طارق الطيب: التراث السوداني المصري حاضر في معظم ما كتبت

مشروعه الأدبي يقوم على استقطاب بعض الأسماء العربية الشابة

نشر في 15-09-2020
آخر تحديث 15-09-2020 | 00:03
يسهم الأديب السوداني طارق الطيب بفعالية في الملتقيات الأدبية في النمسا، التي يقيم بها منذ عقود، وقد حصل على وسام الجمهورية النمساوي تقديراً لمنجزه الإبداعي والتواصل الأدبي داخلياً وعالمياً. وفي حواره مع "الجريدة" من القاهرة، كشف الطيب النقاب عن مشروع أدبي جديد يقوم -كما قال- على "استقطاب بعض الأسماء العربية الشابة، للتواجد فعلياً في النمسا، واستضافتهم للمشاركة والكتابة، مشيراً إلى أنه يحاول توسيع المشاركات الأدبية مع زملائه النمساويين والنمساويات.
ودرس الطيب العلوم الاقتصادية والاجتماعية في النمسا، وأصدر العديد من القصص والروايات والأعمال الشعرية. وعن جمعه بين الدراسة والأدب، قال: "سار الأمران بتوازٍ، وكلما كنت أشعر بوطأة المواد العلمية؛ كنت أهرب إلى حضن اللغة الأم، وأكتب بها أدباً، في محاولة لاستحضار الأهل والأصدقاء والمكان القديم، على الورق".
وأضاف الطيب: "نسجت الكثير من القصص والروايات والقصائد، وحصَّنت حالي نفسياً ومعنوياً". وإلى تفاصيل الحوار:
● درستَ التجارة ثم تحولت لدراسة العلوم الاقتصادية ثم الأدب، ما العلاقة بينها؟

- لم يكن الأمر تحوُّلا من كلية التجارة في القاهرة إلى جامعة الاقتصاد في فيينا، بل كان بإمكاني أيضا أن أبدأ بدراسة الطب أو الهندسة أو أي تخصص أريد؛ فنظام التدريس هناك يختلف، ولا علاقة له بالمجموع، وإنما بالقدرة على المواصلة، ونسبة النجاح الأدنى في الثانوية هي 60 في المئة فما فوق، جامعة الاقتصاد في فيينا كانت الأقرب لما درست، ولم يكن هنا في النمسا تحوُّل من دراسة العلوم الاقتصادية والاجتماعية نحو الأدب، بل سار الأمران بتواز، وكلما كنت أشعر بوطأة المواد العلمية من دستور، وقانون، وإدارة دولية، ولغة ألمانية؛ كنت أهرب إلى حضن اللغة الأم وأكتب بها أدبا، في محاولة لاستحضار الأهل والأصدقاء والمكان القديم على الورق، وبهذا نسجت الكثير من القصص والروايات والقصائد وحصَّنت حالي نفسيا ومعنويا، ولا ننسى أن الفلسفة، والاقتصاد، والاجتماع: هي عالم هائل عظيم، بل وقريب تماما من الإنسان، وحياته، واحتياجاته، ومتاعبه، وآماله، والأدب مرآة هذه الحياة.

أماكن مؤثرة

● تتواشج كتاباتك بشكل أكثر عمقاً مع المكان، وكأنه البطل الحقيقي إذا ما تحدثنا بلغة الرواية، لماذا كل هذا الإغراق والالتصاق بالمكان؟

-هو ليس إغراقا، ولكن من طبيعة الحال أن ينشأ الأدب المكتوب في مكان ليعبر عنه أفضل تعبير، وأنا مكاني الأصلي المطبوع في الهوية الذهنية ينقسم إلى مكانين رئيسيين؛ هما مكان المولد والنشأة: القاهرة، ثم مكان الإقامة الدائمة: فيينا، وترتبط بهذه الأمكنة أمكنة مؤثرة مثل "السودان" مولد الوالد، وأقاربي هناك، وارتباطي الوجداني بهم، ومكان آخر هو ريف شمال النمسا حيث أهل زوجتي وحيث إقامتي المتقطعة والمنتظمة، لفترة لو حسبتها ستكون أكثر من عشر سنوات كاملة، كذلك كل مكان سافرت إليه، وأحببته، وانطبع في وجداني، هذه هي أعمدة الكتابة المكانية، يظللها "الزماني" بالضرورة، وهذا طبيعي جدا عند كل كاتب، ولا يد لأحد في مسقط رأسه، ولا في محل إقامته ومعيشته، منهما نحكي قصة حياتنا شفوياً، أو كتابياً، أو حتى لأنفسنا ذهنياً، أو بأي شكل فني، فكل إنسان ينسج سيرته بطريقته حتى ولو كان لا يكتب.

● حقيبة مملوءة بحمام وهديل" أول ديوان شعري نشر فى عام 1999، والذي ترجم إلى الألمانية والعربية، تلاه ديوان "تخليصات" 2002، بدوت مسكونا بالنثر محتفظا بروح الرواية والقصة، كيف استطعت توليد هذه الصورة الساحرة في نصك الملحمي؟

-بدءاً، سأتجاوز كلمة الملحمي لمحمولها العالي، وأقول إن ديواني الأول صدر بالعربية والألمانية فعلا تحت هذا العنوان: "حقيبة مملوءة بحمام وهديل"، وله قصة قد تكون طريفة، فقد دعيت لأمسية وقراءة في أحد الصروح الأدبية المعروفة في النمسا، وكان لديَّ فقط عشرة نصوص مترجمة للألمانية على الورق، قرأتها مع العربية، ونالت إعجاب الجمهور الذي سألني عن اسم الديوان الألماني، فقامت الفكرة المفرحة في رأسي بالعمل على ديوان بالألمانية، ووجدت لاحقا موافقة من ناشرين أحدهما في ألمانيا، والآخر في فيينا، وافقت على الأخير ابن مدينتي لسهولة التواصل الحي، وقد كان، وهو الذي نشر لي فيما بعد رواية أخرى مرتين، وديوانا جديدا، أما وجود النثر في القصائد، أو احتفاظها بروح القصة، أو الرواية، فهذا شيء يفرحني سماعه، وأرى أن كثيرين قد سبقوني في هذا المضمار، الجديد ربما يكون في أجواء فيينا، وتفاصيلها الثرية التي تُغني أي كتابة.

● روايتك الأولى "مدن بلا نخيل" صدرت في عام 1992 في ألمانيا، حين كان عمرك 33، هل اختلفت الكتابة الروائية في البدايات عنها الآن؟

-كل كتابة تختلف مع مرور الوقت، أظن أن "مدن بلا نخيل" تطورت في جزئها الثاني رواية "بيت النخيل"، ولو بقيت عندي كرواية حتى اليوم دون نشر لكنت ما زلت أغير، وأعيد، وأزيد، وأنقّح، لكننا نسعد بالتخلص من العمل ليذهب إلى "بيت العَدَل"، ليعيش بنفسه وقوته دون الاتكاء على الكاتب، إلا بالارتباط باسمه فقط، وأظن أن الرواية اللاحقة (الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا) الصادرة في 2014 تختلف في شكلها ومضمونها عما سبقها أو لحقها، وأظن أن روايتي الأخيرة "وأطوف عاريا" مختلفة أيضا عن كل ما سبقها، والرواية القادمة، وهي قيد النشر حاليا، ستختلف في الشكل والمحتوى والأسلوب، وهذا جيد من وجهة نظري.

● تُرجمت كتاباتكم إلى لغات عدة، هل عكس الأدب المترجم صورة واضحة للمجتمعات المختلفة ثقافياً؟

-تُرجِمَت أعمالي في شكل كتب إلى ثماني لغات، هي: الألمانية، والإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والصربية، والمقدونية، والرومانية. أما فيما نُشِر في أنتولوجيات فتقريبا ترجم إلى عشرين لغة منها الصينية، والروسية، والبرتغالية، والسويدية، والبوسنية، والتركية، والجورجية وغيرها. لن تتمكن الترجمة أبدا من توصيل صورة واضحة عن المجتمعات، إلا إذا تمت ترجمة ثلاثة أرباع ما ينشر بالعربية إلى الألمانية على سبيل المثال، فكل رواية تعكس عالما جديدا ووضعا مختلفا وزمنا آخر، ولا أعتقد أن هناك إلا في النادر روايات تنسخ روايات أخرى، لذا فظهور صورة واضحة جلية لمجتمع عبر مئة، أو مئتي كتاب مترجم قد تقدم بعض الملامح المهمة، لكنها لا تفي بالصورة الكلية لمجتمع ما، أو لثقافة ما، هناك أيضا فنون أخرى مكملة، وتساعد على توضيح الصورة مثل: السينما، والفنون التشكيلية، والمسرح.

● "ابن وادي النيل" بالبحث عن التراث السوداني- المصري بين عوالمك، أين نجده فيما قدمت؟

- التراث السوداني-المصري موجودة عوالمه في معظم ما كتبت، وأضيف إليه مكونا ثالثا أساسيا وهو "التراث النمساوي"، بحكم عمري الطويل وسط هذا الزخم العالي، من إقامة وحياة فعّالة منذ 37 عاما. رواية "بيت النخيل" تدور أحداثها في السودان ومصر بكل الزخم التراثي والإنساني، لينتقل من الفن إلى الواقع في"بيت النخيل"، وهو مكان حقيقي بهذا الاسم في قصر الشونبرون في فيينا، حيث تُحفظ النباتات الاستوائية في درجات حرارة لا تقل عن العشرين حتى لا تموت من الصقيع، هكذا كان وضْع حمزة حين حفظته حبيبته ساندرا في درجة حرارة إنسانية أنقذته من الضياع، وفي رواية "الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا"، قصة حب نادرة وصعبة تتخلق في فيينا وتمتد للقاهرة وتعود إلى فيينا، أما في رواية "وأطوف عاريا"، ففيها حكايات التراث المصري الحديث، والقديم، وتراث النمسا الحديث، والقديم، والتاريخ، والألم الإنساني، والعُري بمعناه الفني العالي.

● برأيك، هل نجح الروائيون الغربيون في تقديم نمط سردي مميز يثير الانتباه أم بالغوا في الإنشاء اللغوي؟

-طبعاً نجح الروائيون الغربيون في تقديم نمط سردي مميز مسح فترات تاريخية صعبة، وهي فترة الحرب العالمية الأولى، والثانية التي دارت رحاها على تلك الأرض، والفترة الأصعب التي تلت الحربين، وإعادة الإعمار، والوقوف على القدمين، ثم الفترة الحاضرة في نهاية الألفية، وبداية الألفية الجديدة التي لحقها الاضطراب الحداثي، ومحاولات الإبقاء على القيم الإنسانية، مقابل التطور المادي الباطش عبر التكنولوجيا اللاأخلاقية، والحروب البشعة المدمرة لأرقى الحضارات.

وهناك أعمال أدبية مهمة وملهمة لكتّاب من المحيط الألماني: النمسا، وألمانيا، وسويسرا، وهناك أعمال كثيرة لم تترجم على جانب كبير من الأهمية لتوماس برنهارد وإلفريده يلينيك وبيترهاندكه وبيتر توريني، وغيرهم العشرات، ومن ألمانيا غونترغراس وشيللر، وغيرهما، ومن سويسرا باتريك زوسكيند، وهيرمان هيسه، وماكس فريش، وفريديريك دورينمات وغيرهم، الأمر لم يكن تصاعدا لغويا فقط، بل ذهنيا، وفنيا أيضا، وهو ما نراه في المسرح، وفي الشعر باللغة الألمانية في هذه الدول الثلاث المذكورة سابقا.

● ما مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة والتأليف؟

-هناك الكثير من المشاريع التي لاتتوقف، لكني لا أود الآن الحديث عن أي كتاب لم أر غلافه ومتنه الجاهز بعد، سواء بالعربية أو بلغة أخرى، لكن هناك مشروع قادم أود أن أساهم فيه بإستقطاب بعض الأسماء العربية الشابة للتواجد فعليا في النمسا مشاركة، وكتابة، وإقامة إن أمكن وأفعل هذا في صمت منذ زمن، ولكن أحاول تطوير العمل بشكل أوسع مع زملائي النمساويين، والنمساويات.

الروائيون الغربيون نجحوا في تقديم نمط سردي مميز
back to top