الولايات المتحدة تدمّر نفسها بسبب نظامها السياسي الفاشل

نشر في 08-06-2020
آخر تحديث 08-06-2020 | 00:00
 سيدني مورنينغ هيرالد يعتبر النظام الاستبدادي الصيني نفسه متفوقاً على الديمقراطية الأميركية منذ أكثر من عشر سنوات، فقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى تدمير الاقتصاد الأميركي، في حين خرجت منها الصين من دون أن تتأذى، تُروّج الحملات الدعائية الصينية لهذه الفكرة دوماً، فقد كتبت صحيفة «بيبولز ديلي» في 2009: «حقّق «النموذج الصيني» المعجزات، ففتح طريقاً استثنائياً للتنمية وقضى على فكرة تفوّق «النموذج الأميركي» الذي أصبح في طريقه إلى الزوال».

في الفترة نفسها تقريباً أعلنت المنظمة الأميركية المرموقة «فريدم هاوس» حصول «ركود ديمقراطي»، وفي أحدث نشرة سنوية لها في مارس الماضي، استنتجت أن ركود الديمقراطية عالمياً دخل عامه الرابع عشر على التوالي.

تضاعفت أعداد البلدان التي سجّلت تراجعاً في الحريات، وتُعتبر الولايات المتحدة من الدول التي تشهد انحساراً للديمقراطية، فقد تراجعت الحريات في الولايات المتحدة بثماني نقاط في السنوات العشر الأخيرة، حيث تحاول الشرطة الأميركية اليوم ردع المحتجين في العاصمة واشنطن بعد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على يد الشرطة في «مينيابوليس».

اليوم، لا يحتاج الحزب الشيوعي الصيني إلى فعل الكثير لإثبات موقفه ضد الولايات المتحدة، بل يكفي ألا تحرك بكين ساكناً وتسمح للأخبار الأميركية اليومية بسرد الحقائق: توفي أكثر من 100 ألف أميركي بسبب فيروس كورونا، وخسر حوالي 40 مليون أميركي عملهم في الشهرَين الأخيرَين، وتحوّلت أعمال الشغب العرقية إلى فوضى عارمة في المدن الأميركية الكبرى، وفي الوقت نفسه يثير الرئيس الأميركي انقسامات متزايدة.

لا تتعلق مشاكل الولايات المتحدة في جوهرها بالديمقراطية الليبرالية، بل هي عبارة عن إخفاقات أميركية كبرى، وقبل التركيز على أي مشكلة فردية، يظهر الخلل الفعلي في النظام السياسي الذي يُفترض أن يحل المشاكل، وحين يفشل النظام السياسي في أي بلد، تفشل أيضاً آلية حل المشاكل فيه، وتواجه الولايات المتحدة اليوم وضعاً سيئاً جداً لأن أكبر مشاكلها لا تزال عالقة ولا تكفّ عن التراكم، وكان يُفترض أن تكون أعمال الشغب العرقية المريعة خلال الستينيات سبباً لإقرار إصلاحات جوهرية، لكنها تحوّلت إلى محرك للغضب العرقي المرتقب.

على صعيد آخر، كان يُفترض أن تتغير طريقة معالجة المشاكل الكامنة (اللامساواة العميقة والرعاية الصحية الشائبة) حين تبيّن أن الولايات المتحدة هي الدولة الغنية الوحيدة التي تسجّل تراجعاً في متوسط العمر المتوقع، لكن على أرض الواقع، يتابع النظام السياسي إقرار التخفيضات الضريبية للأثرياء مقابل ترسيخ ظروف العمل الاستغلالية والرعاية الاجتماعية البالية للفقراء، وفي ما يخص الرعاية الصحية، تبقى الولايات المتحدة الدولة الثرية الوحيدة التي تفتقر إلى نظام صحي شامل، رغم جهود باراك أوباما في هذا المجال.

تعجز الولايات المتحدة أيضاً عن حل مشكلة اقتناء الأسلحة، في حين تعتبر بقية البلدان المتقدمة حرية الوصول إلى الأسلحة مشكلة كبرى، تبدو الولايات المتحدة مقتنعة بأن حل جرائم القتل المتزايدة يقضي بزيادة انتشار الأسلحة! ويبدو أن التعديل الثاني من الدستور الأميركي الذي يعطي المواطنين الحق بالاحتفاظ بالأسلحة لن يخضع للتعديل مطلقاً.

كانت الصين منشأ وباء كورونا المستجد، وهي السبب إذاً في الانكماش العالمي، لكنّ الركود العظيم بين 2008 و2009 اشتق من المجازفات العشوائية في «وول ستريت»، مما يعكس فشلاً كبيراً في التنظيم والإشراف الاحترازي.

وهكذا تراكمت المشاكل الشائكة: عنصرية، لا مساواة، حرمان، أنظمة رعاية صحية بدائية، نمو اقتصادي مضطرب، ولن يكون نشر الأسلحة مفيداً في أي مجال، إذ تثبت كل واحدة من هذه المشاكل فشل السياسة الأميركية، وينجم هذا الفشل فعلياً عن المبالغة في تسييس الأمور.

لطالما حملت الكفاءة الأميركية مفارقة كبرى: كيف ينتج بلد بهذه الخبرات الفائقة في مجالات متنوعة هذا الكم من النتائج الوطنية المُحبِطة؟

كان دونالد ترامب أحد المستفيدين من الاستياء والإحباط في أنحاء الولايات المتحدة، فقد خسر جزء كبير من الأميركيين الغاضبين أملهم في قدرة النظام السياسي التقليدي على حل مشاكلهم، فدفعهم إحباطهم إلى انتخاب شخصية ديماغوجية مشهورة.

كان ترامب بديلاً لا حلاً، فالشعبوية أسلوب سياسي يطرح حلولاً بسيطة وعقيمة لمشاكل معقدة، بعبارة أخرى ستبقى المشاكل قائمة، لكنّ الرئيس الحالي يؤجج مشاعر الاستياء ويشعل نيران الغضب على أمل أن يستغل هذا الوضع المتفجر لضمان إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

هذه التطورات كلها تسمح لنظام شي جي بينغ القمعي بالتفرج على الوضع بكل شماتة، فقد وصف رونالد ريغان الولايات المتحدة يوماً بـ»المدينة المشرقة فوق تلة»، لكننا لا نرى منها اليوم إلا انعكاس النيران على الغيوم!

* «بيتر هارتشر

back to top