الملك يندم لقتل وزرائه وأرباب حكمه (23 - 30)

ابن شماس ينقذ وردخان من براثن ملك الهند

نشر في 20-05-2020
آخر تحديث 20-05-2020 | 00:00
الملك يندم لقتل وزرائه وأرباب حكمه
الملك يندم لقتل وزرائه وأرباب حكمه
بعد وقوع الملك وردخان فى مصيدة النساء، وإقدامه على قتل وزرائه وأرباب حكمه، وبعد أن أصبح فريسة سهلة لملك الهند كما حدثتنا شهرزاد في الحلقة السابقة، تسرد في هذه الحلقة حكاية إنقاذ ابن شماس له، وإعادة تقوية المملكة، حيث لام الملك نفسه، وقال لنسائه: أنا الذي أطعتكن بجهلي وقتلت وزرائي.
ولما كانت الليلة الـ 97 بعد الـ 500، قالت شهرزاد بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك وردخان قام ودخل مرقده بعد أن نعى الوزراء والحكماء، قائلاً: يا ليت هؤلاء الأسود عندي في هذا الوقت ولو ساعةً واحدةً حتى أعتذر إليهم وأنظر إليهم وأشكو إليهم أمري، وما حلّ بي بعدهم، ولم يزل غريقاً في بحر الهمّ طول نهاره لا يأكل ولا يشرب، فلما جن عليه الليل وغير لباسه ولبس ثياباً رديئةً وتنكر وخرج يسبح في المدينة لعله يسمع من أحدٍ كلمة يرتاح بها. فبينما هو يطوف الشوارع، وإذا هو بغلامين مختليين بأنفسهما جالسين بجانب حائط وهما مستويان في السن، عمر كل منهما اثنتا عشرة سنةً، فسمعهما يتحدثان، فدنا منهما الملك بحيث يسمع كلامهما ويفهمه، فسمع واحداً منهما يقول للآخر: اسمع ما حكاه لي والدي ليلة أمس من أجل ما وقع له في زرعه ويبسه قبل أوانه بسبب عدم المطر وكثرة البلاء الحاصل في هذه المدينة. فقال له الآخر: أتعرف ما سبب هذا البلاء؟ قال: لا فإن كنت تعرفه أنت فاذكره لي، فأجابه قائلاً: نعم أعرفه وأخبرك به.

اعلم أن بعض أصحاب والدي قال لي: إن ملكنا قتل وزراءه وعظماء دولته من غير ذنبٍ جنوه، بل من أجل حبه للنساء وميله إليهن، وأن الوزراء نهوه عن ذلك فلم ينته، وأمر بقتلهم طاعةً لنسائه حتى أنه قتل شماساً وزيره ووزير والده من قبله، وكان صاحب مشورته، ولكن ماذا سيحل بالملك بسبب قتله الوزراء والحكماء بدون ذنب؟

اقرأ أيضا

تهديد

قال له: اعلم أن ملك الهند الأقصى قد استخف بملكنا، وبعث إليه بكتاب يوبخه فيه، ويقول له: ابنِ لي قصراً في وسط البحر، وإن لم تفعل ذلك فأنا أرسل إليك اثني عشر كردوساً كل كردوس فيه اثنا عشر ألف مقاتلٍ، واجعل قائد هذه العساكر بديعاً وزيري فيأخذ ملكك ويقتل رجالك، ويسبيك مع حريمك، فلما جاء رسول ملك الهند الأقصى بهذا الكتاب أمهله ثلاثة أيامٍ، واعلم يا أخي أن ذلك الملك الجبار عنيدٌ ذو قوة وبأس شديد، وفي مملكته خلق كثيرٌ، وإن لم يحتل ملكنا فيما يمنعه وقع في الهلكة، وبعد هلاك ملكنا يأخذ هذا الملك أرزاقنا ويقتل رجالنا ويسبي حريمنا.

فلما سمع الملك منهما هذا الكلام زاد اضطراباً ومال إليهما، وقال في نفسه، إن هذا الكلام لحكيمٌ، لأنه أخبر عن شيء لم يبلغه مني، فالكتاب الذي جاء من ملك أقصى الهند عندي والسر معي ولم يطلع أحدٌ على هذا الخبر غيري، فكيف علم هذا الغلام به؟ ولكن أنا ألتجئ إليه، وأكلمه، وأسأل الله أن يكون خلاصنا على يديه.

ثم دنا الملك من الغلام بلطفٍ، وقال له: أيها الولد الحبيب ما هذا الذي ذكرته من أجل ملكنا، فإنه قد أساء كل الإساءة في قتل وزرائه وكبراء دولته، لكنه في الحقيقة قد أساء لنفسه ورعيته، أنت صدقت فيما قلته، ولكن عرفني أيها الولد من أين عرفت أن ملك الهند الأقصى كتب إلى ملكنا كتاباً ووبخه فيه، وقال له هذا الكلام الصعب الذي قلته؟ قال له هذا الغلام: قد علمت هذا من قول القدماء أنه ليس يخفى على الله خافيةٌ، والخلق من بني آدم فيهم روحانية تظهر لهم الأسرار الخفية.

فقال الملك له: صدقت يا ولدي، ولكن هل لملكنا حيلةٌ وتدبيرٌ يدفع به عن نفسه وعن مملكته البلاء العظيم؟ فأجاب الغلام قائلاً: نعم إذ أرسل إلي وسألني ماذا يصنع ليدفع به عدوه وينجو منه، أخبرته بما فيه نجاته، قوة الله تعالى، قال له الملك: ومن يعلم الملك بذلك حتى يرسل إليك ويدعوك؟ فأجاب الغلام قائلاً: إني سمعت عنه أنه يفتش على أهل الخبرة والرأي الرشيد وإذا أرسل إلي سرت معهم إليه، وعرفته ما فيه صلاحه ودفع البلاء عنه، وإن أهمل هذا الأمر العسير وأردت أن أعلمه بما فيه حياته وتوجهت إليه من تلقاء نفسي فإنه يأمر بقتلي مثل أولئك الوزراء، وتكون معرفتي به سبباً لهلاكي، ويستقل الناس بي، ويستنقصون عقلي، وأكون من مضمون قول من قال: من كان علمه أكثر من عقله هلك.

فلما سمع الملك كلام الغلام تحقق حكمته وتبين فضيلته وأن النجاة ستحصل له ولرعيته على يديه، فعند ذلك أعاد الملك الكلام على الغلام، وقال له: من أين أنت؟ وأين بيتك؟ فقال له الغلام: إن هذا الحائط توصل إلى بيتنا، فتعهد الملك ذلك المكان ثم ودع الغلام ورجع إلى مملكته مسروراً، فلما استقر في بيته لبس ودعا بالطعام والشراب ومنع عنه النساء وأكل وشرب وشكر الله تعالى، وطلب منه النجاة والمعونة والمغفرة والعفو عما فعل بعلماء دولته ورؤسائهم، ثم تاب إلى الله توبةً خالصةً، وافترض على نفسه الصوم والصلاة الكثيرة.

ودعا الملك أحد غلمانه الخواص، ووصف له مكان الغلام، وأمره أن ينطلق إليه ويحضره بين يديه برفقٍ، فمضى ذلك العبد إلى الغلام، وقال له: الملك يدعوك لخيرٍ يصل إليك من قبله، ويسألك سؤالاً ثم تعود في خير إلى منزلك، فقال الغلام: وما حاجة الملك التي دعاني من أجلها؟ قال له الغلام: إن حاجة مولاي التي دعاك من أجلها هي سؤال وجواب، فقال له الغلام: ألف سمعٍ وألف طاعةٍ لأمر الملك، ثم سار معه حتى وصل إليه، وبعد أن سلم عليه رد الملك عليه السلام، وأمره بالجلوس فجلس. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

اعتذار وردخان

وفي الليلة الثامنة والتسعين بعد الخمسمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام لما جاء إلى الملك وسلم عليه أمره بالجلوس فجلس، فقال له: هل تعرف من تكلم معك أمس؟ قال الغلام: نعم، قال له: فأين هو؟ فأجابه بقوله: هو الذي يكلمني في هذا الوقت، فقال له الملك: لقد صدقت أيها الحبيب، ثم أمر الملك بوضع كرسي بجانب كرسيه وأجلسه، وأمر بإحضار أكل وشرب ثم امتزجا في الحديث إلى أن قال للغلام: إنك أيها الوزير حدثتني أمس حديثاً وذكرت فيه أن معك حيلة تدفع بها عنا كيد ملك الهند، فما هي الحيلة؟ وكيف التدبير في دفع شره؟ فأخبرني لكي أجعلك أول من يتكلم معي في الملك، وأصطفيك وزيرا لي، وأكون تابعاً لرأيك في كل ما أشرت به علي، وأعطيكك جائزةً سنيةً.

قال الغلام له: جائزتك لك أيها الملك، والملك والمشورة والتدبير عند نسائك اللاتي أشرن عليك بقتل والدي شماس مع بقية الوزراء، فلما سمع الملك منه ذلك خجل وتنهد، وقال أيها الولد الحبيب، وهل شماس والدك كما ذكرت؟ فأجابه الغلام قائلاً: إن شماساً والدي حقا، وأنا ولده صدقاً، فعند ذلك خشع الملك ودمعت عيناه، واستغفر الله، وقال: أيها الغلام إني فعلت ذلك بجهلي وسوء تدبير النساء وكيدهن، أسألك أن تكون متسامحاً، وإني جاعلك في موضع أبيك وأعلى مقاماً من مقامه، وإذا زالت هذه النقمة النازلة بنا طوقتك بطوق الذهب، وأركبتك أعز مركوب، وأمرت المنادي أن ينادي قدامك، قائلاً: هذا الولد العزيز صاحب الكرسي الثاني بعد الملك، وأما ما ذكرت من أمر النساء فإني أضمرت الانتقام منهن في الوقت الذي يريده الله تعالى، فأخبرني بما عندك من التدبير ليطمئن قلبي.

فأجابه الغلام قائلاً: أعطني عهداً أنك لا تخالف رأيي فيما أذكر لك، وأني أكون مما أخشاه في أمان. فقال له الملك: هذا عهد الله بين وبينك أني لا أخرج عن كلامك، وأنك عندي صاحب المشورة، ومهما أمرتني به فعلته، والشاهد بيني وبينك على ما أقوله هو الله تعالى، فعند ذلك انشرح صدر الغلام واتسع عنده مجال الكلام.

حيلة الغلام

فقال الغلام: أيها الملك إن التدبير والحيلة عندي أنك تنظر الوقت الذي يحضر لك فيه الساعي بعد المهلة التي أمهلته إياها، فإذا حضر بين يديك وطلب الجواب فادفعه عنك وأمهله إلى يومٍ آخر، فعند ذلك يعتذر إليك أن ملكه حدد له أياماً معلومةً فيراجعك في كلامك فاطرحه وأمهله إلى يوم آخر، ولا تعين له ذلك اليوم فيخرج من عندك غضبان ويتوجه إلى وسط المدينة، ويتكلم جهراً بين الناس، ويقول: يا أهل المدينة إني ساعي ملك الهند الأقصى وهو صاحب بأسٍ شديدٍ وعزمٍ يلين له الحديد، قد أرسلني بكتابٍ إلى ملك هذه المدينة وحدد لي أياما، وقال لي إن لم تحضر عقب الأيام التي حددتها لك حلّت بك نقمتي، وها أنا جئت إلى ملك هذه المدينة وأعطيته الكتاب، فلما قرأه أمهلني أياما، ثم لم يعطني ذلك الكتاب فأجتبه إلى ذلك لطفاً به ورعاية لخاطره، وقد مضت الأيام الثلاثة، وأتيت أطلب منه الجواب، فأمهلني إلى يومٍ آخر، وأنا ليس عندي صبر، فها أنا منطلقٌ إلى سيدي ملك الهند الأقصى وأخبره بما وقع لي، وأنتم أيها القوم شاهدون بيني وبينه، فعند ذلك يبلغك كلامه، فأحضره بين يديك وكلمه بلطفٍ، وقل له: أيها الساعي لإتلاف نفسه أي حملك على ملامتنا بين رعيتنا لقد استحققت منا التلف عاجلاً، ولكن قالت القدماء: العفو من شيم الكرام، واعلم أن تأخير الجواب عنك ليس عجزاً منا، بل هو لزيادة أشغالنا، وقلة تفرغنا لكتابة جواب ملككم ثم اطلب الكتاب واقرأه ثانياً.

وبعد أن تفرغ من قراءته أكثر من الضحك، وقل له: هل معك كتاب غير هذا الكتاب فنكتب جواباً له أيضاً، فيقول لك: معي كتاب غير هذا الكتاب فأعد عليه بالقول ثانياً، فيقول لك: ليس معي غيره أصلاً، فقل له: إن ملككم هذا معدوم العقل، حيث ذكر في هذا الكتاب كلاماً يريد به تقويم نفوسنا لأجل أن نتوجه بعسكرنا إليه فنغزو بلاده، ونأخذ مملكته، ولكن لا تؤاخذه في هذه المرة على إساءة أدبه بهذا الكتاب، لأنه قاصر العقل ضعيف الحزم، فالمناسب لمقدرتنا أننا ننذره ولا نحذره من أن يعود لمثل هذه الهذيانات فإنه خاطر بنفسه وعاد إلى مثلها استحق البلاء عاجلاً وآمن أن الذي أرسلك جاهلاً أحمق غير مفكر في العواقب، وليس له وزير عاقل سديد الرأي يستشيره، ولو كان عاقلاً لاستشار وزيراً قبل أن يرسل إلينا مثل هذا الكلام، ولكن له عندي جواب مثل كتابه، وأزيد وأنا أدفع كتابه لبعض صبيان ليجيبوه، ثم أرسل إلي، واطلبني فإذا حضرت بين يديك فأذن لي بقراءة الكتاب ورد جوابه.

فعند ذلك انشرح صدر الملك واستحسن رأي الغلام، وأعجبته حيلته فأنعم عليه وخوله رتبة والده وصرفه مسروراً فلما انقضت الأيام الثلاثة التي جعلها مهلةً للساعي جاء الساعي، ودخل على الملك وطلب الجواب، فأمهله الملك إلى يوم آخر، فخرج البساط وتكلم بكلامٍ غير لائق مثل ما قال الغلام، ثم خرج إلى السوق، وقال: يا أهل هذه المدينة إني رسول ملك الهند الأقصى إلى ملككم جئته برسالةٍ، وهو يماطلني في جوابها، وقد انقضت المدة التي حددها لي ملكنا، ولم يبق لملككم عذرٌ فأنتم تكونون الشهداء على ذلك.

فلما بلغ الملك هذا الكلام أرسل إلى ذلك الساعي وأحضره بين يديه، وقال له: أيها الساعي في إتلاف نفسه، ألست ناقلاً كتاباً من ملك إلى ملك بينهما أسرار، فكيف تخرج بين الناس وتظهر أسرار الملوك على العامة، فقد استحققت منا القصاص، وهذا الملك الأحمق، الأنسب ألا يرد له جواباً عنا إلا أقل صبيان المكتب ودعا لحضور ذلك الغلام، فحضر، ولما دخل على الملك والساعي حضر سجد لله ودعا للملك بدوام العز والبقاء، فعند ذلك رمى الملك الكتاب للغلام وقال له: اقرأ هذا الكتاب واكتب جوابه بسرعة، فأخذ الغلام الكتاب، وقرأه وتبسم، وقال للملك: هل أرسلت خلفي لأجل جواب هذا الكتاب؟ فقال له: نعم، فأجاب بمزيد السمع والطاعة وأخرج الدواة والقرطاس، وكتب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

رسالة وعيد

وفي الليلة التاسعة والتسعين بعد الخمسمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام لما أخذ الكتاب وقرأه أخرج في الوقت دواةً وقرطاساً، وكتب أني أعلمك أيها المدعو ملكاً كبيراً اسماً لا رسماً، أنه قد وصل إلينا كتابك، وقرأناه وفهمنا ما فيه من الخرافات وغريب الهذيانات فتحققنا جهلك وبغيك علينا، وقد مددت يديك إلى ما لا تقدر عليه، ولولا أن الرأفة أخذتنا على خلق الله والرعية لما تأخرنا عنك، وأما رسولك فإنه خرج إلى السوق ونشر أخبار كتابك على الخاص والعام، فيستحق منا القصاص، ولكن أبقيناه رحمةً منا به، لأنه معذور معك، ولم نترك قصاصه وقاراً لك.

فأما ما ذكرته في كتابك من قتلي لوزرائي أو علمائي وكبار مملكتي ذلك حق، ولكن لسبب قام عندي، وما قتلت من العلماء واحداً إلا وعندي من جنسه ألف أعلم منه، وأفهم وأعقل وليس عندي طفلٌ إلا وهو ممتلئ من العلوم، وعندي عوضاً من كل واحدٍ من المقتولين من فضلاء نوعه ما لا أقدر أن أحصيه، وكل واحد من عسكري يقاوم كردوساً من عسكرك، أما من جهة المال فإن عندي معامل الذهب والفضة، وأما المعادن فإنها عندي كقطع الحجارة، وأما أهل مملكتي فإني لا أقدر أن أصف لك حسنهم وجمالهم وغناهم، فكيف تجاسرت علينا وقلت لنا: ابن قصراً في وسط البحر، فإن هذا أمرٌ عجيبٌ، ولعله ناشئ عن سخافة عقلك، لأنه لو كان لك عقلٌ لكنت فحصت عن دفعات الأمواج وحركات الرياح، وأنا أبني لك القصر، وأما زعمك أنك تظفرني فحاشا لله من ذلك، كيف يبغي علينا مثلك ويظفر بملكنا، بل إن الله تعالى ينصرني لأنك معتد باغ علي بغير حقٍ، فاعلم أن أمك استوجبت العذاب من الله ومني، ولكن أنا أخاف الله فيك في رعيتك ولا أركب إليك إلا بعد النذارة، فإن كنت تخشى الله فعجل لي بإرسال خراج هذه السنة، وإلا لا أرجع عن الركوب إليك ومعي ألف ومئة ألف مقاتل، كلهم جبابرة بأفيال، فسردهم حول وزيرنا وآمره أن يقيم على محاصرتك ثلاث سنوات نظير الأيام الثلاثة التي أمهلتها لقاصدك وأتملك مملكتك بحيث لا أقتل منها أحداً غير نفسك ولا أسبي منها غير حريمك.

ثم صور الغلام في المكتوب صورته وكتب بجانبها: إن هذا الجواب كتبه أصغر أولاد الكتاب، ثم سلمه إلى الملك، فأعطاه الملك للساعي، فأخذه الساعي وقبل يدي الملك، ومضى من عنده شاكرا الله تعالى وللملك على حلمه، وانطلق وهو يتعجب مما رأى من حذق الغلام، فلما وصل إلى ملكه، وكان دخوله عليه في اليوم الثالث بعد الأيام الثلاثة المحدودة له.

اعتذار ملك الهند

عندما جاء الساعي كان الملك ناصب الديوان بسبب تأخير الساعي عن المدة المحددة له، فلما دخل عليه سجد بين يديه، ثم أعطاه الكتاب، فأخذه الملك وسأل الساعي عن سبب إبطائه وعن أحوال الملك وردخان فقص عليه القصة، وحكى له جميع ما نظره بعينيه وسمعه بأذنيه فاندهش عقل الملك، وقال للساعي: ويحك ما هذه الأخبار التي تخبرني بها عن مثل هذا الملك؟

فأجابه الساعي قائلاً: أيها الملك العزيز ها أنا بين يديك فافتح الكتاب واقرأه يظهر لك الصدق من الكذب، فعند ذلك فتح الملك الكتاب وقرأه ونظر فيه صورة الغلام الذي كتبه فأيقن زوال ملكه، وتحير فيما يكون من أمره، ثم التفت إلى وزرائه وعلمائه وأرباب دولته وأخبرهم بما جرى، وقرأ عليهم الكتاب فارتاعوا لذلك وارتعبوا رعباً عظيماً وصاروا يسكنون من روع الملك بكلام من ظاهر اللسان وقلوبهم تتمزق من الخفقان.

وقال بديع الوزير الكبير: اعلم أيها الملك ان الذي يقوله اخوتي من الوزراء لا فائدة فيه، والرأي عندي أنك تكتب لهذا الملك كتاباً وتعتذر إليه فيه، وتقول له أنا محبٌ لك ولوالدك من قبلك، وما أرسلنا إليك الساعي بهذا الكتاب إلا على طريق الامتحان لك لننظر عزائمك وما عندك من الشجاعة والأمور العملية والعلمية والرموز الخفية، وما أنت منطوٍ عليه من الكمالات الكلية، ونسأل الله تعالى أن يبارك لك في مملكتك ويشيد حصون مدينتك ويزيد في سلطانك حيث كنت حافظاً لنفسك فتتم أمور رعيتك وأرسله مع ساعٍ آخر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى اللقاء في حلقة الغد

الملك يتنكر بملابس رثة ويتجول في المدينة بحثاً عن رأي سديد

انشرح صدر وردخان واستحسن رأي ابن شماس وأعجبته حيلته

الملك يخبر ملك الهند أنه ما قتل من العلماء واحداً إلا وعنده من جنسه ألف أعلم منه

وردخان يقول للملك الهندي إنه سيجهز أكثر من 100 ألف مقاتل لمهاجمته

ملك الهند يتراجع عن تهديده ويعتذر عما بدر منه
back to top