سورية ممزقة بعد 20 عاماً على رحيل حافظ الأسد

من «ربيع دمشق» القصير في بداية عهد بشار إلى حرب أهلية فظيعة لا تبدو نهايتها وشيكة

نشر في 10-06-2020
آخر تحديث 10-06-2020 | 00:04
مدنيون سوريون يهربون بشاحنة من منطقة إدلب أمس الأول 	(أ ف ب)
مدنيون سوريون يهربون بشاحنة من منطقة إدلب أمس الأول (أ ف ب)
بعد 20 عاماً على رحيل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، تجد سورية نفسها دولة معزولة وممزّقة من حرب أهلية لا تبدو انها قاربت على النهاية، وهي تستعد لجولة جديدة من العقوبات في إطار قانون قيصر الأميركي.
عند وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد، أمل السوريون بتغيير مع تبوؤ نجله الشاب بشار سدّة الرئاسة. لكن بعد عشرين عاماً، يرأس الأسد الابن بلداً معزولاً مزّقته الحرب وأنهكت العقوبات اقتصاده.

وتسلّم بشار «55 عاماً»، طبيب العيون الذي تخصّص في بريطانيا، مقاليد السلطة بعد شهر من وفاة والده في 10 يونيو 2000 وتمّ ذلك بعد تعديل دستوري خفّض سن الترشّح من أربعين إلى 34 عاماً.

وبدا حينها الرئيس الشاب بمظهر الإصلاحي الذي يخطط لتحرير الاقتصاد والانفتاح بخجل على الغرب. لكن هذه الصورة تبدّلت تدريجياً خصوصاً بعد احتجاجات شعبية ضده في منتصف مارس 2011 قمعتها قوات الأمن بالقوة، وما لبثت أن تحولت نزاعاً دامياً تعدّدت أطرافه.

ويقول الباحث في مركز السياسة العالمية فيصل عيتاني، إنه حين تبوأ الابن السلطة «ساد الكثير من القلق، فسورية لم تكن قد شهدت قط انتقالاً سلمياً للسلطة منذ عقود، لكن ذلك سرعان ما تبدّد مع تسلّمه الحكم وعكسه هالة الحداثة والشباب والانفتاح».

وشهدت سورية بين سبتمبر 2000 وفبراير 2001 فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. ودعا نحو مئة من المثقّفين والفنانين السلطات إلى «العفو» عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ 1963.

لكن توقيف عشرة معارضين صيف عام 2001 وضع حداً لـ»ربيع دمشق» القصير الأمد الذي جاء بعد أربعين سنة من حكم الأسد الأب بيد من حديد.

وارتبط اسم الرئيس الراحل بالقمع الدموي لانتفاضة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982، ما تسبب بمقتل عدد تتراوح التقديرات بشأنه بين عشرة آلاف وأربعين ألفاً.

ويوضح الخبير في الشأن السوري في جامعة جورجتاون دانيال نيب، أنه «في بلد لم يشهد انفتاحاً سياسياً أو اقتصادياً مهماً (...)، بدا وكأن وصول بشار إلى الرئاسة يعد بإصلاح طال انتظاره».

ويضيف «اختلف بشار تماماً عن الشخصيات الأخرى في النظام، فقد كان شاباً وتلقى تعليمه في الخارج».

وكان الأسد الأب يعدّ ابنه البكر باسل لخلافته، لكن وفاته في حادث سيارة عام 1994 غيّر المعادلة.

لم يدم التفاؤل طويلاً، و»سرعان ما ماتت فكرة بشار الليبرالي» وفق عيتاني، بينما «كانت خيبة الأمل الكبيرة على المستوى الاقتصادي» بعدما «تبيّن أنّ اقتصاد السوق الاجتماعي الذي مارسه هو عبارة عن صيغة للفساد الجشع وسط الدائرة القريبة منه».

وتسبّب ذلك «بتعميق التفاوت الاقتصادي، ووقع كثيرون من الطبقة المتوسطة وسكان المناطق الريفية في فقر مدقع».

وباءت محاولات الأسد الذي استقبله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2008 وشكلت زوجته أسماء محط أنظار الإعلام الغربي الذي أسهب في وصف أناقتها وثقافتها، لجعل سورية أكثر قرباً من الغرب، بالفشل.

بعد قمعه للتظاهرات السلمية التي تحوّلت نزاعاً دامياً تسبّب بمقتل أكثر من 380 ألف شخص منذ عام 2011 وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سورية وخارجها، طالبت دول غربية وعربية برحيل الأسد عن السلطة ودعمت معارضيه. لكنها تخلّت لاحقاً عن هذا المطلب بعدما ركزت جهودها على التصدي للتنظيمات الجهادية.

وتلاحق نظام الأسد عقوبات قاسية أنهكت اقتصاده، وسيدخل آخرها ويُعرف باسم قانون قيصر حيز التنفيذ الأسبوع المقبل، وقد أقره الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويعيش اليوم الجزء الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وتشهد الليرة السورية انهياراً غير مسبوق ومتواصلاً أمام الدولار يؤدي الى تآكل القدرة الشرائية للسوريين الذين خرج العشرات منهم في مدينة السويداء (جنوب) في اليومين الأخيرين إلى الشارع تعبيراً عن غضبهم مطلقين شعارات مناوئة للأسد.

في موازاة ذلك، لا تزال مناطق عدة في شمال شرق سورية وشمال غربها خارجة عن سيطرة القوات الحكومية.

وبعد أكثر من تسع سنوات من الحرب، تمكّن الأسد من الاحتفاظ بالسلطة وتسيطر قواته على أكثر من سبعين في المئة من مساحة البلاد بفضل دعم رئيسي من حليفين أساسيين هما إيران وروسيا، لكن بلاده تحوّلت ساحة للتنافس بين قوى دولية.

ويقول عيتاني «ترأس حافظ الأسد دولة مستقرة سياسياً وآمنة جداً، حتى لو كانت «فقيرة أيضاً»، وشكّلت دمشق في عهده لاعباً استراتيجياً على المستوى الإقليمي، سهّلت انخراط حزب الله بمواجهة اسرائيل ومارست وصاية عسكرية وسياسية أقرب إلى الاحتلال في لبنان على مدى سنوات طويلة.

ويعتبر أنّ الأسد الأب «أبقى دائماً على سورية مستقلة عن التدخل الأجنبي»، فيما «أصبح بشار مديناً للنفوذ الخارجي من أجل الحفاظ على نظامه سليماً».

وفيما يُتوقّع أن تغرق سورية في مزيد من الفقر في المرحلة المقبلة، كشف الصراع الأخير بين رجل الأعمال البارز رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، والسلطات التي تطالبه بتسديد مبالغ مالية وحجزت على أمواله تصدّعاً جديداً في دائرة الأسد الاقتصادية. لكنّ ذلك لن يغير من موقع الأسد.

ويقول عيتاني: «يشبه بشار حافظ في مثابرته وقدرته على إبقاء قلب النظام سليماً، لكنه ليس كفوءاً ولا محظوظاً كما كان والده».

back to top