ما وراء نزعة ترامب إلى الكذب

نشر في 18-08-2020
آخر تحديث 18-08-2020 | 00:00
يتمتع ترامب بنوع من الصدق البدائي، فيكشف عن حقيقة ما يشعر به في اللحظة التي يتكلم فيها ويواجه الآخرين بشكلٍ مباشر ومن دون خجل ولا يقلق بشأن العواقب المستقبلية، وهكذا يصطبغ الكذب بجرأة صارخة!
 لوس أنجلس تايمز قال أبراهام لينكولن يوماً: "لا يتمتع أحد بذاكرة سليمة بما يكفي ليكون كاذباً ناجحاً". كي يصبح الشخص كاذباً بارعاً، يجب أن يحفظ جميع الأكاذيب التي تفوّه بها والجهات التي سمعته كي ينجح في متابعة إخفاء الحقيقة، لكن من الواضح أن لينكولن لم يعرف الرئيس دونالد ترامب أو أي مسؤول آخر مثله، فترامب كاذب ناجح لأنه يرفض أن يتذكر، حتى أنه يرفض تذكّر اللحظة التي يعيشها الآن مستقبلاً.

لا ينسحب ترامب مطلقاً من التصريحات الكاذبة على نحو فاضح: إنها الأكاذيب التي تكون واضحة لدرجة أن تتحدى قوانين الفيزياء والكيمياء والمنطق عموماً، ففي الفترة الأخيرة، تحدى ترامب قواعد علم الأحياء أيضاً في ظل تصاعد الإصابات وحالات الوفاة المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، فزعم أن الفيروس "سيختفي بطريقة ما في مرحلة معينة"، وتعليقاً على الأزمة الاقتصادية التي أخرجت عشرات ملايين الأميركيين من عملهم، أعلن في مارس الماضي: "إنها مرحلة مؤقتة بكل بساطة".

من الناحية النفسية، تعكس تصرفات ترامب على مر حياته مواصفات "الرجل العَرَضي"، مما يعني أن كل يوم بنظره هو "لحظة مؤقّتة من الزمن"، إذ تكشف الأبحاث النفسية أن جميع الراشدين تقريباً يطوّرون قصصاً في عقولهم عن حياتهم الخاصة، ويسمّيها علماء النفس "هويات سردية" وتهدف إلى إعادة بناء الماضي وتخيّل المستقبل لإقناع الناس بأن الحياة لها معنى وتبقى متماسكة مع مرور الوقت.

لكن لا يعيش الرجل العرضي بهذه الطريقة، بل يغوص في لحظات غاضبة وصدامية ويحاول بكل يأس أن يفوز في اللحظة التي يعيشها، وفي حالة ترامب، يبدو وكأنه يستيقظ في كل صباح وهو يغفل عما حدث في اليوم السابق. بعبارة أخرى، هو لا يهتم بما قاله أو فعله البارحة لعيش لحظة انتصار عابرة، وما يفعله اليوم للفوز مجدداً لن يهمّه غداً.

ما الحقيقة إذاً برأي الشخص العرضي؟ إنها العوامل التي تضمن فوزه في الزمن الحاضر، وبما أن ترامب يصارع للمضي قدماً، يبدو أنه لا يتمتع بالرفاهية النفسية اللازمة للتفكير بحجم التطابق بين سلوكياته التكتيكية ومعايير الحقيقة المتعارف عليها، أي تماسك الأفكار مع مرور الوقت أو تطابقها مع الواقع الموضوعي في العالم الخارجي، فكل يوم هو عبارة عن حرب جديدة وكل شيء مباح برأيه.

منذ أربعين سنة تقريباً، عبّر ترامب عن فلسفته في الحياة أمام أحد المذيعين، فقال: "الإنسان هو الأشرس من بين جميع الحيوانات، والحياة سلسلة من المعارك التي تنتهي بالانتصار أو الهزيمة". وقبل أن يتسلم الرئاسة الأميركية، طلب من مستشاريه أن يعتبروا كل يوم رئاسي حلقة من برنامج تلفزيوني حيث يهزم خصومه. لكنّ ذلك البرنامج ليس عبارة عن دراما طويلة تتراكم أحداثها مع مرور الوقت وتصل إلى خاتمة واضحة، بل يكون كل يوم أشبه بحلقة من مسلسل Seinfeld الشهير وينحصر ببداية ونهاية محددة. يجب أن يفوز أحد دوماً (برأي ترامب، لا أحد سواه يفوز)، ثم تبدأ حلقة جديدة في اليوم التالي.

بالنسبة إلى معظم الناس وجميع الرؤساء الآخرين في تاريخ الولايات المتحدة، لن تكون الحياة العَرَضية مستدامة على المدى الطويل، لكن برأي ترامب، لطالما كانت هذه المقاربة استراتيجية رابحة. يقدّر المعجبون به انغماسه الكامل في الزمن الحاضر كونه يستعمل جميع أسلحته لخوض كل معركة يومية. يتمتع ترامب بنوع من الصدق البدائي، فيكشف عن حقيقة ما يشعر به في اللحظة التي يتكلم فيها ويواجه الآخرين بشكلٍ مباشر ومن دون خجل ولا يقلق بشأن العواقب المستقبلية، وهكذا يصطبغ الكذب بجرأة صارخة!

*« دان ماكادامز»

back to top