رحلة سقوط الفتاة المدللة في هاوية الإدمان والجريمة

ماجدة سدَّدت طعناتها إلى شيطان السموم وصديقتها الخائنة

نشر في 08-05-2020
آخر تحديث 08-05-2020 | 00:02
رحلة سقوط الفتاة المدللة في هاوية الإدمان والجريمة
رحلة سقوط الفتاة المدللة في هاوية الإدمان والجريمة
كاد الحارس يمنعها من دخول النادي، لكنه تدارك الأمر معتذراً لها، واجتازت ماجدة البوابة بردائها الأزرق ونظارتها السوداء، وظهرت على ملامحها علامات الإجهاد، وجلست إلى طاولة، وفكرت كيف تتخلص من زوجها الذي أوقعها في شرك إدمان السموم المخدرة، وأخرجت هاتفها الجوال، واتصلت بصديقتها المقربة، وجاء صوت سَحر على الطرف الآخر، وطلبت منها أن تنتظر في مكانها، حتى تجيء إليها بعد ساعة واحدة، لأنها تريدها في أمر مهم للغاية، وانتهت المكالمة دون أن تدري ماذا سيحدث خلال الساعات المقبلة.
اعتادت ماجدة أن تأتي كل يوم إلى النادي القريب من بيتها، منذ أن انتقلت مع أسرتها إلى أحد الأحياء الراقية بالقاهرة، وحينها كانت طفلة مدللة لم تتجاوز العاشرة، والابنة الوحيدة لأبويها، وبعد حصولها على الشهادة الإعدادية، تعثّرت في دراستها، مما دفع والدها أن يمنعها من الذهاب إلى المدرسة، فابنته ليست بحاجة إلى وظيفة، وعليها أن تنتظر حتى بلوغها سن الزواج، ويكفي أن الكثير من العائلات تتمنى مصاهرة التاجر الثري المعروف.

من ناحيتها، لم تكن ماجدة تحب المدرسة، وأهملت دراستها، وتكرر رسوبها، لكن والدها توعدها بحرمانها من المصروف، إذا لم تحصل على شهادة الإعدادية، وبعدها ستكون لها الحرية في الاكتفاء بهذا القسط الضئيل من التعليم، ودارت الفكرة في عقلها الصغير، ووجدت أن اجتهادها سيمنحها فرصة لقضاء وقت أطول في النوم واللعب، وبعد أن تسلّمت ورقة الشهادة، أخبرت أمها أنها ستودع المدارس إلى الأبد.

لم يعترض التاجر الثري على قرار ابنته، وترك مسؤولية تربيتها لأمها، فهو يمكث في عمله ساعات طويلة، ولا يعود إلا في ساعة متأخرة من الليل، بل إنه كان يغدق على أسرته الصغيرة بالهدايا والمال، ويقول لزوجته: "لا تحرمي نفسك وابنتنا من أي شيء، فأنا أتعب من أجل إسعادكما، وسأترك لكما بعد عمر طويل ثروة طائلة"، وكانت تعاتبه لأنه يتكلم بهذه الطريقة، مطالبة إياه بأن ينتبه إلى صحته، ولا يجهد نفسه في العمل.

اقرأ أيضا

بمرور الوقت سئمت الفتاة المدللة الجلوس أمام شاشة التلفزيون، وطلبت من أمها شراء جهاز كمبيوتر، لأنها لم تعد صغيرة، وجميع صديقاتها لديهن "لاب توب"، وأن يشترك والدها في عضوية النادي القريب من منزلهم، ولم يمانع الأب الثري في تلبية طلبات ابنته الوحيدة، وصارت تقضي وقتا طويلا خارج المنزل، لكنّها تحرص على العودة قبل عودة أبيها، بدوره كان مطمئناً عليها، لأن هذا المكان لا يرتاده إلا أبناء الطبقة الراقية.

طوت ماجدة أيام الطفولة البريئة، وأصبحت فتاة أنيقة ترتدي أفخر الثياب، وتتباهى أمام صديقاتها أنها ابنة التاجر الثري، مما تسبب في نفور الكثيرات منها، لاسيما بعد أن عرفن أنها لم تكمل تعليمها، ولم يبق لها سوى صديقة واحدة، لكنها تثير التساؤلات حول تحررها الزائد، وعن طريقها تعلمت تدخين السجائر، لتجد نفسها في دائرة جديدة تضم بعض الشباب، وحاولت أن تبدي اعتراضها لصديقتها، ولكن الأخيرة اتهمتها بالتخلّف والرجعية، وأنه من الطبيعي أن يكون لها أصدقاء، ومن بينهم تختار فتى أحلامها.

واندفعت ماجدة بقوة إلى العالم الافتراضي، وصارت "شلة النادي" من أصدقائها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لكنها لاحظت أن أحدهم يبدي اهتماما ملحوظا بها، وأخبرت سحر بالأمر، وأنها لا تدري ماذا تفعل، لا سيما أنها لا تميل إليه، فقالت لها صديقتها "مدحت شاب من عائلة ميسورة، لكنه لم يكمل تعليمه، وأنه يريد أن يرتبط بفتاة في مثل ظروفه، وهو معجب بك جدا، ويتمنى أن تكوني زوجة له".

واضطربت مشاعر الفتاة المدللة، واكتشفت أن مدحت شاب مستهتر، وعاطل عن العمل، ولا تدري هل هو حقا من الأثرياء، فضلا عن أنه يكبرها بنحو عشر سنوات، وكلها أسباب دفعتها إلى إلغاء صداقته على "فيسبوك"، مما سبب له الحرج الشديد، وحين عاتبها على ذلك، قالت في برود: "أنا حرة في اختيار أصدقائي"، وحينها تلقّى اللطمة القاسية في هدوء، واختفى من النادي.

الأرملة الحسناء

وفي أحد الأيام عاد التاجر الثري مبكرا من عمله، وظهرت على ملامحه علامات الإرهاق، واتجه مباشرة إلى غرفة النوم ليستريح، وسأل عن ابنته، فقالت الأم إنها في النادي مع صديقاتها، وهنا صرخ: "الساعة الآن العاشرة ولم ترجع حتى الآن، يبدو أننا أفسدنا هذه البنت بتدليلنا لها، من بكرة ما فيش نادي" واحتدم النقاش بينهما، وكلاهما يلقي بالمسؤولية على الآخر، وفجأة سقط الرجل على الأرض وسط ذهول زوجته، وهرعت إلى الجيران لنجدتها، وبعد دقائق أخبرها الطبيب بوفاة زوجها.

ارتدت الأم وابنتها ملابس الحداد، وتوافد المعزون لمواساتهما، واستطاعت الأرملة الحسناء أن تتغلب على أحزانها، وابنتها تملأ عليها حياتها، ورفضت الرجوع إلى منزل أسرتها، وبعد انتهاء فترة الحداد، قررت الأرملة الحسناء أن تكرس حياتها لابنتها، وأحست أن كل الرجال الذين تقدموا للزواج منها، طامعون في ثروتها، وأقنعت ابنتها أن يبيعا إرثهما من عقارات ومحال تجارية، ويودعا النقود في البنك، وبالطبع وافقت الابنة المدللة على ذلك، متعللة أنها ليست ولدا لتتحمل مسؤولية إدارة أعمال أبيها.

واشتد الخلاف بين الأم وأسرتها، ورفضت كل النصائح في أن تستثمر أموالها في مشروع تجاري، وصرخت: لا شأن لأحد بي أنا وابنتي، فأنا لست محتاجة لمساعدتكم"، وتحوّل الأمر إلى خصومة، وكفّ الأقارب عن زيارتها أو السؤال عنها، كل هذا يحدث وماجدة تمكث ساعات طويلة خارج البيت، وحين تهاتفها أمها لتطمئن عليها، تخبرها أنها مع صديقتها سحر في النادي.

شعرت الأرملة بالقلق لتناقص رصيدها في البنك، بينما نفقات ماجدة في تزايد مستمر، ومن جانبها لم تحاول أن تشعر ابنتها بشيء، حتى لا يتسرب القلق والخوف إلى نفسها، فهي لا تطيق أن ترى ابنتها حزينة، ويكفي أنها أصبحت يتيمة، ولكنها لاحظت بعض التغيّر في سلوكها، فهي دائما منحرفة المزاج، ولا تستيقظ إلا في ساعة متأخرة من النهار، وتغادر البيت إلى النادي، وتعود في ساعة متأخرة في الليل، لتغلق عليها غرفتها، وتظل محملقة في شاشة الكمبيوتر حتى شروق الشمس.

وحين سألتها أمها عن سبب تأخرها المستمر، قالت لها: اطمئني يا أمي، فأنا لا أفعل شيئا سيئا، وكانت ماجدة تتقدم في العمر، وبلغت الخامسة والعشرين دون أن يطرق بابها أحد ليطلبها للزواج، وتضاءلت فرصة مجيء العريس المنتظر، لسهرها الدائم في النادي، وتحررها الزائد عن الحد، بل إنها أصبحت مثارا للحديث بين رواد النادي والجيران، وتبلدت مشاعرها تحت تأثير الأقراص المخدرة، التي بدأت إدمانها مع شلة أصدقاء السوء.

وذات يوم استيقظت ماجدة دون أن تجد أمها في الصالة أو المطبخ، وكانت الساعة قد تجاوزت الرابعة عصرا، وظنت أن أمها خرجت لتشتري شيئا، وقبل أن تذهب لتهاتفها، استشعرت القلق، وهرعت إلى غرفتها، لتجدها مازالت نائمة في فراشها، وساورها شعور بالانقباض، وحين اقتربت انعقد لسانها من الصدمة، وأطلقت صرخة مدوية.

وهكذا صارت وحيدة لا تستطيع العيش في الشقة دون أمها، لتقضي كل وقتها في النادي، أو تبيت عند صديقتها سحر، وتتابع مع المحامي إجراءات حصولها على الأموال التي أودعتها أمها في البنك، بصفتها الوريثة الشرعية الوحيدة لممتلكات والديها، وكانت في أغلب الأوقات ذاهلة عمّن حولها بفعل الأقراص المخدرة التي أدمنتها، واستنزفت قدراتها المالية.

وحتى ذلك الوقت لم تكن تعرف مصدر الأقراص التي تأتي بها سحر، وفي كل مرة يرتفع الثمن، متعللة بأنها تحصل عليها بصعوبة، وتعرّض نفسها للخطر من أجلها، بينما ماجدة لا تأبه بشيء، وتطرد عن رأسها التفكير في حال نفد رصيدها، واستجابت لهمسات سحر الشيطانية بأن تتمتع بكل لحظة في حياتها، وتصادق هذا وتتعرف على ذاك، بل إنها سلبت إرادتها تماما، وأخبرتها بأن لديها مفاجأة ستخبرها بها خلال الأيام المقبلة.

الشيطان الخفي

أدركت الشيطانة سحر أن ماجدة قطعت شوطا كبيرا في طريق الإدمان، ولم تعد تنفع معها الأقراص، اقترحت عليها أن تتعاطى الحقن المخدرة، بحجة أنها قوية المفعول وذات تأثير سريع يجعلها تسبح في فضاء من الأحلام، وينسيها أحزانها على فقد أمها، وأخبرتها أنها غالية الثمن، لكنها تستطيع أن تشتريها بأقل سعر من بائع تعرفه.

كان هناك شيطان آخر يتخفى عن الأنظار، ويتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على فريسته، ولم يكن سوى هذا الشاب الذي صدّته عنها، وسددت له لطمة قاسية، ودعتها صديقتها للذهاب إلى بائع السموم، ومشت معها مسلوبة الإرادة إلى طريق الهلاك، وهناك التقت وجها لوجه بالشاب مدحت الذي اختفى منذ سنوات، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة غامضة، وكادت تتراجع لولا أن سحر أقنعتها بضرورة ملاطفته، لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يلبي احتياجاتها من الحقن المخدرة.

وتكررت زيارات ماجدة إلى وكر الشيطان، لاسيما أن الشاب طالبها بنسيان الماضي، وأنه لا يريد شيئا سوى إسعادها، وأن يكون بالنسبة لها صديقها المخلص، ورفض أكثر من مرة أن يأخذ ثمن الحقنة، وقال إنها هدية بسيطة، وحينها تضاربت مشاعرها من جديد، وأدركت أنه ملاذها الأخير، ولن تمانع هذه المرة، إذا طلبها للزواج ويعيشان تحت سقف واحد، ويستغرقان في تعاطي السموم.

وبعد أسابيع قليلة، استقرت الضحية داخل دائرة مغلقة، وباتت لقمة سائغة للشيطان الخفي، وعرض عليها أن يتزوجها عرفيا، فوافقت دون تردد، لأن أهلهما سيعارضان زواجهما، وأن والده قد طرده من المنزل، مما اضطره إلى الاتجار في السموم، وتدريجيا بدأ في ابتزازها، وهي تسحب من رصيدها في البنك، وتعطيه ما يريده من نقود، بينما سحر تظهر في أوقات متباعدة، وتلعب دور الصديقة المخلصة، وتنصحها بأن تلبي طلبات مدحت، طالما تشعر معه بالاستقرار والسعادة.

أدرك الشيطان أن الضحية تحولت إلى شبح مثله، وظهرت عليها آثار الإدمان، وصارت حطاما بعد أن ذبُل جمالها، وتدهورت صحتها تماما، وقد شفى غليل الانتقام في داخله، وأرجأ لحظة الانقضاض الأخير على فريسته، حتى تسحب الرصيد المتبقي لها، ويطردها إلى الشارع، وبدأ يخفي عنها الحقن المخدرة، ويتعلل بأنه لا يملك نقودا للصرف على ملذاتها، ودب الشجار بينهما، وانهال عليها بالضرب، ومزق ورقة زواجهما العرفي، وأمهلها حتى ترتدي ملابسها، وتخرج دون رجعة.

ثمن الخيانة

أفاقت ماجدة من شرودها، ووجدت نفسها مازالت جالسة في النادي، وقد مضت أكثر من ساعة، ولم تظهر صديقتها سحر، وعاودت الاتصال بها، فوجدت هاتفها مغلقا، وتسرب القلق إلى داخلها، وقررت الرجوع مرة أخرى إلى شقة الشيطان، وأن تستعطفه ليعطيها حقنة مخدرة، تنسيها الآلام المبرحة التي تسري في جسدها، ونهضت متحاملة على نفسها، وقد استبد بها الإعياء، وخرجت من البوابة إلى الشارع، وانهمرت على وجنيتها دموعها الصامتة، لما وصلت إليه من بؤس وشقاء.

وحين وصلت الى منزل الشيطان، ظلت تطرق الباب بشدة، وبعد لحظات فتح مدحت الباب، واعترض طريقها للدخول، وتسرّب إليها الشك، ودفعته بقوة، وهرعت إلى غرفة النوم، وهناك عقدت المفاجأة لسانها، حين وجدت صديقتها سحر فوق فراشها، وجنّ جنونها، واستلت سكينا من المطبخ، وحاول مدحت أن يسيطر عليها، لكنها انهالت عليه بالطعنات، واستطاعت أن تلحق بصديقتها الخائنة قبل هروبها، وسددت إليها الطعنات، ووقفت لاهثة والسكين تقطر منها الدماء، وبهدوء غريب أغلقت باب الشقة، وذهبت إلى أقرب مقر للشرطة.

وأمام المحقق اعترفت ماجدة بمحاولة قتل صديقتها الخائنة وزوجها شيطان السموم المخدرة، وعلى الفور توجه أفراد الشرطة إلى مكان الحادث، ونقلت سيارة الإسعاف المجني عليهما إلى أقرب مستشفى، وتم توقيف المتهمة لحين عرضها على النيابة لمباشرة التحقيق.

ابنة التاجر الثري تبدد ميراثها على تعاطي الأقراص المخدرة

الأرملة الحسناء تفقد السيطرة على ابنتها بعد إدمانها العالم الافتراضي

صديقتها الوحيدة تستدرجها إلى منزل الشيطان لينتقم من فتاة أحلامه
back to top