محمد عبدالمنعم زهران: الصعيد مليء بروح عجيبة وطقوس مدهشة

فاز بجائزة يوسف إدريس عن مجموعته «سبع عربات مسافرة»

نشر في 13-07-2020
آخر تحديث 13-07-2020 | 00:03
ينتمي القاص محمد عبد المنعم زهران إلى جيل التسعينيات الأدبي في مصر، الذي انتعشت على يديه كتابة القصة القصيرة، بعد مقولات كثيرة تحدثت عن مواتها، ونال زهران أخيراً جائزة «يوسف إدريس للقصة القصيرة» للعام الحالي عن مجموعتهة القصصية «سبع عربات مسافرة».
ويسعى زهران عبر قصصه إلى بلورة رؤية إبداعية بأن العالم الذي نعيشه لا يزال جميلاً، وأن الإنسان في أدق لحظاته، وأكثرها ألماً أوسعادة أوفوضوية، هو كائن جميل وعبقري ويستحق أن يوجد ويتعايش بألفة وصفاء مع ذاته ومع الآخر، وأن الكراهية والظلم أمران يخرجان عن نطاق الإنسانية.
«الجريدة» حاورته عن قصصه وكتاباته، ومسيرته، وجائزة إدريس، ورؤيته الإبداعية، فماذا قال:
• ما منطلقاتك الأولى في كتابة القصة؟

- المنطلقات الأولى تعود للبيئة الصعيدية التي نشأت فيها، فالصعيد مكان يمتلئ بروح عجيبة وجميلة، وطقوس فائقة الادهاش، لكن أجمل ما في الصعيد والأكثر جمالاً من الطقوس هم الناس، التلاحم الغريب بينهم، الطيبة والرقة والخشونة والقوة كلها كلها معاً رغم مظاهر العنف التي يتم تصدير صورتها عن الصعيد، إلا أن الحقيقة أن الصعيد يضم أجمل وأعمق المشاعر الإنسانية على الإطلاق، منه تشكلت لديّ هذه الروح الإنسانية التي تظهر أحياناً كثيرة في قصصي، النقاء والبراءة والرؤى الطفولية الكاشفة للعالم هذا من جانب، ومن جانب آخر رغم كل هذا أعتقد أنه قد مضى الوقت الذي يمكن أن يقال فيه إن الكاتب يعبر عن مكانه أو ثقافته المحلية، لقد تشابهت التأثيرات الثقافية لدرجة عجيبة.

مرحلة مهمة

• حصدت جائزة يوسف إدريس عن مجموعتك القصصية "سبع عربات مسافرة" ماذا تمثل جائزة كهذه بالنسبة لك؟

- بدأت الكتابة والنشر منذ عام 1999، وحصلت في هذه الفترة على كل الجوائز المتاحة تقريباً مصرياً وعربياً، لكنني توقفت فترة تصل لعشر سنوات لأساب عديدة، ثم عدت في عام 2013 للنشر والحضور وجائزة يوسف إدريس الأخيرة تمثل لي منعطفاً جديداً، وبالنسبة لي تنهي مرحلة مهمة جداً كان شعارها "أيها العالم؟ أنا هنا" وفي الواقع أن هذه الجائزة منحتني انتشاراً كنت أحتاجه، خصوصاً أنها تحمل اسم عبقري القصة القصيرة العربية يوسف إدريس، وتمنحها واحدة من أهم المؤسسات الثقافية الرسمية الرفيعة في مصر أي المجلس الأعلى للثقافة.

الكتابة السردية

• أصدرت أكثر من مجموعة قصصية مالذي أغراك لاقتحام هذا الجنس الأدبي تحديداً؟

- الكتابة بصفة عامة مجال مدهش لتقول شيئاً، والقصة بالنسبة إليّ كانت الطريقة التي أحببتها لأقول ما أود لا مجال هنا لأقول أنني كنت في وضع اختيار، وجدت نفسي كاتباً للقصة على وجه الخصوص وبالأساس، وبصورة عامة الكتابة السردية.

• كيف يصنع محمد عبدالمنعم زهران عوالمه السردية؟

- بالتأكيد لكل كاتب عوالم سردية تخصه ويجيد التعامل معها، بالنسبة إليّ أحب أن أكتب في المساحة المشتركة بين الواقعي والمتخيل، وفي الحقيقة هذا سر جمال كل الكتابات السردية التراثية كألف ليلة وليلة وغيرها، الواقع صعب جداً وشديد الوطأة درجة أنني لا أتحمل أن أكتبه، بإمكاني أن أتحايل وأكتبه ولكن بصورة أخرى مغايرة.

مسار الحكاية

• تهتم قصصك بالتفاصيل الصغيرة، كيف تجسد النص من الفكرة إلى الإنجاز لديك؟

- لا أبدأ من فكرة جاهزة، فقط أبدأ من حدث بسيط، وهذا أمر آخر أحبه، أن تبدأ قصصي بحدث لافت بعد ذلك أترك السرد ليحدد مسار الحكاية، بمعنى آخر تتشكل كل تفاصيل القصة أثناء كتابتها وأحياناً أخرى يغمرني إحساس ما أو نظرة شخص أو حدث صغير وعلى الفور أترجمه لحكاية، بالطبع لا أحدد كل تفاصيلها، لكنني أشعر بالرغبة الشديدة في أن أكتب عن هذا تحديداً، فقصة مثل" صورة السيد عبدالقادر" في مجموعة "بجوارك بينما تمطر" قررت أن أكتبها عندما رأيت عجوزاً تُلتقط له صورة، في هذه اللحظة شعرت برغبة غامضة لدى هذا العجوز أن يبقى خالداً ولو في صورة أحببت هذا جداً.

الكتابة الجميلة

• هل تؤمن بأن الكتابة الواقعية تدفع بارتقاء الكاتب وتجعل أعماله مقروءة؟

- أعتقد أن الكتابة الجميلة التي تمس القارئ هي التي تصل في النهاية سواء كانت واقعية أو خيالية أو حتى أسطورية.

سحر المسرح

* حصلت من قبل على جائزة سعاد الصباح عن مسرحية "أشياء الليل" أين المسرح من خريطة إبداعاتك؟

- أحببت الكتابة للمسرح، واشتغلت مسرحياً ومارست كل عناصر اللعبة المسرحية، لذا فالمسرح بالنسبة إليّ هو أولى تجارب نجاحي مع الجمهور والقراء فقد عرضت لي مسرحيات بسيطة في بداياتي وكان يفتنني تعلق الجمهور بالأحداث وسحر المسرح هو أنك ترى كتاباتك حية، وترى ردود الفعل عليها بصورة مباشرة وحية أيضاً. لذا لم أنقطع عن الكتابة للمسرح، فلدي الآن مسرحية جاهزة للنشر بهيئة قصور الثقافة، كما أعد مشروعاً لكتابة نصوص مونودراما.

• القصة والمسرح أيهما سبق الآخر، وماذا أفاد الآخر؟

- رغم أنني كتبت القصة القصيرة قبل المسرح بمدة طويلة فإن أولى مؤلفاتي التي نشرت في كتاب كانت مسرحية "أشياء الليل" التي فازت بجائزة سعاد الصباح، ومنذ هذه اللحظة أمارس لعبة جميلة في التنقل بين القصة والمسرح، في الحقيقة يحزنني أن المسرح لم يعد له وهج الماضي، وبالتأكيد يؤثر هذا على دافعية الكتابة.

حركة نقدية

• علاقاتك مع النقاد إلى أين تتجه؟

- علينا أن نملك الشجاعة أولاَ لنقرر أن المشهد النقدي وللأسف الشديد لم يعد كما كان، لا أود أن أكون متشائماً لدرجة نفي وجود حركة نقدية جادة لكن في الواقع غاب الناقد الذي يبحث عن العمل الجيد ويقدمه، لدرجة أن الأمور وصلت الآن حد أن المبدعين أنفسهم باتوا يقدمون قراءات عن أعمال أحبوها سواء لأصدقائهم أو غيرهم، أنا شخصياً عدد المبدعين الذين كتبوا عن ـعمالي أضعاف النقاد هناك مشكلة الجميع يدرك ذلك.

دار النشر

• منذ "أنا ومجتمعي" المجموعة القصصية للأطفال..أليس هناك جديد لتقدمه لهم؟

- "سلسلة أنا ومجتمعي" هي تجربة أحببت أن أقدمها، ولم أكن واثقاً من نجاحها، لكن دار النشر التي قرأت القصص قررت أن تنشرها بأكملها في سلسلة، مما أثار دهشتي، لديّ طبعاً بعض التجارب الأخرى، لكنني متردد في نشرها وأعترف أنني لست كاتب أطفال، وأنني أكتب فقط حين تلحّ عليّ فكرة جديدة ومدهشة.

ساعات الحظر

• كيف قضيت مرحلة الحظر الذي فرض منذ انتشار وباء كورونا "كوفيد-19"، وهل أنتجت مجموعة قصصية جديدة؟

- فكرت مثل الكثير من الأصدقاء في استغلال ساعات الحظر في القراءة والكتابة، لكنني فشلت، كما فشلوا هم أيضاً، الأمر يبعث على الضحك، وأيضاً التأمل، تنقصنا لحظة السكينة المطلوبة للكتابة، لم يكن هذا متاحاً وقت الحظر، كان القلق هو البطل، لكن رغم ذلك أستعد لكتابة مجموعة جديدة وبالطبع منحتني الجائزة طاقة أكثر.

• مالرسالة التي أردت أن توجهها للقارئ من وراء إبداعاتك؟

- لاتوجد رسالة محددة في الحقيقة، ربما تكون هي ذاتها الرسالة التي أود أن أبعثها لنفسي، بأن العالم ما يزال جميلاً، وأن الإنسان في أدق لحظاته، وأكثرها ألماً أو سعادة أو فوضوية، هو كائن جميل وعبقري ويستحق أن يوجد ويتعايش بألفة وصفاء مع ذاته ومع الآخر، وأن الكراهية والظلم أمران يخرجان عن نطاق الإنسانية ولا يليقان بالعالم لهذا نكتب ربما لهذا فقط.

الكتابة المسرحية أولى تجارب نجاحي مع الجمهور والقراء

لست كاتب أطفال وأكتب حين تلحّ عليّ فكرة جديدة ومدهشة

المشهد النقدي يعاني غياب الناقد المبدع الجريء
back to top