محمود عبدالعزيز... ساحر السينما المصرية (9-10)

الساحر يحلم بتجسيد الملك فاروق على شريط سينمائي

نشر في 10-05-2020
آخر تحديث 10-05-2020 | 00:04
تألق النجم محمود عبدالعزيز على شاشة السينما، ودخل في منافسة قوية مع نجوم جيله، ومنحه الفنان الكبير فريد شوقي لقب «ملك الترسو»، وشاركه في بطولة بعض أفلامه، وبعد نجاح مسلسل «رأفت الهجان» امتنع عن الظهور في برامج تلفزيونية لأسباب خاصة، وكرَّس وقته لفنه، وبات استوديو التصوير بيته الثاني، وتتابعت رحلة الساحر في عالم الأضواء والشهرة.
راودت محمود عبدالعزيز أحلاما فنية كثيرة، وأراد تجسيد بعض الشخصيات التاريخية على الشاشة، ومنها شخصية الملك فاروق آخر ملوك مصر من أسرة محمد علي، وفي مقابلة صحافية أُجريت مع الساحر في عام 2000، قال: «راودني هذا الحلم منذ أكثر من عشر سنوات، وحدث أن المخرج داود عبدالسيد كان يقدم فيلماً عن الملك فاروق، وحين عرض عليّ الدور بدأت في البحث عن شخصية هذا الملك معتمداً على رسالة دكتوراه وكل ما فيها موثق، ورغم أن المشروع لم يكتمل فإنني لم أتوقف عن البحث في شخصية فاروق بقراءة كل ما كُتِب عنه فوجدته شخصية درامية ثرية تمتلئ حياته بالمتناقضات ويحمل في جذوره أسباب فنائه، صغر سنة والمحيطون به وسوء حظه كلها أسباب دفعته للنهاية، حتى موته كان درامياً، والأهم أنه كان شخصية كوميدية، وأتصور أن فيلماً كهذا يحتاج إلى ميزانية ضخمة، أشك في أن أجد من ينتجه ولكنه يظل حلماً أتمنى تحقيقه، لأنه بدأ في التكوين كسيناريو على يد الكاتب إبراهيم عيسى».

زيارة السيد الرئيس

ولم يتحقق حلم الساحر في تقديم شخصية الملك فاروق، ولكنه قام ببطولة «زيارة السيد الرئيس» عام 1994 المأخوذ عن قصة للأديب يوسف القعيد، وسيناريو وحوار بشير الديك، وإخراج منير راضي، وشارك في البطولة هياتم، ونجاح الموجي، وأحمد راتب، وعلاء ولي الدين، ويوسف داود، والمطرب الشعبي حسن الأسمر، وعرض الفيلم في 19 سبتمبر من العام نفسه في دور السينما المصرية، ولكنه لم يحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

اقرأ أيضا

وأثنى النقاد على أداء عبدالعزيز شخصية رئيس مجلس المدينة بارد المشاعر اللامبالي، بوعي شديد ولا ينزلق للكاريكاتورية والمبالغة المحمودة أو الفاقعة التي نضحت على أداء باقي الممثلين باستثناء نجاح الموجي الذي أبدع في دور زغلول من خلال فيلم متقن الصنع ويتناول فكرة جريئة في كشف السلبيات الاحتماعية.

واتفق النقاد على أن هذا الفيلم شبيه بأجواء أفلام عالمية مثل «الروس قادمون» للمخرج نورمان جويسون، و»سر سانتا فيتوريا» للمخرج ستانلي كرامر، ولكن «زيارة السيد الرئيس» لم يأخذ حقه من النجاح الجماهيري، ويُضاف إلى سجل الأدوار التي تبرهن على قدرة عبدالعزيز على التنوع في تقنية الأداء والإمساك بتفاصيل الشخصية التي يؤديها.

مغامرة الجنتل

وفي عام 1996 كان الساحر على موعد جديد مع المخرج علي عبدالخالق في فيلم «الجنتل» تأليف عصام الشمَّاع، وشارك في بطولته إلهام شاهين وبوسي ومحمد سعد، وسامي سرحان، وجسَّد عبدالعزيز شخصية «رشاد» صاحب محل تصليح دراجات هوائية «عجلاتي» وتقوده المصادفة إلى مغامرة غير متوقعة أثناء عودته إلى القاهرة، وفي الطريق يلتقي رجلاً ثرياً يحتضر داخل سيارته بعد إصابته بطلق ناري، ويطلب توصيل حقيبة بها مليوني جنيه إلى امرأة تُدعى «سهير» في قرية على الساحل الشمالي، وتتصاعد الأحداث.

ولم يحقق الفيلم نجاحاً مماثلاً لأفلام الساحر السابقة مع المخرج علي عبدالخالق، «العار والكيف وجري الوحوش»، ولاحقاً عَده النقاد من نوعية الأفلام التجارية التي ترتكن إلى شخصية «البطل الأوحد»، وذهب البعض إلى اعتبار «الجنتل» بداية لسلسلة أفلام «اللمبي» للفنان محمد سعد، وإصراره على تقديم الشخصية الشعبية في إطار كاريكاتوري بهدف إضحاك الجمهور.

القبطان

وفي العام التالي، ارتحل الساحر إلى أجواء الأربعينيات في فيلم «القبطان» تأليف وإخراج سيد سعيد، وشارك في البطولة مصطفى شعبان وأحمد توفيق ووفاء صادق، وتدور أحداثه عقب نكبة 1948 وحكاية رجل من مدينة بورسعيد يُدعى منصور الدهشوري الشهير بـ»القبطان»، ويمتلك قدرات خاصة، وتحيطه هالة من الغموض، ويتجول في المدينة مردداً أخبار الحرب، ويحبه الجميع، ويسعى الحكمدار للقبض عليه لكنه يهرب منه في كل مرة.

وتتابع رحلة الساحر، ويلتقي في فيلمين مع النجمة إلهام شاهين، أولهما «هارمونيكا» عام 1998 تأليف عاطف البكري وإخراج فخرالدين نجيدة، وشارك في البطولة زيزي البدراوي، وأحمد السقا، وانتصار، ومجدي كامل، وجسَّد عبدالعزيز شخصية «شاهين» العامل الشهم الذي يهوى العزف على آلة الهارمونيكا، ويتعاطف مع زوجة فقيرة «نرجس» التي تبحث عن زوجها، ويسعى شاهين لمساعدتها رغم ما يواجهه من مشاكل في حياته، ليعزفا معاً لحناً واحداً في مواجهة الظروف الصعبة.

سوق المتعة

والتقى الساحر النجمة إلهام شاهين في فيلم «سوق المتعة» عام 2000 تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف، وشارك في بطولته حمدي أحمد وسامي سرحان وأحمد فؤاد سليم وضيف الشرف النجم فاروق الفيشاوي، وتحكي القصة عن شاب تعرض للسجن ظلماً مدة 20 عاماً، وكان كبش فداء ﻹحدى العصابات، وعندما خرج من السجن قررت العصابة تعويضه عن المدة التي قضاها بالسجن بمبلغ 6 ملايين جنيه، وبالرغم من المال الوفير الذي أصبح يمتلكه، لم يستطع أن يتأقلم على وضعه الجديد، وتتصاعد الأحداث.

كوميديا النمس

ويستعيد محمود عبدالعزيز أجواء فيلم «الجنتل» ومعه المؤلف عصام الشماع والمخرج علي عبدالخالق، ويقدمون «النمس» في أجواء كوميدية، وشارك في بطولته حسين الإمام «شادي بك»، ونهلة سلامة، وعبدالعزيز مخيون «الشيخ نجيب»، وخالد صالح «مصطفى المحامي»، وقام بدور الطفل الفنان كريم محمود عبدالعزيز، وعبدالله مشرف «الصاوي صاحب الميكروباصات».

وتدور أحداثه حول سائق حافلة ميكروباص دائم التشاجر، وينتقل من عمل لآخر، وفي يوم من اﻷيام يتعرف على رجل أعمال يوكل إليه مهمة توصيل أموال مع زوجته ومساعده، في حين أنه يدبر مكيدة، ويصبح «النمس» في وسط مغامرة كبيرة، واستطاع صناع هذا الفيلم تقديم كوميديا راقية ساعد على نجاحها أداء محمود عبدالعزيز بحضوره المعتاد، وتقمصه شخصية ابن البلد الشهم الأمين.

وعن أدواره في أفلام «هارمونيكا»، و»القبطان»، و»الجنتل»، و»النمس»، قال عبدالعزيز: «أعتقد أن كل فيلم منها يحوي شخصية مختلفة، فلا أنا تعرضت لشخصية أجنبية أو فيلم مقتبس أو دور ليس مناسباً لسني، ولكن الإشكالية لو أن الفيلم حاز جوائز في مهرجانات عالمية مثل هارمونيكا والقبطان لقالوا أفلاماً غير جماهيرية، أما الجنتل والنمس فهما شخصيات من بيئة واحدة وهي الحارة المصرية، فهل البيئة الواحدة لا تحوي آلاف النماذج البشرية المختلفة، ولايزال هناك في الحارة المصرية شخصيات كثيرة أتمنى أن أقدمها، ومثلاً مع الفارق فأدب نجيب محفوظ لم يخرج إلا من الحارة المصرية، ورغم ذلك لكل رواية مذاق وطعم وقيمة، فهل نجرؤ أن نقول إن روايات نجيب محفوظ متشابهة؟!».

أزمة السينما

وفي ذلك الوقت تسببت أزمة السينما في تراجع كم الأفلام المعروضة، وحينئذ قال الساحر: «مهنتي ومهمتي الأولى أن أبحث وأختار سيناريو جيداً وفكرة جيدة ودراسة شخصيتي فيها وأهتم بكل تفاصيلها، وينتهي دوري بعد تقديمها، ولكن للأسف الآن لم تعد تلك مهمتي فقط كنجم ولكن عليّ متابعة فيلمي عند التوزيع وفي دور العرض وهذه الأمور لم تكن من قبل مهمة الممثل، والآن ما يحدث في ظل أزمة السينما أجد نفسي قبل قبول السيناريو مضطراً لمعرفة متى سيعرض الفيلم، وما إذا كان المنتج قوياً بما يكفي ليستطيع عرض فيلمه في الوقت والمكان المناسبين أم لا».

الساحر

وسط تلك الأجواء، التقى عبدالعزيز المخرج رضوان الكاشف في فيلم «الساحر» 2001، تأليف سامي السيوي، وبطولة جميل راتب، ومنة شلبي، وسلوى خطاب، وسامي مغاوري وتدور قصته في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، حول الساحر «منصور بهجت» وابنته «نور» التي يخاف عليها بعد وفاة زوجته، وتقتحم حياته سيدة مطلقة، ويقرر مساعدتها في تكاليف إجراء عملية خطيرة لطفلها وتتابع الأحداث في مزيج بين الكوميديا والتراجيديا.

وتتذكر الفنانة سلوى خطاب مشاركتها في هذا الفيلم، بقولها: «محمود عبدالعزيز أستاذي وصديقي، وله مكانة مهمة عندي، منذ أن تعاونت معه في (رأفت الهجان) والساحر) وأنا أعتبر هذه الأعمال علامات في حياتي، وعندما أقابله في مشهد أعتبره جزءاً من تاريخي، ومحمود نقطة ضعف بالنسبة إليّ، ولو طلبني في أي عمل لن أتردد في الموافقة، خصوصاً أنه يعطي مساحة لكل العاملين معه ولا يتعامل بمنطق أنه البطل المسيطر على العمل، رغم أن هذا حقه، وهو في الكواليس شخص رائع ويمنح المكان جواً جميلاً».

رحلة مشبوهة

وفي عام 2002، قام عبدالعزيز ببطولة فيلم «رحلة مشبوهة» سيناريو مصطفى محرم وإخراج أحمد يحيى، وشارك في البطولة وفاء عامر وسعيد عبدالغني وممدوح وافي وجيهان سلامة وإحسان القلعاوي، وجسّد فيه شخصية المهندس صلاح المتخصص في تراخيص البناء، ويُعرف بنزاهته، ويتكفل بأمه المريضة، وذات يوم يتم تلفيق تهمة له، فيدخل على إثرها السجن ظلماً، وبعد أن يقضي مدة عقوبته، يسعى صلاح لملاحقة من أدخلوه السجن لكي ينتقم منهم.

وعن مشاركتها في هذا الفيلم، قالت الفنانة وفاء عامر: «محمود عبدالعزيز فنان كبير ورائع وإنسان جميل يحتوي الجميع، وهو متواضع إلى حد كبير وخفيف الظل ولم أشعر بالغربة في لقائه من خلال فيلم (رحلة مشبوهة) وكانت تجربة سينمائية رائعة، وبعد عشر سنوات التقيته مجدداً في مسلسل (جبل الحلال) للمخرج عادل أديب، وهو فنان مريح في عمله ويحب الممثل الذي يعمل معه ويتيح له كل سبل الإبداع ليقدم أفضل شيء ممكن، وعندما قرأت المسلسل بتجرد شديد انجذبت له بشكل كبير فهو عمل لا يمكن رفضه، خصوصاً أنني سأقدم خلاله شخصية محورية ومهمة وجديدة عليّ لم أقدمها من قبل، ولوجود الفنان محمود عبدالعزيز دور كبير في قبولي العمل، لأنه نجم كبير والعمل معه مكسب كبير وممتع».

منة شلبي تستعيد ذكريات أول أفلامها مع «الساحر»

استعادت النجمة منة شلبي ذكريات ظهورها على شاشة السينما للمرة الأولى، وقالت: «بالمصادفة شاهدني الفنان محمود عبدالعزيز بطل الفيلم في حفل زفاف إحدى صديقاتي، وكان يبحث عن فتاة تؤدي دور ابنته في الفيلم، ورشحني للمخرج رضوان الكاشف الذي تحمس لي خصوصاً أن الدور كان يحتاج إلى فتاة في عمري، وحينئذ كانت معظم النجمات بمن فيهن الشابات أعمارهن لا تناسب مرحلة المراهقة التي جسدتها في الفيلم، وكانت هناك أكثر من 200 فتاة بينهن من هي أكثر جمالاً مني تقدمن للمخرج رضوان الكاشف للفوز بهذه الفرصة لكنه اختارني، وبالتالي لم يكن لجمالي دور كبير في حصولي على هذه الفرصة، وأنا واعية إلى أن التمثيل لا يعتمد على الجمال فقط إنما على الموهبة والقبول».

وعن شعورها بالرهبة في الوقوف أمام الساحر، قالت: «كنت مرعوبة من التمثيل أمام نجم كبير مثل محمود عبدالعزيز لكن قبل التصوير جلست معه وشعرت براحة تجاهه، وشجعني هو والمخرج رضوان الكاشف والفنانة سلوى خطاب التي لم تبخل عليّ بنصائحها وأزالوا جميعا كل الخوف الذي كنت أشعر به، فوقتها لم أكن أعرف أي شيء عن السينما، كنت ساذجة فنية جداً، ومع الوقت أصبحت لدي خبرة».

«الجنتل» يلتقي النجمة إلهام شاهين في «سوق المتعة»

«القبطان» مغامرة سينمائية غامضة في أجواء الأربعينيات

«النمس» يبحث عن التوقيت المناسب لعرض أعماله السينمائية

لقاء استثنائي مع المخرج رضوان الكاشف في حارة شعبية
back to top