«أمين العلواني»... ثلاثة وجوه لعملة روائية واحدة

صدور الطبعة الرابعة من رائعة الكاتب الجزائري فيصل الأحمر

نشر في 09-09-2020
آخر تحديث 09-09-2020 | 00:03
فيصل الأحمر
فيصل الأحمر
تحت عنوان "أمين العلواني" صدرت الطبعة الرابعة من الرواية البديعة التي تحمل توقيع الكاتب الجزائري فيصل الأحمر عن دار نشر "كلاما" بالجزائر، وهي رواية من الخيال العلمي التجريبي تغلّف سيرة غيرية وأجزاء من السيرة الذاتية لكاتب متخيل سيعيش طوال القرن الحالي (يفترض أنه ولد في 2017) يُدعى أمين العلواني.
تدور رواية "أمين العلواني" للكاتب الجزائري فيصل الأحمر في تاريخ هو المستقبل مستعاداً وتتعرض بهدوء مربك لمجموعة من القضايا الحية والمصيرية التي تشكل عالمنا المتغير سريعاً.

ففي هذا المستقبل الذي يبدو مخالفاً لما تعودنا عليه من الصور الكارثية السينمائية، تظهر حكومة شبه عالمية، يكون العالم في إطارها مقسماً إلى ثلاثة أقطاب هلامية نتعرف فيها إلى مواطن أوروبي باسم "عربي" هو أمين العلواني.

ونجد فيها كل الناس في بيوتهم لا يتواصلون تقريباً إلا عبر الحواسيب في بيوت ذكية تحرس التفتت التام لما يُسمى الواقع والمجتمع، لكنه مستقبل إمبراطوري يعرف أمناً كبيراً في ظل هيمنة أجهزة الدولة العالمية التي تتحول فيها السياسة إلى أمر إداري لا تخوض فيه العامة، والدين ممارسة ثقافية هامشية، والأدب وسيلة نخبوية للتواصل الجمالي.

وهذا المستقبل يثير اهتمامنا أكثر حينما ننظر إليه من أعلى هرم عام الجائحة هذا حيث يلزم العالم كله بيته، وحينما نعلم أن الرواية مكتوبة في عام 1999 (طبعتاها الأوليان بدار المعرفة بالجزائر: 2007-2011 ثم الطبعة الثالثة عن دار العين المصرية 2017) أي قبل انتشار الإنترنت جماهيرياً، وقبل ظهور "فيسبوك" ووسائل السوشيال ميديا عموماً.

نصف قرن

الرواية نص مثير ذو جمالية عالية، يجمع أشتاتاً كثيرة من فنون القول المذكرات، والبيوغرافيا، والشعر، والتسجيل بالكاميرا، والمنتخبات الأدبية، والقصة، والدراسة النقدية، وكل هذا في إطار شائق للقراءة.

من المقاطع المهمة التي أثارت كثيراً من التعليقات فيما سبق ذلك الجزء الذي يُصوِّر اكتشاف أمين العلواني لكتاب كُتب منذ نصف قرن من طرف كاتب إفريقي مغمور يدعى فيصل الأحمر، وهو أمر يثير فضول العلواني فيبحث عن شخصية هذا الكاتب المغمور ويؤلف كتاباً حوله يدرس فيه الحياة الأدبية في العالم القديم وأسباب فشل النخب في مهامها. في هذا المقطع من الرواية تنقسم الصفحة إلى ثلاثة أفضية نصية: ما يكتبه الأحمر عن العلواني، وما يكتبه العلواني عن الأحمر، ثم الهوامش التي يكتبها مؤلف سيرة العلواني في عام 2097، واسمه "مالك الأديب".

حياة كاتب

وتستوقفنا هذه السيمفونية التأليفية الغريبة لتستدرجنا في قراءة رواية هي سيرة متخيلة، وسيرة هي نص روائي تخيلي كامل التخيل تحمل لغة كتاب نقدي يروي حياة كاتب، وتحمل ملامح رواية تتحرك فيها شخوص مثيرة يعلق مصيرها في النهاية بين أيدي القارئ.

إنها رواية تأملية فلسفية تنظر في جوهر الأدب والفن والتاريخ، في مسألة الاختيار والقدر والمسؤولية السياسية والتاريخية، في الصلات المعقدة بين النص الأدبي والتاريخ، الإنسان والكلمات، وتتأمل كثيراً في وظيفة النخب في المستقبل القريب الذي هو صورة معدلة شيئاً ما عن الحاضر أو عن المستقبل القريب الذي هو بصدد الاعتمال في حاضرنا هذا.

وهي رواية تجريبية لأنها تحتوي لعباً بالكتابة، بالأفضية الطباعية، بقواعد الكتابة الروائية، وبكثير مما درجنا على عده قواعد لكتابة الرواية لا تتبدل ولا تتحول.

واقع فوتوغرافي

ويقول المؤلف في مقدمة الرواية: "أن تكتب رواية خيالية علمية معناه أن تواجه الواقع وألا تهرب منه أبدا. معناه أن تكون حذراً لأن الواقع في خ.ع متحرك دائماً، حقيقي، ينبض حياة كثيراً ما عانى الواقع من الجمود وفقدان القدرة على الإعراب عن نفسه تحت أقلام الروائيين الواقعيين إنه واقع فوتوغرافي والصورة الفوتوغرافية تستطيع أن تكون كل شيء ما عدا واقعا فالواقع طبقات من الأشياء المحسوسة ودرجات من الوعي بالشيء نفسه وطرق عديدة لتأويل ما تلتقطه الحواس ويعيه العقل والأدب الواقعي عاجز عن ترجمة هذه الأشياء".

ويتابع: "إن هذا هو ميدان رواية الخيال العلمي. كان نيتشه يتحدث عن (تعدد الحقائق) رادعاً ثقة (مرحلة الأنوار) في الوعي بالمحيط وثقتها في قدرة العقل على إدراك الجواهر كلها من الميتافيزيقا إلى المحسوسات المختفي معناها بشكل ما ونتحدث اليوم عن (تعدد الواقع) وهل الواقع ما نظنه نحن واقعاً؟ هل الواقع ما نعيشه في اليقظة أم أن اليقظة حالة غير حقيقية نغوص فيها متى استيقظنا من النوم الذي يكون بذلك الواقع الحقيقي غير المخدوع ولا المخادع؟ أم أن الواقع ما يراه ويعيشه السكران أو المريض المهلوس أو المخدر؟ وما هو الواقع عندما يعيش مجموعة من الناس وضعية واحدة ويعيها كل منهم بطريقة؟ مَنْ مِن هؤلاء الواعين يعي الواقع في حين يكون الآخرون مخطئين في حسبانهم؟".

ويواصل المؤلف: "الخيال العلمي هو الوحيد الكفيل بإجابة هذه الأسئلة ان تكتب رواية خيالية علمية معناه أن تتحلى بشجاعة وجرأة معينة، لأن ما يتخيله الواحد منا حول شكل المستقبل غالباً ما يأتي المستقبل ليظهر سخافته وضعف مخيلة صاحبه، والعزاء الوحيد للكاتب الذي يصبح مضحكة هو أنه غالباً ما يكون ميتاً غارقاً في واقع البرزخ وما بعد القبر من واقع ألا يكون الواقع هو ما ينتظرنا بعد الموت وتكون الحياة كلها حلماً أو لعبة خيالية تدور أحداثها على أرض خيالية اسمها الأرض مثلا؟!".

نص مثير بجمالية عالية يجمع أشتاتاً من فنون القول

الرواية تأملية فلسفية تنظر في جوهر الأدب والفن والتاريخ
back to top