقات النقدية للصندوق.

هذه النفقات تشمل كافة التحسينات التي يقوم بها الصندوق في المباني التي يمتلكها كتغيير السجاد والستائر ووحدات الإضاءة وغيرها من التحسينات الضرورية من أجل المحافظة على المركز التنافسي للمبنى المؤجر وسلامته، فمن أجل أن يحتفظ العقار بقيمته على مدار السنين يجب أن تتم صيانته وتطويره وتجديده بشكل دوري.

ولذلك فإن «الأموال من العمليات» (FFO)

لا تعبر بالضبط عن القيمة الحقيقية للأموال المتبقية بعد حساب جميع النفقات، حيث إن أغلب المصروفات المشار إليها بالأعلى يتم رسملتها بدلاً من إنفاقها، وبالتالي يجب خصمها من الـ»FFO». من هنا ظهر المقياس الذي يسمى «الأموال المعدلة من العمليات» (AFFO).

«الأموال المعدلة من العمليات» هي مقياس مهمته علاج أوجه القصور الموجودة في «الأموال من العمليات» (FFO)، وعلى الرغم من أن (FFO) أكثر شهرة، إلا أن المحللين يميلون للتركيز على (AFFO) لأنه من ناحية يعتبر مقياسًا أكثر دقة للتدفقات النقدية المتبقية والمتاحة للمساهمين، ومن ناحية أخرى فهو مؤشر أفضل على القدرة المستقبلية للصندوق على توزيع الأرباح، بعبارة أخرى، النظر إلى هذا البند هو بمثابة النظر إلى الربح الحقيقي للصندوق.

back to top