اللقاح الذي نصَّ عليه الدستور

لماذا لم تقدم الحكومات المتعاقبة برنامج العمل مع أن المشرِّع قد نصَّ على أن تقدم الحكومة برنامج عملها فور تشكيلها؟ وهل يعني بالفورية حرفيا أم أن ذلك كناية عن السرعة؟ من المعروف أن المشرع لا يستخدم الكناية في النصوص القانونية، إذ المشرِّع لا يلغو بل يعني ما يقول، وكيف يتم ذلك واقعيا إذاً؟ هذا يعني أن عملية طبخ البرامج في بحر السنوات الأربع مدة المجلس والحكومة على قدم وساق من منظمات المجتمع المدني والناشطين على كل الصعد حسب متطلبات ومستجدات كل مرحلة، والتي تتبلور في شكل أهداف محددة كميا وزمنيا في شكل برنامج عمل حكومي، فتأتي الحكومة الجديدة على خلفية هذا البرنامج، لذلك تقدمه الحكومة فور تشكيلها وإلا يكون النص فور تشكيلها بلاغة وأمراً غامضاً.ويجب تبعاً لذلك اختيار الشعب أعضاءه على هدي هذا البرنامج أيضاً، فنبلغ قمة الرُّشد السياسي وتنتهي معه عشوائية الحياة السياسية وتسرب الفاسدين ونواب الخدمات، كما ستترسَّم مواصفات أعضاء الحكومة ممن لديهم الوعي والاحترافية والاقتدار مما لا محل معه لوزراء الترضيات والمحاصصة. وسيمتد الترشيد لاختيار المسؤولين والإداريين في مختلف الجهات والمؤسسات الحكومية التي ستنفذ برنامج العمل فيتلاشى المسؤولون الفاسدون والعَجَزة الذين يأتون بالواسطة، فالوزير الذي لا يأتي بالكفاءات سيفتضح أمره في ضوء عجزه وتقصيره في الإنجاز ويسقطه البرلمان، بل يسقط الحكومة ككل مع دعم شعبي صلب يراقب على أسس فنية تتبخر معها الغوغائية السياسية.والأهم في هذه الأجواء أن أصحاب وحواة السِّرك الانتخابي الهزلي سيلملمون عدتهم للنصب والاحتيال ويرحلون للأبد.