مستقبل الشرق الأقصى الروسي في ظل المحور الآسيوي

نشر في 08-05-2020
آخر تحديث 08-05-2020 | 00:02
خط الأنابيب سيلا سيبيري الذي وصفته شركة غازبروم الروسية بأنه «عقد القرن»
خط الأنابيب سيلا سيبيري الذي وصفته شركة غازبروم الروسية بأنه «عقد القرن»
طرح كبار اللاعبين في النخبة الروسية، بمن فيهم سيرغي لافروف وديمتري ميدفيديف وفلاديمير بوتين نفسه، بصورة متكررة، فكرة العلاقة المتداخلة بين الشرق الأقصى الروسي والموقف الراسخ الذي تتخذه موسكو في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية من الوجهة الاجتماعية – الاقتصادية.
يفترض في الشرق الأقصى الروسي أن يلعب دوراً حاسماً وحيوياً فيما يطلق عليه محور روسيا إلى الشرق. وقد حصل ذلك المحور على شعبية في أوساط نخبة صناع القرار في العاصمة موسكو، بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ولكن كانت هناك تحركات سابقة في اتجاه مماثل أيضاً. وقد أثارت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 عدة مبادرات هدفت إلى تعزيز قوة تطوير المقاطعة الاتحادية في الشرق الأقصى، إضافة إلى الحضور الروسي الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة الآسيوية بالمحيط الهادئ.

وقد طرح كبار اللاعبين في النخبة الروسية، بمن فيهم سيرغي لافروف وديمتري ميدفيديف وفلاديمير بوتين نفسه، بصورة متكررة، فكرة العلاقة المتداخلة بين الشرق الأقصى الروسي، والموقف الراسخ الذي تتخذه موسكو في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية من الوجهة الاجتماعية – الاقتصادية.

وفي أغلب الأحيان، يخضع ذلك الوصف الاستراتيجي لنقاش حاد ضمن مفهوم العلاقات الصينية – الروسية والتوترات الجيوسياسية في المنطقة الآسيوية من المحيط الهادئ، والسؤال هنا هو: أين موقع الشرق الأقصى الروسي في هذه التركيبة الاستراتيجية الكبيرة؟ وهل تحققت أي نتائج ملموسة بالنسبة إلى تلك المنطقة المترامية الأطراف التي تمتد من ياكوتيا وتشاكوتا في الشمال الى بارياتيا وبريموري في الجنوب؟

ويشكل الشرق الأقصى الروسي - الذي يحتل نحو 40 في المئة من مساحة تلك المنطقة - 5.6 في المئة فقط من عدد سكان روسيا، بحسب معلومات روستات في عام 2018، كما يشكل 6.12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وعلى أي حال، فإن قياسها من حيث معدل الفرد في مقاطعة الشرق الأقصى الاتحادية يظهر أنها تحتل المرتبة الرابعة بين المقاطعات الاتحادية الثماني، ومن هذا الواقع فإن الشرق الأقصى الروسي يواجه عقبات هيكلية سوف تفضي الى فشل أي استراتيجية تهدف الى تعديل مؤشرات المنطقة الاجتماعية-الاقتصادية.

وبالمثل فإن جعل القيود الهيكلية التي يواجهها الشرق الأقصى رواية مهلكة حول التخلف، الذي لا مفر منه، سوف يكون مضللاً أيضاً. وفي حقيقة الأمر فإن المساحات الواسعة ونقص البنية التحتية ورأس المال البشري يشكل صورة للتحديات الهيكلية. ومن خلال الرؤية عبر منظور تاريخي مقارن يبدو من الواضح كيفية تمكن الدول التي تواجه تحديات مماثلة لتعزيز التنمية الاقليمية بشكل أو بآخر.

تطوير الشرق الأقصى الروسي

وقد عمدت الحكومة الروسية إلى فرض اجراءات جديدة تهدف الى تطوير الشرق الأقصى الروسي، ومن بينها - على سبيل المثال - بناء ما يدعى مناطق التطوير المتقدمة، وتوجد 18 منطقة من هذا النوع في الشرق الأقصى الروسي اليوم، وهي توفر -بشكل صوري على الأقل- أنظمة ضرائبية تفضيلية، اضافة الى ظروف بنية تحتية أساسية في مواقع الإنتاج، كما تدعم سعي الحكومة الى العثور على القوة العاملة الماهرة.

وهكذا، فإن تلك المناطق تشكل قاعدة للتخطيط الاقتصادي الاتحادي، ولكن العوائق تبرز في مجالات توفير الخدمة الكهربائية في الشرق الأقصى الروسي، اضافة الى قضايا الأراضي غير المحددة الملكية. وتكلف وزارة تنمية الشرق الأقصى والمنطقة القطبية بتنفيذ الأعمال المتعلقة بمناطق التطوير المتقدمة وصندوق تنمية الشرق الأقصى ووكالة الاستثمار والتصدير في الشرق الأقصى. وفي نهاية المطاف، تجهد كل واحدة من تلك المؤسسات الى اجتذاب استثمارات محلية وخارجية، من أجل المشاركة في تنفيذ المشاريع في الشرق الأقصى.

فشل مناطق التطوير المتقدمة

لكن مناطق التطوير المتقدمة فشلت في اجتذاب الاستثمارات الواسعة المتوقعة، وتظهر معلومات البنك المركزي الروسي أن 15 في المئة من الاستثمارات ذهبت الى الشرق الأقصى الروسي في عام 2018. ومقارنة مع نسبة 2 في المئة في عام 2012 فإن تلك الحصيلة تعتبر إنجازاً لافتاً. ولكن معظم ذلك التحسن كان مرتبطاً إلى حد كبير بمشاريع الطاقة. ولا بد من ملاحظة أن معلومات البنك المركزي الروسي تتجاهل الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، مثل الاستثمارات الصغيرة واستثمارات الأوفشور التي تشكل ما يصل الى 95 في المئة من الاستثمارات الخارجية في الشرق الأقصى الروسي، بحسب إيفان زوينكو من الأكاديمية الروسية للعلوم.

ومما لا شك فيه أن أبرز إنجازين في المحور حتى الآن هما تحديث البنية التحتية في فلاديفستوك منذ قمة "أبيك" في عام 2012 وإقامة المنتدى الاقتصادي السنوي الشرقي كمنصة دولية للمستثمرين رفيعي المستوى من المنطقة الآسيوية في المحيط الهادئ. والأكثر من ذلك أن تلك المدينة كانت تعمل بموجب ما يدعى نظام الميناء الحر منذ شهر أكتوبر من عام 2015.

وعلى الرغم من الشكوك حول تحقيق المدينة لمكاسب بارزة على صعيد الجاذبية، خلال العقد الماضي، يمكن النظر بصورة محايدة الى مستقبلها. ثم إن المنافسة من جانب الموانئ الصينية الأكبر والأكثر كفاءة، والشك إزاء دور مدينة فلاديفستوك في المستقبل ضمن طريق البحر الشمالي يطرح التحديات المحتملة في هذا الصدد.

العلاقات مع الصين

ويكمن جزء من الأمل في زيادة كميات الاستثمار في الشرق الأقصى الروسي في العلاقات مع الصين (تشترك روسيا بحدود تمتد أكثر من 4200 كيلومتر مع الصين)، كما أن الشهور التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم في شهر مارس من عام 2014 شهدت فرصاً نجمت عن العلاقات الوثيقة مع الصين. وفي 2 ديسمبر من العام الماضي تم إطلاق خط الأنابيب سيلا سيبيري، الذي وصفته شركة غازبروم الروسية، بأنه "عقد القرن"، وهو في حقيقة الأمر عقد رئيسي أبرم في شهر مايو من عام 2014، ويقضي بتسليم الصين كميات من الغاز لثلاثين عاماً، ويشكل القسم الأول من طريق الغاز الصيني بطول يصل الى أكثر من 8.000 كيلومتر ويفضي الى استثمارات ضخمة تبلغ 47 مليار دولار من أجل بناء خط الأنابيب نفسه.

وقد أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لروسيا، على أساس دولة الى دولة، ويتم في بعض الأحيان تجاهل دور الشرق الأقصى الروسي في العلاقات التجارية. كما أن معظم العوائد يرجع الى التجارة في الموارد الطبيعية. ولكن تلك الخطوة لم تسفر عن تحقيق نمو في شركات الشرق الأقصى التي ترتبط بالأسواق الصينية المختلفة. ويعود ذلك الى الأسلوب العام لأنشطة الشركات في الشرق الأقصى الروسي.

ويشار في هذا الصدد الى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في الشرق الأقصى لم تشهد أي فرصة من أجل الارتباط مع المشاريع الكبرى الرمزية. وفي غضون ذلك، انشغلت الشركات الكبرى مثل غازبروم وروسنفت ونوفاتك وسيبور بترسيخ أرضيتها في الاقتصاد السياسي الروسي.

الطبقة المتوسطة الآسيوية

والأكثر من ذلك أن مجتمع الأعمال الروسي يركز في الوقت الراهن على الفرص الناشئة عبر الطبقة المتوسطة الآسيوية، التي تعد نحو 2.5 مليار نسمة، وذلك في ميدان الانتاج الزراعي في الشرق الأقصى الروسي. وقد أظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ إعجابه بالآيس كريم الروسي بصورة جلية. ولكن على الرغم من ذلك فإن الحواجز البعيدة عن التعرفة تجعل من الصعب بالنسبة الى المنتجين الروس دخول الأسواق الصينية، على الرغم من جاذبيتها وضخامة حجمها. وسوف يشكل ذلك واحدة من أشد التحديات في صنع السياسة الخارجية الروسية في ميدان الاقتصاد، كما سوف تصبح أكثر حدة ازاء ضمان الفوائد للشركات الصغيرة في الشرق الروسي.

تداعيات وباء كورونا

وفي ضوء هذه الخلفية، قد يفضي انتشار وباء كورونا المستجد إلى تفاقم سوء وضع البيئة الاجتماعية-الاقتصادية التي تنطوي على تحديات ملموسة في الأساس، وفي بلاغوفيششنسك، على سبيل المثال، توقفت بصورة مفاجئة عن العمل المطاعم الصينية وبرامج التبادل التعليمي والتجارة العابرة للحدود، مما ألحق الضرر بالاقتصاد المحلي الذي يقوم على الفرص التجارية الصغيرة مع الصين. وفي خاباروفسك شعر السكان بتأثيرات الوباء بشكل مادي، من خلال تراجع الدخل وارتفاع أسعار الفواكه والخضار بصورة حادة، في أعقاب الحظر المؤقت على الاستيراد، والذي رفع في وقت لاحق، ولكن الأسعار لم ترجع الى مستويات ما قبل انتشار الوباء.

*سيباستيان هوب

أزمة عام 2008 المالية العالمية أثارت عدة مبادرات لتعزيز قوة تطوير المقاطعة الاتحادية في الشرق الأقصى

الشهور التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم في مارس عام 2014 شهدت فرصاً نجمت عن العلاقات الوثيقة مع الصين

انتشار وباء كورونا المستجد قد يفضي إلى سوء وضع البيئة الاجتماعية-الاقتصادية التي تنطوي على تحديات ملموسة في الأساس
back to top