ماذا بعد «كورونا»؟

نشر في 20-07-2020
آخر تحديث 20-07-2020 | 00:09
 د. سعد جاسم الهاشل
د. سعد جاسم الهاشل
ما أصاب الكويت من جائحة كورونا لم يكن ليخطئها، لأنها أصابت كل رقعة على سطح هذا الكوكب، فلم تدَع يابسة ولا متحركة إلا تركت عليها آثارها الخطيرة، مما دعا الأمم، شرقية كانت أو غربية، إلى التفكير في واقعها وقراءته من جديد. كما دعا الحدث شعوب الأرض، فقيرها وغنيها، إلى التداعي والتكاتف والتعاون والاستجابة لمحاولة النجاة من الخطر.

يقول المفكر الإنكليزي أرنولد توينبي، الذي يعد من أشهر مؤرخي التاريخ في القرن العشرين، إن استجابات البشر للمخاطر محكومة بقانون "التحدي والاستجابة"، ويقصد بذلك أنه منذ بداية الخلق والبشر يعملون ويلتئمون عند مواجهة التحديات بهدف التغلب على المشكلات وقسوة الطبيعة.

والواقع أن ما شهدناه في الكويت من تصرف بعض أفراد المجتمع أثناء الأزمة، وعلى مدى خمسة أشهر، يجسد تماماً ما ورد آنفاً برأي المفكر، بشأن الاستجابة الإيجابية، المتمثلة في حسن التفكير والتدبير والتعاون والتآخي والتضحية من أجل الكويت، وعليه وجب شكرهم جميعاً، أما الذين كانوا في الخط الأول من الخطر فهم من يستحق الشكر والتقدير، كما أدعو الله أن يحفظهم من كل سوء.

ماذا بعد الجائحة

بداية، يجب الإشادة والشكر الجزيل لمبادرة "الجريدة" على طرحها لموضوع استشراف المستقبل، لكونه يعد التحدي الكبير للدولة ولنا جميعاً، هذا من جانب، ومن جانب آخر إنني أرى أن هذا الموضوع أكبر من طاقة أي فرد، وهذا ما دعا جريدة "الجريدة" إلى دعوة أصحاب الرأي والتخصص المختلف لإبداء الرأي.

وأود أن أشير إلى أن كثيراً من الدول اهتمت بالدراسات المستقبلية منذ وقت بعيد، ويحضرني في هذا الصدد كتاب "صدمة المستقبل" للمفكر ألفن توفلر، والصادر عام 1970، وقد أشار الكاتب إلى أهمية استشراف المستقبل، والاستعداد والتخطيط له، ولهذا فإن الاستشراف للغد يتطلب رؤية مبنية على بعد النظر في إجراء الدراسات والبحوث وجمع البيانات، بهدف تشخيص تحديات الواقع والتعرف على متطلبات المستقبل، واقتراح الحلول والبدائل اللازمة له، وعليه أقترح إعادة النظر في المجالات التالية:

أولاً: الإصلاح التعليمي والتربوي

1- التعليم العام

تؤكد كثير من الدراسات الاستراتيجية التعليمية العديدة، التي أجريت بعقول وطنية، علاوة على دراسة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وكذلك دراسة البنك الدولي، التي نشرتها جريدة "القبس"، أن التعليم في خطر، كما أنني أشرت في مقالة نشرت بتاريخ 27 سبتمبر 2011 في جريدة "القبس"، بعنوان "حين تغيب الرؤية التعليمية"، إلى دلالات على ضعف التعليم، مثل دراسة المؤشرات التربوية الصادرة من وزارة التربية، والاختبارات الدولية، مثل اختبار تيمز للعلوم واختبار بيرلز للقراءة، وكذلك اختبارات القدرات للقبول في الجامعة، كلها تؤكد ضعف مستوى أداء مخرجات التعليم العام، كما كشفت الجائحة عن ضعف التعليم الإلكتروني في التعليم العام، على غرار بعض مدارس التعليم الخاص، مثل المدرسة الفرنسية ومدرسة الإبداع والمدرسة الهندية، وغيرها التي استمرت في تقديم واستكمال برامجها التعليمية عن طريق التعليم عن بعد، وفي ضوء هذا الأداء الضعيف فإنه يجب مصارحة أولياء الأمور بما يحيط برأس المال البشري من تحديات مستقبلية، وأنه لا إصلاح دون مشاركتهم الفعلية، ولا إصلاح دون سعي واجتهاد واختبار للقدرات يحدد مستوى الإنجاز، والتأكيد أيضاً على أنه لا إصلاح دون غرس القيم الخلقية، مثل الإحساس بالمسؤولية والانضباط وتحمل الأمانة والولاء للوطن.

2 - التعليم العالي

يعتبر التعليم العالي الملاذ الأول للدول المتطورة في الأزمات، لأنه يضم أصحاب الفكر والإبداع والأساتذة المتميزين في الأداء، علاوة على أن الجامعة تزخر بكوكبة من الشباب المؤهلين والخريجين من جامعات معتمدة، والقادرين على تقديم المعرفة والخبرة التكنولوجية لمختلف مؤسسات الدولة، ولهذا أتساءل: لماذا غاب دور الجامعة في التعليم عن بعد أسوة بالدول المتطورة؟ ألا يعد عامل الزمن مهماً لمستقبل الأجيال؟

لا شك في أنني أستغرب مما يحدث، وبالرغم من ذلك فإنني أقترح على إدارة الجامعة أن توجه إدارة الأبحاث، لأنها تتمتع بنظم وآليات البحث العلمي، ونخبة من الأساتذة الباحثين، إلى ضرورة التواصل والتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة في إجراء الدراسات والتعرف على المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، بهدف إعادة النظر في البرامج الأكاديمية وتجديدها وتنويعها، بما يواكب التطورات السريعة، ويستجيب لمتطلبات المرحلة القادمة، فعلى سبيل المثال أصبح من اللازم إعادة النظر في البرامج الأكاديمية لكلية التربية، وغيرها من الكليات، وفي سياسة القبول في بعض المجالات أيضاً، مثل الدراسات الإسلامية ورياض الأطفال والدراسات الاجتماعية، لكثرة الخريجين والخريجات في هذه التخصصات، بينما يعاني التعليم العام نقصاً في المعلمين والمعلمات في معظم المواد العلمية والتكنولوجية. والواقع أنني أخشى على الخريجين في كليات التربية، والعلوم الاجتماعية، والآداب، والشريعة، ألا يجدوا فرصاً للعمل في المستقبل، لكثرة الخريجين في المجالات المشار إليها.

والواقع أنه في الوقت الذي يفكر المرء في شأن استشراف مستقبل التعليم العام والعالي، أصدرت إدارة الجامعة برنامجاً زمنياً لثلاثة فصول دراسية، تبدأ من 6/8/2020:

الفصل الدراسي الثاني (غير المستكمل) + الفصل الدراسي الاستثنائي (الصيفي) + الفصل الدراسي الأول، كما حدد البرنامج إجازة لأعضاء هيئة التدريس تبدأ من 11/10 إلى 5/12/2020.

لقد استوقفني هذا البرنامج ودعاني إلى التساؤل: لماذا لا يتم تقسيم الفترة إلى فصلين دراسيين فقط؟ ولماذا تحدد إجازة لهيئة التدريس في وسط الفصول الدراسية؟ وهل تحتسب مالياً؟ الواقع أنه في ظل هذه الظروف غير العادية، أقترح إلغاء الفصل الدراسي الاستثنائي حفاظاً على جودة التعليم، وتقسيم الفترة إلى فصلين دراسيين (الفصل الدراسي غير المستكمل + الفصل الدراسي الأول).

• لا إصلاح دون غرس قيم الإحساس بالمسؤولية والانضباط وتحمل الأمانة والولاء للوطن

• نظم «الخدمة المدنية» مستقاة من قواعد وضعت لزمان غير زماننا

• إعادة النظر في البرامج الأكاديمية وتجديدها بما يواكب التطورات السريعة

• فك ارتباط الدرجة الوظيفية بالشهادة الجامعية وربطها بالتخصصات التكنولوجية النادرة وخطة التنمية

• إنشاء «مجلس اقتصادي اجتماعي» لإمداد النواب بالرأي المبني على الدراسات والبحوث

ثانياً: الإصلاح الإداري:

لقد كشفت الأزمة عن أمر في غاية الأهمية، وهو غياب المعايير والالتزام بالأدوات الموضوعية في اختيار القيادات الإدارية المؤهلة وذات الخبرة والمشهود لها بالأمانة والجدية، كما أنه من الملاحظ غياب التنسيق بين أجهزة الدولة، مثل ديوان الخدمة المدنية وهيئة القوى العاملة ومؤسسات التعليم العالي بشأن إعداد القوى البشرية وفقاً للحاجات التنموية، والدليل كثرة المخرجات في المجالات الإنسانية، وندرتها في المجالات العلمية، وعليه أقترح إنشاء شبكة التنسيق بين الجهات المشار إليها والتأكيد على سياسات القبول في مؤسسات التعليم العالي وفقاً لمتطلبات خطة التنمية.

1- ديوان الخدمة المدنية:

تحديث نظم وإجراءات ديوان الخدمة المدنية، والتي هي مستقاة من ديوان الموظفين، وهي قواعد وضعت لزمان غير زماننا، وبالتالي أكل عليها الدهر وشرب، ومثال ذلك ارتباط الدرجة الوظيفية بالشهادة الجامعية، والتي صدرت وفق رؤية صائبة للقيادات في ذلك الحين، للتشجيع على التعليم العالي، لكن بحكم التغيير والتطور الاجتماعي والاقتصادي أصبح من اللازم فك الارتباط وجعله مرتبطاً بالتخصصات العلمية والتكنولوجية النادرة وبخطة التنمية.

2- أدوات العمل في السلطة التشريعية:

انطلاقاً من التغيير الديموغرافي والاقتصادي، واستشرافاً لمتطلبات المستقبل وتحدياته، ورغبة صادقة في تعزيز دور السلطة التشريعية المنوط بها صون الحياة الاجتماعية والسياسية ومدها بعوامل الاستقرار، وإيماناً بأنه ليس منا من يعلم بكل شيء، وإنما الذي يحيط بمواطن الأمور هو من وسع كرسيه السماوات والأرض (سبحانه)، لذا فنحن جميعاً بحاجة إلى الرأي والرأي الآخر، وفقاً لمتطلبات الواقع، ولهذا فإنني أقترح إنشاء ما يسمى "المجلس الاقتصادي والاجتماعي"، على غرار الدول المتطورة، ليكون بمنزلة جهاز استشاري يمد الأعضاء بالرأي المبني على الدراسات والبحوث التخصصية في القضايا المعروضة على المجلس، والتي هي دون شك لا تحتمل الاجتهاد الشخصي المحدود، لأنها متعلقة بمصالح الشعب وتطور المجتمع.

3- معهد الدراسات القضائية:

يعد مرفق القضاء الأساس الأول في بناء الدولة، وبالتالي ينبغي اختيار رجال القضاء وفق آليات دقيقة، وألا يعتد بالشهادات الجامعية فحسب، وعليه أقترح تطوير سياسة القبول وفقاً للآلية التالية وهي: (1) الشهادة الجامعية المعتمدة (2) اختبار تحريري (3) اختبار شفوي، على أن يتولى إعداد ذلك وتطبيقه نخبة من المستشارين، بهدف الالتحاق بمعهد الدراسات القضائية، والمكلف إعداد رجال القضاء لمدة سنتين. والواقع أن هذا المقترح لم يرد من فراغ، وإنما لأهمية المرفق القضائي، وأيضاً لاختلاف أداء مخرجات كليات الحقوق.

اختيار رجال القضاء وفق آليات دقيقة وعدم الاعتماد على الشهادة الجامعية وحدها

إلغاء الفصل الدراسي الاستثنائي حفاظاً على جودة التعليم

إنشاء شبكة للتنسيق بين ديوان الخدمة و«القوى العاملة» و»التعليم العالي» لإعداد القوى البشرية
back to top