وردة المتنمرة تقتل زوجها في «العش الهادئ»

أنقذها من الموت لتحوِّل حياته إلى جحيم

نشر في 10-05-2020
آخر تحديث 10-05-2020 | 00:01
وردة المتنمرة تقتل زوجها في «العش الهادئ»
وردة المتنمرة تقتل زوجها في «العش الهادئ»
في صباح أحد الأيام، دوت صرخات مفزعة، وفتح الجيران النوافذ، يستطلعون الأمر، ودارت الهمهمات حول مصدر الصوت، حتى رأوا طفلاً يطل من شرفة، طالباً النجدة، وعلى الفور تسارعت الأقدام للصعود إلى الطابق الرابع، وسادت حالة من الصخب أمام باب الشقة المفتوح، وفي الداخل كانت «وردة» جاثية على ركبتيها، بينما زوجها «حمادة» جثة هامدة في الصالة.
وقعت هذه الجريمة في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، وكان ضحيتها "سائق ميكروباص" شاب، اشتهر بين زملائه بالفتى الطائر، لسرعته الجنونية في قيادة سيارته، وترويعه للركاب، ورغم مهارته في المرور وسط زحام الشوارع، لكنه تعرض لحادث، وكاد يفقد حياته، وبعد خروجه من المستشفى، أصابته "فوبيا" ركوب السيارات، حتى استعاد توازنه مرة أخرى، وقاد عربته بعد إصلاحها، ولكن بسرعة السلحفاة، مما جعل الركاب يتعجبون من أمره، وتتناثر تعليقاتهم الساخرة، بينما ينظر إليهم من خلال المرآة، ويقول في غضب: "يا حضرات اللي مستعجل... يتفضل يركب سيارة أخرى".

في ذلك الوقت، كان السائق حمادة قد شارف على الثلاثين، ويعيش وحيداً بعد وفاة والديه منذ فترة طويلة، وبقى عازباً بينما تزوج جميع أشقائه، واعتاد أن يخرج صباح كل يوم سعياً للرزق، ويستقل "الميكروباص" لتبدأ مناوشاته مع الركاب حول الأجرة وقيادته البطيئة، ورغم هذا يشهد له الجميع بالاستقامة، وظل دائماً يتجنب صحبة السوء، حتى أنه أقلع عن تدخين "النرجيلة" في المقهى، لاسيما أنها تعطله عن عمله، واكتفى بلقاء أصدقائه وأقاربه في الإجازة الأسبوعية.

وظل "الفتى الطائر" وحيداً، وإخوته ينصحونه بالزواج، ودائماً كان يتعلل بغلاء المهور وتكاليف ليلة الزفاف، وطمأنهم أنه يدخر مبلغاً لهذا الأمر، وحين يكتمل سيتقدم لأهل عروسه بثقة، وأن له مواصفات خاصة في شريكة حياته، ولم تنقطع المفاوضات مع حمادة، حتى أدرك أن فترة "العزوبية" قد طالت، واستشعر الملل من حياته غير المستقرة، ولم يبحث الشاب الثلاثيني كثيراً، وتزوج من ابنة عمته التي يعرفها جيداً ويعرف طباعها.

الشيف هدى

تبدلت حياة "الفتى الطائر" بعد الزواج، وزاد وزنه بشكل ملحوظ، ولم يكن مر على دخوله القفص الذهبي سوى أشهر قليلة، وتعجب من أمر زوجته "هدى" التي لا تجيد شيئاً في حياتها سوى الطهو وتقضي معظم وقتها بين المطبخ ومشاهدة القنوات المتخصصة في الطعام، ولا ترى إسعاد زوجها إلا في إعداد الأطباق الشهية، وبمرور الوقت تحولت العروس الجميلة إلى "شيف" وزادت بدانتها هي الأخرى، وليس لديها سوى متذوق وحيد لأطعمتها، وإذا طلب منها أن تتبع "ريجيم" تنهار باكية.

وتمرد حمادة على مأكولات هدى وكلما عاد إلى المنزل يتعلل بأنه متعب أو لا يريد أن يأكل، وأحياناً يخضع لتوسلاتها أن يتذوق أحد أطباقها، ولكن الأمر الذي شغل تفكيره بعد قرابة سنة من زواجه، أنه لم ينجب من زوجته، ودارت بينهما مشادات كثيرة، وكلاهما يلقي بالمسؤولية على الآخر، واتفقا على الذهاب إلى طبيب، وبينت الفحوصات والتحاليل أن زوجته عاقر، وفي هدوء انتهت إجراءات الطلاق، وأن يبحث كل منهما عن نصيبه في الحياة مع شريك آخر.

المحطة الأخيرة

رحلة زواج قصيرة عاشها حمادة وعاد من جديد إلى حياة العزوبية واستغرق في عمله ساعات طويلة يومياً، وقضاء وقت الراحة في المقهى، وذات يوم مرت أمامه جارته المطلقة "وردة" ومعها ابنها الوحيد "خالد" وفجأة اعترض طريقها، وطلب منها الزواج، وحينها ظهر الغضب على ملامحها، وطلبت منه أن يتقدم إلى والدها، ويدخل البيت من بابه، وتركته واقفاً لا يدري ماذا يفعل، وهل ردها يعني موافقتها، وفي اليوم التالي اصطحب أحد أشقائه معه، وتوجهوا إلى بيت العروس الحسناء.

كان حمادة متأنقاً، يرتدي حلة جديدة، ويحمل هدية للعروس، وأثناء الجلسة، ظلت عيناه تبحثان عن وردة وينتظر دخولها بصينية "الشربات" ولكن والدها أخبره أن الأمر بحاجة إلى تفكير، وعليه أن يمهلهم يومين للرد عليه، وهنا تدخل شقيقه قائلاً: "يا حاج خير البر عاجله ولن تجد أفضل من حمادة عريس لابنتك" فاستأذن منهما الأب وخرج من الغرفة، وظهر بعد دقائق، وعلى وجهة ابتسامة، وقال: مبروك... نقرأ الفاتحة".

لم تمض أسابيع قليلة، حتى دخل حمادة إلى القفص الذهبي من جديد، وظن أن "وردة"، ستكون ملاذه الأخير، وستمنحه الطفل الذي يريد، فهي مطلقة ولديها ابن، بما يعني أنها ستنجب له آخر يحمل اسمه، وبعد ليلة الزفاف سافرا إلى الإسكندرية لقضاء شهر العسل، وبعد أسبوع واحد عاد العروسان إلى القاهرة، وكان شرط "وردة" الوحيد للارتباط، أن يعيش ابنها خالد معها، فهو في حاجة إلى رعايتها، ولا تأمن أن تتركه لطليقها الذي تزوج من أخرى.

ورغم أن حمادة كان يتعامل مع خالد كابنه، ويتحمل مسؤوليته كاملة، فإن رغبته في الإنجاب ظلت قائمة، ولكن يبدو أن ارتباطه بوردة، كان المحطة الأخيرة في حياته، ومرت أشهر دون أن تظهر عليها أعراض الحمل، بل اكتشف أن زوجته الثانية متسلطة، وتهمل شؤون المنزل، ولا تترك متنفساً لزوجها إلا وحاولت إغلاقه، وكأنها كانت تحاصره في دائرة لا فكاك منها، وتتعلل بأنها تحافظ على زوجها وبيتها.

انكسرت أجنحة "الفتى الطائر" وزوجته تزداد تسلطاً وغروراً، وتولدت لديها غيرة جنونية عليه، وتملكها هاجس أن تعود مطلقة من جديد، وتطايرت شظايا خلافاتهما إلى الجيران، وحاول بعضهم التدخل للصلح بينهما، لكن الزوجة "المفترية" رفضت الإذعان لزوجها، وأصرت أنها تريد مصلحته، وهذا ليس عيباً أو حراماً، والطريف أنها كانت تنتصر لموقفها، وتستميل جيرانها للتعاطف معها، فيتوجهون باللوم والتأنيب إلى "الفتى الطائر" وينصحونه بالالتفات إلى بيته وزوجته، ولا داعي أن يضيع وقته وماله في السهر وصحبة السوء.

المرض النفسي

تحولت حياة حمادة إلى جحيم، ولم يستطع أن يبرئ نفسه أمام الأهل والجيران، وأصابه الملل من المشاجرات اليومية، وكاد يستسلم لتسلط زوجته المتنمرة، وحين يدخل إلى المنزل تستقبله بوابل من الصرخات، فيغلق الباب دونه، ويعود من حيث أتى، ليجلس في المقهى حتى ساعة متأخرة من الليل، وقد ارتاب أن تكون وردة مصابة بالجنون أو مرض نفسي، وأن حظه العاثر أوقعه بين براثنها، وكان أكثر ما يؤلمه أن أحداً لا يصدقه.

وكان ثمة شاهد وحيد يعيش معهما، ويراقب سلوكيات أمه في صمت، وغالباً ما تصرخ فيه أن يدخل إلى غرفته، ويغلق عليه الباب. وتعاطف الطفل خالد مع زوج أمه، الذي حل مكان والده، ويعامله كأنه ابنه، ويغدق عليه بالنقود والهدايا، ويتحمل مسؤوليته كاملة، ولكن هذا لم يشفع لدى الزوجة المتسلطة، وذات مرة تشاجرت مع زوجها، وهددته بالسكين، وفي يوم آخر قطعت شرايينها لتلصق التهمة به، وتحرر محضراً ضد حمادة، لكن المسكين حملها رغم كل شيء إلى المستشفى وأنقذ حياتها.

خيوط الجريمة

كعادته استيقظ حمادة من نومه مبكراً، ولم يجد زوجته بجانبه، ونادى عليها فلم تجبه، وخرج إلى الصالة، فوجدها جالسة تشاهد التلفزيون، ولم تلتفت إليه، فتقدم إليها، ولكزها في كتفها مازحاً، لتعد له الإفطار، لكنها قالت في برود: "مافيش فطار... روح إفطر مع زوجتك الثانية" وتعالت ضحكات الزوج، وقال: "أنا فعلاً سأتزوج واحدة أفضل منك" واتجه إلى الحمام، وانتفضت وردة واستلت سكيناً من المطبخ، وحين واجهها طعنته في صدره، وسقط غارقاً في دمائه!

تسارعت الأحداث، حين صرخت الأم في طفلها، وأمرته أن يذهب إلى غرفته، وبعد ساعات من وقوع الجريمة، تزاحم الجيران في شقة السائق حمادة وجاءت الشرطة وعربة الإسعاف، وكانت آثار الجريمة واضحة في الشقة، وعلى ملابس القتيل وملاءة السرير وفوط ومناديل وكلها مخضبة بالدماء، كما عثر على السكين المستخدمة في الجريمة.

وأمام المحقق، أصرت وردة على أقوالها، وبدت روايتها غير مقنعة، بقولها: "كنا بنهزر مع بعض ووقع على الترابيزة مسمار دخل في صدره موته" وتوالت أقوال الشهود لكشف ملابسات الجريمة، وقال مالك العقار إن كل شيء بدأ منذ حوالي 5 أشهر، حينما تزوج الشاب من وردة، وانتقلت مع ابنها، ليقيما معه في شقته، وكانت حياتهما مليئة بالمشاكل، بسبب غيرة الزوجة الزائدة عن الحد، وأقرب شيء ليدها هي السكين.

شاهد آخر من جيران القتيل، فوجئ بسيارة الإسعاف تحت منزل حمادة وتعجب من المشهد وحينما استفسر علم بأنها جاءت لتنقل جاره الشاب للمستشفى، حينها قفز الجار للسيارة واتصل بصاحب العقار ليلحق به، وعند وصوله فوجئ بأن حمادة فارق الحياة، وكانت الزوجة حينها في المستشفى تجلس بجانب أمين شرطة.

المثير أن فحص جثة المجني عليه، تبين أنها نظيفة تماماً ورائحتها زكية، ولا يوجد عليها أي آثار للدماء، بينما الجرح في صدره كبير، يبدو كأنه ضربة بسكين أو ما شابه، كما يوجد جرحان آخران بنفس الهيئة أحدهما في جنبه والآخر في فخذه، مما يثبت أن رواية وردة عن المسمار غير منطقية، وتناقضت مع روايتها الأخرى، أن زوجها بعد خروجه من الحمام، كان يمازحها، وركض خلفها، فتعثر في الطاولة وسقط على سكين المطبخ الموجود فوقها، وفي مرة أخرى زعمت أنهما كانا يمزحان بالسكاكين وسقط هو على السكين في يدها ليفارق الحياة متأثراً بجراحه.

الشاهد الوحيد

الحقيقة الكاملة ظهرت على يد الشاهد الوحيد "خالد" ابن القاتلة، الذي بين أن وردة كانت تفتعل المشاجرات مع المجني عليه، لغيرتها الزائدة، وعلى الرغم من أن حمادة زوج والدته لكنه أحبه بشدة، لأنه يعامله بكل رفق وحب، وفي صباح يوم الجريمة جرت وراءه بالسكين، وحين التفت إليها طعنته في صدره بشكل جنوني، وارتعب الطفل من المشهد، وأمه عيناها جاحظتان والسكين في صدر حمادة، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ودماؤه تسيل على الأرض، وأمه حبسته في الغرفة، وأغلقت عليه الباب.

التقط الطفل خالد أنفاسه، وأكمل أن الجريمة لم تستغرق دقائق، وأنه كان يرتعش من الخوف، وينظر من ثقب الباب، ورأى والدته تحاول بكافة الطرق التغطية على جريمتها، وتهذي بكلمات غير مفهومة، فاتصلت بوالدتها وشقيقها، وأخبرتهما بما حدث، وحينما وصلا، ساعدتها الأم في إخفاء آثار الدماء، وغسل الجثة بالكحول والعطور، لوقف النزيف، وإزالة الرائحة، وإلباس الضحية ملابس نظيفة تماماً، فيما قام شقيق الزوجة بالاتصال بالإسعاف لربما استطاعت إنقاذه، وظل ينتظرها أمام العقار وهو في قمة التوتر، يسير تارة ويجلس على قارعة الطريق وهو يخبط كفيه ببعضهما أو على ركبته تارة أخرى، وبعد وصول الإسعاف غادر المنطقة وأغلق هاتفه.

وبعد مواجهة المتهمة وردة بأقوال الشهود، انهارت باكية واعترفت بجريمتها، وأعادت تمثيلها في مسرح الجريمة، وجرى ضبط وإحضار المتورطين معها في إخفاء معالم جريمتها الشنعاء، وقررت النيابة حبسهم على ذمة التحقيق، لحين مثولهم أمام المحكمة.

خيم الحزن على جيران حمادة الشاب المحبوب من الجميع، والذي راح ضحية زوجة متسلطة، لم ترَ فيه الخير الذي يراه الجميع، فنفسها غير السوية سولت لها قتله بدم بارد، رغم أنه حرص على إرضائها بشتى الوسائل، وقبل رحيله كان يبحث لها عن محل لتبيع فيه الملابس، لكن "وردة" لم تقدر ذلك الحب، ليودعه أهله وجيرانه في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير، ومعهم "خالد" ابن القاتلة، وكان يبكي بشدة، ولا يدري أحد هل كان الطفل يبكي على فقد الضحية أم أمه السجينة خلف القضبان!

عدم الإنجاب يدفع سائق التاكسي إلى تطليق «الشيف هدى»

«الزوجة الثانية» تنهار باكية بعد حصارها بأقوال الشهود

أجنحة الفتى الطائر انكسرت وهو يرى زوجته تزداد تسلطاً وغروراً

ابن «القاتلة» يدلي باعترافات مثيرة حول ملابسات الجريمة
back to top