«المرجع في علم الحوار» يدعو إلى تجنُّب مصادرة حقّ الآخر

نشر في 23-07-2020
آخر تحديث 23-07-2020 | 00:04
غلاف كتاب ابو فرحة
غلاف كتاب ابو فرحة
في عالم معاصر غاب الحوار الإيجابي عنه باختلال أصوله وفساد آدابه، أطلَّ علينا الدكتور جمال الحسيني أبو فرحة بكتابة "المرجع في علم الحوار" مستنداً إلى الآية الكريمة: (وجادلهم بالتي هي أحسن) (النحل125).

والحوار في رأي د. أبوفرحة ليس مجرَّد وسيلة للتعايُش مع الآخر، مع ما يجره من نفع للطرفَين، بل هو أيضاً وسيلة لتحصيل المعرفة والعلم والمعرفة فالعلم لا يُعلَّم بالتلقين ولا بتدوينه في الكُتُب، وإنّما يتكشَّف عن طريق الحوار، وفي أحد أحاديثه قال النبيّ الكريم: "إنّما شِفاء العِيّ أي(الجهل) السؤال"، وقال الشاعر:

سَلِ الفَقيه تكُن فقيهاً مثله

لا خَيرَ في عِلمٍ بغَير سؤال

وقدِ اعتبر الإسلامُ الحوار طبيعة إنسانيَّة لا يُمكن التنكُّر لها، فقال الله تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً)، ومنها أن حملت سورة من سور القرآن الكريم اسم "المجادلة".

أصول الحوار

يقول الكاتب: "إنّ حواراً من غير أصول كسفينة من غير ربّان لن تصل إلى وجهتها أبداً".

والمقصود بأصول الحوار هو كلّ ما يدعو إلى صحته، فإن غاب أصل من أصوله اختل وانهار وهذه الأصول تنبثق عن أركان منها: موضوع الحوار، وأطراف الحوار.

ويعتبر ركن تحديد نقطة الخلاف التي سيدور الحوار حولها مهماً لوضع النزاع بين الطرفين جانباً وعدم الابتداء قبل الانتهاء من الاتفاق على هذا الأمر، ثم الاحتكام إلى المعيار المناسب بالشكل المناسب والدليل المناسب.

في هذا الإطار يستنكر المولى عزَّ وجلّ الحوار من غير معيار فيقول:

(ومن الناس مَن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتابٍ منير) ويؤكّد يشوع بن سيراخ في العهد القديم أهمية احتكام الحوار لمعيار، بقوله: "اجعل لكلامك ميزاناً ومعياراً".

ومن أصول الركن الأول العدل أي عدم الانفراد بالحديث، كي لا يتحوّل الحوار إلى محاضرة من طرف واحد، ويُحرم الطرف الآخر من حقّه في عرض وجهة نظره ويأخذ الاستماع إلى الآخر دوراً مهماً في هذا المجال، وينبغي أن يهدف إلى تفهُّم وتفحُّص وجهة نظر الآخر قبل رفضها أو قبولها.

آداب الحوار

"إنّ حواراً من غير آداب كسفينة من غير شراع"، هذا ما يؤكّده د. أبو فرحة. فالأدب في الحوار هو حسن التناول لأيّ أمر من الأمور، لأن الحجة وحدها ليست كافية دوماً لتقبُّل الإنسان لها ولكي يصل المحاور إلى هدفه عليه أن يظهر المشاعر الإيجابيَّة أثناء إصغائه إلى الآخر، وعدم مقاطعة حديثه ومسابقته لقول ما يقول وتكملة جملته، وإعطاؤه الفرصة أولاً لعرض رأيه.

ومن علامات الآداب التعاطي برفق ولين، وتجنُّب مصادرة حقّ الآخر واحتكار الحقيقة، وإنزال الناس منازلهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فلكلّ مقام مقال، وعلى المحاور أن يعطي جميع محاوريه حقوقهم في الإكرام والاحترام.

ونصل إلى موضوع الإيجاز في الكلام أي التعبير بالكلمة المناسبة بدون تطويل، وهذا ما يُدعى بالبلاغة التي يعرّفها ابن عتبة بأنّها

"القصد إلى عين الحجة بقليل اللّفظ".

أخطاء الحوار

عندما يخلّ طرف من الأطراف بأصول الحوار أو آدابه فإنّه يجنح نحو العديد من الأخطاء، وتنهى الأديان السماوية عن التجاوب مع الأخلاق الذميمة والردّ بالمثل. ويقول تعالى في ذلك: (...ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم).

وعلى المحاور أن يُنبّه محاوره إلى أخطائه في الحوار ويناقشه في خطورة استخدامها، ومن هذه الأخطاء ما يلي:

- ترتيب الأدلة من الأقوى إلى الأضعف بينما ينبغي فعل العكس لأنّ ما يُذكر آخراً هو الذي يثبت في الأذهان. وهذا المنهج يرشدنا إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات ومنها: (وما نريهم من آية إلّا هي أكبر من أختها...).

- النظر إلى صاحب الرأي قبل النظر إلى الرأي. والأُولى هو النظر إلى الرأي، ولا مانع من أخذ الحكمة من أيّ أحدٍ كان، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحقّ بها"، والحكمة لم يختصّ الله بها الكبار دون الصغار، ولا الرجال دون النساء، ولا الصالحين دون غيرهم.

-عدم التثبُّت من صحة الخبر إن على الإدراك الحسّي أو على الادراك العقلي، وذلك إنّ الإنسان لا يحفظ كلّ ما يسمعه ولا كلّ ما يراه ويرسم ابن عباس هذا الأمر بقوله: "يا أيُّها الناس اسمعوا منّي ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عبّاس".

- طلب البيّنة من المدعى عليه، فدائماً ما يعمد المدّعي إلى إثارة شائعات واتهامات دون إثباتات، طالبين من المدّعى عليه بالردّ عليها، فإن لم يفعل زعموا سكوته دليلاً لهم على صدقهم.

- وثمَّة أخطاء عدَّة يذكرها الكاتب ويحلّل مضامينها.

الالتزام بالأصول الصحيحة

إنّ الحوار كما يعرفه د. أبوفرحة لايعرف حدوداً غير الالتزام بالأصول الصحيحة، والتحلّي بالآداب الرفيعة، وهو حقّ إنساني يميّز الإنسان عن غيره من الكائنات، فالإنسان كما عرّفه قدماء الفلاسفة "حيوان ناطق"، فإذا سُلب الإنسان هذا الحقّ أي "حقّ النطق" فقد سُلِب منه أسمى ما يميّزه عن غيره من أنواع الحيوان، وإن كان المقصود بالنطق العقل، فنطق الجنان لا قيمة له بدون نطق اللّسان.

back to top