نزار قباني... معركته مع أدونيس كادت تصل إلى المحاكم لولا تدخُّل أصدقاء الطرفين (11-15)

الشاعر المتمرّد الحالم العاشق المتوحّد باللغة

نشر في 06-05-2020
آخر تحديث 06-05-2020 | 00:05
استمر شاعر الحب في عطائه الشعري عاماً بعد عام... نزار الذي يرى أن الشاعر يستنبط النفس البشرية، ويتقمص وجدان العالم، ويقول ما يريد أن يقوله الناس قبل أن يقولوه؛ يتساءل في مذكراته: كيف يكتب الشعر؟ ليجيب هو عن السؤال قائلاً: كل من دخل إلى مكتبي في بيروت يرى دائماً أوراقاً ملونة أمامي... على إحداها كلمة، وعلى الثانية كلمتان، وعلى الثالثة لا شيء.
ويتابع: التحديق في فراغ الورقة يثيرني، ويمنحني الأمل. وكما يجلس طفل على حافة بركة، ينتظر قدوم السمك... أجلس أنا على حافة الورقة أراقب ارتعاش خيط الصنارة. إنني شاعر غير مستعجل... ولا أستعمل وسائل غير أخلاقية لرشوة السمك.
نتحدث عن حياة شاعرنا الكبير المعطاءة عندما كان يسكن في بيروت وتسكن فيه، ومن يسكن الحب فيه يعطي مزيداً لمن يحب، أما نتائج هذا الحب فكانت ديوان "أشعار خارجة على القانون" عام 1972، في مجموعة شعرية تضم إحدى وثلاثين قصيدة: "منشور سري جدا- بلاغ شعري رقم 1- محاكمة غير شرعية- بيروت والحب والمطر- شكرا- خربشات طفولية- من الأرشيف- جسمك خارطتي- وبر الكشمير- قصيدة التحديات- بريد بيروت- أسئلة إلى الله- تهويمات صوفية لتكوين امرأة- قصيدة غير منتهية في تعريف العشق- الشجرة- النساء والمسافات- تنويعات موسيقية عن امرأة متجردة- اللجوء- حوار مع امرأة من خشب- رصاصة الرحمة- صورة دوريان غراي- أمية الشفتين- حبوب منومة- المقبرة البحرية- إيضاح إلى من يهمها الأمر- اعتزال التمثيل- المذبحة- إلى صاحبة السمو... حبيبتي سابقا- الاستحالة- محاولة لاغتيال امرأة- الالتصاق"

وفي قصيدة بلاغ شعري رقم 1 يقول:

إياك أن تتصوري...

اقرأ أيضا

أني أفكر فيك

تفكير القبيلة بالثريد

وأريد أن تتحولي حجراً... أطارحه الهوى

وأريد أن أمحو حدودك في حدودي

أنا هارب من كل إرهاب

يمارسه جدودك أو جدودي

فضعي يديك كنجمتين على يدي

فأنا أحبك... كي أدافع عن وجودي

معركة أدبية

في هذه المرحلة من حياة نزار قباني في أوائل السبعينيات حصلت بينه وبين الشاعر والأديب السوري أدونيس معركة كبيرة، فمن هو أدونيس؟ وما الذي حصل حتى نشبت المعركة بينهما؟

أدونيس هو الشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر، الملقب بأدونيس (تيمنا بأسطورة أدونيس الفينيقية التي تخبرنا عنها ضفاف نهر أدونيس "نهر إبراهيم" المتدفق بحمرة دم أدونيس الفينيقي، الذي فطر قلب محبوبته عشتاروت) من مواليد قرية قصابين في ريف مدينة جبلة الساحلية السورية، حصل عام 1986 على الجائزة الكبرى ببروكسل في مجال الأدب، والجائزة الذهبية للشعر في مقدونيا (1997)، ورشح أكثر من مرة لنيل جائزة نوبل. من أهم إصداراته في الشعر "أغاني مهيار الدمشقي- وقت بين الرماد والورد- هذا هو اسمي- منارات- كتاب الحصار- أول الجسد آخر البحر- تاريخ يتمزق في جسد امرأة- المسرح والمرايا"... وغيرها، وله العديد من الدراسات في مجالات أدبية متعددة، مثل "ها أنت أيها الوقت- موسيقى الحوت الأزرق- المحيط الأسود- فاتحة لنهايات القرن"... وغيرها، وفي الترجمة هناك العديد من الكتب؛ "حكاية فاسكو- مهرجان بريسبان- السفر- سهرة الأمثال"... وغيرها.

وتعود قصة الخلاف بين نزار وأدونيس إلى أوائل السبعينيات، عندما أجرى نزار قباني حواراً أشرف عليه الصحافي اللبناني منير العكش ونشره في مجلة مواقف التي يشرف عليها أدونيس، ليعود نزار وينشر الحوار في كتيب دون أن يذكر اسم المجلة التي نشرته مسبقا، مما دفع أدونيس لكتابة مقال عنيف يهاجم فيه نزار، الذي رد بدوره بمقال أعنف، وتطورت المعركة بينهما حتى كادت تصل إلى المحاكم، لولا تدخل أصدقاء الطرفين بالمصالحة.

وصل الخلاف بينهما الى الحد الذي وصف فيه أدونيس نزار بـ "الأزعر"، على خلفية اهتمام نزار الكبير بشعر الحب والمرأة ووصفه الدقيق لتفاصيل جسد الانثى، في الوقت الذي كان يقول فيه نزار عن أدونيس: "يكتب لنفسه"، "هو نفسه لا يعرف ماذا يكتب"... وغير ذلك.

كما وصف نزار أدونيس بشاعر القاعات المغلقة، في حين كان نزار شاعر الهواء الطلق كما كان يقال. ويرى البعض أن سبب الخلاف بينهما يعود إلى عامل "الجمهور"، الذي يرفضه أدونيس معتبرا أنه مؤشر إلى لا شاعرية الشاعر ودلالة قوية على تنازل الشاعر للعام على حساب الخاص، طلبا للرواج والشهرة، وثار التساؤل عن احتمال أن يكون أدونيس يشعر بالغيرة في ذلك الوقت من شهرة القباني وشعبيته الكبيرة، (وفقاً لبعض المتابعين). ولكن الواضح والبين للجميع أن كلاهما شاعران كبيران ولهما إنجازاتهما القيمة. أما عن الفيديو الذي يتحدث فيه أدونيس عن جمهور الشعر ويقول: "أكبر أكذوبة فنية الشيء الذي يسمونه الجمهور، ليس له معنى، فنيا لا معنى له، وأنا أقيس تدني الشاعر بمدى جماهيريته. نزار قباني جماهيره حجاب على شعره، وجماهيره لا تحب الجميل في شعره، وإنما تحب المبتذل والعام والمشترك. وهذا الشيء ينطبق على محمود درويش، وعلى جميع الشعراء وعليّ وعلى كل الناس"، مما أثار مجموعة من الانتقادات له واتهامه بالغطرسة والتعالي، ومنهم من وافقه الرأي.

وتتحدث هدباء ابنة نزار عن العلاقة بين الشاعرين ولقاءاتهما: كانت قوية، مع احترام متبادل للاختلافات الفكرية، والدي الذي كان يهمه أن يفهم الناس شعره، وأدونيس الذي لا أفهم إذا كان هدفه الناس أم النخبة. وتضيف هدباء: كانا دائماً يتحدثان عن الشعر والسياسة، وذات مرة قال له والدي: "يا أدونيس، أجهد نفسي حتى أفهمك، أنت بشرفك هل تفهم حالك؟! لمن تكتب يا أدونيس؟" ثم يضحكان.

إضافات بيروتية

بمتابعة الحديث عن سيرة شاعرنا الكبيرة في السبعينيات ومدى تأثير وجوده في لبنان تلك الفترة على شعره وحياته، يجيب نزار عن سؤال طرحه الصحافي نوري الجراح، في لقاء نشر في مجلة "المشاهد السياسي"، أواخر مايو عام 1997.

يسأله الجراح: لو كانت المدن تضيف فما الذي أضافته بيروت على ما أعطتك مِن قبلُ دمشق؟

يجيب نزار: بيروت لا تتكرر بسهولة بالنسبة إليّ، ولو كان بإمكاني أن أستنسخ بيروت الخمسينيات مرة ثانية لما ترددت لحظة واحدة مهما كانت كلفة الاستنساخ.

بيروت أعطتني جرعة من الحرية دوختني، ولا أزال دائخا وأنا جالس في بيتي بلندن. أعطتني بيروت كل ما يحتاج إليه العصفور ليطير، وكل ما يحتاج إليه المركب ليبحر، وكل ما تحتاج إليه الأصابع لتصبح بيانو. كنت أذهب إلى كورنيش بيروت الساعة الخامسة صباحا، وأعود في السابعة، ومعي "خمس قصائد" تنبض في سلتي، كما تنبض الأسماك في سلال الصيادين. بيروت كانت تيار كهرباء بقوة عشرة آلاف فولت، وفيها كتبت من عام 1966 إلى عام 1982 أجمل ما كتبت من شعر في تاريخي الشعري.

أما دمشق، فقد علمتني أبجدية الجمال الأولى، ولعب بيتنا الدمشقي الجميل في حي "مئذنة الشحم" دورا عظيما في صنع ذائقتي وتثقيف عيني.

فيروز... «لا تسألوني»

وبالعودة إلى قصائد قباني المغناة، نقف هذه المرة مع سفيرتنا إلى النجوم السيدة فيروز، التي غنت ثلاث أغانٍ من كلمات نزار قباني وألحان الأخوين رحباني (عاصي ومنصور)، وهي: "لا تسألوني ما اسمه حبيبي- موال دمشقي- وشاية"، وحازت أغنية لا تسألوني على الشهرة الأكبر بين الأغنيات، على الرغم من صعوبة كلماتها، والتي اضطرت العديد من وسائل الاعلام في بعض الدول العربية لشرح كلماتها للناس، وتقول الأغنية:

لا تسألوني ما اسمه حبيبي...

أخشى عليكم ضَوْعةَ الطيوب

والله لو بُحتُ بأي حرف...

تكدَّس الليلكُ في الدروب

ترونه في ضحكة السواقي

في رفة الفراشة اللعوب

في البحر في تنفس المراعي

وفي غناء كل عندليب

في أدمع الشتاء حين يبكي

وفي عطاء الديمة السكوب

محاسنٌ لا ضمَّها كتابٌ

ولا ادّعتها ريشةُ الأديب

لا تسألوني ما اسمه كفاكم

فلن أبوح باسمه حبيبي

وعندما سئل نزار عن عدم إقامة علاقة بينه وبين صوت السيدة فيروز، وهو الأقرب إلى هذا الصوت؛ قال: كانت فيروز من حيث الشعر مكتفية اكتفاء ذاتيا، فزوجها الراحل عاصي الرحباني كان شاعرا كبيرا، وسِلفها منصور كان شاعرا بارزا، ولكن هذا لم يمنع فيروز من أن تغني لي قصيدتين من ديواني "انت لي"، وهما "لا تسألوني"، و"وشاية"، كما غنت لي خلال السبعينيات في معرض دمشق الدولي قصيدة تقول أبياتها:

لقد كتبنا وأرسلنا المراسيلا/ وقد بكينا وبللنا المناديلا

قل للذين بأرض الشام قد نزلوا/ قتيلكم لم يزل بالعشق مقتولا

يا شام، ياشامة الدنيا ووردتها/ يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا

وددت لو زرعوني فيك مئذنة/ أو علقوني على الأبواب قنديلا

يا بلدة السبعة الأنهار، يا بلدي/ ويا قميصا بزهر الخوخ مشغولا

هواك يا بردى، كالسيف يسكنني/ وما ملكت لأمر الحب تبديلا

«رسالة من امرأة»

وتعاون القباني أيضا مع الفنانة فايزة أحمد، التي غنت "رسالة من امرأة" من قصيدة "لا تدخلي"، ويذكر أن القصيدة جذبت الفنانة فايزة، وشدتها لجمال كلامها وعمق معانيها، وقامت بطلب بعض التعديلات البسيطة التي وافق عليها نزار قباني، حيث استبدلت كلمة "نذل" في عبارة "لا تعتذر يا نذل لا تتأسف"، لتصبح "لا تعتذر أبدا ولا تتأسف"، وكذلك كلمة "يا دني"، في عبارة "ماذا لو انك يا دني أخبرتني"، لتصبح "ماذا لو انك يا رفيق العمر قد أخبرتني"، وعندما وصلت النجمة لجملة "فجميع ما وشوشتني أيام كنت تحبني من أنني بيت الفراشة مسكني وغدي انفراط السوسن" حذفت جملة "بيت الفراشة مسكني وغدي انفراط السوسن"، كما حذفت أيضا جملة "وذللتني ونفضتني كذبابة عن عارضيك"، وغيرت كلمة "وأهنتني" إلى "ونسيتني" في جملة "ونسيتني من بعد ما كنت الضياء بناظريك". ولحن الأغنية الموسيقار محمد سلطان.

أستاذ الكل

وغنى أيضا المطرب والملحن السعودي الكبير طلال مداح، الذي وصفه الموسيقار محمد عبدالوهاب بصاحب الصوت الغريب والفريد، و"أستاذ الكل" كما أطلق عليه الفنان الخليجي المبدع محمد عبده. غنى من قصائد نزار قباني أغنيتين؛ "متى ستعرف كم أهواك- جاءت تمشي باستحياء والخوف يطاردها"، من ألحانه، حيث صدرت الأغنيتان معا، وهما من قصائد "رسالة إلى حبيبي" و"عشق الشعراء"، في شريط "سلطنة 3_ 2005".

وتقول كلمات قصيدة "عشق الشعراء":

جاءت تمشي في استحياء والخوف يطاردها ويداها ترتعشان..

وكأن الأرض تمر بها لا تهدأ عن نقل خطاها تتردد في الإستئذان..

وتطوف بعينيها في وجهي في الأرض تسألني: ما صحة عشق الشعراء؟

ومضى الوقت يسارقني وجمال اللحظ يطاردني..

وكأن الدنيا بأجمعها عن عشق الشعراء ستسألني..

ونهضت إليها مذهولاً قدماي كادت تخذلني، فحضنت يديَها بيدي وكل الأشياء

وأخيراً تطرق عينيها تسألني: بالله عليك تصارحني: ما صحة عشق الشعراء؟

خليجياً أيضاً غنى المطرب الكبير محمد عبده قصيدة "القرار" في ألبومه الغنائي "رماد المصابيح"، والتي لحنها الموسيقار طلال مداح، بعد أن غناها الفنان اللبناني عاصي الحلاني بخمسة عشر عاماً؛ فقد أقنع طلال المطرب محمد عبده بغنائها بعد طلب الإذن من الحلاني وتقديم الأغنية بلحن جديد، ويذكر أن عبده قام بغنائها في دار الأوبرا المصرية.

«عيناك»

نبقى في الخليج، وهذه المرة مع المطرب البحريني خالد الشيخ الذي لحن وغنى واحدة من أجمل قصائد نزار قباني، وهي "عيناك"، التي حذف منها مطلع الأغنية "عيناك كنهري أحزاني- نهري موسيقى حملاني- لوراء وراء الأزمان"، لكنه أبقى على بعض المفردات الجدلية بالنسبة للعامة في خاتمة القصيدة، عندما يتساءل الشاعر: "ماذا أعطيك أجيبيني- قلقي إلحادي غثياني"، وحذف مقطع "ماذا أعطيك سوى قدر يرقص في كف الشيطان"، كما حذف بيتا في منتصف القصيدة يقول: "أحلى من زهرة غاردينيا... في عتمة شعر إسباني"، إلا أنه عاد وغناها في حفلاته وجلساته الغنائية.

ومن الخليج إلى تونس، نقف مع الفنانة التونسية لطيفة التي اختارت بعض قصائد القباني وغنتها بدءا من قصيدة "يا قدس... من ينقذ الإنسان" ثم "تلومني الدنيا" ثم "العاشقين... أسئلة إلى الله"، وجميعها من ألحان الفنان كاظم الساهر وأغنية "رضي الله عن الشام... دمشق".

«إني خيرتك» بين طلال وكاظم

في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر الفنان طلال مداح ممسكاً العود يعزف ويغني مطلع أغنية "إني خيرتك فاختاري"، خلال لقاء حواري وغنائي معه. ويلفت الانتباه اللحن الرائع للقصيدة المغناة والصوت الفريد في الأداء، وقد لحنها مداح بأسلوب شرقي طربي، وتحدث العديد من النقاد والمتابعين عن مدى تأثر كاظم الساهر بهذا اللحن ومدى ظهور التأثر في الأغنية التي غناها الساهر لاحقاً، على الرغم من الأسلوب الخاص الذي اتبعه الساهر في تلحينها وتلحين أغان غيرها.

في عام 1972 صدر ديوان «أشعار خارجة على القانون» ويضم إحدى وثلاثين قصيدة

القصائد النزارية تزيّن حناجر أشهر مطربي الوطن العربي من فيروز إلى الساهر

سفيرتنا إلى النجوم غنت ثلاث أغانٍ من كلمات القباني وألحان الأخوين رحباني

«لا تسألوني» حازت أكبر شهرة بين الأغنيات على الرغم من صعوبة كلماتها

«رسالة من امرأة» جذبت الفنانة فايزة أحمد وشدتها لجمال كلامها وعمق معانيها

طلال مداح صاحب الصوت الغريب والفريد و«أستاذ الكل» غنى من قصائد قباني أغنيتين
back to top